
أخلاقيات البيع والشراء
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام
علي أشرف المرسلين أما بعدفياجماعة الإسلام:"وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ
فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ
وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا"(النساء/69).
عباد الله حديثنا إليكم اليوم عن فئة
أختصها الله عزوجل بالكرامة في الدنيا وفي الآخرة وهم المطيعين لله .. ومن تلك
الفئة التجار الذين صدقوا ماعاهدوا الله عليه
وأحبوا الخير للناس لأن محبّة الخير للناس أمرٌ أساس، والتاجر المسلم يتحلّى
بحسن النية، والرفق بالناس ، وتوفير الجيد لهم بالثمن المناسب ،وأن يكون أميناً
صادقاً . وقد بشرهم الرسول صلى الله عليه وسلم:"التَّاجِرُ
الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ"(التِّرْمِذِيّ).
وقال صلى الله عليه وسلم :"البيعان
بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة
بيعهما"(البخاري
ومسلم).
إنهم يجتنبون أكل أموال الناس بالباطل،
ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه.وقد قال صلي الله عليه وسلم:"إنَّ التُّجَّارِ
هم الفجَّارُ قالوا يا رسولَ اللهِ أليس قد أحلَّ اللهُ البيعَ قال بلى ولكنَّهم يحلِفون
فيأثمون ويُحدِّثون فيكذِبون"(الترغيب والترهيب).
فمن أخلاقيات التاجر الأمين الصدوق عدم
إنفاق السلعة بالحلف الكاذب.عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:" ثَلاَثَةٌ
لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ،وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ
يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، قَالَ:قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَنْ
هُمْ خَسِرُوا وَخَابُوا ؟ قَالَ:فَأَعَادَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ
مَرَّاتٍ،قَالَ:الْمُسْبِلُ، وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ،أَوِالْفَاجِرِ،وَالْمَنَّانُ"(أحمد و مسلم ).
عباد الله ومن أخلاقيات التجار
الصادقين النصح للناس. ففي رواية لمجالد : بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم
عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ،وَإِقَامِ الصَّلاَةِ،وَإِيتَاءِالزَّكَاةِ ،وَالنُّصْحِ
لِكُلِّ مُسْلِمٍ"(البُخَارِي ومسلم).
وكذلك البعد عن الغش.فالتاجر الأمين
ليس غشاشاً فالنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا فَأَعْجَبَهُ
، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ ، فَإِذَا هُوَ طَعَامٌ مَبْلُولٌ ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم:"لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّنَا"(مسلم).
عباد الله :"والتاجر الصدوق
الأمين لايحتكر وهو بعيد كل البعد عن الاحتكار.لأن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول:" لاَ يَحْتَكِرُ
إِلاَّ خاطئ"(أحمد
ومسلم). وقال
سعيد بن المسيب : "المحتكر ملعون ، والجالب مرزوق"( ابن ماجه والحاكم ). والمحتكر
الخاطيء هو العاصي الآثم. فالاحتكار حرام قطعاً لأنه إذا صار هناك من يحتكر الأقوات،
وهناك من يحتكر العقار، وهناك من يحتكر الدواء، لا شك أن الناس يقعون في حرج عظيم
وعناء شديدبسبب غلاء الأسعار.
والتاجر الصدوق لايطفف الميزان
فهو يمتثل لأوامر الله ويطيعه فيما يقول:"وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ
وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ"(الرحمن/9).ويقول صلي الله عليه وسلم :" ولم يَنْقُصُوا المِكْيالَ والميزانَ إِلَّا
أُخِذُوا بالسِّنِينَ وشِدَّةِ المُؤْنَةِ ، وجَوْرِ السلطانِ عليهم"(ابن
ماجه).
والتاجر الصدوق الأمين يبتعد عن البيوع
المحرمة ومنها البعد عن النجش.قال صلى الله عليه وسلم:"لا تحاسدوا، ولا تناجشوا،
ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم
أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره، التقوى ها هنا، ويشير إلى
صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام
دمه وماله وعرضه"(مسلم).
والرسول صلى الله عليه وسلم قال:" لا يبيع بعضكم على
بيع أخيه "(البخاري).
عباد الله :" ومن أخلاقيات التجار
السماحة في البيع والشراء.فينبغي أن يكون سمحاً
في المعاملة، سمحاً في القضاء والاقتضاء، سمحاً في البيع والشراء. وقد قال صلى الله
عليه وسلم:"رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى"(البخاري). وقال صلى الله عليه وسلم:" كان تاجر يداين الناس
فإذا رأى معسرا قال لفتيانه تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فتجاوز الله عنه"(البخاري ومسلم). وقال صلى الله عليه وسلم:" من أنظر
معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله… الحديث "(مسلم).
وينبغي أن يكون التاجر سخياً بالصدقات، قحط الناس في زمن أبي بكر فقدمت لعثمان بن عفان قافلة من ألف راحلة من البر والطعام. فغدا التجار عليه، فخرج إليهم فقال: ماذا تريدون؟ قالوا: بلغنا أنه قدم لك ألف راحلة براً وطعاماً، بعنا حتى نوسع على فقراء المدينة. فقال لهم: ادخلوا فدخلوا.
فقال: كم تربحوني على شرائي؟ قالوا: العشرة اثنا
عشر. قال: قد زادوني. قالوا: العشرة أربعة عشر. قال: قد زادوني. قالوا: العشر خمسة
عشر. قال: قد زادوني. قالوا: من زادك ونحن تجار المدينة؟. قال: زادني بكل درهم عشرة
عندكم زيادة؟. قالوا: لا. قال: فأشهدكم معشر التجار أنها صدقة على فقراء المدينة.
هكذا كان عثمان وابن عوف، وغيرهم من أغنياء التجار، يجودون على
فقراء المسلمين، ولا يستغلّون مثل هذه الفرص؛ لكي يرفعوا الأسعار، ويحتكروا الأطعمة؛
ليبيعوا على الناس بالغلاء، إن الرفق بالمسلمين أمرٌ جدّ طيب، وإن الحرص على مصلحتهم
أمرٌ جد حسن.
عباد الله :" أين أخلاق الأمانة؟ التاجر طماع غشاش محتكر مرابي إلا من رحم ربي والمشتري لايسامح حاقد علي علي هذا الجشع .وتعالوا نأخذ مثالاً للتاجر الأمين الصدوق جاء عن محمد بن المنكدر رحمه الله أنه كان له سلعٌ تباع بخمس وأخرى بعشرة، فباع غلامه في غيبته شيئاً من الخمسيات بعشرة، فلما عرف لم يزل يطلب ذلك المشتري طول النهار حتى وجده،
فقال له: إن الغلام قد غلط فباعك
ما يساوي خمسة بعشرة. فقال: يا هذا قد رضيت. قال: وإن رضيت فإنا لا نرضى لك إلا ما
نرضاه لأنفسنا، فاختر إحدى ثلاث: إما أن تستعيد مالك وتعيد السلعة، وإما أن نرد إليك
خمسة، وإما أن تأخذ بدلاً من سلعة الخمس سلعة العشر. فقال: أعطني خمسة. فرد عليه خمسة،
وانصرف الأعرابي المشتري يسأل ويقول: من هذا الشيخ؟ فقيل له: هذا محمد بن المنكدر.
فقال: لا إله إلا الله، هذا الذي نستسقي به في البوادي إذا قحطنا".
يا ليتني أبيع الشيء يكسب فيه المشتري الربح
ديناراًبعشرينا
أحب شيء إلى نفسي معاملـــةٌ كسب العميل فنأتيــه ويأتينــا
وكان أبو حنيفة رحمه الله بزازاً يبيع القماش،
وكان عنده ثوبٌ فيه عيب، فجعله جانباً، فجاء خادمه في غيبته فباع الثوب المعيب بقيمته
كما لو كان سليماً، فلما جاء الإمام إلى محله وسأل عن ذلك الثوب قال الغلام: بعته.
قال: بكم؟. قال: بكذاأي: بسعر السليم-. قال: هل أطلعت المشتري على العيب الذي فيه؟.
قال: لا. فتصدق بقيمة الثوب كله.
عباد الله أقول قولي هذا وأستغفر الله لي
ولكم ..
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله
وبعد فياعباد الله :" لازلنا نواصل الحديث
عن أخلاقيات البيع والشراء وإذا كنا نتحدث عن التجار وأحوالهم فلنا أن نقف وقفة مع المستهلكين وبخاصة حال الغلاء
وفي حالات ارتفاع الأسعار لا بد أيضاً للمستهلكين والمشترين من توجيهات:
- فمن ذلك عدم التوسع في الشراء، وجعله هوايةً فهذا المال محاسب عليه الإنسان، فيم اكتسبه، وفيم أنفقه؟، فلا تجعلنّ الأمر الذي عليه مناط حسابك يوم الدين شهوة نفس، والمهم أن تشتري بغض النظر عما تنفق فلاتشتري إلاالضروريات.وقد قال تعالى: وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا"(الأعراف/31).
وقال:"إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"(الأنعام:141).
وقيل لإبراهيم بن أدهم:إن اللحم قد غلا
؟ فقال أرخصوه،أي لا تشتروه"(تاريخ دمشق لابن عساكر).
و نحن اليوم في دوامة بسبب الاسراف
والتبذير والمحاكاة والبهرجة في الزواج والأفراح والمأتم ..
عباد الله :" ماذا فعل عمربن الخطاب وقت الغلاء حث الناس على كثرة الصلاة والدعاء واللجوء إلى الله، وكان يصلي بالناس العشاء، ثم يخرج حتى يدخل بيته، فلا يزال يصلي حتى يكون آخر الليل، ثم يخرج فيأتي أطراف المدينة فيطوف عليها ويقول في السحر: اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي وقد رأى ابن أبي بلتعة يبيع الزبيب بالمدينة، فقال:"كيف تبيع يا حاطب؟
فقال: مدين.فقال:تبتاعون بأبوابنا، وأفنيتنا، وأسواقنا، تقطعون رقابنا، ثم تبيعون كيف شئتم، بع صاعًا، وإلا فلا تبع في سوقنا، وإلا فسيروا في الأرض،واجلبوا، ثم بيعوا كيف شئتم"(المصنف (14906). وكان عمريقف للتجاربالمرصاد حتي لايكون هذا المشتري المسكين في النهاية هو الخاسر، فكان يأمرالتاجر أن يتفقه قبل البيع والشراء ويقول:"لا يبع في سوقنا إلا من قد تفقّه في الدين"
ويقول:اللهم لا تهلكنا بالسنين يعني القحط- وارفع عنا البلاء، يردد هذه الكلمة.فما أحوجنا اليوم إلي الاستغفار والدعاء والرجوع إلي الله ..
اللهم لاتهلكنا بالسنين يارب العالمين واجعلنا مصر بلدنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين يارب العالمين.
عباد الله أقول قولي هذا وأقم الصلاة .