
الصوم مدرسة الأخلاق
الحمد لله رب العالمين..والصلاة والسلام علي أشرف الخلق أجمعين أما بعد فيا جماعة الإسلام :
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ
عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"(البقرة/183).
عباد الله :"الصوم مدرسة الأخلاق
وحسن الخلق من كمال الإيمان فقد قال صلى الله عليه وسلم:"أكمل المؤمنين
إيماناً أحسنهم خلقا"(الترمذي).
وحسن الخلق هو الطريق إلى الجنة كما
أن سوء الخلق طريق إلى النار،قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"أَنَا
زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا،
وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا،
وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ"(صحيح).
و قَالَ صلى الله عليه وسلم:"مَا مِنْ شَيْءٍ فِي اَلْمِيزَانِ أَثْقَلُ
مِنْ حُسْنِ اَلْخُلُقِ"(أَبُو دَاوُدَ).وقال صلي الله عليه وسلم:"إنمابعثت لأتمم مكارم الأخلاق"(أحمد).
وماأحوجنا لمكارم الأخلاق
وإن قوام الأمم بالأخلاق وضياعها بفقدانها لأخلاقها،
يقول شوقي :"إنماالأممُ الأخلاقُ ما بقيت***فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وقال:"وَإِذاأُصـيـبَ الـقَومُ فـي أَخــلاقِــهـم***فَأَقِـــم عَلـيهِم
مَــأتَـماً وَعَـويـلا.
وقال:صَـلاحُ أَمْـرِكَ لِلأَخْــــلاقِ مَرْجِعُـهُ *** فَقَـوِّمِ النَّفْـسَ
بِالأَخْـــلاقِ تَسْتَقِـمِ
عباد الله :"والصوم مدرسة الأخلاق فهويعلم الصائم ويغرس فيه مكارم الأخلاق وفي الحديث القدسي عن رب العزة سبحانه وتعالي:"
كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به، الصيام جُنَّة : فإذَا كَانَ
يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ ولا يصخب، فإنْ سابَّه أحد أو قاتله فليقل:إني
صائم، إني صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك،
للصائم فرحتان يفرحهما؛إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه"(متفق عليه).
وهنا يوضح الحديث أن الصوم جنة"والصوم جُنَّةٌ".أي وقاية من الأخلاق
الرديئة"
فالصوم حقا هو أعظم مدرسة تربوية تزكي النفس وتطهّر القلب وتقوّم السلوك وتنمّي
الفضائل وتنفي الرذائل، وتربي الأخلاق وكل
ذلك وأكثر منه ينطوي تحت العبارة النبوية الشريفة الجامعة النيّرة "الصوم جُنَّةٌ"
والصوم جنة بمعنى الوقاية من سوء الخلق والسفه والجهل ولزوم الوقار ومكارم
الأخلاق.
والصوم هو الذي يسمو بالمسلم إلي أعلي درجات السماحة والأخلاق الكريمة والصائم إذا خرج من دائرة مكارم الأخلاق فإن ذلك
يتنافى مع الحكمة التي شرع من أجلها الصيام حيث قال الله تعالى:"يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"(البقرة/183).
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ :"تَقْوَى
اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ"وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ؟
فَقَالَ:” الْفَمُ وَالْفَرْجُ"(أحمد والترمذي).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَة ، قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ
فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا ، وَصِيَامِهَا ، وَصَدَقَتِهَا ، غَيْرَ
أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ، قَالَ:"هِيَ فِي النَّارِ"،
قَالَ :"يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا
، وَصَدَقَتِهَا ، وَصَلَاتِهَا ، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ
، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ، قَالَ:"هِيَ فِي الْجَنَّةِ"( أحمد وابن حبان والحاكم وصححه).
وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه :"إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك
عن الكذب والمحارم. ولاتجعل يوم صومك كيوم فطرك سواء "
ومن صيام السمع صونه عن سماع المحرمات والمنكرات.. إلخ.
عباد الله :"إن الصوم مدرسة أخلاقية كبرى، فهو يزكي النفس وينقيها ويطهرها من الأخلاق السيئة والصفات الذميمة ، كالأشر والبطر
والبخل،ويعودها الأخلاق الكريمة كالصبر والحلم والجود والكرم ومجاهدة النفس فيما يرضي
الله ويقرب لديه .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه
وسلم أَنَّهُ قَالَ:"مَنْ كَانَ لَيِّنًا هَيِّنًا سَهْلاً حَرَّمَهُ اللَّهُ
عَلَى النَّارِ "(الحاكم والبيهقي).
