
الدرس الثالث | مواصلة الحديث عن :"إنما الأعمال بالنيات"
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي
أشرف المرسلين أما بعد فياعباد الله
لازلنا نواصل الحديث في شرح حديث إنما الأعمال بالنيات وقد سألنا في
الحلقة الماضية سؤالاً لنفكر فيه ونجيب عليه اليوم ألا و هو هل يصح عمل بلا نية أو لا يصح؟
ونقول وبالله التوفيق اختلف العلماء في ذلك
فالذين قالوا: إنه عبر هنا بالأعمال، ولم يعبر
بالأفعال، قالوا: لأن أعمال القلوب لا تحتاج إلى نية؛ لأنه لا يدخلها العادة، ولا يدخلها
الرياء، فما يحتاج نية.
الخوف من الله ما يحتاج إلى نية، المراقبة ما
تحتاج إلى نية، الحياء من الله ما يحتاج إلى نية، فهذه أعمال قلبية لا تحتاج إلى نيات.
وبعض أهل العلم يقولون: إن جميع الأعمال التي
بالجوارح، وباللسان، لا تصح إلا بنية، أو لا بد فيها من نية، والأقرب أن هذا فيه تفصيل،
فيقال: من الأعمال ما لا يحتاج إلى نية من أجل أن يؤجر الإنسان عليه، أو من أجل إبراء
ذمته، فهناك قدر متفق عليه، مثل قضاء الدين، ورد المغصوب، هذا لا يحتاج إلى نية، أعطاه
مالاً ولم ينو شيئاً، فتذكر فيما بعد أنه يريد منه أنه مدين له، فقال: هذه إذن لن أطالب
بها، تكون في مقابل ما كان يطلبني، فما يحتاج إلى نية.
وكذلك رد المغصوب لا يحتاج إلى نية، رد المسروق
لا يحتاج إلى نية، هناك نوع آخر وهو أعمال من الإحسان، هل يشترط لها النية أو لا؟
مثل المرأة التي سقت الكلب، وغفر الله لها بسبب
ذلك، هذه لم يذكر أنها نوت، فدل على أن مثل هذا لا يحتاج إلى نية، وجدت إنسان يحتاج
إلى من يبصره بالطريق، ومن يدله على مكان، فدللته ولم تستحضر نية، تؤجر، تبسمت في وجه
إنسان، تبسمك في وجه أخيك صدقة"(الترمذي). ما يحتاج إلى نية، تكلمت بكلام طيب،
كف الأذى صدقة، كما أخبر النبي صلي الله عليه وسلم .
وجدت إنساناً في حال من العطش، أو في حال من
الجوع ،أو في حال من التعب، فحملته معك في سيارتك و لم تنو شيئاً، لم تنو التقرب إلى
الله، فهذا لا إشكال فيه، ويؤجر الإنسان عليه، لكن النية يحتاج إليها في مثل هذا في
أمر واحد، أن لا توجد نية فاسدة، الرياء أو السمعة، فإذا سلم من هذا فإنه يؤجر، فالذي
يعمل من أجل أن يكفي نفسه السؤال والحاجة، ويكفي أولاده وأهله، يسعى عليهم يؤجر على
العمل، بخلاف من يعمل تكثراً لطلب الدنيا، فمثل هذا لا يؤجر، وكذلك حينما يطعم امرأته،
قال: تبتغي بها وجه الله لكنه ليس بشرط.
لأن النبي صلي الله عليه وسلم .قال: وفي بضع
أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم
لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر"(مسلم).
فهذا كله يؤجر الإنسان عليه، ولو لم ينو، لكن
لا يكون له قصد فاسد، أعطيت إنسان هدية، لم تبتغ وجه الله، لكن ما قصدت معنى فاسداً،
قد يعطيه هدية من أجل ماذا؟
كرشوة يأثم، مرائي يأثم، يعطيه هدية من أجل أن
يتوصل إلى معنىً محرم هذا يأثم، لكن أعطاه هدية من باب الود، وما أشبه ذلك، فهذا يؤجر
عليه، ولو لم تحضره نية التقرب إلى الله ، وهكذا.
قال: إنما الأعمال بالنيات، فهذه أحكام الأعمال
أنها تعتبر، أنها تصح، أنها تقبل، بحسب ما اتصل بها من النيات، والنيات عرفنا أنها
المقاصد، انبعاث القلب نحو العمل، إرادة القلب، توجه القلب، كل هذا متقارب.
قال: وإنما لكل امرئ ما نوى هذه الجملة الثانية
كما سبق ليست بتكرار للأولى، ولكنها تبين هنا أحكام العاملين، لكل امرئ ما نوى، هنا
الأعمال تعتبر بالنيات، هنا يكون للعاملين ما نووه.
فهذا الإنسان قد يعمل عملاً صالحاً، ويريد به
ما عند الله فيؤجر، قد يريد به الرياء والسمعة فيأثم، قد يكون هذا العمل الذي عمله
هذا الإنسان يريد به أمراً مباحاً.
قد يريد أن يتوصل بهذا الأمر المباح إلى قربة
من القربات، فيكون عبادة، يريد أن ينام من أجل أن يقوم الليل، ينام في القيلولة، فيكون
نومه هذا عبادة، يأكل ليتقوى على الطاعة، فيكون أكله عبادة، آخر يأكل ليتقوى على المعصية،
أو ينام في النهار ليسهر بالليل على معصية، فمثل هذا يكون نومه معصية.
إنسان اشترى سيارة ليتوصل بها إلى مطالب محمودة،
وقربات وطاعات، يذهب بها إلى المسجد، يذهب بها للدعوة إلى الله، يذهب بها لصلة الرحم،
وما أشبه ذلك، يؤجر.
آخر اشترى سيارة من أجل أن يسافر بها إلى الحرام،
أن يذهب بها إلى الحرام، أن يستعملها فيما حرم الله، فهذا يأثم، هذا إنسان اشترى هذا
الجهاز، جهاز تسجيل من أجل أن يسمع به القرآن، والدروس، والمحاضرات يؤجر على هذا الثمن
الذي بذله فيه، وهذه النية، وذاك اشتراه من أجل أن يسمع الحرام والمعازف، وما أشبه
ذلك، فيأثم، وهكذا.
هذا إنسان افتتح متجراً في السوق من أجل أن يطلب
الرزق وكذا، هذا أمر لا إشكال فيه، مباح، وقد يؤجر عليه كما سبق.
لكن آخر افتتح هذا المحل من أجل أن يوقع النساء،
فتح مكان فيه ملابس نسائية، فيه أشياء في سوق النساء ونحو ذلك، لا لشيء إلا من أجل
أن يكون علاقات محرمة عن طريق هذا المحل، وهذا يوجد، فيكون آثماً بفتح هذا المحل، وبكل
ذهاب يذهب، وكل رخصة يخرجها، وكل ما ينفقه من أجل هذا المحل، والإيجار الذي يدفعه،
وخطواته فيه معصية.
هذا يطلب العلم الشرعي، لا يريد إلا دنيا، فيكون
لم يرح رائحة الجنة، وهذا يريد ما عند الله، فيصعد إلى أعلى المنازل، هذا حفظ القرآن
ليقال: قارئ، فيكون -نسأل الله العافية- من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة.
وهذا قرأ القرآن، ليصعد في المنازل والدرجات
العالية في الآخرة، فهذا يرتقي بهذا العمل، والله -عز وجل- يعلم ما في الصدور، ولا
يخفى عليه خافية.
لا أطيل عليكم، فأكتفي اليوم بهذا، أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين.