recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة | سعة أبواب الخير في الرسالة المحمدية | لفضيلة الشيخ عبدالناصربليح

 


 سعة أبواب الخير في الرسالة المحمدية


الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله اللهم صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله وعلي آلك وصحبك وسلم تسليماً كثيراً أما بعد فياجماعة الإسلام يقول الله تعالي :"قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواهُوَخَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ"(يونس/58).

عباد الله :" حديثنا إليكم اليوم عن "سعة أبواب الخير في الرسالة المحمدية"و لأن الرسالة المحمدية جاءت لجلب الخير للناس ودفع الشر عنهم؛ فإننا لو نظرنا إلى نداءات المؤمنين في القرآن الكريم لوجدناها جاءت لتحقيق الخير والمصلحة ودرء الشر والمفسدة رَوى ابنُ أبي حاتم أنَّ رجلًا أتى عبدالله بن مسعود فقال: اعْهَدْ إليَّ، 

فقال له: إذا سمعْتَ الله يقول:"يا أيها الذين آمنوا" فأَرْعِها سَمْعك؛ فإنه خيرٌ يَأمر به، أو شَرٌّ يَنهى عنه" وقد مدح الله  المتصفين بالأعمال الصالحة من عباده الصالحين فقال :"أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ" (المؤمنون/61) ،وأمرنا بذلك فقال:"فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ"(البقرة 148)، والخير باق في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة،وأنه لا تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرين على الحق،عاملين بهذا الخير،داعين له إلى قيام الساعة.

قال تعالي :"كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ  وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَٰبِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ"(آل عمران/110).والخطاب في هذه الآية الكريمة بقوله تعالى "كُنْتُمْ" للمؤمنين الذين عاصروا النبي صلّى الله عليه وسلّم ولمن أتى بعدهم واتبع تعاليم الإسلام إلى يوم الدين.

ولذا قال ابن كثير: والصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة. كل قرن بحسبه، وخير قرونهم الذين بعث فيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم الذين يلونهم، كما قال تعالي في آيةأخرى:"وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً"(البقرة/142).

وقد بين المولي عزوجل أن الخير كل الخير في الأمر بالصدقة والمعروف والإصلاح بين الناس وهي مجالات متسعة ومتعددة لمن أراد الخير قال تعالي :" لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا"(النساء/114).

والمعنى: وجدتم يا معشر المسلمين العاملين بتعاليم الإسلام وآدابه وسنته وشريعته خير أمة أخرجت وأظهرت للناس، من أجل إعلاء كلمة الحق وإزهاق كلمة الباطل، ونشر الإصلاح والنفع في الأرض.

عباد الله:" وقد وردت أحاديث متعددة في فضل هذه الأمة الإسلامية، منها: قوله صلّى الله عليه وسلّم"أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله تعالى" (أحمد والترمذي وابن ماجة).

وهذه الخيرية للأمة الإسلامية منوطة بتحقيق أصلين أساسيين:

أولهما: الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لأنهما سياج الدين، ولا يمكن أن يتحقق بنيان أمة على الخير والفضيلة إلا بالقيام بهما، فهما من الأسباب التي استحق بنو إسرائيل اللعنة من أجل تركهما، قال صلّى الله عليه وسلّم:"إن أول ما دخل النقص على بنى إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول له: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، 

فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال صلّى الله عليه وسلّم لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ. كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ ثم قال:"كلا والله لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذون على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرا- ولتحملنه على اتباع الحق حملا- أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم"(أبوداود).

وثانيهما: الإيمان بالله- تعالى  وبجميع ما أمره الله تعالى  بالإيمان به.

هذان هما الأمران اللذان يجب أن يتحققا لتكون هذه الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس لأن الأمة التي تهمل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ولا تؤمن بالله لا يمكن أن تكون خير أمة بل لا توصف بالخيرية قط، لأنه لا خير إلا في الفضائل والحق والعدل، ولا تقوم هذه الأمور إلا مع وجود الإيمان بالله وكثرة الدعاة إلى الخير والناهين عن الشر،ويكون لدعوتهم آثارهاالقويةالتي تحيامعها الفضائل وتزول بها الرذائل.

فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا المدح، كما قال قتادة، بلغنا أن عمر بن الخطاب رأى من الناس دعة في حجة حجها فقرأ هذه الآية. كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، ثم قال:"من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها"(ابن جرير).  ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله :"كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ"(المائدة/79).

ويقول  صلى الله عليه وسلم :"لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، ما يضرهم من كذبهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك"(البخاري ومسلم)، وأمر الله هو يوم القيامة .

و قال صلى الله عليه وسلم :مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره"(الترمذي).

فالخير والإيمان ياأمة الإسلام إذا انعدما من الأرض : كان ذلك مؤذناً بقيام الساعة ، فالساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق .كما قال صلى الله عليه وسلم قال:لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله"(مسلم).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال :"لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، هم شر من أهل الجاهلية، لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم .فبينما هم على ذلك أقبل عقبة بن عامر، فقال له مسلمة: يا عقبة، اسمع ما يقول عبد الله، فقال عقبة: هو أعلم، وأما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:"لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم، حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك".

فقال عبد الله: أجل:"ثم يبعث الله ريحا كريح المسك مسها مس الحرير، فلا تترك نفسا في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة"(مسلم).

عباد الله :"وأخبر رسول الله صلي الله عليه وسلم:"أن الخير في أمته كالغيث" فقال:"مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره"(الترمزي).

 حيث أن:النبي أراد أن يصف الأمة بالخير، فلأول الأمة وآخرها خير، مثل النسيج، مع اختلاف الطبقات.

شبهها بالمطر حيث أن كل نوبة من المطر تختلف عن غيرها،و نفع الأمة للدين، مثل نفع المطر لنمو الزرع.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أما بعد فياعباد الله..

 لازلنا نواصل الحديث حول خير الله لأمة محمد صلي الله عليه وسلم حيث يقول "مَعَاشِرَ النَّاسِ، أَتَانِي جِبْرَائِيلُ عليه السّلام آنِفًا فَأَقْرَأَنِي مِنْ رَبِّي السَّلاَمَ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ عزّ وجلّ غَفَرَ لِأًهْلِ عَرَفَاتٍ وَأَهْلِ المَشْعَرِ، وَضَمِنَ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ".

فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ! هَذَا لَنَا خَاصَّةً ؟ قَالَ:"هَذَا لَكُمْ، وَلِمَنْ أَتَى مِنْ بَعْدِكُمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ".فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه: كَثُرَ خَيْرُ اللهِ وَطَابَ"(صحيح الترغيب).

عباد الله :" كلمات يسيرة قالها الفاروق لخصت معنى من أهم المعاني التي ينبغي للناسك أن يعيها في سيره إلى مولاه، كلمات تحمل أسرارًا عظيمة وفضائل كريمة "كثر خير الله وطاب"، كلما تأملت في آيات المثوبة وأحاديث الفضائل والمكرمات تتأكد لديك تلك الحقيقة، تتأكد وتتيقن أكثر فأكثر أن ربك شكور كريم ذو فضل عظيم. مع كل نفحة من نفحات ربنا لا بد من تذكر هذا المعنى:"لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌشَكُورٌ"(فاطر:30).. فهو الذي يغدق على عباده الطائعين بالجزاء الجزيل على العمل القليل:"وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ" (الشورى:23)، غالبًا ما تجد معنى الشكر في القرآن مصحوبًا بالزيادة والمضاعفة:"إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ"(التغابن/17)."لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ"(يونس/26).

اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار..عباد الله أقول قولي هذا وأقم الصلاة.

google-playkhamsatmostaqltradent