
حسن الخاتمة
لفضيلة الشيخ عبدالناصربليح
الحمدُ لله والصلاةُ والسلامُ على رسول الله أما بعد:
فيقَولَ الله تَعَالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَاتَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"(آل عمران: 102)،
عباد الله :"قد مضي رمضان ولم يعد فيه إلا ساعات قلائل انقضي شهر
الطاعة والعبادة والاحسان والهداية فهلا أحييته بالإحسان والطاعة والعبادة ..وهل
واظبت علي تلك الطاعة أم أعددت العدة للمعاصي بعد رمضان
وقد لايمهلك العمر لرمضان أخر ..
فيا عبد الله:" هنيئاً لمَن وفَّقَه اللهُ للعملِ الصالحِ في آخر عُمُرِه
وفي آخرِ ساعةٍ من الأجَل، فقد كَتبَ اللهُ له حُسنَ الخاتمة،وختم له بخاتمة
السعادة ..
أما من خُتِمَتْ ساعةُ أجلِه بعَمَلٍ سَيِّءٍ أو ذَنبٍ يُغْضِبُ اللهَ، فقد
خُتِمَ له بخاتمةِ سُوءٍ والعياذُ بالله :"
فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ
بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا"(الكهف: 110)،
عباد الله :" ولِأهمِّيةِ هذه
اللحظةِ الحاسمةِ في حياة الإنسانِ كان الأنبياءُ عليهم السلامُ يُوصُونَ مَنْ يَلونَهم
بالحرص على نَيْل حُسْنِ الخاتمة، قال سبحانه :"وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ
وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"(البقرة: 132).، وقال تعالى حكايةً عن يوسف
عليه السلام :"تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ"(يوسف/101).
فَحُسْنُ الخاتمةِ أمَلُ ودعاءُ الصالحين والأتقياء الذين قَصَّ علينا ربُّنا
سبحانه وتعالى أخبارَهم، فقال عز وجل حكايةً عن دعاءهم :"رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا
ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ"(آل
عمران: 193). وكان من دعاء رسولِ الله صلى
الله عليه وسلم: "يا مقلبَ القلوب ثبت قلبي على دينك"(الترمذي)
وكان صلي الله عليه وسلم يتعوذُ بالله تعالى من شرِّ فِتنة المحيا والممات،
وفِتنةُ المماتِ هي الساعةُ التي يكونُ فيها العبدُ في إدبارٍ من الدنيا وإقبالٍ على
الآخرة، ويحاولُ الشيطانُ أن يفتنَهُ في دينِه ويَحُولَ بينه وبين الإيمانِ بالله،
فعندها يُثبِّتُ اللهُ عز وجل المؤمنَ بالقول الثابت فيقولُ: لا إله إلا الله محمدٌ
رسولُ الله، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من كان آخر كلامه لا إله
إلا الله دخل الجنة"(أبوداود).
عباد الله، ولِحُسْنِ الخاتمة أسباب، وأعظمُ أسبابِه:
إخلاصُ النيةِ لله، والصدقُ في عبادتِه وتَقْواه فالنية الصادقة، ينوي المؤمن العمل الصالح، ويكون بينه وبين الله من الأسرار ما لا يعلمه إلا الله، قال تعالى:"مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا" (الأحزاب:23-24).
فإنْ صَدَقَ العبدُ مع الله بالطاعة سلَكَ به طريقَ المُصلحين، وختمَ له بالحُسْنى، يقول صلى الله عليه وسلم :"من تمنَّى الشهادة بصدقٍ بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه". (مسلم).
السبب الثاني يا عباد الله: الاستقامة على طاعة الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى:"إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ "(فصلت/30). والاستقامةُ على العمل الصالح، وهي أن يَلزم الإنسانُ طاعةَ اللهِ في كلِّ أحوالِه، فمن عاشَ على شيءٍ ماتَ عليه، قال سبحانه:"يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ"(إبراهيم: 27).
فيثبتُهم اللهُ في الحياة
الدنيا، عند ورودِ الشُّبهاتِ بالهداية إلى اليقين، وعند عُروض الشهوات بالإرادةِ الجازمةِ
وفي الآخرة عند الموتِ بالثباتِ على الدين
الإسلامي، والخاتمةِ الحسنة، وفي القبرِ عند سؤالِ الملَكين للجواب الصحيح، إذا قيل
للميت: "من ربُّك؟ وما دينُك؟ ومن نبيُّك؟"هداهم للجواب الصحيح بأنْ يقولَ
المؤمنُ: "اللهُ ربي، والإسلامُ ديني، ومحمدٌ صلى الله عليه وسلم نبيي"[ السعدي، تيسير الكريم الرحمن 425- 426.].
عبادالله:وهذه البشارة تكون للمؤمنين عند احتضارهم، وذلك لن يكون إلا لمن وفقه الله تعالى للعمل الصالح، أما من عمل غير ذلك فإنه يبشر بعذاب الله وسخطه.ومما يدل على هذا أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم عن عائشة:"من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه"فقلت: يا نبي الله ! أكراهية الموت، فكلنا نكره الموت؟
فقال :"ليس كذلك ، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء
الله، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه"(مسلم).
ومن أسباب حسن الخاتمة:"إحسان الظن بالله مع العمل الصالح؛ فحُسنَ الظنِّ
بالله تعالى من أهم الأسباب التي يُوَفَّقُ بها العبدُ لحُسْن الخاتمة، وهو أن يرجوَ
الإنسانُ سعةَ رحمةِ الله تعالى، وكرمِه في مغفرة ذنوبه قال الله تعالى في الحديث القدسي:
أنا عند ظنِّ عبدي بي فليظُنَّ بي ما شاء"(أحمد)..،وقال صلى الله عليه وسلم:
"لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ"(مسلم). فمن صلى وصام وتصدَّق،
وحجَّ وبرَّ والديه، ودعا ربَّه، فإنه يُحسن الظن بخالقه أنه سيُحسن خاتمته
عباد الله: ومن علامات حُسْن الخاتمة: أن يُوفِّقِ اللهُ العبدَ قبل موته بعمل
صالح فيقبضه عليه قال صلى الله عليه وسلم :"إذا أراد الله-عز وجل-بعبد خيراً عسله"
قيل: وما عسله؟ قال:"يفتح الله له عملاً صالحاً قبل موته، ثم يقبضه عليه"(أحمد).
ومن أسباب حسن الخاتمة يا عباد الله: المحافظة على الصلوات، قال صلى الله عليه وسلم:"من صلى البردين دخَل الجنة"،(والبردان
هما: صلاة الفجر وصلاة العصر)،"(متفق عليه).
ومن أسباب حسن الخاتمة: صنائع المعروف، قال صلى الله عليه وسلم:"صنائع
المعروف تقي مصارعَ السوء"(الطبراني صحيح).
ومن أسباب حسن الخاتمة: أن يُكثر المسلمُ من ذكر الموت؛ قال صلى الله عليه وسلم:
"أكثِروا مِن ذكر هادم اللذات"(الترمذي).
و من أسباب حسن الخاتمةأيضًا أن يُكثر المسلم من الدعاء، يسأل ربَّه بصدقٍ أن
يُحسن الله خاتمته، يقول أنس: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر من قول
:"يا مقلِّب القلوب والأبصار، ثبِّت قلبي على دينك"(الترمذي). فكم من إنسان
سالك ناسك، ثم قصَّر في نهاية المطاف؟
والعبرة ليس في كمال البدايات، وإنما العبرة بكمال النهايات: "وإنما الأعمال
بالخواتيم"(البخاري).
عباد الله:" أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين أما بعد:فإن ساعة الاحتضار يا عباد الله ساعة رهيبة، يتمنى الإنسان أن يُثبته الله فيها، ويظن أحدٌ أنها سهلة، وأنه يستطيع أن يتكلَّم بما يريد، فكم مِن مَحتضَر حَضَر عنده الناس،
وقالوا:
قل :"لا إله إلا الله"، ولم يستطع أن يَنطِق بهذه الكلمة، بل ربما تكلم بكلام
محرَّم، وأفعال كان يفعلها في هذه الدنيا، كما روي أن تاجراً كان غشاشاً محتكراً وعند
موته يقولون له قول لاإله إلا الله يقول :" ستين سبعين " وكأنه يعد أموله
الحرام :" الذي جمع مالاً وعدده يحسب أن ماله أخلده"
عباد الله:" إن الشارع الحكيم قد جعل علامات يستدل بها على حسن الخاتمة،
فأيما امرئ مات بإحداها كانت بشارة له، ويا لها من بشارة، ومن هذه العلامات:
النطق بالشهادة عند الموت: فعن معاذ بن جبل-رضي الله عنه- قال: قال رسول اللَّه-صلى
الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ
الْجَنَّةَ"(أبو داود وأحمد، ).
ومنها الموت برشح الجبين:فعن بريدة أنه كان بخراسان فعاد أخاً له وهو مريض فوجده
قد مات وإذا هو يعرق جبينه فقال:"الله أكبر سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم
يقول:"مَوْتُ الْمُؤْمِنِ بِعَرَقِ الْجَبِينِ"( أحمد، والنسائي، والترمذي).
ومن علامات حسن الخاتمة الموت ليلة الجمعة أو نهارها:لقوله صلى الله عليه وسلم
:"مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلَّا
وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ"(الترمذي وأحمد).
الاستشهاد في سبيل الله والشهداء كثر منهم شهيد المعركة ومنهم شهيد المرض
ولهم أجر عظيم يقول صلى الله عليه وسلم-:"لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ
يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَيُجَارُ
مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ
تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَيُزَوَّجُ
اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ
مِنْ أَقَارِبِهِ"(الترمذي).
اللهم أحسن خاتمتنا في الأمور كلها
واختم لنا بخاتمة السعادة يارب العالمين..
عباد الله أقول قولي هذا وقوموا إلي صلاتكم يرحمكم الله وأقم الصلاة.