recent
أخبار عاجلة

الإتقان شريعة الإسلام

 


الإتقان شريعة الإسلام

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين وبعد فياعباد الله

 الله تعالى حثنا على الإتقان فقال عز وجل:"وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"(البقرة: 195). هذا الإحسان، هو الإتقان والإحكام، وهذه القضية وهي تجويد شيء وإحسانه وإتقانه من المطالب الشرعية العظيمة في ديننا، والمتأمل في التكاليف والفرائض والأوامر يجدها مبنية على أساس محكم ألا وهو الإتقان الذي هو سمة أهل الإيمان.

عباد الله :" وهناك مجالات كثيرة للإتقان منها

إتقان العبادات:فالناظر في العبادات التي أمرنا الله  بها يجد أن أساسها الإتقان والله سبحانه لا يقبل عملا لم يتقنه صاحبة:

ومن الإتقان  إتقان الوضوء: وإتقانه يكون بإسباغه أما من لا يكمل الوضوء ويترك جزء من الأعضاء فهذا لم يتقن الوضوء وهو متوعد بالويل والثبور.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ سَافَرْنَاهُ، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلَاةُ -صَلَاةُ الْعَصْرِ- وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ أَرْجُلَنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا: "وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ"(البخاري).

وإتقان الصلاة بالخشوع إتقانها يكون بإتمام أركانها والاطمئنان فيها والإتيان بالخشوع فيها و قد مدح الله تعالى أهل الإتقان في الصلاة فقال سبحانه -﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ "( المؤمنون/ 1، 2).

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله:"الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ" يقول: خائفون ساكنون.

أما من لم يتقنها ولم يتم أركانها فتلك صلاة المنافق وهي مردودة في وجهه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَعْلَمُ غَيْرَ هَذَا.فَقَالَ :"إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا". (البخاري ومسلم).

وعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ حُذَيْفَةَ الْمَسْجِدَ فَرَأَى رَجُلًا يُصَلِّي لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: " مُنْذُ كَمْ صَلَّيْتَ؟." قَالَ: مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: " مَا صَلَّيْتَ وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللهُ عَلَيْهَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُخَفِّفُ صَلَاتَهُ، وَيُتِمُّ رُكُوعَهَا وسُجُودَهَا "شعب الإيمان.

ويقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه:إن الرجل ليشيب في الاسلام ولم يكمل لله ركعة واحدة!!

قيل: كيف يا أمير المؤمنين قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها.

ويقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: يأتي على الناس زمان يصلون وهم لا يصلون،وإني لأتخوف أن يكون الزمان هو هذا الزمان"

فماذا لو أتيت إلينا يا إمام لتنظر أحوالنا؟.

عباد الله :"ومن الإتقان في العبادة إتقان الزكاة بإعطائها لمستحقيها:وبإخراجها في وقتها ومن أفضل ماله قال تعالي :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ"(البقرة/267).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"قَالَ رَجُلٌ لَأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيْلَةَ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ تَصَدَّقَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ، لَأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيْلَةَ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تَصَدَّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى غَنِيٍّ، فَقَالَ اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى غَنِيٍّ، لَأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيْلَةَ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تَصَدَّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى سَارِقٍ، فَقَالَ اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ وَعَلَى سَارِقٍ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ فَقَدْ قُبِلَتْ أَمَّا الزَّانِيَةُ، فَلَعَلَّهَا تَسْتَعِفُّ بِهَا عَنْ زِنَاهَا، وَلَعَلَّ الْغَنِيَّ يَعْتَبِرُ، فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ تَعَالَى، وَلَعَلَّ السَّارِقَ يَسْتَعِفُّ بِهَا عَنْ سَرِقَتِهِ"(مسلم).

عباد الله ومن اتقان العبادة اتقان الصوم بحفظ الجوارح:ويكون بإتمامه وعدم الإخلال بشروطه وأن تصوم الجوارح والأركان عما حرم الرحمن قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ:"إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمِعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً"(ابن أبي شيبة).

عباد الله :" وإتقان الحج:يقول الله تعالى في كتابه الكريم:"وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ"(البقرة:196).  أتموا الحج والعمرة لله إذا بدأتم فيهما، فأتموهما ولا تنقضوهما، هذا قول من الأقوال، وهكذا كل عبادة إذا شرعت فيها لا ينبغي لك أن تنقضها وأن تتركها، بل كما قال ربنا:"وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ"(محمد:33).

 عباد الله :"و إتقان الأعمال الدنيوية:

وهذا يشمل جميع الأعمال والحرف التي يقوم بها الفرد فالعمل الذي يقوم به المرء أمانة وسيسأله الله تعالى عنها يوم القيامة فمن اخذ الأجر حاسبه الله تعالى على العمل،و لقد ضرب لنا القران الكريم صورا لإتقان الأعمال نذكر منها.

إتقان داود عليه السلام  صناعة الدروع

من النماذج في الإتقان في كتاب الله تعالى: "وَعَلَّمْنَاهُ   صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ"(الأنبياء:80). أي علمنا داود صناعة الدروع قال قتادة: "أول من صنع الدروع، وسردها، وحلقها داود، وكانت من قبل صفائح.."ألان الله له الحديد؛ ليعمل الدروع السابغة، وعلّمه الصنعة، وأن يقدّر في السرد، وهذا إتقان؛ حلقات يدخل بعضها في بعض كما قال السعدي أرشده الله لإتقان الصنعة أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ كوامل واسعات طوال تستر جسد المقاتل كله،"وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ"انظر الإتقان هنا، قدّر في السرد، قدّر المسامير في حلقة الدرع، لا تجعل المسامير دقاقاً فتفلت، ولا غلاظاً فتكسر الحلق،  

عباد الله:" و تأملوا إلى قمة التقدم والإتقان الذي شيد به سليمان عليه السلام ذلك القصر:" قيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ "هذا القصر كله أرضه وسقفه وجدرانه"مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"(النمل:44).

قال ابن كثير رحمه الله: وذلك أن سليمان، عليه السلام أمر الشياطين فبنوا لها قصرًا عظيما من قوارير، أي: من زجاج، وأجرى تحته الماء، فالذي لا يعرف أمره يحسب أنه ماء، ولكن الزجاج يحول بين الماشي وبينه."هذا من باب الإقحام في الدعوة، والإبهار للكفار حتى يستسلموا ويدخلوا في دين الواحد القهار " فلما شاهدت ما شاهدت علمت أن هذا نبي، تابت ورجعت إلى الله قائلة:"رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ  مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"

نماذج من إتقان نبيناصلي الله عليه وسلم

أولاً: بناء المسجد

نبيناصلي الله عليه وسلم كما تقدم معنا من الشواهد، أمر بالإتقان في الأعمال، وفي العبادات.

على مستوى الإنجازات مثلاً في بناء المسجد؛ عن قيس بن طلق، عن أبيه، قال: "جئت إلي النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه يبنون المسجد، فكأنه لم يعجبه عملهم، فأخذت المسحاة.

هذا إتقان، هذا إحسان، هذه مهارة، هذه جودة، جودة في التنفيذ، فإنه أحسنكم له مساً، وأشدكم له سبكاً رواه أحمد، وفي لفظ له: "فأخذتُ المسحاة فخلطت الطين، فكأنه أعجبه فقال: دعوا الحنفي والطين، فإنه أضبطكم للطين.

ثانياً: حفر الخندق

حفر الخندق هو نموذج لعمل بالإتقان الممكن مع الزمن المحدود بالحقيقة، فشكّل دفاعاً قوياً محكماً؛ لأن المدينة كانت محاطة من المشرق، والمغرب بالحرتين، ومن الجنوب بالبنيان، والحرار، والبساتين، والمنقذ الوحيد لأي جيش غازٍ هو الجهة الشمالية، حفر الخندق من الشمال من الحرة الشرقية إلى الحرة الغربية، من الطرف إلى الطرف، ووزع الحفر بين المجاهدين، والناس، فأعطى كل عشرة أربعين ذراعاً يحفرونها، أتموا الحفر في مدة وجيزة.

و طول الخندق يقدر بـ: خمسة ألاف ذراع، وعمقه يقدر بما لا يقل عن سبعة أذرع، وعرضه لا يقل عن تسعة، وهذا يمنع الاجتياز في الغالب.

google-playkhamsatmostaqltradent