
المغالاة في المهورسبب قسم الظهور؟
الحمد لله رب العالمين ..وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن
سيدنامحمداً عبد الله ورسوله القائل :" أعظم النساء بركة أيسرهن صداقاً "
(أحمد).
اللهم صلاة وسلاماً عليك يا سيدي يا رسول الله وعلى آلك وصحبك وسلم تسليماً
كثيراً
أما بعد فيا جماعة الإسلام ..
يقول الله تعالي:"وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ
هَنِيئاً مَرِيئاً"(النساء /4).
أخوة الإيمان :"
هذا تشريع بديع من سورة النساء المليئة
بالتشريعات الربانية التي شرعت لتخليص المجتمع المسلم من سمات الجاهلية وفي هذه الآية
تشريع يعطي حقاً آخر من حقوق المرأة التي كلفها الإسلام لها وهو الصداق
فللمرأة عند زواجها حق معلوم من مال زوجها
عن رضا نفس وطيب خاطر كما يعطي من يحب من الناس هدية أو هبة "وقد كانوا في الجاهلية
يتزوج الرجل المرأة بغير مهر يقول لها أزوجك على أن أرثك وترثيني " وكان ولي المرأة
يقول لصاحبه أزوجك ابنتي أو أختي على أن تزوجني ابنتك أو أختك " وهو ما يسمى بزواج
البدل .
كما كان ولي المرأة هو الذي يقبض صداقها
لا يحل لها من هذا الصداق أي شيء ".
وجاء الإسلام على أن يحرم ذلك كله
".
وجعل الصداق واجباً وحقاً مفروضاً على الزوج
وحقاً خالصاً للمرأة فإن طابت نفس الزوجة بعد ذلك عن شيء من الصداق لزوجها فلا حرج
ولا جناح على الزوج في قبول ما طابت امرأته به نفساً من صداقها ؛ لأن العلاقات الزوجية
ينبغي أن تقوم على الرضا الكامل والاختيار المطلق والسماحة النابعة من القلب والود
الذي لا ينبغي معه حرج هنا أو هناك .
المهر هدية أو هبة :
أشار القرآن إلى أن هذا المهر نحلة أي عطية
أو هبة أو هدية لأن الهدية والعطية تكون من الأحباب وعن طيب خاطر وطيب نفس بخلاف معاملات
أخرى .
وما دام المهر عطية أو هديه فالإسلام لم يحدد قيمة المهر قلة أو كثرة وإنما ترك ذلك للأزواج يدفعون للنساء ما تجود به نفوسهم دون كلفة أو مشقة أو إرهاق أو استدانة أو يقع الزوج تحت طائلة المرابين :"لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً"
(الطلاق/7).
عدم الاشتراط في المهر :
وطالما أن الإسلام قد أقر أنها عطية فلا
اشتراط في ذلك ..ومتى وجدنا المهدى إليه يشترط على الذي يهدي له طالما أن الشرع جعلها
هدية فلا اشتراط في الهدية مطلقا لذلك الذين يشترطون في المهر هم مخالفون لقاعدة من
قواعد الإسلام لا تقل جرماً عن أي قاعدة مخالفة كالسرقة والغصب وخلافه
تيسير الشرع :
وعندما ننظر إلى شرع الله عز وجل وسنة رسوله نرى أنه دعي إلى التيسير والتخفيف وكره المغالاة التي تكلف الرجل ما لا يطيق ولا يملك وفي ذلك يقول صلي الله عليه وسلم " خير النكاح أيسره"
(ابن
حبان وأبوداود).
و عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ: تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا،
وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا"(أحمدوابن حبان ).
عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قال: "أَلا لا تُغَالُوا صَدُقَةَ النِّسَاءِ, فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ، لَكَانَ أَوْلاكُمْ بِهَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.."
(الترمذي).
وكان الرسول صلي الله عليه وسلم ينكر على من غالى في المهر وكلف نفسه ما لا يطيق وما ليس عنده فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله فقال إني تزوجت امرأة من الأنصار فأعني على مهرها فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم على كم تزوجتها ؟ فقال على أربع أواق " يعني ستين ومائة درهم " فقال صلي الله عليه وسلم على أربع أواق كأنكم تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل ما عندنا ما نعطيك ولكن عسى أن نبعثك في بعث تطيب منه فبعث بعث من بني عبس فبعثه معهم.
الرسول صلي الله عليه وسلم أنكر على الرجل
أن يدفع مهراً مائة وستين درهما ونحن اليوم من يريد أن يزوج ابنته يكلف زوجها ما لا
يطيق ويشترط عليه اشتراطات ما أنزل الله بها من سلطان .
سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم في الزواج
أين نحن من سنة رسول الله صلي الله عليه
وسلم لقد تركناها وهجرناها وأهملناها والرسول
صلي الله عليه وسلم يقول : "من رغب عن سنتي فليس مني"(متفق عليه ).
وفي الحديث المتفق عليه من البخاري ومسلم لقد زوج الرسول صلي الله عليه وسلم رجالا من أصحابه ليس عندهم شيء فقد جاءت امرأة إلى الرسول صلي الله عليه وسلم تهب نفسها إليه فنظر إليها ثم طأطأ رأسه فلما رأت المرأة أنه لم يقضي فيها شيء جلست فقام رجل من أصحابه فقال يا رسول الله إن لم يكن بها حاجة فزوجنيها فقال هل عندك شيء ؟ فقال لا والله يا رسول الله فقال اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئاً
فقال: " انظر ولو خاتما من حديد فذهب ثم رجع فقال لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد ولكن هذا إزاري فلها نصفه فقال : " ما تصنع بإزارك ؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته هي لم يكن عليك منه شيء فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه النبي صلي الله عليه وسلم مولياً فأمر به فدعي فلما جاء قال ماذا معك من القرآن ؟ قال معي سورة كذا وسورة كذا قال تقرئهن عن ظهر قلبك " قال نعم قال اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن "
(البخاري ومسلم)
تلك هي سنة الرسول صلي الله عليه وسلم في الزواج وفي المهور التيسير والتخفيف
على الشباب .
إننا خالفنا سنة رسول الله صلي الله عليه
وسلم في الزواج فكان لا ينظر إلى الزواج من ناحية المال والجاه وإنما كان مقياس الزواج
عنده " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد
كبير"(الترمذي) فالفقر ليس في المال وإنما الفقر في الأخلاق . والفقر ليس عيبا
وإنما العيب كل العيب سوء الخلق.
هي القناعة فأحفظها تكن ملكا لو لم
يكن لك إلا راحة الــــــبدن
وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير الطيب والكفن
وقال تعالى :"وَأَنكِحُوا الأَيَامَى
مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ
يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ "(النــور
/32).
الفقر ليس عيباً مطلقاً :"
طالما أنه يتمسك
بشرع الله وسنة نبيه وتعالوا إلى السلف الصالح من أتباع رسول الله صلي الله عليه
وسلم ضربوا لنا أروع الأمثلة في التيسير على الشباب فهذا هو سعيد بن المسيب كان له
بنتاً قد خطبها أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان لابنه الوليد فأبى سعيد بن المسيب
أن يزوج ابنته لابن الملك خوفاً عليها من بلاط الملك فتفتن بالدنيا وتنسى الآخرة فألح
عليه عبد الملك فرفض فأمر بضربه مائة سوط في يوم بارد وصب عليه جرة ماء وألبسه جبة
صوف فأبى أيضاً أتدرون لمن يزوج ابنته يزوجها لرجل فقير يقال له كثير بن عبد المطلب
وكان يجالس سعيد بن المسيب في مجلس العلم " تخلف كثير عن مجلس العلم أياما فلما
جاء قال له سعيد أين كنت يا كثير ؟ قال لقد ماتت زوجتي فانشغلت بها فقال له : ألا أخبرتنا
فشهدناها ثم قال هل تزوجت يا كثير قال يرحمك الله ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو
ثلاثة : قال أنا أزوجك ابنتي قال وتفعل ؟ فقام سعيد وحمد الله وصلى على النبي وزوجه
على درهمين أو ثلاثة .
قام كثير فرحاً مسروراً إلى منزله فيقول صليت المغرب وكنت صائماً فنتاولت طعام الأقط وخبزاً وزيتاً فإذا بالباب طارق فقلت من هذا ؟ قال سعيد فأخذت أفكر في كل من اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب فإنه لم يرى أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد فخرجت فإذا سعيد فظننت أنه قد بدا له شيء أن يرجع في زواجي من ابنته فقلت له ألا أرسلت إليك فأتيك ؟ قال : لا أنت أحق أن تؤتى إنك كنت رجلاً غريباً فتزوجت فكرهت أن تبيت الليلة وحدك عازباً وهذه امرأتك فإذا هي قائمة من خلفه في طوله ، ثم أخذ بيدها فدفعها ورد الباب فسقطت زوجتي على الأرض من الحياء فيقول فوضعت القصعة في ظل السراج لكي تراه ثم صعدت إلى السطح فناديت على جيراني لكي أشهر زواجي فجاءوني فقالوا ما شأنك فأخبرتهم فجاءت أمي فقالت وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلي ثلاثة أيام فأقمت ثلاث ثم دخلت بها فإذا هي من أجمل النساء وأحفظهن لكتاب الله وأعلمهن بسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم وأعرفهن بحق الزوجية فمكثت لا آتي سعيد بن المسيب ثم أتيته وهو في حلقة العلم ولما انتهى سألني عن حالي إن رابك شيء من بنتنا فالعصا وأعطاني عشرين ألف درهم وانصرفت إلى بيتي"
(سير أعلام النبلاء – 4/ 233 ، 234 ، والحلية
– 2 /167).
هذا هو هدي السلف الصالح لم يزوج ابنته
من ابن الملك وزوجها لرجل فقير وأعطاه عشرين ألف درهم.
ونحن في أيامنا هذه غلاء المهور تسبب في قسم الظهور وخراب البيوت وغلاء الأسعار ودمار مابعده دمار ..
فما أحوجنا إلى قراءة سيرة سلفنا الصالح لنقتدي بهم في أخلاقهم وأدبهم وما أحوجنا إلى التيسير على الشباب الذي ظلم في كل شيء .