
دور المسجد وفضله في تنمية المجتمع
لفضيلة الشيخ عبدالناصر بليح
الحمدلله رب العالمين وأشهد أن لاإله إلا
الله وحده لاشريك له في سلطانه وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله اللهم صلاة
وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله وعلي آلك وصحبك الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد فياجماعة الإسلام "َّلمَسْجِدٌ
أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ
يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ"(التوبة/108).
عباد الله :"كان المسجدُ وما يزالُ
شعار الحياة في المجتمع الإسلامي؛ فهو المدرسةُ الأولى التي تخرَّجَ فيها الصحابةُ
رضى الله عنهم، فكان لهم كبير الأثر في جميع المجالات العلمية والدعوية والقضائية والأدبية
وغيرها؛ ذلك أن المسجد أدى دوره وقام برسالته التي جاء من أجلها؛ فلم يكن في عهود الإسلام
الأولى دار صلاة فحسب، بل كان مع ذلك دار اجتماعٍ لكلِّ المسلمين، ومركزاً لإرسال السرايا
والجيوش، ومنه ينطلقُ الدعاة إلى الله يجوبون الأرض يعلِّمون الناس الخير.
لذلك الرسول صلي الله عليه وسلم أول ما
بني بعد الهجرة أسس المسجد .. ليكون مصنعا ومدرسة وجامعة لتخريج الرجال قال تعالى:"فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ
تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ
رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ
وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ
لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ
يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ"(النور/36-38 ) .
لذلك المساجد هي خير بقاع الأرض وأحبُّها إلى الله: لقوله صلى
الله عليه وسلم :"أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ
إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا"(مسلم)
و الله عز وجل نَسَبَها لنفسه تعظيماً لشأنها:قال
تعالى:"وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا"(الجن:
18).وعَنْ عُمَرَ رضى الله عنه قَالَ:"الْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللهِ فِي الأَرْضِ،
وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ"(مصنف ابن أبي شيبة).
ولأن عمارتها وتشيدها من علامات الإيمان قال تعالى:"إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ
مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ
وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ"(التوبة/ 18).
وطريق للجنة يَقُولُ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ
بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ تَعَالَى يَبْتَغِي
بِهِ وَجْهَ اللهِ بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ "(البخاري ومسلم).
عباد الله :"من أجل ذلك وغيره حذَّرَ
الشرع مِن تعطيلها ومنعِ عمارتها بالصلاة ومجالس الذكر والعلم ونعي علي من خربها
بقوله تعالي:"وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ
فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا
إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
"(البقرة: 114).
عباد الله :" وللمسجد دوركبير في بناء
كيان الأمة، فمن خلال المسجد: تُقامُ أعظمُ فريضةً بعدَ الشهادتين وهي الصلاة:يقول صلى الله عليه وسلم:"مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ
وَرَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ"(البخاري)
ومن خلال المساجد يُنشرُ العلمُ النافع مِن كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم
فالمسجد هو أول المؤسسات التي انطلق منها شعاع العلم والمعرفة في الإسلام، وهو يحمل
خاصية أساسية بالنسبة للمجتمع المسلم، وهو مصدر الانطلاقة الأولى لدعوة الإسلام ونبع
الهداية الربانية.
فَالنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسَّسَ
مَسْجِدَهُ الْمُبَارَكَ عَلَى التَّقْوَى: فَفِيهِ الصَّلَاةُ وَالْقِرَاءَةُ وَالذِّكْرُ؛
وَتَعْلِيمُ الْعِلْمِ وَالْخُطَبُ. وَفِيهِ السِّيَاسَةُ وَعَقْدُ الْأَلْوِيَةِ وَالرَّايَاتِ
وَتَأْمِيرُ الْأُمَرَاءِ وَتَعْرِيفُ الْعُرَفَاءِ. وَفِيهِ يَجْتَمِعُ الْمُسْلِمُونَ
عِنْدَهُ لِمَا أَهَمَّهُمْ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.
فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يجلس في المسجد ويسأله أصحابه، ويجيبهم، وفتاواه صلى الله عليه وسلم وقضاؤه في المسجد
معلومة مشهورة.
ومن خلال المسجد يُحصَّنِ المجتمعُ من انتشار الفاحشة
والرذيلة قال تعالى:" اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ
إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ"(العنكبوت: 45).وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ مَعْقِلٍ، قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ الْمَسْجِدَ حِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ.
(كتاب
الزهد لهناد بن السري).
