
أسماء يوم القيامة ودلالاتها في القرآن الكريم
لفضيلة الشيخ عبدالناصر بليح
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أما بعد فياعباد الله ..
"وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى
لِّلْمُتَكَبِّرِينَ"(الزمر/60).
أيها الناس :"إنّ ليوم القيامة أسماء متعددة، ودلالات وفي ذلك حكمة بالغة لأنّ كلّ اسمٍ
من تلك الأسماء يدلّ على وصفٍ مُحدَّدٍ، وبذلك يتحقّق الإيمان في القلوب بصورةٍ أبلغ،
وتستعدّ النفوس ليوم القيامة بشكلٍ أفضل، كما أنّ في تعدُّد الأسماء تنويهاً من الله
سبحانه لعباده بشأن ذلك اليوم، وتنبيهاً لهم؛و تحقيقاً للخوف في قلوبهم منه؛ فجميع
تلك الأسماء تدلّ على عِظَمِ ذلك اليوم، وشأنه الكبير، وشِدّة وقائعه، كما أنّ ذلك يُعدّ من
باب تعدُّد الأساليب القرآنية في الحديث عن اليوم الآخر.
عباد الله :" ومن معاني ودلالات يوم القيامة أنه سمي بيوم القيامة: والقيامة
تعنى قيام الموتى من قبورهم، وسُمِّي بهذا الاسم؛ لِما فيه من أمورٍ عظيمةٍ، ومنها:
قيام الناس لله لرب العالمين وهو أكثر الأسماء شهرة وقد ورد ذِكره في سبعين موضعاً في القرآن الكريم،
ومنها قوله تعالى:"وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ
وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ"(الزمر/60).
وسمي باليوم الآخر: إذ لا يوم بَعده؛ قال تعالى:"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"(البقرة/62).
عباد الله وسمي بالساعة:وسُمِّيت القيامة بالساعة؛ إمّا من باب قُرب وقوعها، وإمّا تنبيهاً على ما فيها من أمورٍ عظيمةٍ، وقِيل لأنّها قد تأتي فجأةً في أيّ وقتٍ؛ قال تعالى:"إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ"(طه/15).
وقد سمي بيوم البَعث: بسبب إحياء الأموات فيه، وإخراجهم من قبورهم؛ قال -تعالى:"ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ"(المؤمنون/16).
وسُمِّي يوم الخروج: لأنّ الناس يخرجون فيه من قبورهم؛ للبَعث؛ قال -تعالى-:"يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ"(ق/42).
وسُمِّي يوم الفَصل: لأنّ الله يفصل في هذا اليوم بين الخلائق قال تعالى :"إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ"(الدخان/40).
وسُمِّي يوم الفَتح: إذ يتمّ فيه الفَصل بين عباد الله؛ قال تعالى:"قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ"(السجدة/29).
عباد الله وهو يوم الدِّين: يوم الجزاء؛ إذ إنّه اليوم الذي يُجازي الله سبحانه وتعالى فيه عبادَه على ما قدّموا من أعمالٍ؛ فيُثاب مَن فعل البِرّ، ويُعاقَب مَن ارتكب الشرّ، ولا يُعذّب الله أحداً دون إقامة الحُجّة؛ بإرسال الرُّسُل,وتأييدهم بالكُتُب السماويّة، وبذلك يستحقّ العباد الثواب،أوالعقاب قال تعالى عن نفسه:"مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ"(الفاتحة/3).
وسُمِّي بالصاخّة: وهي الصيحة الشديدة التي تصمّ الأُذن؛ لقُوّتها؛قال تعالى:"فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ"(عبس/33).
وسُمِّي بالطامّة الكُبرى: وهي الداهية العظيمة، وعُرِّفت كذلك ب: الأمر الذي لا يُطيقه الشخص، ولا يستطيعه، وسُمِّي يوم القيامة بالطامّة؛ لأنّه يطمّ كلّ شيءٍ؛ أي يضعه فوق بعضه البعض؛ قال تعالى:"فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ"(النازعات/3).
وسُمِّي بيوم الحَسرة:والحَسرة أشدّ مراحل النَّدَم،ويوم الحسرة هو: اليوم الذي يكون فيه النَّدَم شديداً، وهو يوم القيامة؛ إذ يرى كلّ عبدٍ حصيلة أعماله،وتكون الحسرة بما يراه أهل النار من منازل أهل الجنّة، فتشتدّ حَسرتهم؛ قال تعالى:"وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ"(مريم/39)
عباد الله وسمي بالغاشية:لأنّه يغشى الخلائق بما فيه من أحداث، وشدائد قال تعالى:"هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ"(الغاشية/1).
وكذلك سُمِّي بيوم الخلود: إذ إنّه دائمٌ أبديٌّ لا انتهاء له؛ يقول تعالى مخاطباً أهل الجنّة:"ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ"(ق/34).
عباد الله وسُمِّي بيوم الحساب: وسُمِّي بيوم الحساب؛ لأنّ الله سبحانه يُحاسب عباده على كلّ ما صدرَ منهم في الحياة الدُّنيا، بالخير أو بالشرّ"؛ قال تعالى على لسان نبيّه إبراهيم عليه السلام:"رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ"(ابراهيم/41).
وسمي بالواقعة:وهي: الصيحة؛ أي النَّفْخ في الصُّور، ويُقصَد بالواقعة أنّ القيامة ليست كاذبةً، ولا رَدّ لها فهي ستقع لا محالة قال تعالى :"إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ*لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ"(الواقعة/1-2).
وسُمِّي بيوم الوعيد: أي وقت تحقيق الوعيد الذي ذكره الله -تعالى-؛ بمحاسبة العبد على ما قدَّم لله من أعمالٍ؛ قال –تعالى:"إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ"(طه/15).
وسُمِّي بيوم الآزفة: لقُربه؛أي اقتراب وقت وقوعه، يُقال في اللغة: أَزِفَ الرجل؛ أي قرب؛ قال تعالى:"وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ"(غافر/18).
عباد الله :" وهو الحاقّة: إذ تظهر الأمور، والحقائق، وما أُخفِي في الصدور يوم القيامة، فتَحِقّ وتتنزّل بالخلائق؛ قال تعالى:"الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ"(الحاقة/1-2).
وسُمِّي بيوم التلاق: بسبب التقاء أهل الأرض مع أهل السماء، كما يُقابل كلّ شخص ما قدَّمه من أعمالٍ في حياته الدُّنيا؛ ليُجازى عليها؛ قال تعالى:"رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ"(غافر/15).
وسُمِّي يوم التّناد: إمّا أن يُراد به: الفراق والبُعد، أو المُناداة، والنداء الدالّ على رَفْع الصوت؛ قال -تعالى-:"وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ"(غافر/32).
وسُمِّي بيوم الجَمع ويوم التغابُن: لِما يكون فيه من الخُسران والضَّعف، وما يكون فيه من تمنّي الأقلّ منزلةً مكان الأعلى منه، وقِيل إنّ يوم القيامة سُمِّي بيوم التغابُن؛ لأنّ الأمور والأشياء تبدو بخِلاف طبيعتها وحقيقتها في الحياة الدُّنيا؛ قال تعالى:"يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ "(التغابن/9).
عباد الله:" وهويوم الوعيد واليوم الموعود: وسُمِّي بذلك لأنّ الله يُحقّق فيه ما وعد به عباده في الدُّنيا من العذاب الموعود، والتخصيص بالوعيد والعذاب؛ لتهويل ذلك اليوم؛ قال تعالى:"وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ"(ق/20).
وسُمِّي باليوم العسير: لشدّة أحداثه، وقوّة عذابه على الكافرين؛قال تعالى:"فَذَٰلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرُ"(المدثر/9).
ويوم الحشر: وسُمِّي بيوم الحَشر لأنّه اليوم الذي تجتمع فيه الناس، وتُحشَر؛ للحساب والجزاء؛ قال تعالى: "وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا"(يونس/28).
عباد الله أقول قولي هذا واستغفرالله لي ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين ..أمابعد فياعباد الله ويوم القيامة هو اليوم المشهود: وسُمِّي بذلك لأنّ الخلائق تجتمع فيه، ويشهده مَن في السماء، ومَن في الأرض؛ قال تعالى:"إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ"(هود/103).
وهو يوم عبوس قمطرير: وُصِف يوم القيامة بأنّه اليوم الذي تعبس وتتجهّم فيه وجوه الكافرين؛ لسوء عاقبتهم، والقمطرير وَصف لانقباض وجوه الكفّار وما بَين عيونهم في ذلك اليوم قال تعالى على لسان المؤمنين:"إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيراً"(الإنسان/10).
عباد الله وهو النبأ العظيم: وتعني الخبر العظيم الشأن الذي يهتمّ الناس به وبحدوثه؛ قال تعالى :"عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ"(النبأ/1).
وكذلك وصف بالجاثية: ويتضمّن هذا الاسم الوصف الذي يكون عليه الناس من الجثوّ والقعود على الرُّكَب في ذلك اليوم؛ قال تعالى :"وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"(الجاثية/28). وفي ذلك إشارة إلى تخاصُم الناس إلى ربّهم وهم قاعدون على رُكَبهم كما كانوا يفعلون في الدُّنيا.
عباد الله :"فلنعمل لمثل هذا اليوم ولنتقي
الله في جميع أفعالنا وأقوالنا ..
أيها الناس :"فلنتقي الله ونخافه ونخشاه :"يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ
حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ
اللَّهِ شَدِيدٌ"(الحج/1-2).
اللهم قنا عذابك يوم تبعث عبادك يارب
العالمين
عباد الله أقول قولي هذا وقوموا إلي صلاتكم يرحمكم الله ..
وأقم الصلاة .