
دروس في الفقه –
الدرس الثالث | الماء الطهور وبعض ما يتعلق به من أحكام
الحمد لله، نَحمده ونستعينه ونستغفره، ونصلي
ونسلم علي خير خلقه .
وبعد:فنواصل الحديث عن الفقه ونبدأ بباب الطهارة
من الحدثين الأصغر والأكبر ويكون ذلك بالماء الغسل والوضوء وبالتراب التيمم ..ونبدأ
أولاً بالماء وأحكامه
عباد الله:" خلَق الله عز وجل الماء وكرَّمه
بأن جعل مدار الحياة في الأرض عليه؛ قال سبحانه:"وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ
شَيْءٍ حَيٍّ "(الأنبياء: 30).
واختصه الله بصفة الطهورية؛ أي: جعله مَاءً طهورًا،
"طاهرًا في نفسه، ومُطهِّرًا لغيره".قال الله تعالى:"وَأَنْزَلْنَا
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا"(الفرقان/48).
وقال تعالى: "إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ
أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ
وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ"(الأنفال: 11).
وهذا الماء عُلِّق به وبوجوده العديدُ من العبادات؛
فبالماء الطهور يُزيل المُسلم جنابتَه، وبه يتوضأ؛ لتكتمل بذلك طهارته من الحدثين
- (الأكبر والأصغر) - كي يتسنَّى له الوقوف أمام ربه في أجلِّ وأعظم عبادة من العبادات،
وهي الصلاة، وبهذا الماء يُزيل المُسلم ما يُصيب بدنه وثوبه ومكانه من النجاسات، فالطهارة
من الحدث والنجس شرط من شُروط صحة الصلاة؛ أي: إن الصلاة لا تَصِح إلا بطهارة المُصلي
من الحدث والنجس حسب القُدرة على ذلك، ولذلك فإن الفقهاء رحمهم الله يبدؤون مُصنفاتهم
بـ"كتاب الطهارة"؛ لأن الصلاة قُدِّمت بعد الشهادتين على غيرها من بقية أركان
الإسلام، فناسَب ذلك تقديم مُقدماتها، ومنها الطهارة فهي مفتاح الصلاة؛ كما في الحديث
عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مِفتاح الصلاة الطهور"(أحمد
والترمذي).
يبدأ الفقهاء أيضًا "بباب المياه"
في كتاب الطهارة؛ لأن هذه الطهارة - وهي (رفع الحدث وزوال الخبث) - تحتاج إلى شيء يُتطهر
به، وهذا الشيء هو الماء، أو ما يقوم مقامه عند عدمه، أو عند تعذُّر استعماله؛ فالمُسلم
في أشد الحاجة إلى تعلُّم أحكام المياه قبل غيره من أبواب الطهارة، وهذا الماء الطهور
هو قسم من أقسام المياه تتعلق به مسائل وأحكام على النحو التالي:
أولًا: تعريف الماء الطهور:
الماء الطهور هو: كل ماء نزل من السماء، أو نبَع
من الأرض، وبقِي على أصل خلقته من حرارة أو بُرودة، أو عُذوبة أو مُلوحة؛ أي: لم تتغير
أحد أوصافه الثلاثة - وهي "اللون والطعم والرائحة" - بشيء من الأشياء التي
تَسلُب طهورية الماء.
والماء الطهور يُطلق عليه أيضًا (الماء المُطلق)؛
لأنه عارٍ عن القيود والإضافة اللازمة، فخرج بقول: (عارٍ عن القُيود) قوله تعالى:"مِنْ
مَاءٍ مَهِينٍ"(السجدة: 8)، وقوله: "مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ"(الطارق/6).
وخرج بقول:"والإضافة اللازمة"ماء الورد وماء الزعفران، والماء المُعتصر من
الشجر أو الثمر؛ لأنها مياه مُقيدة بقيد لازم لا يُطلق الماء عليه بدونه.
واحترز بالإضافة اللازمة عن الإضافة غير اللازمة؛
كماء النهر وماء البحر، ونحو ذلك؛ لأن هذه الإضافة لا تُخرج الماء عن كونه طاهرًا مُطهرًا
لبقاء الإطلاق عليه، وتُستعمل بدونها، فهي مياه مُطلقة
وقيل: سُمي مُطلقًا؛ لأن الماء إذا أُطلق انصرف
اللفظ إليه.
وقيل: هو الذي لم يُضف إلى شيء من الأمور التي
تُخالطه، فإن خالطه شيء أوجَب إضافته إليه.
وعرَّفه بعض العلماء بقوله: "الماء الباقي على خلقته حقيقةً؛ بحيث
لم يتغير شيء من أوصافه، أو حُكمًا بحيث تغير بما لا يَسلُبه الطهورية".
فمثلًا: الماء الذي نُخرجه من البئر على طبيعته
ساخنًا لم يتغير، وأيضًا الماء النازل من السماء طهور؛ لأنه باقٍ على خلقته، وهذان
مثالان للباقي على خلقته حقيقةً.
وقولنا: "أو حُكمًا": كالماء المُتغير
بغير مُمازج، أو المُتغير بما يشق صون الماء عنه، فهذا طهور لكنه لم يبق على خلقته
حقيقةً، وكذلك الماء المسخن فإنه ليس على حقيقته؛ لأنه سُخِّن، ومع ذلك فهو طهور؛ لأنه
باقٍ على خلقته حُكمًا"؛
ونكتفي بهذا القدر علي أن نلتقي مع أحكام
الماء الطهور
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه
وسلم