
الدرس الثامن عشر | ويسن صلاة التهجد
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله أما بعد فياعباد الله..لازلنا نواصل الحديث حول سنن الصيام ومنها "التهجد وخاصّة في العشر الأواخر من الشهر؛ لإدراك ليلة القَدروفَضلها؛فقد كان صلي الله عليه وسلم يجتهد فيها أكثرممّا يجتهد في غيرها من ليالي الشهر.
فماهي صلاة التهجد، وما حُكمها، وما هي كيفيّتها، وما الفرق بينها وبين قيام الليل، وهل لها وقت مخصوص؟ ونقول وبالله التوفيق :"
التهجُّد:"هوالاستيقاظ في الليل لأداء الصلاة، قال تعالى:"وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا"(الإسراء/79).
وصلاة التهجد سُنّة؛ نافلة أثناء الليل.قال تعالى:"وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ.وقال:"يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا".وقال تعالي عن عباده المتقين:"آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ.كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ".
حيث ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنّه قال:"أَحَبُّ الصيامِ إلى اللهِ صيامُ داودَ،كان يصومُ يوماً ويُفْطِرُيومًا، وأَحَبُّ الصلاةِ إلى اللهِ صلاةُ داودَ، كان ينامُ نصفَ الليلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، وينامُ سُدُسَهُ"(النسائي).
عباد الله:"ماهي طريقة صلاة التهجُّد؟
بما أنّ صلاة التهجُّد هي ذاتها صلاة قيام الليل باختلاف كون مُصلّي التهجد يقوم إلى الصلاة بعد أن ينام نومةً يسيرةً،فإنّ طريقة صلاة التهجّد هي ذاتها طريقة أداء صلاة قيام الليل،وصلاة التهجُّد لها العديد من الطرق والحالات التي يجوز أداؤها بها،
ومن تلك الطرق أن ينام من أراد أداء صلاة التهجُّد ولو نومةً يسيرةً، ثمّ يقوم في منتصف الليل فيصلّي ركعتين خفيفتين،ثمّ يصلي بعد ذلك ما شاء من ركعات، ويجب أن تكون صلاته ركعتين ركعتين؛ فيسلّم بعد كلّ ركعتين،وبعد أن يُتمّ ما أراد من صلاة التهجُّد يوتِربركعة واحدة كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلَّم،ويجوز له كذلك أن يوتر بثلاث ركعات، أو بخمس.
وعن عائشة:"أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا كَبر وضعُف أوترَ بسبعِ ركعات،لا يَقعُد إلَّا في السادسة،ثم ينهضُ ولا يُسلِّم فيُصلِّي السابعةَ،ثم يُسلِّم تسليمةً،ثم يُصلِّي ركعتينِ وهو جالسٌ"(أبوداود).
وعنها أيضاً أنَّهُ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ يصلِّي من اللَّيلِ تسعَ ركَعاتٍ لا يجلسُ فيها إلَّا في الثَّامنةِ،فيذكرُ اللَّهَ ويحمَدُهُ ويدعوهُ،ثمَّ ينهضُ ولا يسلِّمُ، ثمَّ يقومُ فيصلِّي التَّاسعةَ،ثمَّ يقعدُ فيذكرُ اللَّهَ ويحمدُهُ ويدعوهُ، ثمَّ يسلِّمُ تسليماً يسمِعُناهُ، ثمَّ يصلِّي ركعتينِ بعدما يسلِّمُ وهوَ قاعدٌ، فتلكَ إحدى عشرةَ ركعةً،
فلمَّا أسنَّ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- وأخذهُ اللَّحمُ، أوترَ بسبعٍ وصنعَ في الرَّكعتينِ مثلَ صُنعِهِ في الأولى، وفي لفظٍ عنها: فلمَّا أسنَّ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- وأخذهُ اللَّحمُ أوترَ بسبعِ ركعاتٍ لم يجلس إلَّا في السَّادسةِ والسَّابعةِ، ولم يُسلِّمْ إلَّا في السَّابعةِ، وفي لفظٍ:صلَّى سبعَ ركعاتٍ،لايقعدُإلَّا في آخرِهنَّ"(النسائي).
هذه كلُّها طُرق لأداء صلاة التهجُّد، والأفضل على الإطلاق والأكمل أن يصلّي العبد كما كان صلى الله عليه وسلم- يصلي، أمّا إذا صلّى بطريقة أخرى فلا حرج عليه؛كأن يوتِر بواحدة فقط بعد الانتهاء من صلاة التهجّد،أو صلّى الوتر خمس ركعات سردها كاملةً ولم يجلس إلا في الركعة الأخيرة،
وينبغي عليه أن يخشع في صلاته ويؤدّيها بحقّها فلا ينقرها نقراً،أمّا من حيث الجَهر والإَسرار بصلاة التهجُّد فذلك متروك لتقدير المصلّي، فإن رأى الأفضل في رفع صوته والجهر بالصلاة جهر بها،وإن رأى الإسرار بها وخفض صوته في القراءة أفضل له، أسرَّ بها شرط ألّا يؤدّي رفع صوته إلى إلحاق الأذى بغيره من الناس، فلا يجوز له أن يشوّش على النائمين، أو يؤذي من يصلّي حوله من المصلين، أمّا إذا كان يصلي في المسجد فيرفع صوته إن شاء، وإن كان إماماً رفع صوته حتى ينتفع الناس بقراءته.
والفرق بين التهجُّد وقيام الليل:"هو أنّ التهجُّد يكون بعد النوم ليلاً ولو لفترة، ثمّ الاستيقاظ للصّلاة فقط دون غيرها من العبادات،أمّا قيام الليل فيكون بالصّلاة، والذِّكر،والدُّعاء،وقراءة القرآن،وغير ذلك من العبادات في أيّ ساعة من ساعات الليل، وعليه فإنّ التهجُّد نوع من قيام الليل، يكون بالنّوم ثمّ الاستيقاظ لأداء الصّلاة،
وقد ورد عن الصحابي الجليل الحجاج بن غزية رضي الله عنه ما يدل على هذا الفرق، حيث قال:"يحسَبُ أحَدُكم إذا قام من الليل يصلي حتى يصبِحَ أنَّه قد تهجَّدَ، إنَّما التهجُّدُ المرءُ يصلِّي الصلاةَ بعد رقدةٍ، ثمّ الصّلاة بعد رقدةٍ، وتلك كانت صلاةَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم له"(الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير:"إسناده حسن, الطبراني).
وأفضل وقت لصلاة التهجُّد هو آخر الليل أو ما قارب الفجر ودخل في الثلث الأخير من الليل؛ حيث يقول صلى الله عليه وسلم:"مَن خَافَ أَنْ لا يَقُومَ مِن آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَن طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فإنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذلكَ أَفْضَلُ. وقالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ:"مَحْضُورَةٌ"(مسلم)،
فيدلُّ هذا الحديث على أنَّ أفضل صلاة الليل هي ما كانت في آخر الليل، مع جوازالتهجُّد أوّلَ الليل لمن خشِي أن ينام عنها،يقول صلى الله عليه وسلم:"ينزلُ ربُّنا تباركَ وتعالى كلَّ ليلةٍ، حينَ يبقى ثلثُ الليلِ الآخِرُ إلى السَّماءِ الدنيا، فيقولُ:"من يدعُوني فأستجيبَ لهُ؟من يَسْتَغْفِرُنِي فأغفر لهُ؟ مَنْ يسألُني فأُعطيَهُ؟"(البخاري).
"الأسباب الميسرة لقيام الليل"
معرفة فضل قيام الليل وثوابه عند الله سبحانه وتعالى.فهو شرف لايدانيه شرف:"وهذا ماقاله جبريل لرسول الله صلي الله عليه وسلم:"واعلمْ أنَّ شرفَ المؤمن قيامُ الليل،وعِزَّه استغناؤُه عن الناس"( الطبراني).
التقليل من الطعام والشراب.والمحافظةعلي نوم القيلولة.ويتجنب ارتكاب المعاصي.
ويدعوالله أن يعينه على قيام الليل.المحافظة علي أكل الحلال والابتعاد عن الحرام.وكثرة الاستغفار.بهذا كله يستطيع المسلم أن يحافظ علي قيام الليل ..وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم.