recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة القادمة - الكسب الحلال - لفضيلة الشيخ عبدالناصربليح

الكسب الحلال

السعي علي المعاش من هدي الإسلام

وجوب تحري الكسب الحلال

أثار الأكل الحرام  وعواقبه الوخيمة

الحلالُ بيِّنٌ،والحرامُ بيِّنٌ


تحميل الخطبة pdf

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله وبعد فياعباد الله حديثنا إليكم اليوم عن الكسب الحلال..

السعي علي المعاش من هدي الإسلام

أيها الناس :" كسب الأرزاق وطلب العيش أمر حث عليه الشرع، فالله جعل النهار معاشاً، وجعل للناس فيه سبحاً طويلاً، أمرهم بالسعي والمشي في مناكب الأرض ليأكلوا من رزقه.

وقرن سبحانه بين المجاهدين في سبيله، وبين الساعين في أرضه يبتغون من فضله، فقال:"يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"(المزمل: 20).

وأخبرصلى الله عليه وسلم أنه "ما أكل أحد طعاماً خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده" (البخاري)،

وقال بعض السلف: "إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها إلا الهم في طلب المعيشة".

ومما يروى عن البعض  :" أنه رأى رجلاً فقال: "ما تصنع؟ قال: أتعبد، قال: ومن يعولك؟ قال: أخي، قال: وأين أخوك؟ قال: في مزرعة، قال: أخوك أعبد لله منك".

وعندنا في الإسلام ليست العبادة أن تصف قدميك وغيرك يسعى في قوتك، ولكن ابدأ برغيفيك فأحرزهما ثم تعبّد.

والاستغناء عن الناس أيها الإخوة- بالكسب الحلال شرف عالٍ، وعز منيف، حتى قال الخليفة المحدث عمر بن الخطاب  "ما من موضع يأتيني الموت فيه أحب إليّ من موطن أتسوق فيه لأهلي أبيع وأشتري".

ومن مأثور حكم لقمان: "يا بنيّ استعن بالكسب الحلال عن الفقر فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال: رقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب مروءته".

إن في طلب المكاسب وصلاح الأموال سلامة الدين، وصون العرض، وجمال الوجه، ومقام العز.

ومن المعلوم -أيها الأحبة- إن المقصود من كل ذلك الكسب الطيب؛ فالله طيب لا يقبل إلا طيباً، وقد أمر الله به المؤمنين كما أمر به المرسلين، فقال عز وجل:"يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ"(المؤمنون: 51).، وقال عز شأنه:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ"(البقرة: 172).

يقول صلى الله عليه وسلمَ:"من أكل طيباً وعمل في سنّة وأمن الناس بوائقه" (يعني شره) دخل الجنة"(الترمذي)، ويقول صلى الله عليه وسلم : "أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمة".(أحمد),

وجوب تحري الكسب الحلال

أيها المسلمون: إن طلب الحلال وتحريه أمر واجب، وحتم لازم، ف "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟".

إن حقاً على المسلم أن يتحرى الطيب من الكسب والنزيه من العمل ليأكل حلالاً، وينفق في حلال.

انظروا رحمكم الله إلى خليفة رسول الله أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- يأتيه خادمه بشيء من الأكل، ثم يقول له: أتدري من أين هذا الأكل؟ اشتريته من مال حصلت عليه في الجاهلية كذبت على رجل وخدعته بأن فسرت له حادثة أو قضية كذباً وخديعة، فأعطاني هذا المال، فاشتريت منه هذا الذي أكلت، فأدخل أبو بكر أصبعه في فمه وقاء واسترجع كل شيء في بطنه، وقال: "لو لم تخرج هذه اللقمة إلا مع نفسي لأخرجتها"، 

وقال مخاطباً ربه: "اللهم إني أعتذر إليك مما حملت العروق وخالط الأمعاء"( البخاري).

وهذا عمر -رضي الله عنه :"يشرب لبناً فيعجب به فيسأل عنه فيخبره الذي سقاه أنه مرّ بإبل الصدقة، وهم على ماء فحلبها وجاء به إليه فأدخل عمر يده واستقاء؛ لأنه شرب من إبل الصدقة المعدة للصدقة من قبل أهل الزكاة".

وتقول زوجة صالحة توصي زوجها :"يا هذا اتق الله في رزقنا فإننا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار".

أولئك هم الصالحون يخرجون الحرام، والمشتبه من أجوافهم، وقد دخل عليهم من غير علمهم، وخلفت من بعدهم خلوف يعمدون إلى الحرام ليملئوا به بطونهم وبطون أهليهم.

أثار الأكل الحرام  وعواقبه الوخيمة

عباد الله :"إن للكسب الحرام أثار سيئة وعواقب وخيمة منها عدم استجابة الدعاء  أرأيتم الرجل الذي ذكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم : "يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام؛ فأنى يستجاب له؟"(مسلم)،

هذا الرجل استجمع من صفات الذل والمسكنة والحاجة والفاقة ما يدعو إلى رثاء حاله، ويؤكد شدة افتقاره؛ تقطعت به السبل، وطال عليه السير، وتغربت به الديار، وتربت يداه، أشعث رأسه، واغبرت قدماه، وكان قاب قوسين أو أدنى لاستجابة دعواه، ولكنه قطع صلته بربه، وحرم نفسه من مدد مولاه، فحيل بين دعائه والقبول، أكل الحرام، واكتسى من حرام، ونبت لحمه في حرام، فردت يداه خائبتين.

بربكم ماذا يبقى للعبد إذا انقطعت صلته بربه، وحجب دعاؤه، وحيل بينه وبين الرحمة؟ لمثل هذا قال بعض السلف: "لو قمت في العبادة قيام السارية ما نفعك حتى تنظر ما يدخل بطنك".ويقول بعض الصالحين :" عجباًلك ياابن آدم بطنك شبر في شبر وتدخلك النار"

وإن العجب كل العجب -أيها الإخوة- ممن يحتمي من الحلال مخافة المرض، ولا يحتمي من الحرام مخافة النار

إن أكل الحرام يا عباد الله يعمي البصيرة، ويوهن الدين ويضعفهن ويقسي القلب، ويظلم الفكر، ويقعد الجوارح عن الطاعات، ويوقع في حبائل الدنيا وغوائلها، ويحجب الدعاء، ولا يتقبل الله إلا من المتقين.

عباد الله :"إن للمكاسب المحرمة آثاراً سيئة على الفرد والجماعة؛ تنزع البركات، وتفشو العاهات، وتحل الكوارث، أزمات مالية مستحكمة، وبطالة متفشية، وتظالم وشحناء.

أيها المسلمون: ويل للذين يتغذون بالحرام، ويربون أولادهم وأهليهم على الحرام؛ إنهم كشارب ماء البحر كلما ازدادوا شراباً ازدادوا عطشاً، شاربون شرب الهيم، لا يقنعون بقليل، ولا يغنيهم كثير، يستمرؤون الحرام، ويسلكون المسالك المعوجة، رباً وقماراً، وغصباً وسرقةً، تطفيفاً في الكيل والوزن، كتماً للعيوب، سحراً وتنجيماً وشعوذةً، أكلاً لأموال اليتامى والقاصرين، أيماناً فاجرةً، لهواً ولعبا، مكراً وخديعةً، زوراً وخيانةً، مسالك معوجةً، وطرقاً مظلمةً، 

يقول صلي الله عليه وسلم : "يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم الحرام" (البخاري والنسائي),

 ومن الأمور التي يقرِّرها العقل والدِّين، ويصدِّقها الواقع والحال، أنَّ النفوس إذا أُلْهِيتْ بالمحرَّمات، ابتعدتْ عن سبيل الله  تعالى  وطاعته ومَرضاته. فصدالشباب عن الزواج بارتكاب الفاحشة وصدوا عن الكسب الحلال من التجارة بالربا وصدوا عن التعليم بالجهل وصدوا عن الاحترام ومكارم الأخلاق بسوء الأدب وهكذا..

وصدوا وأعرضوا عن أحكام الشرع، واعتراض عليها، والتشكيك فيها، أو السعي لعلْمنتها، وتحريفها عن معانيها:"وَإِذَاقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا"(النساء/61).

رزقك حلال فلما تحرمه بالكسب الحرام؟

عباد الله:"  يجب على المسلم طلب الحلال وتحريه ، ولا سيما في مجال الكسب ، كي يسلم وينجو من عذاب الله تعالى ، قال تعالى :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ "(البقرة: 168) .

والحلال الطيب، مخلوق أصلاً للمؤمنين ، ويشاركهم فيه غيرهم على وجه التبعية في الدنيا ، فإذا كان يوم القيامة ، صار حقاً خالصاً للمؤمنين وحدهم ، بدليل قوله تعالى : " قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ "(الأعراف: 32).

ومطلوب من المسلم أن يطرق السبيل المشروع لتحصيل الرزق الحلال، وهو آت له بعد بذل السبب لا محالة .قال تعالى :"وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا "(هود: 6) .

ولحرص الإنسان وهلعه أقسم رب العالمين على ضمانه، فقال :" وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ " (الذاريات: 22-23) .

وتقوى الله تعالى والخوف منه سبب لفتح باب الرزق الحلال من حيث لا يتوقع المرء .قال تعالى : " وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا‏ "(الطلاق: 2-3).

وما عند الله تعالى من رزق حلال إنما يطلب بطاعة الله ؛ وهذا الذي يأخذ الرشوة أو يأكل الربا أو يظلم الناس ، إنما يطلب الكسب بمعصية الله ، ومن غير طرقه المشروعة ، ولا يدرك ما عند الله إلا بطاعته .

عن حذيفة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"إن روح القدس نفث في روعي إنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها ، فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله عز وجل ، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته» ( البزار) .

وفي الحديث :"الرزق أشد طلباً للعبد من أجله" ( صحيح) .

عباد الله أقول ماسمعتم وأستغفر الله لي ولكم..

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله أما بعد فياعباد الله..لازلنا نواصل الحديث حول الكسب الحلال

الحلال بين والحرام بين 

عباد الله:"ينبغي على العبد أن يتحلى بالطاعات التي تؤهله لمغفرة الرحمن،وأن يبتعد عن المعاصي والذنوب التي تحجبه عن هذه المغفرة.فالحلال بين والحرام بين كما قال صلى الله عليه وسلم :"إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه،ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله،وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"(متفق عليه).

عباد الله :" لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام على غاية الحذر والمراقبة والورع، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها" (متفق عليه). وقال أبو بكر الصديق :"كنا ندع سبعين بابا من الحلال، مخافة أن نقع في باب الحرام"(القشيري).وقال عمر:"كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام"( الإحياءللغزالي).

انظر إلى هذه المراقبة الحقة، والورع الصادق،ثم انظر إلى حال كثير من الناس اليوم وانهماكهم في الشبهات دون تهَيُّبٍ أو تخوُّف، يترك -صلى الله عليه وسلم- التمرة مع أنه قد يكون بأمس الحاجة إليها من شدة الجوع ولوعته، فقد كان يمر الشهر والشهران ولا يوقد في بيته النار، وهنالك أناس أُتخمت بطونهم، وتضخمت أرصدتهم، وهم مع ذلك لا يترددون في التهام ما يبدو أمامهم دون تبصُّرٍ لأمرِ حِلِّه وحرمتِه؛ سئل الإمام أحمد عن الثمرة يلقيها الطير، فقال:"لا يأكلها، ولا يأخذها ولا يتعرض لها".

عباد الله :" نقول لهؤلاء التجار الجشعين الذين تنتفخ جيوبهم وتمتليء بطونهم من الحرام علي حساب الفقراء اتقوا الله لأنكم محاسبون علي النقير والقطمير والصغير والكبير وانظروا لمن قبلكم من تجار جمعوا أموالاً طائلة من حرام ومن حلال  وتركوها لأبنائهم وشربوا بها مخدرات ودخلوا بها الحانات وهم الآن يتسولون بين الناس .

وكما قال الشافعي: 

جمع الحرام على الحلال ليكثره

دخل الحرام على الحلال فبعثره

اللهم اغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك يارب العالمين ..

وقوموا إلي صلاتكم يرحمكم الله وأقم الصلاة.

google-playkhamsatmostaqltradent