"لا تُظهِرِالشماتةَ لأخيك،فيرحمْه اللهُ ويبتلِيك"
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول وبعد
فياعباد الله حديثنا إليكم اليوم عن الشماتة ،يقول الله تعالى علي لسان نبيه هارون :" قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِى وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِى فَلَا تُشْمِتْ بِىَ ٱلْأَعْدَآءَ وَلَا تَجْعَلْنِى مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ"(الأعراف/150).
قال القرطبي:"إن القوم استضعفوني استذلوني وعدوني ضعيفاً وكادوا أي قاربوا يقتلونني بنونين ; لأنه فعل مستقبل . فلا تشمت بي الأعداء أي لا تسرهم والشماتة : أن يُسرّ المرء بما يصيب عدوه من المصائب في الدين والدنيا ".
وقيل لأيوب عليه السلام : أي شيء من بلائك كان أشد عليك قال :" شماتة الأعداء "
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ منها ويقول :"اللهم إني أعوذ بك من سوء القضاء ودرك الشقاء وشماتة الأعداء"(البخاري وغيره).
وقال الشاعر :
إذا ما الدهر جر على أناس كلاكله أناخ بآخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا
عباد الله:"الشماتة خلق ذميم ولا يجب على المسلم أن يفعل هذا الخلق المشين"، لأن هذا الخلق هو خلق الضعفاء وفيه تحقير للآخرين والإسلام ينهانا عن تحقير الغير.فالشماتة بالغير خلق الكافرين والمنافقين الذين قال اللّه فيهم عندما شمتوابالمسلمين في غزوة أحد :"إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ"(آل عمران/120).
فالشماتة محرمة منهي عنها ولا يوجد في الدين الإسلامي شماتة، حيث قال صلى الله عليه وسلم ":لا تُظهِرِ الشماتةَ لأخيك ، فيرحمْه اللهُ ويبتلِيك"(الترمذي والترغيب والترهيب).،
ويقول صلى الله عليه وسلم :"تعوذوا بالله من جهد البلاء ، ودرك الشقاء ، وسوء القضاء وشماتة الأعداء"(البخاري ومسلم).وكان صلي الله عله وسلم دائماً يدعو:" اللهم لا تشمت بي عدواً حاسداً"(الحاكم).
عباد الله:"لاشماتة في الموت من أعظم ما يقع بالمؤمنين من الابتلاء له ولمن يتركهم بعده، وعند المصائب يجب الاعتبار والاتعاظ، لأن الرحمة الإنسانية تحمل على الحزن بل والبكاء مهما كانت معاملة الميت، قام النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة، ولما قيل له: إنها ليهودي فقال "أليست نفسا"؟(البخاري ومسلم).
ونتساءل: "من يشمت فى غيره هل هو ضامن أنه سيموت سليمًا معافى فقد يبتليه الله بما شمت فى غيره؟"، وهذه الشماتة لا تجوز شرعًا، بل يجب أن ندعو لكل مريض أن يعافيه الله ويمتعه بالصحة والعافية وأن يصبره حتى يعافيه على ما ابتلاه.
التشفي بالموت ليس خلقا إنسانياً ولا دينياً، فكما مات غيره سيموت هو، وهل يسر الإنسان إذا قيل له: إن فلانا يسعده أن تموت؟ فإذا ما مات عدوله تناوله بالسب وقدنهي صلي الله عليه وسلم عن ذلك :"لا تَسُبُّوا الأمواتَ، فَإنَّهُمْ قَدْ أفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّموا"(البخاري).
وقال : الكلبي : لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم شمت به نساء كندة وحضرموت وخضبن أيديهن وأظهرن السرور لموته صلى الله عليه وسلم وضربن بالدف ، فقال الشاعر :
بلغ أبا بكر إذا ما جئته أن البغايا رمن كل مرام
أظهرن من موت النبي شماتة وخضبن أيديهن بالعنام
فاقطع هديت أكفهن بصارم كالبرق أومض في متون غمام
عباد الله:" هل الجهر بالمظلمة شماتة في الظالم؟
قال تعالى :"لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ" فهذا الجهرلا يعنى الشماتة فى الظالم، ولكن المعنى أن المظلوم يرفع أمره إلى القضاء أو دفع هذا الظلم عنه لرد الحق مرة أخرى إلى صاحبه.والمؤمن قلبه مليء بالرحمة تجعله يحن إلى الإنسان إذا تعرض لمكروه حتى لو كان هذا الإنسان قد ظلمه.وحينما يري أن الله قد انتقم له من الذي ظلمه يحمد الله عزوجل عملاً بقوله تعالي:" ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَٰنًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ فانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهم سُوءٌ واتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ واللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ"(آل عمران/174,173﴾.
"واتبعوا رضوان الله"، يعني بذلك: أنهم أرضوا الله بفعلهم ذلك، واتباعهم رسوله إلى ما دعاهم إليه..
عباد الله:" والشماتة بالمصائب التي تقع للغير تتنافى مع الرحمة التى يفترض أن تسود بين المسلمين والنبي صلى الله عليه وسلم -على الرغم من إيذاء أهل الطائف له - لم يشأ أن يدعو عليهم بالهلاك وقد خيره جبريل فى ذلك، ولكنه قال فى نبل وسمو خلق :"لا ، بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئا" ثم تسامى فى النبل والكرم فدعا لهم بالهداية والمغفرة.
ولما منع ثمامة بن أثال عن قريش إمدادهم بالطعام، وقد كانوا فى قحط، لم يظهر الرسول بهم شماتة ولم يفرح لما أصابهم، بل أمر إمدادهم بما كان معتادا"، وقد قال فى صفات المنافقين:"وإذا خاصم فجر"ومن الفجور الشماتة.
والشماتة في المعاصي ينبغي الحذر منها ،لأنها مثل الأمراض التى تصيب الجسد، وهنا لا يجوز الشماتة فيها، ونحن نكره المعصية ولا نكره العاصى أبداً لأن الله نهى عن فعل المعاصى ولكنه كرم الإنسان وميزه عن باقى الخلائق فلا يحق لنا كرهه شخصياً
لما بلغ الشافعي أن رجلا يدعو عليه بالموت في سجوده فُذكرذلك للشافعي رضي الله عنه فتمثل يقول :
تمنى رجال أن أموت وإن أنامت فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد
فما عيش من قد عاش بعدي بنافعي ولا موت من قد مات قبلي بمخلد
وللمبارك بن الطبري :
لولا شماتة أعداء ذوي حسد أو اغتمام صديق كان يرجوني
لما طلبت من الدنيا مراتبها ولا بذلت لها عرضي ولا ديني
عباد الله :" ومن عير ابتلي عن خالد بن معدان عن معاذ قال : قال رسول الله :"من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله"(الترمذي).
قال أحمد بن منيع :"قالوا من ذنب قد تاب منه"
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعاً :"إذا زنت أمة أحدكم فليحدها الحد ولا يثرب عليها "
والتثريب هو التعيير والتوبيخ واللوم والتقريع .
و في النهاية :"أي:لا يوبخها بالزنا بعد الضرب ..
وقال بعضهم : عبت شخصاً قد ذهب بعض أسنانه فذهبت أسناني ، ونظرت إلى امرأة لا تحل لي فنظرت زوجتي من لا أريد.
وقال ابن سيرين :"عيرت رجلاً بالإفلاس فأفلست"
قال ابن الجوزي :"ومثل هذا كثير وما نزلت بي آفة ولا غم ولا ضيق صدرإلا بزلل أعرفه حتى يمكنني أن أقول هذا بالشيء الفلاني،وربما تأولت تأويلاً فيه بعد فأرى العقوبة".فينبغي للإنسان أن يترقب جزاء الذنب فقل أن يسلم منه ، وليجتهد في التوبة إلي الله..
وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم .