
الدرس الثاني عشر | كفارة من جامع زوجته في نهار رمضان
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أما بعد فياعباد الله..حديثنا إليكم اليوم عن حُكم الكفّارة على مَن أفطر عمداً في نهار رمضان سواء بالأكل والشرب عمداً أو بالجِماع..
وبداية يتوجّب على مَن أفطر مُتعمّداً في نهار رمضان بالأكل والشرب أو بالجماع التوبة إلي الله والقضاء وقد تعدّدت آراء العلماء في كفّارة الفطر عمداً في نهار رمضان بغير الجِماع، فقال الشافعيّة:"بعدم وجوب الكفّارة إلّا على مَن جامع في نهار رمضان، فلا كفّارة على من أَكلَ، أو شَرِبَ في نهار رمضان، ولو كان مُتعمّداً.وعليه القضاء فقط..
أما الحنفيّة: قالوا بوجوب الكفّارة على كلّ من أفطر في نهار رمضان؛ سواءً بالجِماع، أو الأكل، أو الشُّرب، ونحوهما من الأمور المباحة ..
والمالكيّة: قالوا بوجوب الكفّارة على مَن تعمّد الأكل، أو الشُّرب في نهار رمضان، أو تناول شيئاً يَصِل إلى الجوف، حتى وإن كان ممّا لا تحصل التغذية به، كالحصاة، ونحوها، كما تجب على مَن تعمّد القيء، أو ابتلع شيئاً منه ولو غلبةً، أو تعمّد الاستياك بقشر شجر الجوزاء فابتلعها ولو غلبةً، ومقدار الكفارة في ذلك نفس مقدار كفارة الجماع؛ لِما فيه من هتك حرمة الصيام، فصار كالجماع، ويُستثنى من ذلك النسيان، وما يصل إلى الجوف من طريق غير الفم، كالأُذن، والأنف..
أما الكفارة بالجِماع فأجمعوا علي قضاء اليوم الذي أفسد صيامه، وأداء الكفّارة الواجبة التي بيّن النبي صلى الله عليه وسلم مقدارها في حديثه مع الأعرابي الذي أفسد صومه بالجماع،
حيث أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه قال:"بيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ هَلَكْتُ. قَالَ: ما لَكَ؟ قَالَ: وقَعْتُ علَى امْرَأَتي وأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قَالَ: لَا، فَقَالَ: فَهلْ تَجِدُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا.
قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَكَثَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَبيْنَا نَحْنُ علَى ذلكَ أُتِيَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ -والعَرَقُ المِكْتَلُ- قَالَ: أيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: أنَا، قَالَ: خُذْهَا، فَتَصَدَّقْ به فَقَالَ الرَّجُلُ: أعَلَى أفْقَرَ مِنِّي يا رَسولَ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ ما بيْنَ لَابَتَيْهَا -يُرِيدُ الحَرَّتَيْنِ- أهْلُ بَيْتٍ أفْقَرُ مِن أهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى بَدَتْ أنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: أطْعِمْهُ أهْلَكَ"(البخاري).
وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الكفارة تجب بالترتيب لا بالاختيار كما ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم؛ بمعنى أنّه لا يجوز أن ينتقل أحدٌ من الكفارة إلى ما بعدها حتى يتحقّق عجزه عن أداء الكفّارة السابقة، وتفصيل الكفّارة الواردة في الحديث على الترتيب كما يأتي:" عتق رقبةٍ مؤمنةٍ: حيث يتمّ البدء بذلك؛ وهو تخليص رقبة وتحريرها من العبودية، فإن عجز عن ذلك؛ بأن لم يجد رقبةً أصلاً، أو وجدها بسعرٍ أكثر من ثمنها، أو لم يجد الرقبة لانتهاء الرقّ كما هو الحال في زمننا، انتقل إلى الكفّارة التي تليها.
صيام شهرين متتابعين:"والتتابع المقصود أنْ يواصل صومه طوال الشهرين دون انقطاع، فإن قطعه لعذر شرعي، توجّب عليه المتابعة عند زوال العذر، ويبني على ما صامه قبل العذر، أمّا إن قطعه لغير عُذر شرعيّ، فقد وجب عليه البدء بصوم شهرين من جديد، فإن عجز عن الصوم لمَشقّةٍ شديدةٍ لا يمكن احتمالها، انتقل إلى الكفّارة التي بعدها.
إطعام ستّين مسكيناً: وقيمتها مُدٌّ لكلّ مسكين يُملّكه إيّاه من غالب ما يأكله أهل البلد؛والمُدّ يساوي 750 غراماً، فإن عجز عن كلّ ما ذُكِر،فإنّ الكفّارة تثبت في ذمّته، فإن استطاع فيما بعد، لزمه ما يقدر عليه؛ لأنّ الكفّارة حقٌّ من حقوق الله، فلزم أداؤها..
شروط وجوب كفّارة الجِماع ؟
تعدّدت آراء أهل العلم في الشّروط الواجب تحقُّقها لإيجاب الكفّارة على مَن أفطر في رمضان عامداً بالجِماع، فالشافعيّة : أوجبوا الكفّارة على الواطئ فقط دون الموطوءة، مع خُلوّ الجِماع من النسيان،أو الإكراه، على أن يتعلّق الإفساد بصيام رمضان، فإن كان الفِطْر في صيام تطوُّعٍ، أو قضاءٍ، فلا كفّارةٌ، وأن يكون الإفساد مُتعلّقاً بصيام رمضان..
الحنفيّة:أوجبوا الكفارة على مَن جامع في نهار رمضان بمجرّد التقاء الختانين، دون اشتراط الإنزال؛ سواءً كان الجِماع في القُبل، أو الدُّبر، وبشرط أن يكون الجِماع مع مَن يُشتهى من الآدميّين..
المالكيّة: تجب الكفّارة عندهم على كلّ مَن جامع امرأةً؛ سواءً أكانت زوجته، أم أجنبيّةً عنه؛ بالإدخال وإن كان دون إنزالٍ، وتسقط الكفّارة عن المُجامع إن كان مُكرهاً، أو ناسياً، أو جاهلاً مُتأوّلاً، وإن مكّنت المرأة زوجها من نفسها وطاوعته، وجبت عليهما الكفّارة، أمّا إن وقع الوطء وهي نائمةٌ أو مُكرهة لزم الزوج أنْ يُكفّر عنه وعنها، كما أوجب المالكيّة الكفّارة على مَن أخرج المَني، أو المَذي بالمباشرة دون الفرج، كالنَّظر، والتقبيل.
الحنابلة: أوجبوا الكفّارة في حقّ مَن جامع في نهار رمضان في القُبل، أو الدُّبر؛ سواءً تحقّق الإنزال، أم لا، ..والحُكم سواءٌ في حقّ مَن كان ناسياً، أو مُخطئاً، أو مُكرهاً، نائماً أم مستيقظاً؛ لعموم الأدلّة التي دلّت على وجوب الكفّارة على من أفسد صيامه بالجِماع.
هذا والله أعلم
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم ..