
الدرس الخامس | من يرخص لهم في الفطر وتجب عليهم الفدية
الحمد لله والصلاة
والسلام علي رسول الله وبعد..
فحديثنا إليكم
اليوم عن من يرخص لهم في الفطر ويجب عليهم الفدية"
يرخص في الفطر
للشيخ الكبيروالمرأة العجوز والحامل والمرضع والمريض الذي لايرجي برؤه وأصحاب الأعمال
الشاقة الذين لايجدون متسعاً من الرزق غير مايزاولونه من أعمال.
هؤلاء جميعاً يرخص
لهم في الفطر إذا كان الصيام يجهدهم ويشق عليهم مشقة شديدة في جميع فصول السنة .
وعليهم أن يطعموا
كل يوم مسكيناً وقدر ذلك بنحوصاع أو نصف صاع أو مد علي خلاف في ذلك ولم يأت من السنة
المطهرة مايدل علي التقدير..والصاع قدح ونصف والمد مقدار أربع حفنات باليد المتوسطة.
والأدلة علي الرخصة
لهؤلاء ماقاله صلي الله عليه وسلم:"إنَّ اللهَ يُحبُّ أن تُؤتَى رُخَصُه،كما يُحبُّ
أن تُؤتَى عزائمُه"(صحيح الترغيب).
وهذا الحديثُ يُوافِقُ قولَه تعالى:"يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ"(البقرة: 185)،
وهذا في عامَّةِ أُمورِ الدِّينِ. .فالدِّينُ يُسرٌ لا عُسرٌ، وقدْ أقَرَّ اللهُ سُبحانه وتعالى أحكامًا مُؤكَّدةً،وأحَبَّ مِن عِبادِه أنْ يَفعلُوها، كما أنَّه سُبحانه خفَّفَ عنهم،ورفَعَ الحرَجَ في أوقاتِ الضِّيقِ والضَّرورةِ،واللهُ سُبحانَه يُـحِبُّ مِن عِبادِه المؤمنينَ أنْ يأْخُذوا بِتَخفيفِه ورُخَصِه..
ومن هؤلاء الذين
رخص لهم الفطر الشيخ الكبير والمرأة العجوز قال ابن عباس:"رخص للشيخ الكبير أن
يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً ولاقضاء عليه"(الدار قطني والحاكم وصححه).
وروي عن عطاء أنه
سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ:"وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ
مِسْكِينٍ"ويقول :"ليست منسوخة وهي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لايستطيعان
أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكين"(البخاري).
وعن أنسٍ رَضِيَ
اللهُ عنه"أنَّه لَمَّا كَبِرَ حتى كان لا يُطيقُ الصِّيامَ، فكان يُفطِرُ ويُطعِمُ"
(عبدالرازق). وروي:"أنَّه ضَعُفَ عن الصَّومِ عامًا، فصنع جَفنةً مِن ثريدٍ ودعا
ثلاثينَ مِسكينًا فأشبَعَهم"( ابن أبي شيبة وأبويعلي).
هذا علي مذهب الجمهور
إذا أفطَرَ الرَّجُلُ الكبيرُ والمرأةُ العجوزُ؛ فعليهما أن يُطعِما عن كلِّ يومٍ مسكينًا،
وهو قول الحَنَفيَّة ، والشَّافِعيَّة ، والحَنابِلة، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك..أما
مذهب مالك وابن حزم أنه لاقضاء ولافدية ..).
واختلفوا في الحبلي
والمرضع فمذهب مالك وابن حزم أنه لاقضاء ولافدية علي الحامل والمرضع إذا خافتا علي
أنفسهما أو أولادهما..
وعند بعض العلماء
أفطرتا وعليهما الفدية ولاقضاء وهو قول ابن عمر وابن عباس روي عن عطاء أن ابنِ عبَّاسٍ قال:"أُثبِتتْ للحُبلَى والمُرضِعِ:"
يعني في قولِه تعالَى:"وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ
"(الأحكام الصغرى).
وروي أن ابن عباس
كان يقول لأم ولد له حبلي:"أنت بمنزلة الذي لايطيقه فعليك الفداء ولاقضاء عليك
"(أبوداود والدار قطني).
وعند أحمد والشافعي
:"أنهما إن خافتا علي الولد فقط وأفطرتا فعليهما القضاء والفدية وإن خافتا علي
أنفسهما فقط أو علي أنفسهما وعلي ولدهما فعليهما القضاء لاغير ..
وعند الأحناف وأبي
عبيد وأبي ثور:"أنهما يقضيان فقط ولا إطعام عليهما..
وهو الراجح ولأن
الأصل وجوب القضاء فالحامل والمرضع حكمهما حكم المريض، إذا شق عليهما الصوم شرع لهما
الفطر، وعليهما القضاء عند المقدرة على ذلك، وإن شق عليهما القضاء فلهما الأخذ برأى
من يرى أن عليهما الفدية فقط وهذا مذهب ابن عباس وابن عمر رضى الله عنهما
عبادالله:"ومن
الذين ليس عليهم صيام ولاقضاء وعليهم الفدية المريض الذي لايرجي برؤه أي مريض مرض مزمن
ويجهده الصوم مثل الشيخ ولافرق .
وكذلك العمال الذين يعملون أعمالاً شاقة طوال العام و الذين جعل الله معاشهم الدائم بالأشغال الشاقة كاستخراج الفحم الحجري من مناجمه وعمال الأفران وماأشبه ذلك يرخص لهم بالفطر وعليهم الفدية.
وإذا احتاج الإنسان للإفطار لدفع ضرورة، مثل أن ينقذ معصوماً من غرق أو حريق، فإذا
كان لا يمكن إنقاذه إلا بأن يفطر أفطر، فلنفرض أن جندي المطافي يطفئ الحريق، وكان الحريق
ضخماً جداً يحتاج إلى مجهود عظيم، وهو يمكن أن يسقط من الإعياء ولا يستطيع أن يطفئ
النار بسبب الصيام لضخامة الجهد، فماذا يفعل؟ يفطر من أجل إنقاذ أرواح المسلمين، أرواح
من؟ المسلمين.
وكذلك من دخل في البحر لإنقاذ غريق مسلم فإنه يجوز له أن يدخل
ولو كان يعلم بأنه سيبتلع ماءً، فالمجاهد الذي يحتاج إلى الفطر لكي يتقوى على الجهاد
يفطر ويجاهد ويتقوى على الجهاد.
وقد ذهب معظم المفسرين
في قولِه عزَّ وجلَّ :"وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ
"يطيقونَهُ : يكلَّفونَهُ ، فديةٌ طعامُ مسكينٍ واحدٍ "فَمَنْ تَطَوَّعَ
خَيْرًا" طعامُ مسكينٍ آخرَ ، ليست بمنسوخَةٍ "فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ
تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ "لا يرخَّصُ في هذا إلا للذي لا يطيقُ الصيامَ ، أو مريضٍ
لا يُشفَى"(النسائي).
قال بعض العلماء
:" فالمراد بمن:" يطيقونه" في الآية الشيوخ الضعفاء والزمني "ونحوهم
أي المرضي مرضاً مزمناً لايبرأ مثل مرضي الفشل الكبدي والفشل الكلوي..أعاذنا الله وإياكم
وشفي الله كل مريض ..
عباد الله
:" لقد تحدثنا عن من يرخص لهم بالفطر وعليهم الكفارة فماذا عن من يرخص لهم بالفطر
وعليهم القضاء .هذا ماسنعرفه وإلي لقاء أخر إن شاء الله ..
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي أله وصحبه وسلم.