
لُحُومَ العُلَماءِ مَسْمُومَةٌ ، وَعَادةُ اللهِ في هَتْكِ أسْتَارِ مُنْتَقِصِيهِمْ مَعْلُومَةٌ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:"
فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ضمن حديث طويل :"إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلم، فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافر"(أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان).
فالأصل أن علماء الإسلام ورثة الأنبياء والأنبياء كانت رسالتهم لهداية الناس والإصلاح ، وإذا كان الأنبياء لهم حق التبجيل والتعظيم والتكريم ، فلمن ورثهم نصيب من ذلك ، أن يبجل ويعظم ويكرم ،فبتوقير العلماء توقر الشريعة ؛ لأنهم حاملوها ، وبإهانة العلماء تهان الشريعة ؛ لأن العلماء إذا ذلوا وسقطوا أمام أعين الناس ؛ ذلت الشريعة التي يحملونها ، ولم يبق لها قيمة عند الناس ..
والمقصود بالعلماء علماء الشريعة الذين هم ورثة النبي صلي الله عليه وسلم ، و العلماء ورثة الأنبياء ؛ لأن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ، فإن النبي صلى عليه وسلم توفي عن بنته فاطمة وعمه العباس ولم يرثوا شيئاً ؛ لأن الأنبياء لا يورثون إنما ورثوا العلم, فالعلم شريعة الله فمن أخذ بالعلم ؛ أخذ بحظ وافر من ميراث العلماء .
والعلماء ليست لهم العصمة من الخطأ ، وهم بشر كغيرهم ، وإن فُضّلوا بحمل ميراث الأنبياء عليهم السلام . ولذا إن بدر منهم اجتهاد وخطأ فيكون الاستدراك عليهم بعلم وأدب
والذي يحمل من يخوض في أعراضهم علي ذلك وعدم الوثوق بهم واتهامهم بالعجز والوهن هو أنه يصطدم مع ميوله وأهوائه ، أو أنه يراه يتكلم لهوي الناس ونحن لا ننكر أنه يوجد علماء سلطان أو علماء دنيا يبررون لأعداء الله، ويخذلون أولياء الله، ويصدق فيهم قول الله عز وجل:"وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ "(الأعراف: 175-176).
و"لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في منتقصهم معلومة" و"لا شك أن هذه الكلمة من حيث إنها تخص العلماء بالذكر لنهي عامة الناس عن الكلام فيهم بما يكرهون وهي الغيبة، وليس معنى ذلك أن عامة المسلمين ليسوا كذلك. لكن هذه الكلمة التي سارت كما يقولون". مسير الركبان "فيها شيء من المبالغة بحيث يجعل الجمهور السامعين لها والمستعملين لها يتوهمون أنها جملة مأثورة إما عن النبي صلى الله عليه وسلم وإما عن السلف الصالح ولكنا علمنا ليس شيئا من ذلك يتعلق بهذه الجملة، غاية ما فيها أن فيها شيئا من الحكمة من حيث المبادرة في التحذير عن استغابة العلماء لأنهم خاصة هذه الأمة والمفروض فيهم أنهم ورثة الأنبياء ,
كما قال
عليه الصلاة والسلام لكن لا يخفى على الجميع أن اتصاف العالم بأن يكون الوريث المحمدي
هذا أمر "دونه خرط القتاد" كما يقال إلا لمن يسر الله له عز وجل. كان النبي
صلى الله عليه وآله وسلم يقول كقاعدة عامة"الغيبة ذكرك أخاك بما يكره""ولا
شك أنه لا يدخل في هذا المجال النقد بالحق وبالتجرد عن الهوى وعن النيل من المنتقد
من الناقد وإنما يقصد بذلك مجرد النصح للأمة"
وتنسب هذه العبارة للحافظ (ابن عَسَاكِر) رحمه الله (499هـ – 571 هـ):"واعْلَمْ يَا أخِي – وَفَّقَنَا اللهُ وَإيَّاكَ لِمَرْضاتِهِ، وَجَعَلَنَا مِمَّنْ يَخْشاهُ ويَتَّقيه حَقَّ تُقَاتِهِ – أَنَّ لُحُومَ العُلَماءِ مَسْمُومَةٌ، وَعَادةُ اللهِ في هَتْكِ أسْتَارِ مُنْتَقِصِيهِمْ مَعْلُومَةٌ، لأنَّ الوَقِيعَةَ فِيهِمْ بِمَا هُمْ مِنْهُ بَرَاءٌ أمْرُهُ عَظِيم، والتَّناوُلُ لأعْراضِهِم بالزُّورِ والافْتِراءِ مَرْتَعٌ وَخيمٌ، والاختِلاقُ عَلَى من اخْتارهُ اللهُ مِنْهُم لِنَعْشِ العِلْمِ خُلُقٌ ذَمِيمُ"
ويقول بعض العلماء "بيان الحق واجب وبيان الخطأ واجب وليس هذا من أكل لحوم العلماء بل هذا من بيان الحق والنصيحة وليس من أكل لحوم العلماء، أنت لا تتكلم في اشخاصهم انت تتكلم في اخطائهم تبين الحق فيهم".
نعم يجوز لك أن تتكلم في أخطأ العلماء بقصد الاصلاح لا بقصد الغيبة والانتقاص والنيل من شرفهم وعندما تتكلم لابد أن تتكلم عن حقيقة وعلم فتقول مثلآ:" سمعت ورأيت العالم الفلاني ينهي عن التدخين والمخدرات والخمور وقد رأيته بأم عيني و بيده سيجارة ويدخن .. أما أن تقول العالم الفلاني ينهي عن الزنا وهو يرتكبه فهنا وجب أن يقام عليك حد القذف لأن الزنا يحتاج إلي أربعة شهود عدول لايتغير في قولهم كلمة عن الأخري ..
ولايجوز لك أن تقول الشيخ الفلاني قوله لايطابق فعله فهذا لفظ علي العموم والشيوع ومنقصة له وتنفير العوام من سماعه .. أو تقول يقولون مالايفعلون ..فهذا لفظ أيضاً مطاط تريد به انتقاص العلماء أو العالم التي تقصده ..
فلابد أن يكون نقد بناء والأولي أن تنقده وتحاوره في وجهه ربما يكون لديه الحجة والاقناع .. فغيبة العلماء تُقلل من شأن العلم الذي في صدورهم ، والذي يعلمونه الناس ، فلا يَقبل الناس ما يأتون به من العلم ، وهذا ضرر على الدين ..
وقال الإمام الذهبي في ترجمة الإمام ابن عبد البر : " وكلٌ يؤخذُ من قوله ويترك إلا رسول الله صلي الله عليه وسلم ، لكن إذا أخطأ إمام في اجتهاده ، لا ينبغي لنا أن ننسى محاسنه ، ونغطي معارفه ، بل نستغفر له ونعتذر عنه ".فلاأقول قد أخطأ فلان العالم وإنما نقول لعله قد أغلق عليه هذا إن كان عن غير قصد ولم يكن هناك إساءة لشرع الله ولاتحريف ولاتزييف.
فما أحوجنا أن نتأدب مع العلماء لأن احترامهم احترام للعلم الذين يحملونه وانتقاصهم
انتقاص لعلمهم ، وأن من أطلق لسانه في العلماء فإنه لن يسلم في الدنيا ولا في الآخرة
لأن لحوم العلماء مسمومة وسنة الله في منتقصيهم معلومة , ولا خير في أمة لا توقر
علمائها فالعلماء هم مرجع الأمة وبإسقاطهم ينتصر المنافقون وأعداء الإسلام
وبإقصائهم يعلو شأن أهل البدعة ويستطير شرهم ، وإذا رأيت الرجل يغمز العلماء فلا
ترج فيه خيرا واعلم أنه على شفا هلكة وسبيل بدعة ولا حول ولاقوة إلا بالله.