
الإنصاف في حل مسائل الخلاف حكم كشف الأم مفاتنها أمام أبنائها؟
هل يجوز للأم أن تكشف مفاتنها وعورتها أمام أبنائها ومحارمها وما هو حد العورة؟
قد تفهم المرأة أنها إذا كانت أماً ولها أولاد وبنات، فإن لها أن تتكشف أمامهم بكامل حريتها، بحكم أنهم محارم لها.
لكن الصحيح غير ذلك، فالعورة تظل عورة حتى مع المحارم، والعورة منها المغلظة ومنها المخففة، فالمغلظة إذا أردنا بها السوأتين القبل والدبر، فلا يجوز أن يطلع عليهما إلا الزوجان.
بل حتى الزوجان عليهما احترام آداب المعاشرة ،لأن الملائكة الذين يلازمون الإنسان، واجب علينا أن نتأدب معهم، ونحترم شعورهم.
وإذا أردنا بالعورة ما كان غير السوأتين كما بين السرة والركبة في عرف الفقهاء، فإنها في حكم السوأتين أيضاً بالنسبة للنساء، لأنه لا يجوز للمحارم أن يطلعوا على عورة بعض.
وللفقهاء تفصيل في هذا الأمر
فمذهبُ المالكيَّة والحنابلة.:"أن عوْرة الأمِّ أمامَ أبنائها الذكور والإناث هو جميعُ بدنِها ما عدا ما يَظْهَر عادةً في العمَل داخلَ البيت، مِن الوجْه، واليديْن، والقدمين، وأسفلِ السَّاقين، والرَّأس، والشَّعْر، والعُنق؛
وعندَ الشافعيَّة :"يَحْرُم عليْها كشْفُ صدرِها، وثديَيْها، وكتفيها، ونحو ذلك ، ويَحْرُم على محارِمِها - كالأخ - رؤيةُ هذه الأعضاء منها، وإنْ كان من غيْر شهْوة وتلذُّذ،
وضبَط الحنابِلة ذلك بأنَّه ما يُسْتَر غالبًا.
واستدلَّ أهْلُ العِلم بما رُوِي عن أنس - رضي الله عنه أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم أتى فاطمة بَعبدٍ قد وَهَبَه لها، قال: وعلَى فاطمة رضي الله عنها - ثوبٌ إذا قَنَعَت به رأسَها لَم يبلغْ رِجْلَيْها، وإذا غطَّت به رِجْلَيْها لم يبلغ رأْسَها، فلمَّا رأى النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم ما تلْقَى،قال :"إنَّه ليسَ عليكِ بأسٌ؛ إنَّما هو أبوكِ وغلامكِ"(أبوداود).
وهذا هو معنى الحديث النبوى الشريف: عن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :"إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَلِيمٌ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ"(أحمد).،
فعلى المرأة التفرقة بين جلوسها أمام زوجها ومدى حريتها فى التخفيف من الملابس إذا ما استطاعت، أما أمام المحارم فيجب على المرأة مراعة التستر قدر المستطاع منعاً لتحرك الشهوات حتى ولو كانت مسنة فهى فى النهاية امرأة. قال تعالي:"وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"(النور:60).
فالعجوز التي لا تريد النكاح ولا تبرج بزينة؛فلا حرج أن تطرح الثوب والجلباب الذي عليها، فيبدو وجهها مثلًا، يبدو أطرافها أطراف يديها؛ فلا بأس بذلك،
ولأن "ستر العورة" من شيم الأنبياء عليهم صلوات الله جميعاً، وذلك امتثالاً لما جاء بالحديث "اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي"(أبوداود وابن ماجه).
وعن عطاء بن رباح قال لي ابنُ عَبَّاسٍ: ألَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِن أهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلتُ: بَلَى، قَالَ: هذِه المَرْأَةُ السَّوْدَاءُ؛ أتَتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَقَالَتْ: إنِّي أُصْرَعُ، وإنِّي أتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: إنْ شِئْتِ صَبَرْتِ ولَكِ الجَنَّةُ، وإنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أنْ يُعَافِيَكِ، فَقَالَتْ: أصْبِرُ، فَقَالَتْ: إنِّي أتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لي ألَّا أتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا"(البخاري ومسلم).يقال انها كانت لاتأتيها نوبة الصرع إلا وهي ساجدة بين يدي الله رب العالمين ..
فالمرأة كلها عورة مغلظة، إلا الوجه والكفين، والمرأة عورة حتى بين محارمها إلا في حدود ما ذكرنا، لذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أمر الصحابة بأن يستأذنوا عند دخولهم بيوتهم، فعن عطاء بن يسار قال أنَّ رجلًا سألَ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ أستأذِنُ على أمِّي فقالَ نعَم فقالَ الرَّجلُ إنِّي معها في البيتِ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ استأذِنْ عليها فقالَ الرَّجلُ إنِّي خادِمُها فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ استأذِنْ عليها أتحبُّ أن تراها عُريانةً قالَ لا قالَ فاستأذِن عليها"(أبوداود).
عباد الله :" أمَّا ضوابط السَّاتر للعوْرةِ للمرأة في بيتها، سواء كانتْ أمًّا أو بنتًا، أو غيرهما: أن يكون ساترًا لجميعِ البَدن إلا أثناءَ العمل في البيت، وألاَّ يَصِف ولا يشفَّ، فلا يَجوز لبس العاري مِن الكتفين، أو القَصير إلى حدِّ الرُّكبة، أو (البِنطال) الضيِّق (كالإسترتش) الذي يَصِف الجِسم؛ لأنَّ هذه الأجْزاءَ مِن الجسد لا يجوز النَّظر إليْها، فلا بدَّ من ستْرِها.
هذا؛ والسنُّ التي يجب فيها على الأمِّ الاحتياط مِن أبنائها هو سنُّ التمييز، وهو في الغالِب يكون عندَ السابعة.
لأن عورة الأم أمام أبنائها الصغار تختلف باختلاف عقلهم وسنهم، فإن كانوا يعقلون معنى الكشف وظهور العورة، فإنه ينبغي على الأم ألا تُظهر شيئاً من بدنها أمامهم سوى الأطراف التي يجوز للمحارم البالغين رؤيتها، وهذا من باب التربية والتدريب لهم.
وأما إن كانوا لا يعقلون معنى العورات، فإنه لا شيء على الأم في ظهور بعض جسدها أمامهم، لأنه لا تكليف عليهم، قال القرطبي:"وهو الصحيح"وقال بعض العلماء:"لا يجوز، وهو أحوط، ليعتاد الطفل على عدم رؤية العورات.
ومن بلغ من الأطفال عشر سنوات من العمر، فإنه لا يجوز له أن يرى من الأجنبية غير الوجه والكفين، لأنه قارب البلوغ، لذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن يفرق بين من بلغوا عشر سنين في المضاجع أي وقت نومهم.
وفرق ما بين أطفال المرأة نفسها وغير أطفالها، فأطفالها يجوز لهم أن يروا من أمهم الوجه واليدين والشعر والرقبة، وربما جزءاً من الصدر أيضاً، بخلاف غير أطفالها،فإنه لا يجوز لهم أن يروا منها إلا الوجه واليدين.
أما ما نرى اليوم من أن الأم تدور بين أولادها الصغار والكبار بلباس النوم، أو أنها تظهر مفاتنها أمام أولادها، فإنها في ذلك تخالف شرع الله.
أما المرأة غير المسلمة لا يجوز لها أن ترى من المرأة المسلمة إلا الوجه والكفين، لأن حكمها حكم الرجل الأجنبي، هذا إن أرادت المسلمة أن تحافظ على دينها.
وأما بالنسبة لعورة الرجال، فإذا قلنا بالجواز، فذلك للحاجة، وإلا ظل مكروهاً، لذلك فإن ستر ما بين السرة والركبة يعتبر شرطاً من شروط صحة الصلاة.
وستر ما بين السرة والركبة ليس عورة الرجل فقط، بل عورة المسلمة مع المسلمة أيضاً، إذ يفترض ألا ترى المرأة من المرأة إلا ما كان في خارج حدود السرة والركبة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"لاَ يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلاَ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلاَ تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ"(مسلم).
وعليه فالستر واجب وأولي والله حليم ستير يحب الستر
والله تعالى أعلم ..