recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة | الأيات الكونية في القرآن الكريم | للشيخ عبدالناصربليح

 الأيات الكونية في القرآن الكريم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، وسلم تسليماً كثيراً أمابعد فياعباد الله. حديثنا إليكم اليوم  عن الآياتُ الكونيةُ وهي: الآياتُ المنسوبةُ إلى الكونِ الذي هو الخلقُ الذي كونَهُ اللهُ تعالى فكان، ومنها السماواتُ والأرضُ والجبالُ والسهولُ والأنهارُ والشمسُ والقمرُ والنباتُ والحيوانُ والجمادُ، وخَلْقُ الإنسانِ،وآياتُ اللهِ عزَّ وجلَّ في الآفاقِ،ومافيهما وما بينهمامِن سائرِ المخلوقات.

 فقد عرف سبحانه وتعالى نفسه من خلال آيات قدرته في الكون وبديع صنعه وجميل إنعامه وتكريمه لخلقه، فتأمل ذلك في سورة الرعد والنحل والأنعام والفرقان والحديد والملك بتدبر وإمعان ومطالعة للموضوع في كتب التفسير، وأما الحديث عن ماهية الله والتفكر في ذلك، فإنه من الغيب الذي لا يمكن التقول فيه بغير علم ولا الاطلاع على حقيقته بتفرس ولا حدس، وقد حثنا الشرع على التفكر في آيات الله،وعدم التفكر في الله نفسه كما في الحديث: تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله"(أبو نعيم وحسنه الألباني).

فلنحرص على ربط الناس بربهم عن طريق التذكير بنعمته وآياته..

عباد الله :"و لو وقفنا اليوم  مع بعض آيات القرأن الكريم في قوله  تعالي:" أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًاوَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًاوَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا "(عم : 6-17).

لعرفنا ماهي علاقة هذه التفاصيل من الآيات الكونية والتكوينية بقوله تعالى:"إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا"(عم : 17).

عباد الله:" الإنسان هو المخلوق الأول عند الله فهو من قبل أن يحمل الأمانة قال تعالى :"إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ"(الأحزاب/72).

فلما قبِل حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول ، و المخلوق المكرم ، والمخلوق المكلف ، كلفه بالعبادة ، هذا الإنسان كيف يعرف الله عز وجل ؟ الكون هو الثابت الأول،هذا الكون يدل على وجود الله،وعلى وحدانيته ،وعلى كماله ،فحينما ترى هذه الآيات العظيمة الدالة على وجوده ، وكماله ، ووحدانيته ، مما يقتضيه المنطق السليم أن هذا الخلق ليس عبثاً ، قال تعالى :أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا"(المؤمنون : 115).

فهناك مسؤولية ،وهناك حساباً يوم القيامة ، قال تعالى :"إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا"(عم / 17).

خلق الله وأفعاله وكلامه قنوات سالكة لمعرفته في  قوله تعالى : أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا"(عم/6).

أي ممهدة لحياة الإنسان ، فيها هواء نستنشقه ، وفيها ماء نشربه ، وفيها طعام نأكله ، هذه الأرض مصممة لهذا الإنسان ، وفيها تربة قابلة للزراعة ، وفيها محاصيل القمح والشعير وما إلى ذلك،وفيها خضراوات ، وفيها أشجار مثمرة ، وفيها أنهار ، وفيها بحيرات ، وفيها بحار ، وفيها أشياء لا تعد ولا تحصى فوق الثرى ، وفيها ثروات تحت الثرى،قال تعالى :"لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى"(طه/6).

عباد الله :"معنى ذلك أن الآيات الكونية خلقه ، والآيات التكوينية أفعاله ، والآيات القرآنية كلامه ، خلقه وأفعاله وكلامه هي قنوات سالكة لمعرفته ، وأصل الدين معرفة الله عز وجل ، والإنسان حينما يعرف الآمر ثم يعرف الأمر يتفانى في طاعة الآمر ، أما إذا عرف الأمر ولم يعرف الآمر يتفنن في التفلت من الأمر ، وكأنني وضعت يدي على مشكلة المسلمين الأولى .

نعم عباد الله:"التفلت من أمر الله مشكلة المسلمين اليوم فالله عز وجل يقول :"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُواالصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ"(النور/55).

خروج المسلمين عن منهج الله تعالى سبب عدم استخلافهم في الأرض هل نحن مستخلفون في الأرض ؟ الجواب : لا هل هذا الدين العظيم ممكن في الأرض ؟ الجواب : لا ،وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، قال تعالى :وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُم"( النور: 55).

فنحن لسنا مستخلفين،ولسنا ممكنين ،قال تعالى : "وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً"(النور: 55 ).

وبالتالي فلسنا آمنين ، هذه الحقيقة المرة ، إذاً أين الخلل ؟ ما السبب ؟ ما التفسير ؟ ما التعليل ؟ كيف نفهم أن هذه الوعود التي زوال الكون أهون على الله من ألا تحقق ؟ كيف نوفق بين عدم تحقق وعود الله لنا وبين هذا الكون العظيم والذات الكاملة الإله الموجود والواحد والكامل؟ لذلك هنا تكمن المشكلة .

عباد الله :" العبادة علة وجودنا و سبب وجودنا :

آخر كلمة في الآية الطويلة " يَعْبُدُونَنِي "(النور: 55).

علة وجود الإنسان أن يعرف الله عز وجل وهذه العلة تشبه إنساناًيسير في الضلالة وأخر يرى هدفه الواضح المستقيم قال تعالى :"أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"(الملك: 2).

إنسان تعرف إلى الله ، وتعرف إلى منهجه ، واتخذ قراراً بطاعته ، والتقرب إليه ، قال تعالى :"أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ"(السجدة/18)."أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ"(الجاثية: 21 ). مستحيل وألف مستحيل.  

عباد الله :" وهناك آيات أخرى من آيات الله الدالة على عظمته قال تعالى :"وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا"(عم/9).  

الله تعالى خلق النهار معاشاً والليل لباساً أي الليل ستر وسكن ،هناك راحة ،حينما تغيب الشمس ، ويعم الظلام ، صار هناك سكون ، الله جعل النهار معاشاً للحركة ، والليل لباساً للنوم والسكون ،أما حينما تقدم العلم كثيراً وصنعت الكهرباء فصار ليل الناس نهاراً ونهار الناس ليلاً ، قد يستيقظون قبيل الظهر أحياناً :"وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا  وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا"(عم :11-12).سبع سماوات قال تعالى :"وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا"(عم : 13).الشمس سراج يمدنا بالضوء والحرارة معاً،سراج ضوء، وهاج حرارة ،:"وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا"(عم /14). شديد الانصباب ،:"لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا"(عم :/15).الحب للإنسان والنبات للحيوان ، القمح المادة الأولى للتغذية:"وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا"(عم : 16).الأشجار ملتفة حول بعضها بعضاً ، والأغصان ملتفة حول بعضها بعضاً.

عباد الله أقول ماسمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أمابعد فياجماعة الإسلام  انتهاء الحياة بيوم يفصل فيه بين الحق و الباطل تلك آية كونية يقررها الحق سبحانه وتعالي فلابد للحياة أن تنتهي بيوم الحساب:"إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا"(عم/17).

في هذا اليوم يفصل بين الحق والباطل ، والخير والشر ، والأشياء ذات القيمة والأشياء تافهة القيمة .

إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا"(عم/17-20).

عباد الله :" إن الناس لم يخلقوا عبثا ، ولن يتركوا سدى . والذي قدر حياتهم ذلك التقدير .. ونسق حياتهم مع الكون الذي يعيشون فيه ذلك التنسيق ، لا يمكن أن يدعهم يعيشون سدى ويموتون هملا .. إن هنالك يوما للحكم والفرقان والفصل في كل ما كان . وهو اليوم المرسوم الموعود الموقوت بأجل عند الله معلوم محدود :"إن يوم الفصل كان ميقاتا "وهو يوم ينقلب فيه نظام هذا الكون وينفرط فيه عقد هذا النظام . "يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا . وفتحت السماء فكانت أبوابا ، وسيرت الجبال فكانت سرابا " ..نحن نتصور النفخة الباعثة المجمعة التي يأتي بها الناس أفواجا .. نتصور مشهد هذه الخلائق جميعا .. أفواجا .. مبعوثين قائمين آتين من كل فج إلى حيث يحشرون .. أين ؟ لا ندري ..ففي هذا الكون الذي نعرفه أحداث وأهوال جسام :"وفتحت السماء فكانت أبوابا .وسيرت الجبال فكانت سرابا"..السماء المبنية المتينة .. فتحت فكانت أبوابا ..فهي منشقة.منفرجة..نعم إنها آيات كونية تدلل علي عظمة الخالق وقدرته فهو المستحق للعبادة. فالله وحده هو الخالق المدبر المقيم للسماوات والأرض الرازق المحيي المميت .

عباد الله :" أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم وأقم الصلاة ..

google-playkhamsatmostaqltradent