
سؤال من ملحد يقول :" كُتب عليه أن يدخل النار فما ذنبه؟
ملحد يسأل أقدارنا كتبت قبل أن نولد بملايين السنين, أي أن الموضوع أشبه بسيناريو
فيلم, الله يعلم أني لن أكون مؤمناً قبل ان أرى الحياة, لماذا سيخلقني اذاً وبعد ذلك
يعذبني في نار جهنم بشتى انواع التعذيب السادية بسبب قرار قد اتخذه هو منذ ملايين
السنين ؟ وقد علم الله ان أحمد سيدخل الجنة قبل ان يولد بملايين السنين, لماذا سيخلق
أحمد ويدخله الجنة ؟
"القضاء أمر لا اختيار لي فيه كالمرض و الموت ، وعندما يقدر الله أن أفعل كذا في أمر
اختياري فهو لم يجبرني على فعله ، و
لكنه قدر و علم أزلا أنني سأختار هذا الطريق ".
ونقول وبالله التوفيق :"
فى البداية لابد ان نفهم ونعرف ما هو القدر وسنسرد بعض النقاط التى تمكنا من ذلك :
أركان الإيمان ستة :"الإيمان بالله و ملائكته و كتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر
خيره و
شره" .
وعن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال :"كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق الله
السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه
على الماء" (مسلم).
وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ فِي
ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ
وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ
كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ"(البخاري ومسلم).
- لما سأل الصحابة رضي الله عنهم :
"أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟"
أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ
أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ
الشَّقَاوَةِ ثُمَّ قَرَأَ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ
بِالْحُسْنَى الْآيَةَ"( البخاري ومسلم) .
ويقول صلي الله عليه وسلم:"أولُ ما خلق اللهُ القلمُ فقال له: اكتبْ فقال: يا ربِّ وما
أكتبُ؟ قال: اكتب القدرَ ما هو
كائنٌ من ذلك إلى قيامِ الساعةِ.."(أبوداود).
فالقدر هو ما قدّره الله وقضاه من المقادير، أي الأشياء التي تكون. فلا يقع شيء في
الكون إلا وقد علمه الله في علمه الأزلي، وقضى
أن يكون.
ويقول ابن تيمية :"والأجل أجلان: أجل
مطلق يعلمه الله، وأجل مقيد"
وقال” الرزق نوعان ما علمه الله أنه يرزقه
فهذا لا يتغير وهذا هو الاجل المطلق .
والثاني ما كتبه وأعلم به الملائكة فهذا
يزيد وينقص بحسب الأسباب وهذا هو الاجل المقيد .
يقول بعض العلماء:"والأظهر أن جميع أنواع القدر كلها موجودة في أم الكتاب فما كان
منها معلقاً على أسباب وجد عند وجود السبب وما كان غير معلق وقع في وقته لا
يتقدم ولا يتأخر والعبد مأمور بفعل الأسباب وأداء الأوامر وترك النواهي وكل ميسر لما
خلق له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم….
الإيمان بالقضاء والقدر
أما بالنسبة للملك الموكل بقبض الأرواح، أو كتابة الآجال، أو الأرزاق، فيمكن تغييره،
وهذا مأخوذ من قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ
مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ"(الرعد:39).
وعليه يمكن تغيير القدر بأمور وردت بها النصوص كصلة الرحم وبر الوالدين وأعمال
البر والدعاء، والدعاء أقوى الأسباب في رد القدر، كما في الحديث الذي رواه أحمد
والترمذي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزيد في العمر إلا البر، ولا
يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها. وفي لفظ: بالذنب
يصيبه.
القضاء نوعان:
قضاء مبرم:" وهو القدر الأزلي، وهو لا يتغير"
وقضاء معلق:" وهو الذي في الصحف التي في أيدي الملائكة فإنه يقال: اكتبوا عمر
فلان إن لم يتصدق فهو كذا وإن تصدق فهو كذا، وفي علم الله وقدره الأزلي أنه
سيتصدق أو لا يتصدق، فهذا النوع من القدر ينفع فيه الدعاء والصدقة، لأنه معلق
عليهما، وهو المراد بقوله تعالى:"لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ
الْكِتَابِ"(الرعد 39ـ 38).
والله سبحانه عالم بما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، فهو يعلم ما
كتبه له وما يزيده إياه بعد ذلك، والملائكة لا علم لهم إلا ما علمهم الله، والله يعلم
الأشياء قبل كونها وبعد كونها،
أن الزعم بأن منة الله بالهداية على المؤمنين
دون الكافرين ظلم منه، باطل لأمرين:
أحدهما:"أن هذا تفضل من الله، كما قال تعالى:"يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ
إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ "(الحجرات:17).
وكما قالت الأنبياء:"إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ"
(إبراهيم:11).
ولو عبدوا الله بأنواع العبادات والقربات طوال أعمارهم ليلاً ونهاراً لما جاءت إلا في
مقابل جزء صغير من نعم الله وأفضاله عليهم، ولذلك فالله – تعالى- يدخل عباده الجنة
برحمته لا بأعمالهم، وأعمالهم سبب لدخول الجنة لا بدل لها، فإذا تفضل على بعض
عباده بالهداية كان ذلك له سبحانه، ولا يعد ظلماً .
قال تعالي :"وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ"(البلد:10).
المقصود بالنجدين الطريقان، المقصود الطريقان: طريق الخير، وطريق الشر ..لأن
الله جل وعلا بين لعباده الطريقين؛ طريق الشر يعني: الشرك والمعاصي ونهاهم عن
ذلك، وبين لهم طريق الخير ....... التوحيد والطاعات ودعاهم إليه على أيدي الرسل
وفي الكتب المنزلة
من التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وغيرها.
والهداية هنا بمعنى: الدلالة، كما قال تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى
الْهُدَى"(فصلت:17).، يعني: دللناهم وأوضحنا لهم الحق بدليله، ومن هذا قوله تعالى:
وَإِنَّكَ.. يخاطب النبي صلي الله عليه وسلم :"وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ
اللَّهِ.."(الشورى:53)، يعني: ترشد وتدل.
أما الهداية التي معناها التوفيق لقبول الحق والرضا به هذه بيد الله عزوجل لا يدركها
الإنسان وليست في يد الإنسان وهي المراد في قوله تعالى:"لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ
يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ"(البقرة:272)، يعني: ليس عليك توفيقهم وإدخال الإيمان في قلوبهم
هذا إلى الله ، ومن هذا قوله تعالى:"إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ
"(القصص:56).، يعني: لا تستطيع ذلك بل هذا إلى الله .
وأما الدلالة والبلاغ والبيان فهذا بيد الرسل وأتباعهم مستطاعة، والمراد في قوله جل
وعلا:"وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ "(البلد:10)، يعني: دللناه وأرشدناه، وهو المراد أيضًا في
قوله تعالى:"وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى"(فصلت:17)، أي:
دللناهم. نعم.
يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي :"الفرق بين القضاء و القدر هو أن القضاء حكم لا
إرادة لي فيه .. لكن القدر هو ما قدرت أن يحدث
كذا فتأتي الأمور على وفق التقدير
و لكن حين يقدر الله سبحانه و تعالى فلن يغيب عنه أمر فتأتي الأمور في الكون على
وفق ما قدر الله".
فالقضاء أمر لا اختيار لي فيه كالمرض و الموت ، و عندما يقدر الله أن أفعل كذا في أمر
اختياري فهو لم يجبرني على فعله ، و
لكنه قدر و علم أزلا أنني سأختار هذا الطريق .
لابد أن نفهم الفرق بين قضى ، وبين قدر
.
"قضى" ، يعني حكم حكماً لازماً لا يمكن أن ينتهي ، وذلك في الأمور التي لا دخل
للإنسان فيها ، ولذلك فالله لا يحاسبك
على القضاء .
ولكن"قدّر" ، يعني أن الأمور تأتي في المستقبل من وجهة نظرك ، فتقول : إنني قدرت
أن أفعل كذا . وعندما يأتي وزير الزراعة مثلاً بناء على الإحصاءات والأرقام ويقول :
تقدر الدولة محصول القطن هذا العام بكذا مليون قنطار . مع أن علم البشر ناقص ،
وتقديره حسب المعلومات التي وصلت إليه
.
ولكن تقدير الله عز وجل لا يحدث فيه خلاف ، لأن معلوماته مؤكدة . فإذا قدر على
إنسان في الأزل أن يكون عاصياً ، فمعنى ذلك أنه علم أزلاً أن هذا الإنسان سيختار
المعصية . ولكن ساعة اختيار المعصية .. هل أرغمه الله
عليها ؟
الوزير حينما قدر المحصول ، هل أرغم الأرض على أنها تنفذ تقديره ؟ لا . بل هو قدر
حسب المعلومات التي وصلت إليه والمسألة تسير
في طريقها الطبيعي بدون تدخل منه .
كذلك خلق الله الخلق ، وقال : هناك أمور قضيتها ، وهذه لا أحاسب عليها أحداً ، وهناك
أمور تركت للعبد الاختيار فيها ... ولكن قدرت أن العبد سوف يعمل كذا ساعة كذا ، لا
أقهره على أن يعمل ، لأنه عمل بصفة الاختيار
، ولكني أعلم ما سوف يعمل .
فالملحد الذى يسأل يجب عليك ان تعرف ما هو القدر اولا وان تعلم ان الله عزوجل قادر
على كل شئ وهو عالم الغيب فالزمان مخلوق من خلقة وهو مطلع على الزمان
الماضى والمستقبل وايضا يعلم ان الله عزوجل هو العدل وعدلة سيكون بالذرة وان من
سيدخلة الجنة فبرحمتة لا بعملة وكونك تريد الالحاد وتقول هذا قدرى لا هو مكتوب انك
ملحد وان هذا هو اختيارك وان الله عزوجل اعطاك العقل الذى بة تختار وتحدد ماتريدة
ولو كان القدر حجة للعباد لم يعذب أحد من الخلق لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولم
تقطع يد سارق، ولا أقيم حد على زان، ولا جوهد في سبيل الله.
الأدلة العقلية:"
علم الله أزلاً بمآل المرء وحاله إلى شقي أو سعيد إذاً فهو علم سابق لا سائق..ونقول
للذي يقول:" ربما أن الله كتبني يوم أمر الملك بكتابة رزقي وأجلي وعملي، وشقي أو
سعيد، أنني شقي؟ لماذا تتوقع أنك شقي؟ لماذا لا تتوقع أنك سعيدوتعمل من أجل
السعادة ؟ لِمَ تحتمل الخيار الأسوأ ما دامت القضية محتملة؟
لأن معنى الكتابة أي: سبق العلم لا الإلزام؛ لأن الكتابة كما يقول العلماء سابقة لا
سائقة، يعني: أن الله علم أنك سوف تأتي وتفجر، وتكون نهايتك بعد فجورك النار،
فكتب أنك شقي، وليس معنى هذا أن الله كتبك أنك شقي أنك لا تستطيع أن تطيع الله،
فسبق العلم صفة من صفات الله، إذ أن الإنسان إذا كان لا يعلم الذي في المستقبل والله
لا يعلم، ففي هذه الحالة سيستوي الإنسان مع الله؛ وهذا محال، من الذي يعلم ما الذي
يصير غداً؟ إنه الله، هذه صفة كمال في الرب؛ أنه يعلم ما سيحدث في المستقبل، فالله
يعلم أنه سيأتي أحد من الناس ويعيش، ويكون عمله سيئاً وتكون نهايته أن يكون
شقياً، فكتب عليه علماً وأزلاً أنه سيكون شقياً بما علمه الله من عمله، لا بما جبره الله
وألزمه
أنه لا يكون إلا عاصياً،
فهذا يقول: ربما أن الله كتب عليَّ أن أكون شقياً، ولهذا أصبح مع الأشقياء، أتعرفون ما
مَثَلُ هذا؟ مثل هذا كمدرس في بداية العام الدراسي، تعرفون أن المدرسين وبعض
الموظفين تقدر لهم العلاوة الدورية على ضوء تقييمهم، على ضوء تقرير الكفاءة في
آخر السنة، مدير المدرسة يأتي بنقاط التقييم ويقيس المدرس يشرِّحه واحدة واحدة:
مظهره، أداؤه، دوامه، إخلاصه، تفانيه، إنتاجه، ويأتي به ويضع له كل شيء، بعض
المدراء يضع بالكريك، لكل المدرسين ستة ستة ستة، وهو لا يساوي صفراً، ولكن
يقول: يا شيخ! الله الرزاق وهو كريم، ولذلك لا يعرف الطيب من البطال بهذا التقييم،
التقييم أمانة في عنقك أيها المدير، فلا تظلم الدولة فتعطي أحدهم تقييماً وهو لا
يستحق، ولا تظلم المواطن أو المدرس فتعطيه تقييماً أقل مما يستحق، أعطه ما
يستحقه من أجل أن يكون هناك تفاضل بين الناس، عندما يأتي المدرس الممتاز ويأخذ
علاوة أكثر بـ (٥%)،
ويأتي المدرس الجيد جداً ويأخذ علاوة (٤%) من راتبه، ويأخذ المدرس الجيد (٣%)،
والبقية محرومون -أي: المتوسط والضعيف- يأتي هذا الذي أخذ متوسطاً السنة المقبلة
فيأخذ ممتازاً ويأخذ علاوة، لكن عندما تضع للضعيف (١٠٠%)، والممتاز (١٠٠%)،
قال ذاك: والله إني أجتهد، وإن فلاناً بليداً وأنه مثلي،إذاً نصير بلداء سواء،
ما دام القضية سواء، فيأتي المدير بنقاط التقييم ويضعها، وفي
نهاية السنة يعطى للموظف العلاوة الدورية، على ضوء عدد العلامات، فهناك أحد
المدرسين من أول السنة لا يحضر في طابور الصباح، ولا يأتي الحصة الأولى إلا وقد
ضاعت نصفها، وقبل أن تصفر بربع ساعة يخرج على الباب، ويتلفت على المراقب،
وبعد أن تصفر يتهرب، ويجلس في الإدارة، وبعد ذلك صفرت والمدير يقول له: قد
بدأت الحصة يا إخوان، قال: حسناً! ويمشي بتباطؤ، يريد أن يصل إلى الفصل بعد ربع
ساعة، وإذا دخل، قال: ما عندكم يا أولاد؟ من الذي عنده خبر جديد؟ هل سمعتم أخباراً
جديدة؟ قالوا: يا أستاذ! حصة قرآن، قال: صحيح قرآن، لكن أولاً نرى ما هي الأخبار
الجديدة، وهو يهمه أن يفوت الحصة بأي وسيلة، وبعد ذلك جاءه أحد المدرسين من
زملائه،
قال له: يا أخي! أنت مهمل في دوامك، وأدائك، وتدريسك، فلماذا هذا الإهمال؟
قال: ربما المدير يضعني آخر السنة ضعيفاً، ولهذا سوف أكون ضعيفاً من الآن، لماذا
أتعب نفسي، وفي الأخير يضعني ضعيفاً في آخر السنة؟ أنا سوف أرقد، أنت فقط
تحضر وتتعب وتشتغل وفي الأخير تجد نفسك في آخر السنة ضعيفاً، بالله ما رأيكم في
هذا المدرس أهو مجنون أو عاقل؟ مجنون، نقول لك: يا مدرس! أنت واجبك أن تعمل،
وواجب
المدير أن ينصف، وأن يعطيك بالميزان، مثلما تعمل تأخذ.
أما أن تهمل خوفاً من أن يضعك المدير ضعيفاً فهذا غلط.
ومثال آخر يقرب المعنى أكثر: مدرس دخل على طلابه، من أول العام الدراسي، وبدأ
يصنفهم إلى مجموعات وفئات: الجيدين يضعهم في الوراء، والكسالى يقربهم منه من
أجل أن يعطيهم مزيداً من الاهتمام، ويركز عليهم، حتى ينتشلهم من وضعهم، إلى
وضع أحسن، وبعد ذلك دخل عليه يوماً من الأيام مدير المدرسة، واختبر الطلاب ورأى
مستواهم، انبسط، وقال له: يا أخي! الطلابُ عندك كم؟ قال: ثلاثون طالباً، قال: كم
تتوقع نسبة النجاح فيها، وكم تتوقع نسبة الرسوب؟ فالمدرس بحكم معرفته -قد
درسهم وعرفهم واحداً واحداً، وعرف الطيب والبطال- قال: أتوقع أن ينجح ثمانية
وعشرون طالباً، وهناك اثنان ربما رسبوا، وهو يعرفهم المدرس، فواحد من طلاب
الفصل، لما سمع الكلمة، ترك المذاكرة والدروس، ولا يحل واجباته، ولما جاء آخر
السنة وسقط، قالوا له: مالك سقطت؟
قال: إن المدير قال في أول السنة: إن هناك اثنين سيسقطون، فتوقعت أني واحدٌ منهم،
فلم أتعب نفسي بالمذاكرة، وبعد ذلك أسقط في آخر السنة، ما دام أن هناك اثنين
سيسقطون ربما أني منهم، حسناً! لماذا ما يمكن أن تكون من الثمانية والعشرين
الذين سينجحون؟ لكن انهزام الإنسان أمام شهواته، وحبه للخلود والراحة والأغاني،
والأكلات والنومات والتمشيات، هذا يجعله يقول ربما أكون شقياً،
لكن لو أنه أخذ بالعزيمة واحتمل أن يكون إن شاء الله- سعيداً، وبعد ذلك كون
الإنسان شقياً أو سعيداً في الأزل، هذا ليس من اختصاصنا، هذه ليست داخلة في دائرة
اهتماماتنا، ما هو اختصاصك أنت؟ اختصاصك أن تطيع الله ولا تعصه فقط، وعندك
يقين بعد هذا أن الله
لا يظلم مثقال ذرة.
والخلاصة:"
يامن تجلس وتبحث في علم الله، وماذا كتبتني يا رب، شقياً أم سعيداً؟ هذا ليس من
شأنك، أنت عبد خلقك الله لعبادته، وبين لك الطريق إليه، وأعطاك القدرة على السير
في الطريق، سر في الطريق، فعندك عقيدة ومن ضمن صفات الله العدل "إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ"(النساء:٤٠). :"فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ
أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ"(آل عمران:١٩٥). لا يضيع الله عملَ عامل، فقط امش في
الخط الصحيح، واعمل عملاً ووفر فيه شروطَ القبول، وهي: الإخلاص لله، والمتابعة
لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وابتعد عن شيء ثالث مهم يهمله الناس، لا ينفعك العمل في الآخرة إلا بانتفاء الموانع
وإبعاد المبطلات؛ لأنك قد تعمل عملاً صالحاً، أردت به وجه الله مخلصاً، وسرت به على
هدي رسول الله مقتدياً، ولكن بعدما فعلته أبطلته ونسفته، كيف تنسف العمل؟ بمبطلات
كثيرة، منها: الشرك، والرياء، والمنّ والأذى تصل إلى ثلاثين مبطلاً، وسوف يكون هذا
الموضوع دروساً بإذن الله بعنوان: مبطلات العمل، ما هو الذي يبطل العمل؟ تعمل عملاً
حسناً؛ لكن بعدما تنتهي ترجع وتنسفه، يعني: كرجل يصلي صلاة حسنة، ثم يذهب
يخبر بها الناس، أو يرائي بها فإنه ينسفها، وأحدهم يتصدق صدقة ويخفيها، وبعد ذلك
يذهب ويمنُّ بها فيبطل صدقته: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى"
(البقرة:٢٦٤).
تؤذي هذا كلما تصدقت عليه، أو تمن عليه كلما لقيته، فدورك ومسئوليتك أن تعمل
عملاً صالحاً، وتترك السيئات والمعاصي، وبعد ذلك يكون عندك
يقين وجزم على أن الله لا يظلم أبداً : لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ
الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ"(الحشر:٢٠).
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم