
لا خوف من ناحية الرزق وال نَصِيب
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول
الله وبعد
فيقول الله تعالي:" وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ
وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ
تَنطِقُونَ"(الذاريات/22-23).
كم تتعب النفوس وتشقى الأرواح وتذوي الأجساد من هم الرزق في المستقبل، كم من نفوس انهارت وعقول تعطلت من القلق على رزق الغد، ويبقى الإنسان المسكين يجلد في ذاته ويعذب نفسه ويشقيها باتخاذ دور ليس دوره فالمقدر والخالق والرازق هو الله وحده، والرحمن سبحانه تكفل برزق الخلائق كلهم بارهم وفاجرهم، فأطعم الحوت في ظلام البحر كما أطعم النمل في جحور الأرض، لم يكلف أحداً إلا بالسعي والنشاط والجد وكلها أمور شكلية، إلا أن لكل مجتهد نصيب،
ففرق بين من يبدأ يومه من قبل إشراقة
الشمس ممن ينتصف النهار وهو لا يزال يتقلب في فراشه، وفرق بين من تعب على نفسه بالدرس
وصبر على عناء التعليم وبين من رضي أن يتخلف عن ركب المتعلمين لأسباب الكسل والعجز
وربما ضرورة العيش، وربنا الرزاق عادل سبحانه لا يظلم أحداً..
ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا بان المقادير قد قدرت قبل أن يخلق الله الإنسان إلا انه أمرنا بأن نعمل ونسعى فكل ميسر لنصيبه وقدره، فالإنسان المهموم بالتفكير والتدبير للرزق وهو مسترخٍ على أريكة التمني والكسل، إنما استزله الشيطان فملأ قلبه هماً وكدراً وقلقاً على نفسه وقوت عياله، وكأن الأرزاق تستمطر من يد الرحمن بالفكر والقلق والسهاد..
هم الرزق وقلق المستقبل والنصيب وقوت العيال هي موعدة الشيطان التي أخبرنا بها القرآن في قوله"الشيطان يعدكم الفقر" أي أن الشيطان يهددنا ويخوفنا من مستقبل الفقر والعوز ليحزننا ويهم قلوبنا ويشغلنا بالدنيا والتمسك بحطامها ومنع الصدقة عن المحتاج، ومتى صدق الإنسان هذه الموعدة الشيطانية فسيسقط سريع الهلع والخوف والقلق من رزق الغد..
الأرزاق بيد الله تعالى، وهو أمر مفروغ منه كما ورد في الحديث عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنَّ أحدَكم يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بطنِ أمِّه أربعينَ يومًا نطفةً ، ثم يكونُ علقةً مثلَ ذلك ، ثم يكونُ مضغةً مثلَ ذلك ، ثم يبعثُ اللهُ إليه ملَكا ، ويُؤمرُ بأربعِ كلماتٍ ، ويُقالُ له : اكتبْ عملَه ، ورزقَه ، وأجلَه ، وشقيٌّ أو سعيدٌ ؛ ثم يُنفخُ فيه الروحَ ، فإنَّ الرجلَ منكم ليعملُ بعملِ أهلِ الجنةِ ، حتى لا يكونَ بينه وبينها إلا ذراعٌ ، فيسبقُ عليه الكتابُ ، فيعملُ بعملِ أهلِ النارِ ، فيدخلُ النارَ . وإنَّ الرجلَ ليعملُ بعملِ أهلِ النارِ ، حتى ما يكونُ بينه وبينها إلا ذراعٌ ، فيسبقُ عليه الكتابُ ، فيعملُ بعملِ أهلِ الجنةِ ، فيدخلُ الجنةَ " (البخاري ومسلم).
على الإنسان أن يعمل بالأسباب المشروعة لجلب الرزق، والله تعالى هو مقسم الأرزاق، فهذا يجعله غنيا لأنه لا يصلح له إلا الغنى، ولولا ذلك لانحرف، والآخر يجعله فقيرا، ولو أغناه الله لانحرف، ومنهم بين هذا وذاك، يقول تعالى:"أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ"(الزخرف/32).
إذا أيقنت أن الرزق مقسوم فلا تفكر فيه، ولا تصغ لوساوس الشيطان؛ لأنه يخوف الناس في هذا الباب ويعدهم بالفقر، كما قال تعالى:"الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"(البقرة/268).