عباد الله الصوم يبعد صاحبه عن الأخلاق الرديئة وعلي رأسها شهادة الزور يقول صلى الله عليه وسلم :"مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِى أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"(البخاري)،
والمعنى: أن الصوم إذا لم
يحجز صاحبه عن شهادة الزور، وقول الزور، وما شاكل ذلك من سيء الأخلاق،فإنه صوم لا طائل
منه وما استفاد صاحبه سوى الجوع والعطش،وهوما يؤكده قول النبى صلى الله عليه وسلم :"رُبَّ
صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ،وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ
قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ"( ابن ماجه).
وقد امتدح المولي عزوجل عباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هوناً وإذا خاطبهم
الجاهلون قالوا سلاماً بقوله:"وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا
بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا "(الفرقان/72).
وقد حذر من قول الزور وقرنه بعبادة الأوثان فقال تعالي :"فَاجْتَنِبُوا
الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ"(الحج/30).ذلك لأن شهادة الزور من أسوأ
الأخلاق فقد قرنها رسول الله صلي الله عليه وسلم بالشرك بالله وقتل النفس فقال :"ألا
أُنَبِّئُكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثًا:الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور أو
قول الزور، وكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مُتَّكِئًا، فجلَس،فما زال يُكرِّرها؛حتى
قلنا :"ليتَه سَكَتَ"(مسلم).
والرجل الذي دعي لشهادة الزورماذا قال؟ قال :"نزح بئرين بإبرتين وغسل عبدين
أسودين حتي يصيرا أبيضين وكنس أرض الحجاز في يوم ريح عاصف بريشتين أهون علي من أجلس
بباب يضيع فيه ماء وجهي "
إخوة الإسلام :ومن سمو أخلاق المؤمن في رمضان والذي يتعلمه في تلك المدرسة هو أكل الحلال والبعد عن الحرام, فليس من الحكمة لعاقل أن يمسك عن الحلال في نهار رمضان امتثالاً لأمر الله ثم يفطر على حرام يضيع به صيامه وقيامه ، فالحق سبحانه وتعالى أمرنا بما أمر به المرسلين بالأكل من الطيبات ، فما دام الأكل حلالاً طيباً فالعمل صالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال، فكيف يكون العمل مقبولاً ؟
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :"إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال :"يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِـحًا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ"(المؤمنون/51)،
وقال تعالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ"(البقرة/ 172). ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِىَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ"(مسلم).
فإذا ما صام الإنسان وأفطر على الحرام فلا ثواب لصيامه مصداقاً لقول الرسول صلي الله عليه وسلم: "رُبَّ صَائِمٍ
حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ، وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ
السَّهَرُ".(أحمد وابن ماجة).
عباد الله أقول ماسمعتم وأستغفر الله لي ولكم أوكما قال.
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام علي
رسول الله أما بعدفياعباد الله :" نعم الصوم مدرسة الأخلاق ومكارم الأخلاق فالصائم
يتعلم فيه الإحسان والمراقبة والإحسان إلى
الخلق ويكون ذلك بالعطف عليهم,والرحمة بهم .:" والإحسان أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ
كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ"(البخاري).
وعنْ مُعَاذٍ؛أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ:"يَا
مُعَاذُ،أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ
حَسَنٍ"(أحمد).
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ***فطالمااستعبد الإنسانَ إحسانُ
من جاد بالمال مال الناس قاطبة *** إليه والـمال للإنسان فـتانُ
أحسن إذا كان إمكان ومقدرة * * * فلن يدوم على الإنسان إمكانُ
عباد الله :" والصوم مدرسة الأخلاق يتعلم فيها المسلم خلق الصبر فهوشهر
الصبر, ومدرسة الصبر, فالصوم تعويد على الصبر, وتمرين عليه, ولهذا يقول صلى الله عليه
وسلم"وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة"(ابن خزيمة). ويقول صلى الله عليه وسلم:"الصوم
نصف الصبر"(الترمذي).
فالصيام وقاية للمسلم من سواد القلب فهويذهب الغل والحقد والحسد والوساوس :قال صلى الله عليه وسلم :" مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَذْهَبَ
كَثِيرٌ مِنْ وَحرِ صَدْرِهِ، فَلْيَصُمْ شَهْرَ الْصَّبْرِ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
مِنْ كُلِّ شَهْرٍ "(أحمد). وفي رواية أخري:"صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ
شَهْرٍ يذهبن وحر الصدر"(أحمد والطبراني).
عباد الله أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم وقوموا إلي صلاتكم يرحمكم الله ..