recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة | مضار الطلاق



مضار الطلاق


الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له في سلطانه ولي الصالحين وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله..اللهم صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله وعلي آلك وصحبك وسلم تسليماً كثيراً أما بعد فياجماعة الإسلام  ..

يقول الله تعالي :"يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا "(الطلاق:1).

عباد الله:" مما لاشك فيه أن ديننا الإسلامي قد جعل الطلاق في أضيق الحدود، وفي حالة استحالة العشرة بين الزوجين، وبما لا تستقيم معه الحياة الزوجية، وصعوبة العلاج إلا به وحتى يكون مخرجاً من الضيق وفرجاً من الشدة ..

والطلاق ظاهرة عامة وموجودة في كل المجتمعات وبنسب متفاوتة وهو أمر عرفته البشرية من قديم الزمان، وكانت له طرق وأشكال تختلف من بيئة إلى بيئة، ومن عصر إلى عصر، وقد أقرّته جميع الأديان كلٌ بطريقته، كما عرفته العرب لأنه كان شريعة إبراهيم وإسماعيل  عليهما السلام 

 ففي حديث البخاري أن سيدنا إبراهيم عليه السلام قال لزوجة ولده إسماعيل التي شكت حاله قولي له:"يغير عتبة داره، ففهم إسماعيل من ذلك أنه ينصحه بطلاقها، فطلقها"(الأسرة تحت رعاية الإسلام، الشيخ/ عطية صقر، ج6، ص275).

وعندما جاء الإسلام كان امتداداً لدين إبراهيم كما قال الله تعالى :" ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفًا"(النحل/123).  فأقرّ الإسلام الطلاق ونظمه تنظيماً دقيقاً مراعياً في ذلك استقرار الأسرة وسعادتها من ناحية وحفظ كيان المجتمع البشري بأكمله من ناحية أخرى، يقول الله تعالى :"الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ "(البقرة/229).

عباد الله:" ولو وضع الإسلام أو المشرع قانوناً يُحرم الطلاق لصاح الناس:"هذا ظلم مبين،"لو ألزم القانون الزوجين بالبقاء على ما بينهما من جفاء- لأكلت الضغينة قلوبهما، وكاد كلٌ منهما للآخر، وسعى إلى الخلاص منه بأية وسيلة ممكنة، وقد يهمل أحدهم صاحبه، ويلتمس متعة الحياة عند غيره، ولو أن أحد الزوجين اشترط على الآخر عند عقد الزواج ألا يفارقه، ولو حلّ بينهما الكراهية والخصام محل الحب والوئام لكان ذلك أمراً منكراً مخالفاً للفطرة ومجافياً للحكمة ..أو ليس استبدال زوج بآخر خير من ضم خليلة إلى امرأة مهملة، أو عشيق إلى زوج بغيض ؟

عباد الله:" والحقيقة أن الإسلام كره الطلاق ونفَّر منه والرسول صلى الله عليه وسلم قال :"ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق"(أبو داود)، واعتبر الحياة الزوجية لها قدسية خاصة لابد من احترامها، وأن هدمها ليس بالأمر السهل، فهي ميثاق غليظ ينبغي عدم نقضه بسهولة، والقرآن الكريم يقول فيه:"وَأَخَذْنَا مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا"(النساء/21). 

وكما قال صلى الله عليه وسلم :" لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ،"(مسلم)، و"الفرك"هو الكراهية والإبعاد، بل 

قال الله تعالى:" وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا"(النساء/19).

وهذا دليل على أن الإسلام صان قدسية الزوجية من العبث بها، لما يترتب على ذلك من أضرار تقع على الأسرة وعلى المجتمع الإسلامي بأكمله، فوضع العقبات في طريق الطلاق ليمنع وقوعه أو يؤخره، وحبَّذ التريث في معالجة ما ينشب بين الرجل وامرأته لعل الأمور تعود إلى طبيعتها وهذا ما أوضحته آية سورة النساء 

"وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا"(النساء/34).  

وهذه الثلاث إنما توافق الأزمان والأمكنة والأشخاص والأحوال ولذلك عبر بالواو ولم يجعلها مراحل .. ولأن  الشارع الحكيم  الخالق شرع شرائع  وحد حدود للزوجين اللذين خلقهما بيده :"وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ"(النجم/ 45).

فلعلمه بحال خلقه  وبما ينفعهم ومايصلحهم  وصف لهم علاجات كثيرة حتى لا تتفسخ الأسرة وتشرد الأبناء وحتى لا نصل إلى أبغض الحلال الطلاق ومن تلك العلاجات التي تتخذ في حالة نشوز الزوجة وعدم طاعتها لزوجها.

"الوعظ" لمن تنتفع بالوعظ  وهناك الكثير من النساء ينفعهن الوعظ وتتعظ وهذا خير لها ..

