
" الإنصاف في حل مسائل الخلاف"
هل يجب على المر أة خدمة زوجها؟
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد
ففي الحقيقة أنه اختلف أهل العلم في وجوب خدمة المرأة لزوجها وإرضاعها لولدها، والصحيح من أقوالهم هو وجوب خدمة المرأة لزوجها وإرضاعها لولدها، لجريان العرف بذلك، والعقود المطلقة كعقد النكاح وغيره تحمل على المتعارف عليه بين الناس، ومحل هذا ما لم تكن المرأة ذات ترف،وعرفها ألا تخدم زوجها ولا ترضع ولدها، فلا يلزمها ذلك لأن العرف هنا قد صار كالشرط، ومن القواعد المقررة عند أهل العلم، أن"المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً".
من قالوا بعدم الخدمة:
قال جمهور
العلماء:"أنه لايملك عليها بالعقد إلا الاستمتاع بها من الوطء وما إليه.. ، ومنعوا وجوب خدمته عليها في شيء، وممن ذهب
إلى ذلك مالك والشافعي وأبو حنيفة، وأهل الظاهر قالوا: لأن عقد النكاح إنما اقتضى
الاستمتاع لا الاستخدام، وبذل المنافع. قالوا: والأحاديث المذكورة إنما تدل على
التطوع ومكارم الأخلاق، فأين الوجوب منها؟ واحتج من أوجب الخدمة بأن هذا هو
المعروف عند من خاطبهم الله سبحانه بكلامه.
وأيضاً: فإن المهر في مقابلة البضع، وكل من الزوجين يقضي
وطره من صاحبه، فإنما أوجب الله سبحانه نفقتها وكسوتها ومسكنها في مقابلة استمتاعه
بها وخدمتها وما جرت به عادة الأزواج.
القائلون بخدمة الزوجة لزوجها:"
والقول الثاني:"الوجوب،لأنه يملك ذلك وما جرت
العادة به، فتخدمه ما كان جارياً العرف والعادة أنها تفعله، وما لا فلا، وقال أبو
ثور: عليها أن تخدم زوجها في كل شيء وهذا الذي عليه العمل وهو الصحيح أنها تخبز
وتعجن ونحو ذلك، فإنه مشروط عليها بالعرف، الشرط العرفي ينزل منزلة النطق، فالصحيح
من أقوال العلماء أنه يجب على المرأة أن تخدم زوجها، وللإمام ابن القيم فصل جميل
حول هذا الموضوع ننقله بلفظه من كتابه زاد المعاد قال رحمه الله تعالى:
فصل في حكم النبي صلى الله عليه وسلم في خدمة المرأة
لزوجها.
قال ابن حبيب في الواضحة: حكم النبي صلى الله عليه وسلم
بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبين زوجته فاطمة رضي الله عنها حين اشتكيا إليه
الخدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة: خدمة البيت، وحكم على علي بالخدمة
الظاهرة، ثم قال ابن حبيب: والخدمة الباطنة: العجين والطبخ والفرش وكنس البيت
واستقاء الماء وعمل البيت كله.
وفي الصحيحين: أن فاطمة رضي الله عنها أتت النبي صلى
الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يديها من الرحى، وتسأله خادماً فلم تجده،
فذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال علي:
فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم فقال: "مكانكما" فجاء فقعد بيننا
حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: "ألا أدلكما على ما هو خير لكما مما
سألتما إذ أخذتما مضاجعكما: فسبحا الله ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين،
وكبرا أربعاً وثلاثين، فهو خير لكما من خادم". قال علي: فما تركتها بعد. قيل:
ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين.
وصح عن أسماء أنها قالت: كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله،
وكان له فرس، وكنت أسوسه، وكنت أحتش له وأقوم عليه.
وصح عنها أنها كانت تعلف فرسه، وتسقي الماء، وتخرز
الدلو، وتعجن، وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ، فاختلف الفقهاء في
ذلك، فأوجب طائفة من السلف والخلف خدمتها له في مصالح البيت.
وأيضاً: فإن العقود المطلقة إنما تنزل على العرف، والعرف
خدمة المرأة وقيامها بمصالح البيت الداخلة، وقولهم: إن خدمة فاطمة وأسماء كانت
تبرعاً وإحساناً، يرده أن فاطمة كانت تشتكي ما تلقى من الخدمة، فلم يقل لعلي لا
خدمة عليها، وإنما هي عليك، وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابي في الحكم أحداً، ولما
رأى أسماء والعلف على رأسها والزبير معه لم يقل له: لا خدمة، وأن هذا ظلم لها، بل
أقره على استخدامها، وأقر سائر أصحابه على استخدام أزواجهم مع علمه بأن منهن
الكارهة والراضية، هذا أمر لا ريب فيه.
ولا يصح التفريق بين شريفة ودنيئة، وفقيرة وغنية، فهذه
أشرف نساء العالمين كانت تخدم زوجها، وجاءته تشكو إليه الخدمة، فلم يشكها، وقد سمى
النبي في الحديث الصحيح المرأة عانية. فقال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله
في النساء، فإنهن عوان عندكم" والعاني: الأسير، ومرتبة الأسير خدمة من هو تحت
يده.