عباد الله :"و المسجد مركز لإعداد
النشء فمنذ أن وجد مؤسسة تربوية للصغار، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم لا يمنع
الصغار عن المسجد، بل كانت له مواقف معينة تؤكد اهتمامه بهم، ومما يروى في هذا المجال:
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضى الله عنه قَالَ:"رَأَيْتُ النَّبِيَّ
صلى الله عليه وسلم يَؤُمُّ النَّاسَ وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ وَهِيَ ابْنَةُ
زَيْنَبَ بِنْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَاتِقِهِ، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا،
وَإِذَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ أَعَادَهَا" (البخاري).
ومن خلال المسجد تُصحح المفاهيم الخاطئة
عن الإسلام وترد الشبهات والأباطيل التي يثيرها خصومه، بأسلوب مقنع حكيم بعيدًا عن
المهاترة والسباب ومواجهة الأفكار الهدامة بتقديم الإسلام الصحيح.
عباد
الله :" ومن وسائل تفعيل رسالة المسجد نشرُ العلم وتعليمه وذلك من خلال:عقد الدروس الشرعية
والدورات العلمية:
وذلك بواسطة العلماء في شتى أنواع العلوم
الشرعية من عقيدة وفقه وحديث وتفسير وسيرة وغيرها، وذلك بين الحين والآخر، ومما يدل
على أن المسجد كان مهد مثل هذه الدروس العلمية.ماروي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَرضى الله
عنه أَنَّهُ مَرَّ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ، فَوَقَفَ عَلَيْهَا، فَقَالَ:"يَا أَهْلَ
السُّوقِ، مَا أَعْجَزَكُمْ"قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ:"ذَاكَ
مِيرَاثُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-يُقْسَمُ، وَأَنْتُمْ هَاهُنَا لَا تَذْهَبُونَ
فَتَأَخُذُونَ نَصِيبَكُمْ مِنْهُ" قَالُوا: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ:" فِي
الْمَسْجِدِ"فَخَرَجُوا سِرَاعًا إِلَى الْمَسْجِدِ، وَوَقَفَ أَبُو هُرَيْرَةَ-رضى
الله عنه- لَهُمْ حَتَّى رَجَعُوا، فَقَالَ لَهُمْ:"مَا لَكُمْ؟ " قَالُوا:
يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدْ أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَلَمْ نَرَ فِيهِ
شَيْئًا يُقْسَمُ. فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: "أَمَا رَأَيْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ
أَحَدًا؟ " قَالُوا: بَلَى، رَأَيْنَا قَوْمًا يُصَلُّونَ، وَقَوْمًا يَقْرَءُونَ
الْقُرْآنَ، وَقَوْمًا يَتَذَاكَرُونَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو
هُرَيْرَةَ:"وَيْحَكُمْ، فَذَاكَ مِيرَاثُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم"(الطبراني صحيح الترغيب).
عباد الله أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم).
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام
علي أشرف المرسلين أما بعد فياجماعة الإسلام إذا أردنا ان يقوم المسجد بدوره الريادي
لابد من تعيين أئمة وخطباء من أهل العلم والصلاح
والإصلاح .. وسطين مؤهلين مدربين..ولانترك
المساجد للمتشددين والمتحزلقين والمنتفعين
النفعين الذين إن :"أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا
إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ "(التوبة/58).
ليقوم تلك الأئمة بإلقاء المحاضرات والدروس
تحفهم الملائكة و تنزل عليهم السكينة والرحمة مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ
اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ فِي الْبَحْرِ
لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ"(الطبراني)
ويتم إلقاؤها بين فينة وأخرى يستفيد منها
جميع روّاد المسجد، على أن يُرَاعى في ذلك كله الأوقات المناسبة حتى لا يملّ الناس،
وهكذا كان هديه صلى الله عليه وسلم فقد قال عبد الله بْنُ مَسْعُودٍرضى الله عنه: كَانَ
النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم"يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ،
كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا"(البخاري)، هذا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم
أحسن الناس موعظة،وهؤلاء هم الصحابة أحب العالمين للموعظة.
وعلي هؤلاء الأئمة أن يبنوا للناس أمور دينهم نصحاً لعامة
المسلمين وذلك عند وقوع أحد منهم في مخالفة داخل المسجد، كرفع الصوت و إنشاد ضالة في
المسجد أو البيع فيه يقول صلى الله عليه وسلم :"مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ
ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهَا اللهُ عَلَيْكَ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ
لَمْ تُبْنَ لِهَذَا"(مسلم)
وقوله صلى الله عليه وسلم :"إِذَا
رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي المَسْجِدِ، فَقُولُوا لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ
مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً ،فَقُولُوا لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ"(الترمذي).
هؤلاء الأئمة يعملون على إماتة البدع والخرافات من المسجد إن وُجدت، ثم إحياء السنن التي أُميتت وما أكثرهاعباد الله وبهذا يعود للمسجد دوره الريادي كما أراد الله عزوجل له اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه