
غلاء المهور.. قصم الظّهور
حديث
الساعة عن قائمة المنقولات وهل هي من شروط
صحة الزواج ؟أم هي من الشرع أم عرف تعارف عليه الناس ؟ و هذا الكلام واللغط سببه غلاء المهور والاسراف والتبذير الحادث في
هذه الأيام ..
وإذا
أردنا حكم
الشرع في قائمة المنقولات المنزلية عند الزواج ؟.
نقول إن الشرع قرر حقوقًا للمرأة معنويةً ومالية، وجَعل لها ذِمَّتَها الماليةَ الخاصةَ بها، وفرض لها الصَّدَاقَ، وهي صاحبةُ التصرف فيه، وكذلك الميراث، وجَعل مِن حقها أن تبيع وتشتري وتَهَب وتقبل الهِبَة وغير ذلك مِن المعاملات المالية، ما دامت رشيدةً، شأنُها في ذلك شأنُ الرجل؛ قال تعالى في شأن الصَّدَاق (أي المَهر):"وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا"(النساء: 4)، و (نِحلة ) : أي : عطية واجبة عن طيب نفس ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن أراد النكاح : ( اذْهَبْ فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ"(البخاري ومسلم).
وقال سبحانه:"وَالْمُحْصَنَاتُ
مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ
لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ
فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ
عَلِيمًا حَكِيمًا"(النساء: 24).
ولا
حرج في كون الصداق ذهبا أو نقودا أو أثاثا، معجلا، أو مؤجلا، أو بعضه معجل وبعضه مؤجل،
بحسب ما يتفق عليه الزوج وولي المرأة.
وإذا كان الزوج قد اشتري 30جراماً ذهباً، وأراد أهل العروس كتابة
70 جراماً، فلا حرج في هذا، ومعناه أن المهر منه 40 جراما من الذهب مؤجلة.
وجرى
العرف في بعض البلدان أن يشترى أثاث المنزل من مال الزوج، ومال أهل الزوجة، ثم يكتب
هذا في قائمة، على أنه من مهر المرأة، فإذا حصل طلاق أخذت ما في القائمة .ولا حرج في
ذلك أيضا .كما لا حرج أن يكتب في القائمة شيء غير موجود، فيكون دينا وصداقا مؤجلا.
وإذا جعل الأثاث من المهر، فهو ملك للزوجة، وكونها تأتي به إلى بيت الزوجية، هو من باب إذنها في استعماله، وإذا تلف منه شيء لم يلزم الزوج تعويضه .
وإذا حصل الطلاق فلها أن تأخذ هذا الأثاث
على حاله التي هو عليها عند الطلاق، وأن تأخذ غيره مما كتب في القائمة ولم يتم استلامه
، لأنه صداق مؤجل كما سبق.
وقد تعارف العرف علي أنه إذا ما قامت المرأةُ
بإعداد بيت الزوجية بمقدم صداقها سواء أَمْهَرَهَا الزوجُ الصداقَ نَقدًا أو قَدَّمَه
إليها في صورة جهازٍ أَعَدَّه لبيت الزوجية فإن هذا الجهاز يكون مِلكًا للزوجة مِلكًا
تامًّا بالدخول، وتكون مالِكَةً لنصفه بعَقد النكاح إن لم يتم الدخول؛ كما جاءت بذلك
نصوصُ القرآن الكريم وسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقدجرت العادة علي أن هذا الجهاز يكون في بيت الزوجية الذي يمتلكه الزوجُ
أو يؤجره مِن الغير، فيكون الجهازُ تحت يَدِ وقَبضَةِ الزوج.فلَمَّا ضَعُفَت الدِّيَانةُ
وكَثُر تَضييعُ الأزواجِ لِحُقوقِ زوجاتِهم رَأى المُجتمَعُ كتابةَ قائمةٍ بالمنقولات
الزوجية (قائمة العَفْش)؛ لِتَكون ضَمَانًا لِحَقِّ المرأة لَدى زوجها إذا ما حَدَثَ
خلافٌ بينهما، وتَعارَفَ أهلُ بلادنا على ذلك.
فالقائمة إذا استُخدِمَت في موضعها الصحيح ولم تُستَخْدَم للإساءة ليست أمرًا قبيحًا، بل هي أمرٌ حَسَنٌ يَحفظ حقوقَ الزوجة ولا يَضُرُّ الزوجَ، ولا تُصادِمُ نصًّا شرعيًّا، ولا قاعدةً فقهيةً، وإنما هي مُتَّسِقَةٌ مع الوسائل التي استَحَبَّها الشرعُ في العُقودِ بِعَامَّةٍ؛ كاستِحبَابِ كتابةِ العُقودِ، واستِحبَابِ الإشهادِ عليها، وعَدَمُ وجودها في الزمنِ الأولِ لا يُشَوِّشُ على مشروعيتها؛
لأنها تَتَّسِقُ مع المقاصد العامَّةِ للشريعة مِن السعيِ لضمانِ الحقوقِ، ورَفْعِ النـِّزاع، فهي ليست البدعةَ المذمومةَ المَنهِيَّ عنها، بل هي بدعةٌ مُستَحسَنَةٌ مَمْدُوحَة، يَصِحُّ أن يُقال فيها وفي أمثالها كما قال عمر رضي الله تعالى عنه: "نِعمَتِ البِدعةُ".
وهي من المتعارف عليها والقاعدة الفقهية تقول :" المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً" وهي كذلك من الأمور الدنيوية التي قال عنها رسول الله صلي الله عليه وسلم :" أنتم أعلم بأمور دنياكم"(مسلم).
والعرف إذا لم يخالف الشرع، فلا حرج في العمل به.ولعل أصل هذا العرف راجع إلى المشهور في المذهب المالكي من إلزام الزوجة بالتجهيز من صداقها، ويطلق عليه عندهم الشورة، وأن للزوج أن يتمتع بما أحضرته المرأة منها، وأنه لا يلزمه بدلها.
وإقرار الزوج في وثيقة الزواج بملكية الزوجة لجميع المنقولات الموجودة بمنزل الزوجية وكذلك ممتلكاتها الخاصة، وأنها جميعًا بعهدته، هو في حقيقته اشتراط وتعهد من الزوج لصالح الزوجة بأن كل ما يوجد في منزل الزوجية من المنقولات هو ملك للزوجة؛ إذ إن الزوجة وأهلها إنما يضعون هذا الشرط في وثيقة الزواج ضمانًا لحقوق الزوجة في المستقبل، وهو شرط لا يخالف الشرع، واشتمال وثيقة الزواج عليه لا يؤدي إلى بطلان الوثيقة، والوقوف على عدد هذه المنقولات ووصفها أمر آخر يثور في حالة استحقاقها، والتحقق منه أمر موكول لمحكمة الموضوع.
حتى إذا حصل خلاف يوجب الخلع ، يكون ما دفعه الزوج واضحا لا لبس فيه..
وعليه: فلا حَرَجَ شرعًا في الاتفاق على
قائمة العَفْش عند الزواج، ولا بأس بالعمل بها، مع التنبيه على عَدَمِ إساءة استخدامها ولكن لنا وقفة مع هؤلاء الذين يغالون في كتابتها او يغالون في الجهاز
لدرجة تصل الي الاسراف والتبذير الذي قصم ظهر الأسر وترتب عليه مخاطر كثيرة
لايحمدعقباه تسببت في دخول السجن والطلاق والخلع..
وهذا ماسوف نقف له بالمرصاد في اللحلقات القادمة .. غلاء المهور ..قصم
الظهور.
انتظرونا.