و"الهجر في المضاجع" لمن عندها كرامة فحينما يهجرها زوجها تعود إلى صوابها،

أما أخر العلاج في المرحلة الأولي التي لاتخرج من البيت وحجرة النوم هو الضرب لمن عندها بلادة جنسية ومريضة ببرود جنسي.. ولم ينفع معها الوعظ والهجر.. وهذا الضرب بشروطه ضرب تخويف وإيلام قيل :"يا رسولَ اللَّهِ ، ما حقُّ زَوجةِ أحدِنا علَيهِ ؟ ، قالَ : أن تُطْعِمَها إذا طَعِمتَ ، وتَكْسوها إذا اكتسَيتَ ، أوِ اكتسَبتَ ، ولا تضربِ الوَجهَ ، ولا تُقَبِّح ، ولا تَهْجُرْ إلَّا في البَيتِ"(أبوداود).. 

وحقيقة الضرب هنا  لإظهار الغضب وليس للانتقام وأن بعض الثقافات كانت المرأة فيها ترى من كمال الرجولة ذلك وأن الله  سبحانه وتعالى قد علمنا أن هذا جائز فجاء بعض المعاصرين المحدثين وظنوا أن هذا هو الضرب الذي هو انتقامٌ وعقابٌ والذي هو اعتداءٌ على الإنسان وخروج على حقوقه والأمر ليس كذلك . لأنه لو كان ضرب لمجرد الضرب وليس للعلاج ماكان ختم الآية بقوله تعالي:"فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا" أي بمجرد الطاعة يتوقف العلاج لتحقق الغرض ..

ومن الملاحظ هنا أن الله يقول فإن أطعنكم وهذا تعريف واضح لأن النشوز هو خروج الزوجة عن طاعة زوجها وخدمتها له وعصيانها  له في الفراش.. وليس الخيانة الزوجية كما قال بعض المتهوكون أعداء الدين،والذين ينكرون الضرب مطلقاً..

 ونقول لهذا:" ياأعمي القلب والبصر والبصيرة ضرب غير مبرح يؤلم فيصلح أم طلاق وخراب للبيوت وتشريد للأسر وضياع للأبناء وضياع للمجتمعات بالمخدرات والسرقات وأبناء وبنات في الشوارع ضائعات ..

والذي وصف هذا العلاج  هو الذي خلق الزوجين  وهو أعلم بخلقه:"أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"(الملك/14).

عباد الله :" اقول قولي هذا وأستغفروا الله العظيم لي ولكم ..

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين وبعد  فياجماعة الإسلام علاج القرآن للخلافات الزوجية علاج ناجع ونافع ..وعظ وهجر وضرب حميد غير مبرح..

فإذا لم ينفع هذا العلاج يقرر القرآن تدخل الأهل وأقارب الزوجين:"وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا"(النساء/35).

بل تدرج الإسلام واستبقى مجالاً للحياة الزوجية بعد الطلاق لعل مشاعر الحب تعود بينهما مرة أخرى فنهي عن خروج المطلقة من بيتها واعتبر ذلك ظلم لها  قال تعالي :"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ  لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ"

ثم ذيل آية الطلاق بقوله تعالي:" لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا"(الطلاق/1).وذلك لآن الطلاق هو موقف مؤقت لعلاقة لم تتحقق فيها مقاصد الزواج ،ولكنها أيضاً ليست حسماً صارماً، وقدتعود المياه لمجاريها مرة أخري ..

عباد الله :"

ومما لاشك فيه أن الطلاق من أخطر الأمور التي تعصف بالمجتمع والأسرة فهو عملية هدم لبناء الأسرة    

لما له من الآثار التربوية والاجتماعية والاقتصادية

فالطلاق بحق زلزال إجتماعي أسري  يجعل المجتمع ينظر إلي المطلقة نظرة فيها ريبة وشك في سلوكها وتصرفاتها وبأنها غير سوية كما إن الطلاق يصيب كبد الرجل وعقله وقلبه وجيبه؛وقد يصاب المطلق بالاكتئاب والانعزال واليأس والإحباط،..

بل يؤثر الطلاق على صحة الأولاد النفسية والجسدية وقد يصل الحد إلى استخدام المخدرات والمسكرات وضياع البنين والبنات .والطلاق وسيلة لزرع الكراهية والنزاع والمشاجرة بين أفراد المجتمع من  خصام وتقاضي واقتتال و مشاحنات وعدم استقرار، وبدلاً من أن يعمل الأهل والأقارب لإصلاح ذات البين والصلح بينهما يصبحا مصدراً للخصام والانحياز والتعصب المؤدي إلى زعزعة واستقرار المجتمع..

اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار..

عباد الله أقول قولي هذا وقوموا إلي صلاتكم يرحمكم الله وأقم الصلاة.  

google-playkhamsatmostaqltradent