
أفضل أيام الدهر العشر الأوائل من ذي الحجة
الحمد لله رب العالمين دعا عباده المؤمنين إلى حج بيته الحرام؛"لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ"
نحمده ونستعينه ونتوب إليه، ونشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له،ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله القائل:"مَن حَجَّ لِلَّهِ
فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ
"(البخاري). اللهم صلاة وسلاماً عليك يا سيدي يا رسول الله وسلم تسليمًا
كثيرًا.
أما بعد فيا جماعة الإسلام.. نقف معكم اليوم مع أفضل أيام الدهر علي الإطلاق العشر الأوائل من ذي الحجة الأيام المباركات التي تميزت بفضائل ليست لغيرها من سائر الأيام حيث فضلها رب العزة تبارك وتعالي ونبينا صلى الله عليه وسلم ومنها :"أن الله تعالى أقسم بها وإذا أقسم الله بشيء دل هذا على عظم مكانته وفضله، إذ العظيم لا يقسم إلا بالعظيم،
قال تعالي
:"وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْر"(الفجر/ 1 – 3).
والليالي العشر هي عشر ذي الحجة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين، قال ابن كثير في
تفسيره: عن جابر،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن العشرعشرالأضحى، والوتر
يوم عرفة، والشفع يوم النحر".( النسائي).
عباد الله: وهي الأيام المعلومات التي شرع فيها ذكره
سبحانه وتعالي هذه الأيام أيام ذكر و تسبيح و تهليل قال تعالى :"وَيَذْكُرُوا
اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ
الْأَنْعَام"(الحج:28). وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي عشر ذي
الحجة، منهم ابن عمر وابن عباس.
عباد الله:" وهي الأيام العشر التي أتمها الله
تعالى لكليمه موسى عليه السلام قال تعالي :"وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ
لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ
لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ
وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ "(الأعراف: 142). عن مجاهد قال في
قول الله تعالى:" وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً"(الأعراف:
142). قال: ذو القعدة "وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ من ذي الحجة".
عباد الله:" وقد أخبرنا سيد الأنام صلى الله عليه
وسلم بأنها أفضل أيام الدنيا وأن العمل
فيها أفضل من غيرها.فقال:"ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه
الأيام يعني أيام العشر قالوا: يا رسول
الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه
وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء"( البخاري).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:"كنت عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكرت له الأعمال فقال: ما من أيام العمل فيهن
أفضل من هذه العشر قالوا: يا رسول الله، الجهاد في سبيل الله؟أكبره. فقال: ولا
الجهاد إلا أن يخرج رجل بنفسه وماله في سبيل الله، ثم تكون مهجة نفسه فيه"(
أحمد).
إخوة الإيمان : و مسك ختامها يوم عرفة ويوم الأضحي :فهذه
الأيام تشتمل على يومين هما أفضل أيام
الدنيا على الإطلاق ألا و هو يوم عرفة يوم العتق من النار يوم المباهاة يوم تقال
فيه العثرات وترفع الدرجات و يتجلى فيه رب الأرض و السماوات قال صلى الله عليه
وسلم :" يومُ عرفةَ، ويومُ النَّحرِ، وأيامُ التشريق: عيدُنا أهلَ الإِسلام،
وهي أيامُ أكل وشُرْب"(أبوداود، والترمذي، والنسائي). وقال صلي عليه
وسلم:"خير يوم طلعت فيه الشمس يوم عرفه "(البخاري).
وهو اليوم المشهود الذي أقسم به الرب المعبود:عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ،قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ:"وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ"(البروج/
3).قَالَ:"الشَّاهِدُ:يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمَ عَرَفَةَ،
وَالْمَوْعُودُ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(أحمد.)
عباد الله:" وفيها اليوم الذي أتم الله فيه النعمة
وأكمل فيه الدين فهو يوم من أيام ذلك الدين القيم. فعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا
مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا قَالَ أَيُّ
آيَةٍ قَالَ:"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا" قَالَ عُمَرُ قَدْ
عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ
صَلَّى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم جمعة”(البخاري).
وفيه مَنَّ الله علينا بكثرة عتقه لعبيده من النار يقول
صلى الله عليه وسلم :"ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من
يوم عرفة، وإنه ليدنو ثمَّ يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟"(مسلم).
وفيه تكفير ذنوب سنتين يقول صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة
:"أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والآتية "(مسلم) .
عباد الله أقول ماسمعتم واستغفر الله العظيم لي ولكم أو
كما قال ..
الخطبة الثانية
:
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي أشرف
المرسلين ، امابعد فيا جماعة الإسلام .لازلنا نواصل الحديث عن أفضل أيام الدهر تلك
العشر الأوائل من ذي الحجة..
عباد الله وفيها أعظم أيام الدنيا فيها يوم النحر وهو اليوم العاشر الذي قال عنه
النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم
القرّ"( أبو داود) ويوم القرّ:هو اليوم الحادي عشر أول أيام التشريق لأن
الحجيج يقرون فيه بمنى.
عباد الله :"وأيام العشر تجمع أمهات الفرائض: و اجتماع أمهات العبادة في هذه العشر هي اجتماع أمهات الطاعات وأمهات الفرائض فهي إعلان لوحدانية الله تعالى وهذا هو الركن الأول من أركان الإسلام و فيها تقام الصلوات و تخرج الصدقات و يحج بيت رب الأرض و السماوات قال الحافظ ابن حجر في الفتح:"والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره".
اختلف العلماء: هل الأفضل عشر ذي الحجة أم العشر الأواخر من رمضان؟ والراجح ما
ذكره ابن القيم في زاد المعاد:"أن ليالي العشر الأخير من رمضان أفضل من ليالي
عشر ذي الحجة، وأيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام عشر رمضان وبهذا التفضيل يزول
الاشتباه، ويدل علي أن ليالي العشر من رمضان إنما فضلت باعتبار ليلة القدر وهي من
الليالي، وعشر ذي الحجة إنما فضلت باعتبار أيامها إذ فيها يوم النحر ويوم عرفة
ويوم التروية" ا.هـ
اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ولاتعذبنا فأنت علينا قادر
والطف بنا يامولانا فيما جرت به المقادير..
عباد الله أقول قولي هذا وقوموا إلي صلاتكم يرحمكم الله وأقم الصلاة ..
" العدل والحق في
خطبة الوداع".
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيد
المرسلين,أما بعد فياعباد الله حديثنا إليكم اليوم عن" العدل والحق في خطبة الوداع"
فقد أرسي الرسول
صلي الله عليه وسلم في هذا اليوم قواعد العدل والحق لتنطبق على واقع
المسلمين اليوم وكل يوم إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها ،إذ تميزت خطبة الوداع
رغم أنها موجزة بمجمل ما يحتاجه المرء في حياته..
عباد الله:"قررت خطبة الوداع حق الإنسان في أن تقوم
حياته على العدل، وحذَّر من كل صور الظلم، وكل أمور الجاهلية فقال صلي الله عليه
وسلم:"أَيُهَا النَّاس إنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكُم حرامٌ
كحُرمةِ يومِكم هذا ، في بلدِكُم هذَا ، في شَهرِكم هذا ، ألا لا يجني جانٍ إلَّا
على نفسِهِ ، ولا يَجني والِدٌ على ولدِه ، ولا ولدٌ على والدِه،ألا إنَّ المسلِمَ
أخو المسلِمِ ، فليسَ يَحِلُّ لِمُسلِمٍ من أخيهِ شيءٌ إلَّا ما أحلَّ من
نفسِه،ألا وإنَّ كلَّ رِبًا في الجاهليَّةِ مَوضوعٌ ، لَكُمْ رُؤُوسُ
أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ غيرَ ربا العبَّاسِ بنِ عبدِ
المطَّلبِ فإنَّهُ موضوعٌ كلُّهُ ..
عباد الله:"تلك قمة العدل أن يطبق القائد علي نفسه
أولاً فيحرم الربا وأول ما وضع ربا عمه العباس..
كما أمره ربه :"وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ"(الأنعام/152).وكما أمر الله تعالى بالعدل في كل شأن من شئون الحياة، فحرم الظلم علي نفسه :"يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا" (مسلم).
عباد الله :"كيف تنهض أمة ذهب العدل من بينهم؟.
الإسلام عُنيَ بالقضاء عناية عظيمة حين وصي بالعدل بين الناس وحذر من الجور واتباع الهوى فالقضاء
قبس من نور الله، وملاذ المظلومين، ومأمن الخائفين، وسياج الحريات،وسيف الحق الذى
يبتر كل يد تمتد بالاعتداء على حريات الآخرين ومنتهى الخائفين وزورق نجاة الضعفاء
فإذا فسد قضاء أمة وأصبح حاميها حراميها فلمن يشتكى المظلوم؟!!وكيف إذا آوى
المظلوم إلي ما حَسِبَهُ رُكْناً شديداً فوجده سكِّيناً مطعوناً في ظهره وشوكة في
حلقه ؟!! فمرارة خيبة الأمل أشد إيلاماً من مرارة الظلم .
لذلك لما ولى عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إلى الحسن
البصري أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل ، فكتب إليه الحسن رحمه الله فكان من
كلامه :
"اعْلَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ اللهَ
جَعَلَ الإِمَامَ الْعَادِلَ قِوّامَ كُلِّ مَائِلِ وَقَصْدَ كُلِّ جَائِرٍ
وَصَلاحَ كُلِّ فَاسِدٍ وَقُوَّةَ كُلِّ ضَعِيف وَنَصَفَةَ كُلِّ مَظْلُوم
وَمَفْزَعَ كُلِّ مَلْهُوف .. وَالإِمَامُ الْعَادِلُ وَصِيُّ الْيَتَامَى
وَخَازِنُ الْمَسَاكِين يُرَبِّي صَغِيرَهُمْ وَيَمُونُ كَبِيرَهُمْ ..
وَأَعْلَمْ
أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ الْحُدُودَ لِيَزْجُرَ بِهَا عَن الْخَبَائِث وَالْفَوَاحِشِ
فَكَيْفَ إِذَا أَتَاهَا مِنْ يَلِيهَا وَإِنَّ اللهَ أَنْزَلَ الْقِصَاصَ حَيَاةً
لِعِبَادِهِ فَكَيْفَ إِذَا قَتَلَهُمْ مَنْ يَقْتَصُّ لَهُمْ ,..وَلا
يَغُرَّنَّكَ الَّذِينَ يَتَنَعَّمُونَ فِي بُؤْسِكَ وَيَأْكُلُونَ الطَّيِّبَاتِ
في دُنْيَاهُمْ بِإِذْهَابِ طَيِّبَاتِكَ في آخِرَتِكَ وَلا تَنْظُرْ إِلى قُدْرَتِكَ
الْيَوْمَ وَلَكِنْ انْظُرْ إِلى قُدْرَتِكَ غَداً وَأَنْتَ مَأْسُورٌ فِي
حَبَائِلِ الْمَوْتِ وَمَوْقُوفٌ بَيْنَ يَدَي اللهِ في مَجْمَعٍ مِنَ
الْمَلائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ :"وَعَنَتِ الْوُجُوهُ
لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا".(الحسن البصري لابن
الجوزي).
عباد الله:" لقد بين الرسول ضمن تعاليمه في خطبة الوداع حرمة الظلم بالتعدي علي الدماء والأعراض والأموال حين قال"أيها الناس إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا"وأنه لا يجوز التعدي على شيء منها"ونحن اليوم أحوج ما نكون لمعالم الخطبة ليقتدي بها المسلمون،كذلك الحال في الأمم والدول؛
فينصر الله الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدولة
الظالمة وإن كانت مسلمة:"وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا
يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ
بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ"(النمل /50-52).
إِذا خَـــانَ الأميرُ وكاتباهُ ***وقاضِي الأَرْضِ
داهَنَ في القَضاءِ
فَوَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ ثُمَّ وَيْلُ لِقاضِي ***
الأَرْضِ منْ قَاضِي السَّــمــاءِ
وإِنْ كانَ الوِدادُ لِذِي وِدادٍ *** يُزْحْــــزِحُـهُ
عَنِ الحَقِّ الْجَـــلاءِ
فَلاَ أَبْقــاهُ رَبُّ العَرْشِ يَوْماً ***
كَــحَـــلَـــهُ بِمِــيلٍ مِنْ عَمــاءِ
وسأل رسول الله صلي الله عليه وسلم أصحابه:"أَلاَ تُحَدِّثُونِى بِأَعَاجِيبِ
مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ". قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ بَلَى يَا
رَسُولَ اللَّهِ بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ
رَهَابِينِهِمْ تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ فَمَرَّتْ بِفَتًى
مِنْهُمْ فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ
عَلَى رُكْبَتَيْهَا فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ
إِلَيْهِ فَقَالَتْ سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِىَّ
وَجَمَعَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَتَكَلَّمَتِ الأَيْدِى وَالأَرْجُلُ بِمَا
كَانُوا يَكْسِبُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِى وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَداً
. قَالَ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :"صَدَقَتْ صَدَقَتْ
كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لاَ يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ
"(ابن ماجة وابن حبان ).
عباد الله:" ولقد جاءت خطبة الوداع بمثابة
:"إعلان عالمي لحقوق الإنسان. تؤكد القيمة المركزية في الرسالة الخاتمة للناس
وحقوقهم.حقوق شرعها الخالق سبحانه، وبلغها رسوله صلي الله عليه وسلم. فالمظالم التي يوقعها جنس بجنس، أو لون بلون،
لا يمكن أن تستند إلى أساس من شرع أو دين، فالله يأمر بالعدل:"إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ"(النحل:90).
ولكن إذا فسد القضاء وخاب الأمل في قضاء الأرض وضاع الحق
في الدنيا فالفصل في القضاء بين يدي الله في محكمة الحق الإلهية ,"وَإِذَا
الرُّسُلُ أُقِّتَتْ لِأَيِّ يَوْمٍ
أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ وَمَا
أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ"(المرسلات/11-15). وفي هذا اليوم الويل لمن ظلم وبغي وتعدي
وضيع حقوق المظلومين والضعفاء .
إذا ما الظلوم استوطأ الظلم مركباً ... ولج عتواً في
قبيح اكتسابه
فكله إلى صرف الزمان وعدله ... سيبدو له ما لم يكن في
حسابه
فيا أيها المظلوم صبراً:"إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ
كَانَ مِيقَاتًا يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا"(النبأ
/17-18).
يجتمع الظالم والمظلوم والقاتل والمقتول الجاني والمجني
عليه فتبلي السرائر وتظهر الحقائق ويعطي المظلوم حقه:"وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ
الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ
مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا
حَاسِبِينَ"(الأنبياء: 47).
ويقول صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"يَجِيءُ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ مُتَعَلِّقٌ بِرَأْسِ صَاحِبِهِ –وفي لفظ :"يَجِيءُ
مُتَعَلِّقًا بِالْقَاتِلِ تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا يَقُولُ:"رَبِّ سَلْ
هَذَا لِمَ قَتَلَنِي؟( أحمد وابن ماجه والنسائي ).
أَمَــا وَاللهِ إِنَّ الــظُّـلْــــمَ لُــــــؤْمٌ
*** وَمَـا زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ
إِلَى دَيـَّــــــــانِ يَوْمِ الدِّينِ نَمْضِي ***
وَعِنْــدَ اللهِ تَجْـتَمِعُ اْلخُصُومُ
سَتَعَلَمُ فِي اْلحِسَـــــابِ إِذَا الْتَقَيْنَا ***
غَـدًا عِنْـدَ الْإِلَهِ مَنِ الْمَلُــومُ
فيا من اتُّهِمْتَ ظلماً أو جُرِحْت أو أُصِبْتَ بأي أذى
لابد أن يقف لك ظالمك ذليلا ًخاشعا ً لتقتص منه وإذا كان يوم ظلمك يوماً شديد عليك
فيوم ظالمك عليه أشد"الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ
يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا"(الفرقان /26).
عباد الله:"أقول ماسمعتم وأستغفر الله العظيم لي
ولكم أوكما قال..
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي اشرف
المرسلين أما بعد فياعباد الله:"أرسي الرسول صلي الله عليه وسلم قواعد العدل
والحق في خطبة الوداع لأنه إذا لم يتحقق
العدل في الدنيا فستجتمع الخلائق للقضاء الحق يوم القيامة وقاعة المحكمة يعلوها
الصمت التام فلايعلوا إلا صوت الحق:"يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا
عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا
هَمْسًا"(طه : 108).
وليس هناك محامون :"يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ
الشَّفَاعَةُإِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا"(طه
/109).
والقاضي فيها يحكم بعلمه فلا يخفي عليه شيء
:"يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ"(الحاقة :18).
والحكم فيها مستأنف لا بد من إحضار المتهم فليس فيها حكم
غيابي :"يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ
لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ"(الزمر: 16).
عباد الله :"والجهة التنفيذية فيها
:"مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ
وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ"(التحريم :6).
والمتهم لا يستطيع الفراركي يتركه حتي يسقط
الحكم:"وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ
ظُلْمًا"(طه / 111).
والمظلوم حتما يشفي الله غليله ويذهب غيظه :"وَمَنْ
يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا
"(طه : 112).
والميزان حساس بمثقال الذرة ولا يضيع فيها حق ولا يتبدد
ولا يسقط الحكم بالتقادم أو مضي المدة. :"وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ
فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ
مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ
بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ:"(الأعراف/8-9).
عباد الله:"والمثول أمام قاضي القضاة عراي وليس
بالملابس الرسمية يَقُولُ صلى الله عليه
وسلم:"يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ قَالَ الْعِبَادُ عُرَاةً
غُرْلاً بُهْماً". "(أحمد ).
عباد الله
:"وأما الشهود فيها ؛ فهناك تسجيل لكل الأحداث فمن علَّم الإنسان التوثيق
بالصوت والصورة بوسائل التكنولوجيا الحديثة أيعجز عن توثيق ظلمهم
صوتاًوصورة؟! فهناك سجلات مدونة لظلمهم:"وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً
كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا
نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"(الجاثية/28-29).
وملائكة حفَّاظ:"أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا
نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ
يَكْتُبُونَ"(الزخرف/80وتَحْدُث المفاجآت في حالة الإنكار فيشهد علي الظالم
جوارحه:"يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ
وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ
اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ "(النور/24- 25).
ويكفينا أن الله شاهد ومطلع فسبحانه علام الغيوب
:"فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ
عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ هُنَالِكَ
تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ
الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ"(يونس/29-30)."
اللهم اتنا في الدنيا حسنة وفي الخرة حسنة وقنا عذاب
النار
عباد الله أقولي قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم .. وقوموا إلي صلاتكم يرحمكم الله واقم الصلاة.