
ماذا خسر تارك صلاة الفجر؟
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول
الله . . أما بعد
فيقول الله تعالي:" أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ
الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا"(الأسراء/78).
صلاة الفجر ليست
يقظة جسد فقط إنما هي يقظة قلب تذوق لذة القرب
من الله ويقظة روح عرفت الطريق إلى الله. وهي علامة على صدق
العلاقة مع الله خصوصاً في الشتاء فقد يحلو النوم وتثقل الصلاة.
صلاة الفجر نور
في الوجه وبركة في الرزق وسعادة في القلب وتجعلك في ذمة الله.
ويظل لآذان الفجر
سحر خاص ينعش القلوب ويرقق المشاعر ويعيد للنفوس صفائها.
لا يحافظ عليها
إلا من وقر الإيمان في قلبه ، وانغرس حب الآخرة في نفسه ، فباع الدنيا واشترى الآخرة
.
وعلى النقيض من
ذلك فمن كان همه النوم والأكل وجمع المال في المرتبة الأولى ، وكانت الصلاة مرتبة ثانية
فهذا هو الخسران المبين .
فتارك صلاة الفجر في وقتها يخسر خسارة فادحة لوعلمها مانام وفرط في تلك الصلاة التي تبدأ بأول النهار ومن هذه الخسائر:"
1- خسررؤية الله عز وجل
فصلاة الفجر لها في الإسلام مكانةٌ عظيمةٌ؛ فهي من أهمّ الصلوات المكتوبة وأقربها إلى
رب العزة تبارك وتعالى، فـهي تُظهر قُرب المسلم من خالقه؛ حين يقوم وينهضُ من
نومه في وقت الفجر"وهو وقت يكون الناس فيه نيامًا"، فيقوم ويتوضّأ ويَخرج في هذا
الوقت في ظُلمةِ الليل متجاوزًا برد الشتاء وحر الصيف؛ ليُطيع الله تعالى، وليقوم بما
أمره به ربُّ العزة تبارك وتعالى من صلاة
الفجر .
ويرجى لمن حافظ على صلاة الفجر والعصر ، الفوز برؤية الجبار جلا وعلا ، فعَنْ
جَرِيرٍ بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ : كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ إِلَى
الْقَمَرِ لَيْلَةً - يَعْنِى الْبَدْرَ - فَقَالَ :" إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لاَ تُضَامُّونَ
تضارون فِي رُؤْيَتِهِ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ
غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا " يعني الفجر والعصر ، ثُمَّ قَرَأَ :"وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
وَقَبْلَ الْغُرُوبِ"، قَالَ إِسْمَاعِيلُ
أحد رواة الحديث افْعَلُوا لاَ تَفُوتَنَّكُمْ"(متفق عليه).
قال الحافظ ابن حجر : قال العلماء : ووجه مناسبة ذكر هاتين الصلاتين عند الرؤية ،
أن الصلاة أفضل الطاعات ، وقد ثبت لهاتين الصلاتين من الفضل على غيرهما ما ذكر
من اجتماع الملائكة فيهما ، ورفع الأعمال ، وغير ذلك ، فهما أفضل الصلوات ،
فناسب أن يجازي المحافظ عليهما بأفضل العطايا ، وهو النظر إلى الله تعالى يوم
القيامة .
هكذا يتواصى الناس فيما بينهم بالمحافظة على الصلوات الخمس جماعة في وقتها ،
ويخصص منها الفجر والعصر لأهميتهما الشرعية ، فهما صلاتان تأتيان بعد نوم
وراحة ، وقليل من يحافظ عليهما ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم .
2- خسر شهادة البراءة من النفاق.
إن التهاون في أداء صلاة الفجر من علامات النفاق فصلاة الفجر علامة الإيمان ومحبة
الرحمن وبراءة من النفاق؛ فإن العبد إذا قام من نومه في منتصف ليله، وترك فراشه،
وقام فتوضأ وخرج من بيته إلى المسجد على ما في كل ذلك من المشقة فإنما يدل على
أن محبوب الله أحب إليه من محبوب نفسه، وأنه إنما فعل ذلك طاعة لله وابتغاء رضا
مولاه، وإيثارا لما عند الله، بخلاف المنافق الذي يتحين الفرص للفرار من العبادة، ،
قَالَ : صَلَّى الله عليه وسلم :" إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلاَتَيْنِ الفجر والعشاء أَثْقَلُ الصَّلاَةِ عَلَى
الْمُنَافِقِينَ
، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا يعني من الأجر لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً "(أبو داود والنسائي).
وفي رواية أخري قال صلى الله عليه وسلم : "إِنَّ أَثْقَلَ صَلاَةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ : صَلاَةُ
الْعِشَاءِ ، وَصَلاَةُ الْفَجْرِ ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً ، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ
بِالصَّلاَةِ فَتُقَامَ ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ
حَطَبٍ ، إِلَى قَوْمٍ لاَ
يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ "(متفق
عليه).
قال الإمام ابن حجر: "وَإِنَّمَا كَانَتْ الْعِشَاء وَالْفَجْر أَثْقَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرهمَا لِقُوَّةِ الدَّاعِي
إِلَى تَرْكِهِمَا، لِأَنَّ الْعِشَاء
وَقْت السُّكُون وَالرَّاحَة وَالصُّبْح وَقْت لَذَّة النَّوْم".. اهـ.
وقد كان السلف رحمهم الله إذا فقدوا الرجل في صلاة الفجر أساءوا به الظن.
وقد توعد الله المنافقين بأسفل مكان في النار ، وجاءت الآيات مبينة حال المنافق الذي
لا يحب الصلاة ولا يألفها في قوله تعالى :" إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ
وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ
ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء
وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً "(النساء 142-143).
ثم قال تعالى مبيناً مقر أولئك المنافقين في قوله تعالى :" إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ
مِنَ النَّارِ
وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً "( النساء/ 145).
والأخطر من ذلك أن من أهل العلم من يرى أن من تخلف عن صلاة الفجر حتى يخرج
وقتها متعمداً ، وضبط منبه الساعة على وقت العمل ، ضارباً بوقت صلاة الفجر عرض
الحائط ، فإنه عاصي ، استناداً على ما ورد من الأحاديث
.
3- خسر انه لن يكون في ذمة الله
وحفظه
صاحب صلاة الفجر ، ولا يزال حفظ الله تعالى مبذولاً إليه ، لقول رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم : " مَنْ صَلَّى صَلاَةَ الصُّبْحِ فَهْوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ، فَلاَ يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ
بِشَىْءٍ ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَىْءٍ يُدْرِكْهُ ، ثُمَّ
يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ "( مسلم ).
من صلى الفجر لا يزال في حفظ الله تعالى ، وفي كنفه سبحانه ، لا يضره بإذن الله شيء
، فهو معزز مكرم ، محفوظ بحفظ الله له
.
ومن لم يصلي الفجر فهو في ذمة الشيطان ،
يضحك عليه ، ولا يبالي به في أي واد هلك .
4- خسر
السبب الأعظم لدخول الجنة.
وتارك صلاة الفجر يخسر دخول الجنة والنجاة
من النار
إذا أقيمت الصلاة وشرع المصلي في أدائها ، فيا له من فوز وأجر ، وعظيم الفضل
وجليل البشر .هاهو يقف بين يدي الله ملك الملوك ، فارج الهم ، وكاشف الغم ، الذي
بيده خزائن السموات والأرض ، الغني الحميد ، قَالَ صلى الله عليه وسلم : " لَنْ يَلِجَ
النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
وَقَبْلَ غُرُوبِهَا " يَعْنِى الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ"(مسلم).
ومن لم يصلي الفجر والعصر فلن يحصل على هذه البراءة من النبي صلى الله عليه
وسلم ، بل ربما ولج النار والعياذ بالله .
قَالَ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ
صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ "(متفق عليه). ، والبردان : هما الفجر والعصر
ومن لم يصلي الفجر والعصر لم يكن مع أولئك الرجال الذين تركوا الفراش الوثير ،
والدفء المرغوب ، لن يكون مع أولئك الذين استجابوا لربهم عندما سمعوا منادي الله
وهو يصدع بالأذان وهو يقول :" حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، الصلاة خير من
النوم "، فالصلاة فيها فلاح للعبد في الدنيا والآخرة ، ومن لم يصلها فلا فلاح له ولا
نجاة ، نسأل السلامة والعافية ..
5- خسر أجر قيام الليل كله.
فمن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله ، يحصل له أجر عظيم ، بمثابة من قام
الليل كله لا ينام منه شيئاً ، عن عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ ،
وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ "(مسلم).
فمن
نعمة الله على أهل الفجر أن الله يكتب لهم بحضورهم إلى الفجر مع العشاء أجر قيام الليل،
وكلام العلماء يفهم منه أن صلاة العشاء في جماعة تعدل نصف ليلة، والفجر تعدل نصف ليلة،
فيكون مصليهما كمن قام الليل كله.
6- خسر لقاء الملائكة وسقط اسمه
من سجلاتهم.
لقوله صلي الله عليه وسلم : "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار
ويجتمعون في صلاة الصبح والعصر ثم يعرج الذين باتو فيكم فيسألهم الله وهو أعلم كيف
وجدتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون" شهادة الملائكة
إذا أقيمت الصلاة وشرع المصلي في أدائها ، فهاهو يقف بين يدي الله ملك الملوك ،
الذي بيده خزائن السموات والأرض ، الغني الحميد ، وتشهد له ملائكة الله ، قال جل
في علاه :"أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ
مَشْهُوداً"(الإسراء78).
مشهوداً أي : تشهده الملائكة ، أما المفرط
في صلاة الفجر ، فيخسر شهادة الملائكة له ، عندما تجتمع الملائكة ليكتبوا عباد الله
الذين أذعنوا لأمر الله تعالى ، واستجابوا له ، بأداء الصلاة في المسجد في وقتها المقدر
لها شرعاً ، أما من لم يحضر صلاة الفجر ، فسوف يكتب مع النائمين الغافلين ، التاركين
لصلاة الفجر ، فما موقفه أمام ربه وخالقه ، وما عذره عن التخلف عن الصلاة فالذي يحافظ
على صلاة الفجر تشهد له الملائكة يوميا عند الله عزوجل، وما أجملها وأجلها من شهادة.
ما عذره عندما تتطاير الصحف يوم القيامة
، وتنشر الدواوين ، ويستلم كل إنسان كتابه ، فآخذ باليمين ، وآخذ بالشمال ؟ ما عذره
عند من لا تخفى عليه خافية ؟
يَقُولُ
صلى الله عليه وسلم: " تَجْتَمِعُ مَلاَئِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةُ النَّهَارِ
فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ " ، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَاقْرَءُوا إِنْ
شِئْتُمْ : "إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً"(متفق عليه).
كم يخسر المفرط في صلاة الفجر من حسنات ، وكم يفقد من درجات ، وكم يوضع عليه من سيئات ، وكم ينزل في الدركات .
7- خسر النور التام والضياء
في يوم القيامة .
منذ خروج المصلي من بيته لأداء الصلاة والبشائر
تنهال عليه من كل جانب ، عَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله
عليه وسلم قَالَ : " بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ
، بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(أبوداود والترمذي).
معنى ذلك : أن من لم يمشي لصلاة الفجر ،
فلا نور له يوم القيامة ، وهذا أول نتائج الحرمان للمتخلف عن صلاة الفجر ، حُرم النور
يوم القيامة .
فكما أن للمحافظ على صلاة الفجر له بشائر
ومفرحات ، فكذلك من لم يكن من أهل صلاة الفجر ، فليبشر بالوعيد ، والعقاب الشديد .
8-خسرالأجروالثواب الذي يعدل
الدنيا ومافيها من كنوز وزينة.
فالمصلي إذا أدى سنة الفجر فهي خير من الدنيا وما فيها ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها
، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"(مسلم
).يعني سنة الفجر .
فالمحافظ على صلاة الفجر في جماعة يحصل له البشر ، وعظيم الأجر ، والفرح
والسرور ، والغبظة والحبور ، بما يجده من لذة صلاة الفجر ، وكأنما حيزت له الدنيا
بحذافيرها .
أما المتخلف عن صلاة الفجر ، فلا يحصل له
من الدنيا إلا الخزي والعار ، وسوء الخلق ، وضيق المنطق ، وتراه مقطب الجبين ، عابس
الوجه ، كما أن الناس ينظرون إليه نظرة غير سوية ، نظرة ازدراء واحتقار ، إذ كيف تكون
مسلماً ولا تحافظ على صلاة الفجر ، التي هي المحك الحقيقي لأهل الإيمان وأهل النفاق
.أي سنة الفجر التي تصلى قبلها.هذا أجر السُنّة الراتبة فكيف أجر الفريضة؟
9- خسر المقام الأعلى والوصف
الأسمى.
لقوله صلي الله عليه وسلم : " من توضأَ ثم أتى المسجدَ فصلَّى الركعتينِ
قبلَ الفجرِ ثم جلس حتى يُصلِّي الفجرَ كُتِبتْ صلاتُه يومئذٍ في صلاةِ الأبرارِ وكُتِبَ
في وفدِ الرحمنِ "(الترغيب
والترهيب).
١٠- خسر الخيرات والبركات
وضيع الأجور والحسنات .
ربح المفرط بصلاة الفجر لذة النوم وربح
المؤمن جميع خيرات الدنيا والآخرة .وصدق
المؤذن :"الصلاة خير من النوم".حين يجلس ينتظر
الصلاة فهو في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ
كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، وَالْقَاعِدُ فِي الْمَسْجِد
يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ كَالْقَانِتِ ، وَيُكْتَبُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ، حَتَّى يَرْجِعَ
إِلَى بَيْتِهِ "(أحمد).
الله أكبر . . كم يخسر المفرط في صلاة الفجر من الأجر العظيم ، و الثواب الجزيل ،
والخير الوفير ، كم يفقد من حسنات ، حسنات ركعتين قبل الفجر ، وحسنات الخطوات
إلى المسجد ، وحسنات قراءة القرآن لحين إقامة الصلاة ، وحسنات الانتظار داخل
المسجد إلى إقامة الصلاة ، لو حسبت هذه الحسنات لأصبحت ملايين ، لأن الحسنة
بعشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف
كثيرة .
11- خسردعاء الملائكة
وكم يخسر المفرط في صلاة الفجر من دعاء الملائكة له ، وهم عباد الرحمن ، لا
يعصونه طرفة عين ، ولا أقل من ذلك ، بل خلقوا لأجل العبادة فقط ، فيخسر تارك
صلاة الفجر دعاء ملائكة الرحمن له بالرحمة والمغفرة ، إنه عمل كريم يضيعه من لم
يحافظ على صلاة الفجر في بيوت الله تعالى
، حيث ينادى لها هناك .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِنَّ أَحَدَكُمْ
مَا قَعَدَ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ فِي صَلاَةٍ مَا لَمْ يُحْدِثْ ، تَدْعُو لَهُ الْمَلاَئِكَةُ
: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ "(أحمد).
ما أعظم فضل الله
تعالى لمن أطاعه ، وعمل بمقتضى الكتاب والسنة المطهرة ، فلا ينقطع الفضل بانقضاء الصلاة
، ولا ينتهي بانتهائها ، لكن المصلي ما يزال في أجر عظيم ، وفضل كبير ، تحيطه عناية
الله ، وتستغفر له ملائكة ربه ، عَنْ علي بن أبي طالب رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ
جَلَسَ فِي مُصَلاَّهُ ، صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ ، وَصَلاَتُهُمْ عَلَيْهِ
: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ "(أحمد)
.
فهل يحصل لمن نام
عن صلاة الفجر ، مثل هذا الأجر ؟
كلا ورب الكعبة
، لا يحصل له إلا الخسارة الوبيلة ، والندامة الثقيلة .
هل يستوي من أطاع الله ، بمن عصاه ؟ هل يستوي من ترك الدنيا وزخرفها واهتم
بالصلاة ، بمن كانت الدنيا
همه وشغله ، وترك الصلاة ؟ لا يستويان أبداً .
12-
خسرأجر حجة وعمرة
إذا قويت عزيمته
، وغلب نفسه ، ودحر شيطانه ، وجلس حتى تشرق الشمس ، فقد فاز بأجر حجة وعمرة ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
: " مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ _ الفجر _ فِي جَمَاعَةٍ ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ
اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ
حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ "(الترمذي
).
أين من فرط في صلاة الفجر عن عظيم الأجر ، حسنات تصب في خزائن أعمال من
حافظ على صلاة الفجر ، وسيئات
تمتلئ بها صحائف من أهمل صلاة الفجر .
هل يستوي من يصلي
ويُؤجر ، بمن ينام ويشخر ؟ لا يستويان .
13- خسرالبركة في الرزق
من فضل صلاة الفجر في وقتها أنها تجلب الرزق الواسع يقول صلي الله عليه
وسلم:"اللَّهمَّ بارِكْ لأمَّتي في بُكورِها. وَكانَ إذا بَعثَ سريَّةً أو جيشًا بَعثَهُم من أوَّلِ
النَّهارِ وَكانَ صخرٌ رجلًا تاجرًا، وَكانَ يَبعثُ تجارتَهُ من أوَّلِ النَّهارِ فأثرَى وَكَثُرَ مالُهُ"
(أبوداود).
نعمة صلاة الفجر
نعمة عظيمة وأروع ما في صلاة الفجر أن الناس نيام يريدون راحة
أجسادهم وأنت تقوم تطلب من اللّه عز وجل راحة نفسك وروحك وجسدك ورضا ربّك.
14- خسرطيب النفس وصفائها
هناك فرقاً بين من صلى الفجر ، ومن لم يصليها ، فمما يُشاهد على صاحب الصلاة ،
لاسيما صلاة الفجر ، طلاقة المحيا ، وبشر الوجه ، والابتسامة الدائمة التي لا تفارق
شفتيه ، وطيب النفس ، ونقاء السريرة ، والنشاط الواضح ، والبشر والتسامح ، المهم
أنه يتمتع بأحسن الأخلاق ، وهذه من فوائد المحافظة على صلاة الفجر خاصة ، وبقية
الصلوات عامة ، أما من لم يحافظ على صلواته ، فإليك هذا لحديث لتعرف الفرق بين
الفريقين ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
يَعْقِدُ الشِّيطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأسِ أحَدِكُم إذا هُوَ نَامَ ثَلاثِ عُقَدٍ ، يضرب على كل عقدة ،
عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ،
فإن صلى انحلت عقدة ، فأصبح نشيطاً ، طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان
"(متفق عليه).
المقصود أن صاحب صلاة الفجر يتميز بكرم خلقه وحسنه ، ونبل قوله وفعله ، وحسن
تصرفه وتعامله مع الناس ، فهو بذلك قد حاز أجراً عظيماً ، وفضلاً كبيراً ، قال صلى
الله عليه وسلم : " إن أكمل المؤمنين إيماناً ، أحسنهم خلقاً ، وإن حسن الخلق ، ليبلغ
درجة الصوم
والصلاة "(البزار).
عقوبة غريبة :
واسمعوا لهذه العقوبة من الله لمن نام عن صلاة الفجر ، وقيل صلاة الليل ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ ! فَقِيلَ : مَا
زَالَ نَائِماً حَتَّى أَصْبَحَ ، مَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ ، فَقَالَ : " بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ "(متفق
عليه).
15- الحَجَرُ لمن تَرَكَ الفَجْر
ويا ليت الأمر ينتهي عند التفريط في الفضل ، والحرمان من الأجر ، ولكن يترتب على
التهاون بالصلاة مخاطر عظيمة ، وعواقب وخيمة ، يترتب على ذلك آثام عظام ،
وعذاب وآلام ، عَنْ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ الْفَزَارِيُّ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم مِمَّا يَقُولُ لأَصْحَابِهِ : " هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا " ، قَالَ فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ
شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ " قَالَ : وَإِنَّهُ قَالَ لَنَا ذَاتَ غَدَاةٍ : " إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ وَإِنَّهُمَا
ابْتَعَثَانِي وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِيَ : انْطَلِقْ ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا ، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ ،
وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ ، فَيَثْلَغُ _ يضرب بِهَا
رَأْسَهُ ، فَيَتَدَهْدَهُ الْحَجَرُ هَا هُنَا ، فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ ويَأْخُذُهُ ، فَمَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ
كَمَا كَانَ ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى " قَالَ : قُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ !
مَا هَذَانِ ؟ قَالَ قَالاَ لِيَ انْطَلِقِ انْطَلِقْ " أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ ،
فَإِنَّهُ رَجُلٌ يَأْخُذُ
الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ "(البخاري).
وفي رواية قال
صلى الله عليه وسلم : " يُفعل به ما رأيت إلى يوم القيامة "(البخاري
وأحمد) .
نعوذ بالله من
شديد غضبه ، وأليم عقابه ، ونسأل الله تعالى العفو والعافية .
16- خسر الدنيا والأخرة
المفرط في
صلاة الفجر يخسر الدنيا ولأخرة معاً ، فحينما تجد المنادي ينادي :" الصلاة خير
من النوم" فلا تسمع إلا الهدوء والسكون ، ولا تكاد ترى أحداً ، ولكن بعد ساعة
تقريباً ، وبعد خروج وقت صلاة الفجر ، وبعد طلوع الشمس ، حين تأتي مشاغل الدنيا ، ويحين
وقت العمل ، ينقلب الهدوء إلى ضجة لا تنقطع ، والسكون إلى حركة لا تنتهي ، فسبحان الله
! وصدق سبحانه حين قال :" بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى "(الأعلى
16-17 ).
فمن كانت الدنيا
همه فيالها من تجارة كاسدة خاسرة ، تتبعها الحسرة والندامة ، قال سبحانه :" مَن
كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ
فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَـئِكَ
الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا
وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ "(هود
15-16).
وعن أنس بن مالك
رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كانت الآخرة همه
، جعل الله غناه في قلبه ، وجمع له شمله ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن كانت الدنيا
همه ، جعل الله فقره بين عينيه ، وفرق عليه شمله ، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له
" (أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة ).
فها قد بانت لك الأمور ، وقامت عليك الحجة ، وعلمت أن المحافظة على هذه الشعيرة
العظيمة سبيل لرفعة الدرجات ، وتكفير السيئات ، ورضا رب الأرض والسموات ،
والتفريط فيها من أسباب التردي والانزلاق في الدركات ، وإرضاء الشيطان والهوى
والشهوات .
واعلم أن المحافظة
على الصلاة تحتاج إلى جهد ومجاهدة ، وصبر ومصابرة ، فاحذر أن تغلبك نفسك ، ويقوى عليك
شيطانك ، فقد حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات ، وحاسب نفسك قبل أن تحاسب
، وتنبه قبل أن تأتي ساعة تندم فيها ولات ساعة مندم ، وتفقد أهل بيتك وأرحامك ، وجيرانك
وأحبابك ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم كَانَ يَمُرُّ بِبَابِ فَاطِمَةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ، إِذَا خَرَجَ إِلَى
صَلاَةِ الْفَجْرِ يَقُولُ : " الصَّلاَةَ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ :"إِنَّمَا
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً"(الترمذي).
وتذكر أن الراحة الحقة ، حين تضع أولى قدميك في دار الكرامة ، وتنجو من دار العقاب
والمهانة ، وليست في إيثار نومة زائلة ، أو لذة عابرة ، ما تلبث أن تزول ثم تقاسي
آلامها وعذابها سنوات
عديدة ، وأزمنة مديدة .
الله أكبر..أرأيتم كم للمحافظ على صلاة الفجر ، من خير وفضل ، وكم يُضَيِّع المتخلف
عنها من عظيم الأجر ،وكم يخسر من الخيرات
والبركات والدعوات ؟
نعم
، إنه لا يُحرم من هذا الفضل إلا محروم .
نسأل الله تعالى الثبات على دينه وأن يتقبل منا صالح الأعمال وأن يرزقنا الحفاظ علي
الصلاة حتى الممات..