
حديث القرآن عن الإتقان
لفضيلة الشيخ عبدالناصربليح
الحمد الله، والصلاة، والسلام على رسول الله،.
أما بعد فيا جماعة الإسلام:"وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِىٓ أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ إِنَّهُۥ خَبِيرٌۢ بِمَا تَفْعَلُونَ"(النمل/88).
عباد الله :"حديثناإليكم اليوم عن قضية القضايا التي غفلت عنها أمة خير
البرايا إنها قضية الإتقان التي ما عرف التاريخ أمة ولا كتاباً يدعو إلى الإتقان مثلما
دعا لذلك شرع الرحمن.
انظروا عباد الله إلى ما وصلنا إليه وما آل إليه حال الأمة من ضعف وهوان مرد
ذلك كله أن الأمة فقدت الإتقان في جميع مناحي الحياة سواء الدينية أو الدنيوية أو الأخروية.
عباد الله إننا أمة اقرأ.. أصبحت منتجاتنا أقل جودة ورجعنا إلى الوراء وأمسينا
نتهافت على منتجات غيرنا من الغرب لعلمنا أن بضاعتنا ردت إلينا لأنها غير جيدة
وغيرمتقنة الصنع .
لذا عباد الله كان لزاماً وأجلاً مسمى أن نتكلم عن قضية الإتقان من خلال القرآن
وسنة النبي العدنان.
فما معنى الإتقان؟وكيف تحدث عنه القرآن ؟
اتقان العمل هو:"أداء العمل دون خلل فيه والالتزام بمتطلبات ذلك العمل
من التقيد بضوابط وتقنيات معينة.
وأداؤه في الوقت المحدد دون تأخير. فالإتقان عند المسلم
ينبع من داخل نفسه، ليس لأجل مصالح دنيوية ، وإلا يكون سبباً في التخلف، والفوضى، والتسيب..
عباد الله :"والإتقان صفة من صفات الرحمن و دليل على وحدانية الله عزوجل..
نعم صفة من صفات رب الأرض والسماء فهو الذي أتقن كل شيء خلقه وأحسن كل شيء وأبدعه قال تعالى:"صُنْعَ اللَّهِ
الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ"(النمل/88).
فأحسنه وجوده وأتقنه، والذي يتأمل إتقان
الله تعالى لمخلوقاته وكيف أنه "الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ
هَدَىٰ"(طه/50). لهتف لا إله الا الله.
والمتأمل في الكتاب، والسنة، يجد أن لفظة: "الجودة" التي يستعملونها
مستعملة بكلمة:"الإتقان"، بل هي أدلّ على المقصود من كلمة: الجودة
"الإتقان".
وقوله تعالى:"صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ"في هيئته،
وفي زمانه، وفي مكانه، وفي وظيفته، وفي شكله، وخلقته، أتقن السموات:" مَا تَرَى
فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ "(الملك:3).
وهو قد أتقن مجريات الأحداث، فكلها بقدر، كما قال سبحانه:"إِنَّا كُلَّ
شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ"(القمر:49).
وجعل للكون نواميس لا يخرج عنها، وأحسن الخلق، وأمر عباده بالإحسان: "وَأَحْسِنُوا
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ "(البقرة:195).
وكان صلي الله عليه وسلم يتقن العمل،
ويأمر بالإتقان:"إن الله كتب الإحسان على كل شيء".
فالإتقان يكون في كل شيء حتى وأنت تقوم بالذبح
فعنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ قَالَ:"حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَصْلَتَيْنِ، قَالَ:"إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا
الذِّبْحَةَ،وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ "(مُسْلِمٌ).
عن عاصم بن كليب عن أبيه قال: شَهدت مَعَ أَبِي جَنَازَة شَهِدَهَا رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا غُلاَمٌ أَعْقِلُ وَأَفْهَمُ، فَانتُهي بِالْجَنَازَةِ إِلَى الْقَبْرِ وَلَمْ يمكَّن لَهَا.
قَالَ: فَجَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه
وسلم يَقُولُ: "سَوّوا لَحْدَ هَذَا".حَتَّى ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ سُنَّة،
فَالْتَفَتَ إِلَيْهِم فَقَالَ:"أَمَا إِنَّ هَذَا لاَ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَلاَ
يَضُرُّهُ، وَلَكِنَّ اللهَ يُحِبُّ مِنَ الْعَامِلِ إِذَا عَمِلَ أَنْ يُحْسِن"
وفي لفظٍ :"ولكن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"(البيهقي).
وعن عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ"(أبويعلي في مسنده)..
ويقول القائل: "لا يكن هم أحدكم في كثرة العمل، ولكن ليكن همه في إحكامه،
وتحسينه" (حلية الأولياء).
فإذن، الإتقان،هو الإحسان، الجودة، وإحسان التخطيط، وإحسان التنفيذ، وإحسان
التقدير، هذا يشمل كل ما تقدم.
عباد الله:" وإذا نظرنا إلى النصوص التي ورد فيها الحث علي الاتقان لوجدناها عديدة..
انظر حولك ترى إتقان الرحيم الرحمن:
في قوله تعالى:"أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ
مِهَاداً وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ
سُبَاتاً وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساًوَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً وَجَعَلْنَا
سِرَاجاً وَهَّاجاً وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ
مَاءً ثَجَّاجاً لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً"(النبأ /6- 16).
"ألم نجعل الأرض مهاداً".يوجد أماكن كلها صخر وصحراء فلو أن الأرض كلها هكذا نموت من الجوع، فالله عز
وجل لحكمة بالغة ترك بعض الأماكن صخرية وأخري ممهدة للزراعة والتشييد ..
وقوله :"وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا"ذكراً وأنثى فلو أن الله خلق
كل الناس ذكوراً أول شيء هل نبقى نحن موجودين؟ لا نجد أنفسنا إذ لا وجود لنا فينتهي
النوع البشري، جهاز التناسل يسمونه جهاز حفظ بقاء النوع فلولا التزاوج لما بقي الإنسان
قال تعالى:"وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا"
بل لو جعل المرأة غير محببة، فالله عزّ وجل جعلَ هذا الميل الطبيعي، قال تعالي
"زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ
الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ
وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ"(آل عمران/14).
لولا هذا الميل الطبيعي لما تزوج أحد ولأصبح الزواج عبئاً، ولولا هذا الشيء
الذي جعله الله في قلب الرجل ولولا هذا الميل الطبيعي الذي وضعه الله في قلب الرجل
ما تزوّج إنسان ..
" وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا "من الذي جعل النوم؟ يقول لك:
تعبت اشتغلت طوال اليوم ، ولكني نمت ثماني ساعات بالليل فاستيقظت مثل الحصان صحيح، هذه الأعصاب وهذه الخلية
العصبية عبارة عن نواة واستطالة تتصل باستطالة أخرى وهكذا، فالخلايا العصبية عند النوم
تتباعد .. إذا سارت تجد الطريق مقطوعاً وهذا هو النوم، فالله جعلَ ترتيباً رائعاً جداً،
"وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا" ستراً "وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا" للعمل والسعي.
"وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا" سبع سموات طباق.
ولولاخلق الله الشمس لتجمدت الدنيا :" وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا
وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا"
عباد الله:أقول ماتسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أما بعد فياعباد الله لازلنا نواصل الحديث عن الاتقان ولاسيما في الصناعة والتعمير والإنشاء فكثيراًما نسمع ياعباد الله عن انهيار مبنى حديث البناء أو تصدع جسر (كوبري)
قبل تسليمه أوبعد تسليمه بأيام قلائل. ترى ما هو السبب في ذلك الانهيار؟إذا بحثنا لوجدنا أن ذلك سببه عدم الإتقان الذي غاب عن المهندس والمقاول الذي قام بالإنشاء والمسؤل الذي أخذ الرشوة.
و لقد ضرب الله تعالى مثالاً فريداً في الانشاء والتعمير وعدم الفساد ألا وهو إتقان ذي القرنين- في بنائه السد.
"حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ
مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ
إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً
عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً "فما أخذ منهم قرشاً ولاجنيهاً
"قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ"(الكهف:94-95).
فقد استخدم ذو القرنين أعلى مواصفات التقنية في البناء والإحكام لذلك السد يقول
ابن كثير :" وأما السد فقد بناه ذو القرنين من الحديد والنحاس وساوى به الجبال
الصم الشامخات الطوال، فلا يعرف على وجه الأرض بناء أجل منه ولا أنفع للخلق منه في
أمر دنياهم. فلو قيل ما هو أنفع بنيان في العالم، فهو سد القرنين، لأنه لو لم يكن موجوداً
لخرجوا على الناس وأفسدوا الدنيا، فلا الأهرامات، ولا تمثال الحرية، ولا برج إيفل،
ولا البرجين التوأم، ولا الفنادق الشامخات، أكثر بنيان فيه فائدة للبشرية، هو سد ذي
القرنين.
عباد الله :" اتقان العمل والصنعة واجب وحق فليتقن كل منا فيما وكل به وولي عليه حتي نسعد في الدنيا وفي الآخرة ..اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار "عباد الله أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم وأقم الصلاة .