يعجبني كثيراً مقولة الحكيم الحسن البصري
عندما قال :"علمت أن رزقي الذي قسمه الله لي لن يأكله غيري فاطمأن قلبي"،
وهذه حقيقة رغم وضوحها لكنها غير مستقرة في قلوب كثير من الناس، ولو اعتقد الناس ذلك
حقيقة لعرفوا كيف يفرقون بين طلب الرزق بالأسباب، وبين جعل موضوع فقدان الرزق والجوع
والعوز كالشبح أو الكابوس الذي يكدر على الإنسان وعلى من حوله الحياة الهادئة الهنية..
فقط أعتقد أن موزع الأرزاق عادل رحيم وقد تكفل سبحانه برزقك فنم هانئ البال قرير العين،
وعلى دروب الخير نلتقي..
قيل
لأعرابي :"لقد أصبح رغيف الخبز بدينار"
فأجاب : "واللهِ ما هَمَّني ذلك ولو أَصْبَحَتْ حَبةُ القمحِ بدينارٍ، فأنا
أَعْبُدُ اللهَ كما أَمَرَنِي، وَهُوَ يَرْزُقُني كما وعَدَنِي".
العلاج
والعلاج ليس بإلغاء الشعور بالخوف لأنه طبيعي، و
لكن يكمن في منع التصرفات الخاطئة اتجاه الشعور بالخوف، ولكن عليك بأسباب
الرزق، والتي من أهمها:
- تقوى الله تعالى يقول سبحانه:"وَمَن
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ
"(الطلاق/2)..
- التوكل على الله يقول جل شأنه:"وَمَنْ
يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ
اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً"(الطلاق/3).
= برك بوالديك، وصلتك برحمك مفتاح من مفاتيح
الرزق، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام:" مَن أحبَّ أن يُبْسَط له في رزقه، وأن
يُنسأ له في أثره فليصل رحمه"(البخاري).، وأعظم الرحم و أقرب الرحم الوالدان
وعليك أن توثق صلتك بربك سبحانه، وأن تجتهد في تقوية إيمانك،
وتكثر من الأعمال الصالحة فذلك من أسباب جلب الحياة الطيبة كما وعد الله بذلك فقال:"مَنْ
عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً
طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ
مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ".
= الاقتداء بذوي الشجاعة في القديم والحديث،
والابتعاد عن الجبناء الذين يزينون الخوف والجبن للإنسان .
= طلب المشورة من الحكماء الصالحين، وخاصة عند التردد
في لحظات الضعف البشري التي يمر بها غالبية الناس .
= لا تتعاطى مع وساوس الشيطان، واقطع خواطره
بالاستعاذة وتلاوة الآيات التي تتحدث عن الرزق.
= أحسن الظن بالله تعالى كما ورد في الحديث
القدسي:"أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء" .
=الفهم العميق لمعنى التوكل، وهو أن الحذر
والسعي واجبان ، رغم أن الأجل محدد والرزق مكتوب، فنحن نحذر ونسعى لوجوب ذلك ، وليس
لأن الحذر سيمنع القدر، أو لأن السعي هو مصدر الرزق فهو بيد الله تعالى.
= الفهم أن الأجل محدد لكن كيف سنعيش إلى
أن يحين ذلك الأجل متروك لبذل الإنسان في الغالب، فمثلاً قد يكون أجل الإنسان محدد
بمئة سنة، لكن إلى أن يحين ذلك هل سيعيش مريضاً أم سليماً، صحيحاً أم ناقصاً؟ فهذا
بيد الله تعالى ثم لجهد الإنسان، وليس لباقي البشر في الغالب، فيصبح الخوف الحقيقي
من الله تعالى وليس أحد سواه سبحانه.
= عدم المبالغة في حرص الأهل و الأولاد،
فقد نهى الرسول صلى الله و عليه و سلم عن ذلك، كما جاء في معنى الحديث لما جاء الحسن
و الحسين يسعيان إلى النبي صلى الله و عليه و سلم فضمهما إليه و قال: “إن الولد مَجْبَنَةُ”
أي أن الولد سبب لجبن الأب، فإنه يتقاعد من الغزوات بسبب حب أولاده و الخوف من الموت
عنهم، “مبْخَلَة” أي أن الولد سبب للبخيل بالمال، “مَجْهَلَة” لكونه يحمل على ترك رحلة
العلم و جد في تحصيله، لاهتمامه في تحصيل المال لهم، “مَحْزَنَة” لكونه يحمل لأبويه
الحزن إذا مرض سبب لهم الحزن، وإن طلب شيء لا قدرة لهم عليه حزنا .
= الإكثار من الدعاء لله تعالى والاستعانة به دوماً
فهو الذي خلقنا فيعرف مداخلنا ومخارجنا، وما ينفعنا وما يضرنا، وما يضعفنا أو يقوينا،
ولا حول لنا ولا قوة إلا به سبحانه. لا أحد منا يعلم ما يحمله الغيب له، إنه مجهول،
غير مُدرَك، لا يمكن لنا الإطلاع عليه، و الحقيقة الواضحة أن الواقع يتغير، ولا يدوم
إلا الله عز وجل، فالأخذ بالأسباب والسعي الجاد للتطور نحو الأفضل والاجتهاد، لكن السر
يكمن في بركة الله وتوفيقه والتوكل على الله بقلب نقي مطمئن لرحمته وحسن الظن به .
الزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك
من أسباب تفريج الهموم وكشف الكروب، بكثرة
الاستغفار كما قال تعالى:"فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل
لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا"0نوح/10-12).. كما قال النبي
-صلى الله عليه وسلم:"من لَزِمَ الاستغفار جعل الله له من كل ضِيقٍ مخرجًا، ومن
كل هَمٍّ فرجًا، وَرَزَقَهُ من حيث لا يحتسب"(أبوداود وابن ماجه وأحمد). وقال
لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها:"إذا تُكْفَى همَّكَ، ويُغْفرُ لك ذنبك"(الترمذي).
التزم بورد يومي من القرآن الكريم، وحافظ
على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، كما قال تعالى: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ
قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"(الرعد/28).
= المحافظة
على الذكر الذي علمه نبينا عليه الصلاة والسلام لابنته فاطمة وزوجها علي رضوان الله
عليه حين أتته فاطمة تطلب منه خادما يعينها في أعمالها فقال عليه الصلاة والسلام: " ألا أَدُلُّكم على خيرٍ مما سألتُماه ؟
إذا أخذتُما مضاجعَكما فكبِّرا اللهَ أربعًا و ثلاثين ، و احمدا ثلاثًا و ثلاثين ،
و سبِّحا ثلاثًا و ثلاثين ، فإنَّ ذلك خيرٌ لكما من خادمٍ(البخاري ومسلم). . قال علي
ما تركته منذ سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم قيل له ولا ليلة صفين قال ولا ليلة
صفين"، فإن داومت على ذلك أعانك الله على قضاء أعمالك بنفسك دون الحاجة إلى معين
سوى الله تعالى.
=عدم العجلة علي الرزق فالرزق عند الله
مضمون وأبوابه كثيرة
كم يحمل الناسُ همّ الرزق، ويشغل بالهم
التفكير به، وكم يُعنِّي أبدانهم السعي وراء تحصيله، وهم في ذلك على ثلاثة أصناف، صنفٌ
خاملٌ متواكلٌ، يتمنى على الله الأمانيّ، لم يأخذ بالأسباب، وإنما أخذ بالدعاء فحسب،
وصنف ثانٍ، ساعٍ كادحٌ على طلب رزقه، ولكنه يطلبه من غير باب الله الرزاق، وصنف ثالث،
أخذ بالأسباب، ولكنه تعلق بها أشد التعلق، واعتمد عليها كلَّ الاعتماد، واعتقد أن الرزق
آتيه منها وبسببها، ونسي - هداه الله - دعاء ورجاء، مسبب الأسباب، ورازق الأرباب. إن
ما يجب على كل عاقلٍ معرفته وإدراكه، أن كل شيءٍ خلقه الله، خلق معه رزقه، وأنه تعالى
متكفلٌ برزقه، ضامنٌ له به، هذا ما جاء في القرآن صريحاً في قول المولى عز وجل:"وما
من دابّةٍ في الأرض إلا على الله رزقها"، ودابة: اسمٌ جامعٌ لكل ما دبّ وخب على
وجه الأرض، من المخلوقات، كائناً ما كان، ولا شك أن الإنسان أكرم ما دب منها على سطح
الأرض، بمقتضى قوله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البرِّ والبحر ورزقناهم
من الطيبات وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلا)، وانظر أيرزق اللهُ غير الإنسان من
الحيوانات والحشرات والطيور، ويدعه وهو أكرم عليه من سواه مما خلق؟!
ألا إن رزق الله مضمون مكفولٌ آتٍ لا ريب
ولا محالة، إن لم تأته أتاك، وإن لم تسعَ إليه سعى إليك، لابد أن يصيبك، ما دام قد
قسم لك، لن يزيد فيه حرصك وتعبك، ولن ينقص منه تفريطك ودَعَتُك، ولن تنالَ أكثر منه
بسعيك الجاد، وذكائك الحاد، واحتيالك في كل واد، جاء في الحديث: (إن الرزقَ ليطلُبُ
العبدَ، كما يطلبه أجله)، وصدق أبو تمام إذ قال:
لو كانت الأرزاقُ تجري على الحِجا**هلَكْنَ
إذن من جهلنَّ البهائم
ورحم الله القائل:
لا تعجِلنَّ فليس الرزقُ بالعجَلِ**الرزقُ
في اللوحِ مكتوبٌ مع الأجل
فلو صبرنا لكان الرزقُ يطلبنا **لكنّه خُلِقَ
الإنسانُ من عَجَلِ
فعلام الهم والحزن؟ وعلامَ الخوف والقلق؟ مرَّ رسول الله بابن مسعود فقال: "لا تكثر همّك، فإنه ما يقدَّرْ يكن، وما تُرزق يأتِك"(صحيح)قال محمد بن زُريق البغدادي في قصيدته المشهورة:
وما مجاهدةُ الإنسانِ توصِلُه**رزقاً، ولا
دَعَةُ الإنسان تَقطَعُهُ
والله قسم بين الخلقِ رزْقَهُمُ **لم يخْلُقِ اللهُ مخلوقاً يضيّعُهُ
يقول الله جل وعلا:"وفي السماء رزقكم وما توعدون"، تأمل قوله تعالى: (في السماء)، وليس في الأرض، أي عنده جلّ في علاه، وعَظُم في فضله، وإن هذا لَمن رحمته الواسعة؛ لأنه لو كان الرزق ينال بحسب الجد والكد في الأرض، وبقدر ما يستطيع الإنسان، أن يبسط يده عليه، لغدت الأرض ساحة معركة وقتال، ولاستحالت إلى غابة صراع ونزاع، البقاء فيها للأقوى، وكما قال الله سبحانه:"وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ"(الشوري/27) .
ولمّا كان سبحانه عالمٌ بطبيعة البشر، وبخلجات نفوسهم وسرائرها، "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ"(ق/16)، علم ما فيهم من ضعف وخوف، وما يدخل عليهم من شكٍ وقلق في مسألة الرزق، فأقسم على ما قاله، مكرراً في قسمه لفظة السماء، ومضيفاً إلى القسم، مؤكدين هما «إنّ واللام»، فقال جل ثناؤه: "فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ"(الذاريات/23).
وانظر قوله تعالى:"مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ
تَنطِقُونَ"(الذاريات / 23).، فلمَ ختمت الآية بكلمة تنطقون؟ وليس مثلاً بكلمة
تنظرون أو تأكلون أو تسعون أو غيرها.. إنها إشارة إلى أن الله تعالى الذي أنطقك بالسؤال،
وجعلك تدعوه بالرزق، جعل لك رزقاً كما جعل لك نُطقاً، وسيعطيك سُؤلك، وسيجيب دعوتك،
فيجلبُ الرزق لك؛ وإلا لَما جعلك تنطق وتسأل ابتداءً، وفي هذا كل الرحمة والرأفة، والكفالة
والرعاية بعباده.
فإلي هؤلاء الذين يبثون الخوف والهلع في نفوس الناس ويخوفنهم من ناحية الرزق والنصيب والمستقبل .. لتقويض الأمن في المجتمع ..
نقول:" ليكن المسلم عامل طمأنينة ونشر أمان في مجتمعه, لا تكون ممن ينشر الأراجيف والتخويف بين الناس, فالأمن نعمة عظيمة والله خص به أهل التوحيد .. قال تعالى:"ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ" ( الأنعام:82.).