
ابتعاد الخطيب عن وحشي الكلام
أئمة المساجد الحلقة الخامسة عشر مهارات الإلقاء
تحضير..مهارة..تكرار..إطالة..أخطاء لغوية..أحاديث
موضوعة..قصص واهية!!
عزيزي
الإمام سوف نكمل الحديث عن الإلقاء
وإضافة لما ذكرنا :"
وكذلك لا بد من الابتعاد عن وحشي الألفاظ، لأنه صلى الله عليه وسلم كره لنا التشدق في الكلام، بل إنه قد أخبر بمثل شنيع، فقال:"إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة"( الترمذي).
هل رأيت البقرة كيف تتخلل بلسانها؟
كره لنا النبي صلي الله عليه وسلم التكلف في الكلام،
والتشدق، والإتيان بالألفاظ الغريبة الوحشية، والتقعر في الكلام، والتفاصح في الكلام،
كره لنا هذا وشبه من يفعل ذلك بالبقرة التي تتخلل بلسانها.
ولا شك أن التقعر في الكلام واستخدام الألفاظ
الوحشية والغريبة مما يسبب عدم الفهم، ويسبب النفور أيضاً، دخل أبو علقمة على أَعين
الطبيب، أبو علقمة هذا لغوي كان مشهوراً باستخدام الألفاظ، أو كان يستخدم الألفاظ الغريبة،
دخل أبو علقمة على أعين الطبيب، هذا اللغوي لما مرض كيف يصف مرضه؟ قال: أمتع الله بك
إني أكلت من لحوم هذه الجوازل، فطسئت طسأة فأصابني وجع ما بين الوابلة، طرف الكبد إلى
دأية العنق، يعني الفقرة، فلم يزل يربو وينمي حتى خالط الخلب والشراسيف، فهل عندك دواء؟
هذا الآن اللغوي يقول للطبيب هذا الكلام، فقال أعين: نعم، خذ خربقاً وشلفقاً وشبرقاً
فزهزقه وزقزقه، واغسله بماء روث واشربه، فقال أبو علقمة: لم أفهم عنك، فقال أعين: أفهمتك
كما أفهمتني.
ومر أبو علقمة ببعض الطرق بالبصرة فهاجت به مِرة،
يعني المرارة، عصارة المرارة هاجت به، فنزل على الأرض من الألم، فسقط ووثب عليه قوم،
يعني ظنوه صرعته الجن، فأقبلوا يعصرون إبهامه ويؤذنون في أذنه، ظنوا به جن، فأقبلوا
عليه يعصرون إبهامه ويؤذنون في أذنه، فأفلت من أيديهم، وقال: ما لكم تتكأكئون علي كما
تتكأكئون على ذي جنة، افرنقعوا عني، فقال رجل منهم: دعوه فإن شيطانه هندي، أما تسمعونه
يتكلم بالهندية؟
وجلس أعرابي إلى أبي المكنون النحوي في حلقته
وهو يريد أن يدعو بدعاء الاستسقاء، فشرع في الدعاء وبدأ فيه، ثم قال: ومن أراد بنا
سوء فأحط ذلك السوء به كإحاطة القلائد على كرائد الولائد، ثم أرسخه على هامته كرسوخ
السجيل على هام أصحاب الفيل، ثم قال: اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً مجلجلاً
مسحنفراً، هزجاً سحاً طبقاً غدقاً مثعنجراً، طبعاً لاحظ بعض الألفاظ وردت في الحديث،
وبعض الألفاظ من تقعراته، فقال الأعرابي: يا خليفة نوح هذا الطوفان ورب الكعبة، دعني
آوي إلى جبل يعصمني من الماء.
ثم لا بد إذا كان الإنسان يقرأ من ورقة مثلاً
أن يضبط بالشكل لضعفنا في اللغة، يعني يَحسن أن يضبط بالشكل ما يقرأ، وينتبه للأخطاء،
ويوضح الحروف، ولا يسرع في الكتابة؛ حتى لو كتبت لنفسك بسرعة دون توضيح فقد تقرأ الخاء
غيناً، أو الحاء هاءً يحدث لها تصحيف، أو تكون النقطة بعيدة عن الحرف فتصعد إلى الحاء
في سطر علوي فتصيرها جيماً، أو تنزل على الحاء السفلية فتصيرها خاءً، وينبغي وضع الشكل
فوق الحرف.
تقطيع الخطيب للعبارات وعدم استمرار الملقي على
نسق واحد:
ثم تقطيع
العبارات، الصمت المناسب بين الكلمات أو الجمل يؤدي إلى فرز المعاني ومنع اختلاطها،
والاستمرار بالكلام على نسق واحد باطراد دون توقف قد يتعب الملقي والمتلقي ولا بد من
راحة.
ودمج العبارات بعضها ببعض من غير إعطاء فواصل
زمنية صامتة يؤدي إلى اختلاط الأمر على السامع، ولذلك الوقت مهم في تبيين المعنى، والوقت
مهم في استراحة المتكلم بأخذ النفس والمتلقي في السماع، ولماذا كان هناك الوقف في القرآن؟
هذا من العلوم المهمة، وقد صنف العلماء فيه مصنفات
مهمة، فمثلا: ينبغي أن يعلم أن هناك وقفاً ممنوعاً محرماً، فلا يجوز أن يقول الإنسان:
فاعلم أنه لا إله، ويقف، فاعلم أنه لا إله، أو يقول: إن الله لا يستحيي، ويقف، حرام
محرم.
وقد يكون وقفاً قبيحاً يغير المعنى أيضاً كما
لو أنه قرأ: وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله، ويقف، فيكون معنى ما قاله أن يوسف أكل المتاع.
وهناك وقف تام، ووقف حسن، ووقف جائز، ويكون وقفاً
صحيحاً والوصل أولى، أو الوصل صحيح والوقف أولى، هذا من علوم القرآن.
وفي خلال الإلقاء هناك وقفات قصيرة من غير أخذ
شهيق للتفريق بين الكلمات والمقاطع في الكلمة أحياناً، مثل حرف اللين مع حرف صحيح،
أو وقفة متوسطة للتفريق بين جملة وأخرى، أو للتركيز على جملة مهمة أو كلمة مهمة، أو
وقفة طويلة يأخذ فيها الشهيق تستعمل للتفريق بين المعاني والأفكار، وغالباً تكون في
نهاية الفقرة أو الجملة الكاملة المعنى.
ويجب ألا تكون طويلة إلى الحد الذي يؤدي إلى
انقطاع سلسلة الأفكار.
ويمكن للملقي من ورقة أن يشير إلى أماكن الوقفات
المناسبة وينظمها سلفاً بالتقطيع والنقاط والفواصل.
ولا بد من إجادة مكان أخذ النفس حتى لا تجهض
الكلمة أو الجملة عند الإلقاء.
معرفة اخطيب لمخارج الحروف:
وكذلك
أن يتعلم الملقي مخارج الحروف، فما الذي يفرق بين الدال والضاد، والذال والظاء، والكاف
والقاف؟ ما هو الفرق الرئيسي بين هذه الأحرف؟
التفخيم والترقيق.
الدال إذا فخمتها صارت ظاءً، والضاد إذا رققتها
صارت دالا، والطاء إذا رققتها صارت تاءً، ما ترى أهل الدرعاء يقولون: أكلنا بتاتة.
الشاهد أن عدم معرفة صفات الحروف يسبب انقلاب
المعنى؛ لأنك إذا غيرت الحرف انقلب المعنى.
تفريق الملقي بين أنماط الجمل
وكذلك
التفريق أثناء الإلقاء بين أنماط الجمل، فلست تلفظ الجملة الإثباتية كما تلفظ الجملة
الاستفهامية، كما تلفظ الجملة المنفية.
فالجملة الاستفهامية مثل: أتدرون ما الغيبة؟ ، هذه جملة استفهامية.
والجملة المنفية: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه
ما يحب لنفسه"(البخاري ومسلم).
والجملة الإثباتية، أي جملة تبدأ ب "إن"
على سبيل المثال: إن الصدق يهدي إلى الجنة "( البخاري ومسلم).
لاحظ هذه الجمل كل واحدة لها طريقة في الإلقاء:
إن الصدق يهدي إلى الجنة ، أتدرون ما الغيبة؟ لا والله "(البخاري ومسلم). لا والذي نفسي بيده "(البخاري).
فإذاً، كل واحدة من الجمل كل نوع له طريقة.
كما أن النبرة في الكلام ستختلف لو كان الموضوع
فيه فرح أو فيه حزن مثلاً.
وكذلك لا بد من التفريق بين إلقاء الداعية، أو
إلقاء الخطيب، أو طالب العلم، أو إلقاء كما يكون الفرق بين إلقاء هؤلاء وإلقاء الممثل
والمسرحي، بعضهم عندهم يدرسون فنون الإلقاء في التمثيل والمسرح.
-طبعاً- كثير منه فيه تكلف وسخافة، ولكن المقصود
هنا الإشارة إلى الفرق بين حال الخطيب وهو يخطب، أو حال الشخص وهو يلقي درساً، أو وهو
يلقي موعظة كل واحدة لها نبرة.
توضيح الملقي للكلمات الغريبة:
وكذلك
لا بد من توضيح الاصطلاحات التي تعرض أثناء الموضوع، والكلمات الغريبة، فيُبين المعنى،
حتى لا تتشوش الأفكار.
منع الخطيب للمقاطعات المشوشة من قبل الحضور:
وينبغي
منع المقاطعات المشوشة.
من عيوبنا في المجالس إذا ألقينا الموضوعات:
أننا ننشغل بصب الشاي، وتقديم الضيافة، ثم إذا انتهى واحد سأله الواقف: هل يريد المزيد؟
وسيقول: لا، ويحجب الواقف نظر المتكلم عن بعض الناس، ونظر هؤلاء عن المتكلم.
فنقول: إذا أردتم أن تكونوا جادين في إلقاء الموضوعات
في جلساتكم فعليكم ألا تشوشوا هذا بمقاطعات بهذه الضيافات، اجعلوا لها وقتاً خاصاً،
استراحة أثناء الموضوع يؤتى فيها بالشاي مثلاً وغيره.
هذه مجالس السلف لما كانوا يتكلمون ويلقون فيها
كان الناس فيها كأن على رؤوسهم الطير، ولو ألقيت إبرة لسمع صوتها.
توجيه الملقي للأسئلة للجمهور:
وإعطاء
المجال للأسئلة أو توجيه الأسئلة من الأمور المعينة على فهم الموضوع الذي يلقى.
طبعاً هناك أشياء ليس فيها أسئلة كخطبة الجمعة
مثلاً لا يسأل الخطيب فيها الناس ويريد الجواب في العادة، لا يفعل ذلك، أو أن واحداً
يسأل الآخر عن شيء أثناء الخطبة.
وكذلك يحدث أحياناً أن يتطرق إلى الأذهان سؤال
أثناء عرض الدرس، فالملقي يستحسن أن يجعل وقتاً لطرح الأسئلة كلما انتهت فقرة كبيرة
جعل وقتاً محدداً للأسئلة لئلا يضيع الوقت، أو إذا كان الدرس قصيراً أو معتدلاً جعل
الأسئلة في نهاية الموضوع مثلاً بحسب المصلحة.
أما بالنسبة لإزالة السآمة والملل أثناء الإلقاء،
فإذا كان الموضوع قصصياً ومن السيرة، وطريقة الإلقاء شيقة، فإن الناس قد لا يملون ولا
تحتاج إلى شيء لإزالة الملل؛ لأنه غير موجود أصلاً، لكن في الدروس العلمية، وسياق أقوال
العلماء، والأدلة المتعارضة، وذكر الترجيح، هذه الدروس المكثفة يحتاج الإنسان إلى طرد
النعاس عن بعض الحاضرين، الدروس التي فيها سرد طويل ينبغي فيها إعادة الشارد وإيقاظ
من به سِنة، وتنبيهه، يزال الملل بأشياء، فمنها: طرح سؤال على الحاضرين، تغيير الجو
بأن ينتقل الكلام إلى السامعين، أو إيراد طرفة جائزة شرعاً يحصل فيها تلطيف للجو، وترويح
عن النفوس، أو اختصار الكلام، أو زيادة إضاءة، أو فتح نافذة، أو إتيان بشيء من المشروبات
التي يجعل لها وقت، أو أخذ راحة، يتوقف مثلاً لأخذ راحة.
أقول: هذا من الأمور المهمة التي ينبغي الانتباه
لها في إلقاء الموضوعات.
ضبط الخطيب للوقت:
ومن
الأمور المهمة جداً: ضبط الوقت، المقدمة كم لها؟ الموضوع ينقسم إلى كم قسم؟ والخاتمة
كم لها؟ كم ستعطي لأقسام الموضوع، كل فقرة ستتكلم عنها في كم دقيقة من الوقت؟
بعض الناس إذا تكلم نسي نفسه ولا يحسب حساب الوقت
الذي سيأخذه هو، وقد يكون هناك موضوع سيلقى بعد موضوعه، أو كلمة ستلقى بعد كلمته، أو
أنه يسهب في نقطة، ويختصر في نقطة مهمة نظراً لضيق الوقت، فمراعاة الوقت وضبط الوقت
من الأمور المهمة جداً في الإلقاء.
وبعض الناس يكتبون عدد الدقائق يكتبونه على أطراف
الورقة، هذا كم يأخذ، وهذا كم يأخذ، ويجعل أمامه ساعة حتى يضبط نفسه، وبعض الناس قد
يجيد ضبط نفسه تلقائياً.
فالمهم أنه لا بد من مراعاة هذه المسألة.
ختم الخطيب للموضوع
أما بالنسبة للخاتمة وإنهاء الكلام فلا شك أننا
نحن المسلمين ننهي كلامنا بذكر الله كما نبدأ بذكر الله، وقد يقول الخطيب: أستغفر الله
لي ولكم، وقد يختم المتكلم بالصلاة على النبي ﷺ.
وبالنسبة للخاتمة، خاتمة الموضوع ليست الخاتمة
النهائية: أستغفر الله لي ولكم، أو صلى الله على نبينا محمد مثلاً، هذا آخر ما يقال،
أو في دعاء كفارة المجلس، أو ختام الكلام.
الخاتمة، خاتمة الموضوع أمر مهم؛ لأنه آخر ما
يبقى في أذهان المستمعين، فينبغي أن يجهزه بعناية خاصة.
وبعض الناس لا يعرف كيف يختم، وبعضهم يختم فجأة
يذهل الموجودين، وبعضهم يختم ويعيد الدخول مرة أخرى في الموضوع، وبعضهم يبحث عن مخرج
فلا يهتدي لمخرج، ولا يستطيع الخروج، ولا يتوصل إلى نهاية أبداً، فهو يعيد ويكرر باحثاً
عن مخرج ولا يجد مخرجاً، فليكتب هذه الكلمة أو الخطبة خير له.
ومن الأمور المهمة في الخاتمة: إعادة اختصار
الموضوع وعرض النقاط حتى تتركز في أذهان المستمعين.