وقال بعض العلماء:"أما خدمتها لزوجها فهذا يرجع إلى
العرف ، فما جرى العرف بأنها تخدم زوجها فيه وجب عليها خدمته فيه ، وما لم يجرِ به
العرف لم يجب عليها ، ولا يجوز للزوج أن يلزم زوجته بخدمة أمه أو أبيه أو أن يغضب
عليها إذا لم تقم بذلك ، وعليه أن يتقي الله ولا يستعمل قوته ، فإن الله تعالى
فوقه ، وهو العلي الكبير عز وجل ، قال الله تعالى:"فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا
تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً"(النساء/).
وقال في "الشرح الممتع" (12/441) :
"والصحيح أنه يلزمها أن تخدم زوجها بالمعروف"أهـ.
وسئل بعض العلماء : هل من الواجب على الزوجة أن تطبخ
الطعام لزوجها ؟ وإن هي لم تفعل ، فهل تكون عاصية بذلك ؟
وقيل:"لم يزل عُرْف المسلمين على أن الزوجة تخدم
زوجها الخدمة المعتادة لهما في إصلاح الطعام وتغسيل الثياب والأواني وتنظيف الدور
ونحوه ، كلٌّ بما يناسبه ، وهذا عرف جرى عليه العمل من العهد النبوي إلى عهدنا هذا
من غير نكير ، ولكن لا ينبغي تكليف الزوجة بما فيه مشقَّة وصعوبة ، وإنما ذلك حسب
القدرة والعادة ، والله الموفق"(فتاوى العلماء في عشرة النساء/20) .
وأما ترفيه المرأة وخدمة الزوج وكنسه وطحنه وعجنه وغسيله
وفرشه وقيامه بخدمة البيت، فمن المنكر، والله تعالى يقول: "وَلَهُنَّ مِثْلُ
الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ"(البقرة/228).وقال
تعالى:"الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ"(النساء/34). وإذا لم
تخدمه المرأة بل يكون هو الخادم لها، فهي القوامة عليه.
القول الراجح :"
وبهذا يتبين أن الراجح وجوب الخدمة بالمعروف ،وأن المرأة
مطالبة بالعمل في البيت ، كما أن الرجل مطالب بالعمل والكسب خارجه .
ومن تمسك بقول القائلين في نفي وجوب الخدمة ،قيل له:"وهؤلاء
لا يوجبون على الزوج علاج زوجته إذا مرضت ، وعللوا ذلك بأن العلاج ليس حاجة أساسية،أو
بأن النفقة إنما تكون فيما يقابل المنفعة ،والتداوي إنما هو لحفظ أصل الجسم .
ولكن من نظر إلى كون العلاج أصبح حاجة أسياسية في هذا
العصر ، تبين له رجحان القول بوجوب معالجة الزوج لزوجته . وإذا لم تقم الزوجة بأعمال
البيت ، فمن الذي سيقوم بها ؟والزوج مشغول سائر يومه بالكسب،وأكثر الناس لا يستطيع
دفع أجرة للخادمة .
ولو أن النساء امتنعن عن الخدمة،لأعرض الرجال عن الزواج
منهن ، أو اشترطوا عليهن الخدمة في عقد النكاح ، ليزول الإشكال .ونقول له :"
بأن العادة والعرف كانت عند من لم يوجب الخدمة هكذا ..
و للأمانةالعلميةوالفقهيةوجوب خدمةالمرأةفي بيت زوجهاقال
به الكثير من العلماء كابن تيمية و ابن القيم ، فيري ابن تيميةأن خدمتها في بيت
زوجها تدخل ضمن المعاشرة بالمعروف بين الطرفين ،و يري كذلك ابن القيم رأي شيخه ابن
تيمية .
و من الفقهاء المعاصرين اللذين يرون وجوب الخدمة من المرأة
في بيت زوجها : الشيخ محمد عبده و الشيخ محمود شلتوت و الشيخ أبو زهرة ، مع
إرشادهم أن يوفر الزوج لزوجته من يعينها علي أعمال البيت إذا توفرت قدرته .
و كان الشيخ محمد عبده يقول:إن المماثلة في توزيع الأعمال
بين الزوجين علي المرأة تدبيرالمنزل والقيام بالأعمال فيه وعلي الرجل السعي و
الكسب خارجه وهو لاينافي استعانةكل منهمابالخدم عند الحاجةأي ذلك مع القدرةعليه،وهذا
هو التقسيم الفطري الذي تقوم به مصلحةالناس.(الأعمال الكاملة للشيخ محمد عبده ج4)
و يري الشيخ أبو زهرة أنه:"ليس من الشرع الإسلامي في شئ قول من يقول إن المرأة ليس عليها خدمة بيتها أو القيام علي شؤونه و هو بعيد عن الإسلام بعده عن المألوف الموروث و هو حق جري به العرف في كل العصور". و يري البعض الآخر اعتماد الفقه علي ما جري من العرف في إلزام المرأة بأشغال البيت.أهـ.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل .