حكم الجلوس والاجتماع للتعزية؟
هل اجتماعُ أهل الميِّت في بيتٍ واحدٍ من أجل العزاء، ومن أجل أن يصبِّر بعضُهم بعضاً لا بأسَ به؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فتعزية أهل الميت مستحبة، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:" ما من مُؤمِنٍ يُعَزِّي أخاه بمصيبةٍ, إلا كساه اللهُ سبحانه من حُلَلِ الكرامةِ يومَ القيامةِ "(أحمد وابن ماجه).
الجلوس للعزاء:"
أمَّا الجلوسُ لتلقِّي العزاءِ في المنزل أو غيره؛
فاختلف أهلُ العِلمِ في حُكمِ الجلوسِ للتَّعزيَةِ على قولين:
القول الأوّلُ: لا يُشرَعُ الجلوسُ للتَّعزيةِ، وهذا مذهبُ الشَّافعيَّة ، والحَنابِلَة ، وقولٌ عند الحَنفيَّة ،وقد صرَّح بذلك غيرُ واحدٍ من الأئمَّة السَّابقين.
قالوا لأنَّ ذلك مُحْدَثٌ وبدعةٌ، وليس مِن هَدْيِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّم، وأصحابِه رَضِيَ اللَّهُ عنهم .قال الشِّيرازيُّ- الشَّافعيُّ في "المُهذَّب :"ويُكْرَهُ الجلوسُ للتَّعْزِيَة؛لأنَّ ذلك مُحْدَثٌ، والمُحْدَثُ بِدْعَةٌ" اهـ.
ثانيًا: لأنَّه يُجَدِّد الحُزْنَ، ويُكَلِّفُ المُعَزَّى ويُكْرَهُ الجلوسُ على باب الدَّار، وما يُصْنَعُ في بلاد العَجَم من فَرْشِ البُسُط، والقيامُ على قوارع الطُّرُق من أقبح القبائح، كذا في الظَّهيريَّة". وقال البُهُوتِي - الحنبليُّ - في "كشَّاف القِناع" عن حكم هذا الاجتماع:"نَقَلَ المَرُّوذِيُّ عن أحمد: هو من أفعال الجاهليَّة، وأَنْكَرَ شديداً..
المجيزون:"
القول الثاني: يجوزُ الجلوسُ للعزاءِ، وهو مذهب الحنفيَّة ، والمالكية ، وروايةٌ عن أحمد ، واختارَه ابنُ حجر(فتح الباري لابن حجر 3/168).
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة
عن عائشةَ رَضِيَ الله عنها، قالت:"لَمَّا جاء النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قتَلُ ابنِ حارثةَ، وجعفرٍ، وابنِ رواحةَ؛ جلس يُعرَفُ فيه الحُزنُ، وأنا أنظرُ من صائِرِ البابِ شَقِّ البابِ، فأتاه رجلٌ، فقال: إنَّ نِساءَ جَعفرٍ وذكَرَ بُكاءَهنَّ، فأمَرَه أن ينهاهنَّ، فذهب، ثم أتاه الثَّانيةَ، لم يُطِعْنَه، فقال: انهَهُنَّ فأتاه الثالثةَ، قال: واللهِ لقد غلبْنَنا يا رسولَ اللهِ.."(البخاري ومسلم).
وجهُ الدَّلالةِ:
يدلُّ الحديثُ على جوازِ الجُلوسِ للعَزاءِ .
ثانيًا: من الآثار
عن عائشةَ زوْجِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم،:"أنَّها كانت إذا مات المَيِّتُ مِن أَهْلِها، فاجتمَعَ لذلك النِّساءُ ثم تَفَرَّقْنَ إلَّا أهلَها وخاصَّتَها"(البخاري ومسلم).
ثانيًا: لِدَفْعِ الحَرَجِ عن المُعَزِّينَ، وعَدَمِ إتعابِهم .
ثالثًا: لأنَّ التَّعزيةَ سُنَّةٌ، واستقبالُ المعَزِّينَ بالجلوسِ للعزاءِ ممَّا يُعينُ على أداءِ السُّنَّةِ .
الطعام في العزاء:"
أما أنهم يصنعون طعامًا للناس ليكرموهم إذا جاءوا يعزون هذا ليس له أصل، وهو من عمل الجاهلية ويكرهُ الأكلُ من طعامهم، قالهُ في "النَّظْم"، وإن كان من التَّركة وفي الوَرَثَةِ محجورٌ عليه أو مَنْ لم يأذنْ حَرُمَ فعلُهُ، وحَرُمَ الأكلُ منه؛ لأنَّه تصرُّفٌ في مال المحجور عليه، أو مال الغَيْر بغير إذنه" اهـ.
والحاصلُ: أنَّ التجمُّعَ أو عملَ المآتم أو الولائم بمناسبة الوفاة لا يجوزُ؛ لأنَّه من البِدَع والمُحْدَثَات التي أَحْدَثَهَا النَّاسُ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحَابِه والسَّلَفِ الصَّالح، وهو مِنَ النِّياحة وتعظيم المُصيبة. ففي "الصَّحيحَيْن" وغيرهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ أَحْدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منهُ؛ فهو رَدٌّ"، وفي روايةٍ: "مَنْ عَمِلَ عملًا ليس عليه أمرُنا؛ فهو رَدٌّ". وعن جَرِير بن عبدالله البَجَلِي رضيَ اللهُ عنه قال: "كنَّا نَعُدُّ الاجتماعَ إلى أهل الميِّت وصُنْعَةَ الطَّعامِ من النِّياحة"(أحمدُ وابنُ ماجه).
وفي "مصنَّف ابن أبي شَيْبَة :"أنَّ جَرِيراً قَدِمَ على عمرَ، فقال: هل يُناحُ قِبَلَكُم على الميِّت؟ قال: لا، قال: فهل تَجتمعُ النِّساءَ عندكم، ويُطْعَمُ الطَّعامَ؟ قال: نعم، فقال: تلك النِّياحةُ". هذا؛ والأحاديث ونصوصُ العلماء لم تفرِّقْ في المَنْع من الاجتماع بين قريبٍ وغيرِهِ، ولكنْ إذا كان في بقاء بعض الأقارب عند أهل الميِّت فائدةٌ محقَّقةٌ، كمُوَاساتِهم، وشَدِّ أَزْرِهم، وحَثِّهم على الصَّبر، وتَسْلِيَتِهم، وما شابه ذلك؛ فحَسَنٌ، ولكنْ على وجهٍ ضيِّقٍ، ولا تُفْتَحُ الأبوابَ.
وأما صُنْعُ الطَّعامِ؛ فإن كان أهلُ الميِّت هم الذين يصنعون الطَّعام لغيرهم؛ فهذا بِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ، وحُكْمُهُ دائرٌ بين التَّحريم والكَرَاهَة الشَّديدة؛ لحديث جَرِيرٍ السَّابق. وأمَّا إن كان من بعض الأقارب أو الجيران لأهل الميِّت فقط، فهو سُنَّةٌ؛ لما قاله رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلم: "اصنعوا لآلِ جعفرٍ طعاماً؛ فإنَّه قد أتاهم أمرٌ شَغَلَهُمْ"(أبوداود).
قال في "عَوْنُ المعبود": "فيه مشروعيَّةُ القيام بمُؤنَة أهل البيت مما يحتاجونَ إليه من الطَّعام؛ لاشتغالهم عن أنفسهم بما دَهَمَهُم من المصيبة عن طبخ الطَّعام لأنفُسِهم".
وذهبَ أكثرُ أهل العلم إلى استحباب صُنْع الطَّعام لهم ثلاثةَ أيَّام. قال البُهُوتِيُّ - الحنبليُّ - في "كشَّاف القِناع": "ويُسَنُّ أن يَصْنَعَ لأهل الميِّت طعاماً يُبْعَثُ به إليهم ثلاثاً - أي : ثلاثة أيام - لقوله صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا لآل جعفرٍ طعاماً؛ فقد أتاهُمْ ما يَشْغَلُهُم"(الشَّافعيُّ وأحمد والترمذي وحسَّنَهُ).
قال الزُّبَيْرُ: "فعَمِدَتْ سلمى مولاةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى شَعيرٍ فطَحَنَتْهُ، وأَدَّمَتْهُ بزيتٍ جُعِلَ عليه، وبَعَثَتْ به إليْهِم". ويُروى عن عبد الله بن أبي بكر أنَّه قال: "فما زالت السَّنةُ فينا حتى تركها مَنْ تركها"! وسواءٌ أكان الميت حاضراً أو غائباً، وأتاهُم نَعْيُهُ، وينوي فِعْلَ ذلك لأهل الميِّت، لا لِمَنْ يجتمعُ عندهم، فيُكْرَهُ؛ لأنَّه معونةٌ على مكروهٍ، وهو اجتماعُ النَّاس عند أهل الميِّت، نَقَلَ المَرُّوذِيُّ عن أحمد: "هوَ من أفعال الجاهليَّة، وأَنْكَرَ شديداً" اهـ.
قال النَّوَوِيُّ في "المجموع"وقال ابنُ الهُمَام - الحنفيُّ - في "فَتْحُ القدير": "ويُكْرَهُ اتِّخاذُ الضِّيافة من الطَّعام من أهل الميِّت؛ لأنَّه شُرِعَ في السُّرور لا في الشُّرور، وهي بِدْعَةٌ مُسْتَقْبَحَةٌ" انتهى. وفي "الفتاوى الهندية":
اتَّفَقَتْ نصوصُ الشَّافعيِّ في "الأُمِّ" و"المختصَر"، والأصحابُ على أنَّه يُسْتَحَبُّ لأقرباء الميِّت وجيرانه أن يعْمَلُوا طعاماً لأهل الميِّت، ويكونُ بحيث يُشْبِعَهُم في يومِهِمْ وليلَتِهِمْ، قال الشَّافعيُّ في "المختصَر": "وأُحبُّ لقَرَابَة الميِّت وجيرانه أن يعْمَلُوا لأهل الميِّت في يومِهِمْ وليلَتِهِمْ طعاماً يُشْبِعُهُمْ؛ فإنَّه سُنَّةٌ، وفِعْلُ أهل الخير".
أما حديثُ عائشةَ زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّها كانت إذا ماتَ الميِّتُ من أهلها فاجتمع لذلك النِّساء، ثم تفرَّقْنَ، إلا أهلَها وخاصَّتَها، أمرَتْ ببُرْمَة من تَلْبِينةٍ فطُبِخَتْ، ثم صُنِعَ ثريدٌ فصُبَّتْ التَّلْبِينَةُ عليها، ثم قالتْ: كُلْنَ منها؛ فإنِّي سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لفؤاد المريض، تذهبُ ببعضِ الحُزْن"، فالظَّاهرُ من الحديث أنَّهُ كانت تصنعُها لأهل الميِّت خاصَّةً، وليس للمُعزِّين.
مايقال للتعزية:"
هذا؛وليس في التعزية شيء محدد لا يقال غيره، بل يقول المعزي للمعزى ما هو لائق بحال الميت المصاب، ففي تعزية المسلم بالمسلم يقول:"أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك وغفر لميتك"وفي تعزية المسلم عن الكافر:"أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك".وفي تعزية الكافر بمسلم:"أحسن الله عزاءك وغفر لميتك" وفي تعزية الكافرعن الكافر:"خلف الله عليك، ونحو ذلك"
وقت التعزية:"
وأكثر العلماء على أن التعزية ثلاثة أيام فما زاد عليها كره؛ إلا أن يكون المعزى أو المعزي غائباً.
وقال بعض أهل العلم :"إنَّ الاجتماعَ في بيت الميِّت ليس له أصلٌ من عمل السَّلَف الصَّالح، وليس بمشروعٍ، لا سيَّما إذا اقترنَ بذلك إشعالُ الأضواء، وصَفُّ الكراسي، وإظهارُ البيت وكأنه في ليلة زفاف وعُرْس، فإنَّ هذا من البِدَعِ التي قال عنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "كلُّ بِدْعَةٍ ضلالةٌ".
وسئل بعض العلماء عن تخصيص ثلاثة أيام للعزاء؛ يبقى أهلُ الميِّت في البيت، فيقصُدُهمُ النَّاسُ، وقد يتكلَّفُ أهلُ الميِّت في العزاء بأعراف الضِّيافة؟ فقال باختصار: "تقييدُهُ بالثَّلاث لا أصلَ لهُ، وأمَّا الاجتماعُ في البيتِ؛ فهذا أيضاً لا أصلَ لهُ، وقد صرَّح كثيرٌ من أهل العلم بكراهته، وبعضُهم صرَّح بأنَّه بِدْعَةٌ، والإنسانُ لا يفتحُ بابَهُ للمعزِّين، ويغلقُ بابَهُ، ومن صادَفَهُ في السُّوق وعزَّاه؛ فهذا هو السُّنةُ، وما كان الرسولُ صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه رضي الله عنهم يجلسون للعزاء أبداً.. إلخ.
أما ما يقصِدُه الشَّيخُ بالبِدَع: فهو ما أَحْدَثَهُ النَّاسُ من التَّجَمُّع للعزاء، أو عمل المآتم أو الولائم بمناسبة الوفاة، ومنها الجلوسُ لتلقِّي العزاءَ ثلاثةَ أيَّامٍ، والاجتماعُ لقراءة القرآن، أو تحديدُ هيئةٍ أو أوقاتٍ معيَّنةٍ لقراءة القرآن، أو الإسرافُ في المآدب، فضلًا عن النِّياحة، وشَقِّ الجيوب، ولَطْمِ الخدود، كذلك السَّخَطُ والاعتراضُ على القَدَر، .
مكان التعزية:"هل يخصص مكان للتعزية وصوان وقراء وغيره؟
أما العزاء فليس له محل معين، يعزيهم في الطريق، يعزيهم في المسجد، يعزيهم في المقبرة قبل الدفن أو بعد الدفن، كل هذا لا بأس به ، ولكن لو جلسوا في بيتهم وجاءهم المعزون من غير أن يصنعوا طعامًا للناس فلا بأس، إذا جاءهم معزي في البيت فعزاهم وخرج في ليل أو نهار لا بأس بهذا،
فإقامة السرادقات للعزاء إذا لم تشتمل على منكر فهي مكروهة عند كثير من العلماء، وأما إذا اشتملت على منكر فهي محرمة، جاء في فتاوى الأزهر: فهناك اتفاق بين الأئمة على أن إقامة السرادقات -ومثلها دور المناسبات- لتقبل العزاء غير محمودة، وأقل درجاتها الكراهة أو خلاف الأولى، مع العلم بأنها إذا كانت للمباهاة كانت حراماً، وإذا أنفق عليها من أموال القصر كانت حراماً أيضاً.
فإن كانت هذه السرادقات لا تشتمل على أمور محرمة فلا مانع من دخولها للتعزية إذا لم تتمكن من تعزية أهل الميت في غيرها، وأما إذا كانت تشتمل على أمور محرمة فلا نرى لك دخولها في هذه الحال إلا أن تكون مفسدة عدم الدخول أعلى وأرجح من مفسدة الدخول
وأما مجرد وجود قارئ للقرآن فليس مانعا من الذهاب إلى السرادقات للتعزية، فقد سئل بعض العلماء :
هل يجوز الذهاب للعزاء في ميت إذا كان هناك بدع، مثل قراءة القرآن؟.
فأجاب: السنة زيارة أهل الميت لعزائهم، وإذا كان عندهم منكر، يُنكِر ويبين لهم، فيجمع المعزي بين المصلحتين، يعزيهم وينكر عليهم وينصحهم، أما مجرد قراءة القرآن فلا بأس فيها، فإذا اجتمعوا وقرأ واحد منهم القرآن عند اجتماعهم، كقراءة الفاتحة وغيرها، فلا بأس وليس في ذلك منكر، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتمع مع أصحابه يقرأ القرآن. فإذا اجتمعوا في مجلسهم للمعزين وقرأ واحد منهم أو بعضهم شيئا من القرآن فهو خير من سكوتهم، أما إذا كان هناك بدع غير هذا، كأن يصنع أهل الميت طعاما للناس، يعلمون وينصحون لترك ذلك، فعلى المعزي إذا رأى منكرا أن يقوم بالنصح ..
هل يجوز تعزية أهل الكتاب وماصيغة التعزية؟
ذهب أكثر أهل العلم إلي أنه يجوز تعزيتهم عند الوفاة، وعيادتهم عند المرض، ومواساتهم عند المصيبة وتهنئتهم في المناسبات .
ومِمَّا يمكن الاستشهاد به على جواز ذلك أنه قول المولي عزوجل:"لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُون"(الممتحنة/8 ,9).
وروي عن أنس -رضي الله عنه- قال:"كان غلام يهودي يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- فمرض، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوده ، فقعد عند رأسه، فقال له :" أسلم"، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له : أطع أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- فأسلم ، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول:"الحمد لله الذي أنقذه من النار"(البخاري).
وعنه - رضي الله عنه - أن يهودياً دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خبز شعير، وإهالة سنخة فأجابه"(أحمد).
وينبّه على أن المسلم إذا فعل ذلك فعليه أن ينوي بذلك دعوتهم، وتأليف قلوبهم على الإسلام، ويدعوهم بالطريقة المناسبة في الوقت المناسب.
حكم تعزية الكافر:"
وأمَّا بشأن حكم تعزية الكافر، فإنَّ من المعلوم كراهةُ بعض السلف لعزاء النصارى، وتحريم بعضهم للكفار، ولكنَّ الذي يترجَّح لدينا والله أعلم القول بجوازى ذلك، وهو قول أكثر أهل العلم، وهنالك الكثير من السلف الصالح قد عزَّى غيرالمسلمين.
والقول بجواز تعزية الكفار عموماً هو رواية عن أبي حنيفة، وهو قول الإمام الشافعي وقولٌ في مذهب الإمام أحمد وغيره، شرط ألاَّ يكونوا محاربين،وخصوصاً إن كان في ذلك رجاء إسلامهم، وتأليف قلوبهم، أو دفع أذاهم.
وصيغة التعزية :"
وأمَّا ألفاظ العزاء التي تُقال للكافر غير المحارب فهي: أخلف الله لكم خيرًا منه،قال الحسن إذا عزيت الذمي، فقل:"لا يصيبك إلا خير"وقال عباس بن محمدالدوري:"سألت أحمد بن حنبل قلت له:" اليهودي والنصراني يعزيني أي شيء أرد إليه، فأطرق ساعة، ثم قال:ما أحفظ فيه شيئًا، وقال حرب: قلت لإسحاق: فكيف يعزي المشرك؟ قال: يقول أكثر الله مالك وولدك"ا.هـ.
ومن الألفاظ التي ذكرها العلماء في ذلك -أي في تعزية الكافر-: أخلف الله عليك ولا نقص عددك، ذكر ذلك النووي وابن قدامة(انظر في ذلك: المجموع شرح المهذب:/275) (وانظر المغني لابن قدامة: 2/410).
وقال بعضهم يقول له:"أعطاك الله على مصيبتك أفضل مما أعطى أحدًا من أهل دينك. ولو قال أيضًا: جبر الله مصيبتك أوأحسن لك الخلف بخير،وما أشبهه من الكلام الطيب، فلا بأس. فالاستغفار لايجوز وإنما يُدعى لهم بما يناسب حالهم، بحثّهم على الصبر، ومواساتهم، وتذكيرهم بأن هذه سنّة الله في خلقه.و لا يدعى لميّتهم بالمغفرة وبالرحمة أو الجنة، لقوله تعالى :" مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ"(التوبة/113).
وورد عن الصحابي الجليل عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه:"أنه مر برجل هيئته هيأة مسلم، فسلم فرد عليه: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، فقال له الغلام: إنه نصراني! فقام عقبة فتبعة حتى أدركه، فقال: إن رحمة الله وبركاته على المؤمنين، لكن أطال الله حياتك، وأكثر مالك وولدك".
قال بعض العلماء:"في هذا الأثر إشارة من الصحابي الجليل إلى جواز الدعاء بطول العمر، ولو للكافر، فللمسلم من باب أولى، ولكن لا بد أن يُلاحظ أن لا يكون الكافر عدوًّا للمسلمين،ويترشح منه جواز تعزية مثله بما في هذا الأثر".
وإنما يدعى لهم بما يناسب حالهم بحثهم على الصبر، ومواساتهم، وتذكيرهم بأن هذه سنّة الله في خلقه .
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم