الأحمق المطاع ومن علي شاكلته
لفضيلة الشيخ عبدالناصربليح
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف
المرسلين وبعد فحديثنا إليكم اليوم عن الأحمق المطاع وهل يجوز توليته منصباً أو يُعظم؟
ونحن معنا مثالاً لهذا الأحمق المطاع وهو :"عيينة
بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن
ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان الفزاري، يُكنى بأبي مالك،
وكان من صناديد العرب، وكان فظاً غليظاً جريء القلب بذيء اللسان والقول.
وقد تعمدت أن أذكر نسبه كاملاً لأنه من أعرق الأنساب العربية، كما نري ولو أردنا الإسهاب فربما أفردنا لكل شخص من آبائه مقالاً خاصاً لكثرة أمجادهم وعراقة نسبهم، ويكفي أن نذكر هنا أن جده حذيفة كان يلقب في الجاهلية بـ (ربّ معدّ)
أي سيد قبائل عدنان كلها لفخامة نسبه ورجاحة عقله وعظم شرفه في
العرب، فلا عجب إذاً أن هذا الصنديد الجريء"عيينة بن حصن" سيد قبيلة
غطفان القوية، وكان إذا قام تبعه وقام معه عشرة آلاف رجل من قومه لا يسألونه فيم؟
ولا إلى أين؟ كما قال رسول الله أي أنهم يطيعونه طاعة عمياء لا يسألونه مع من
نقاتل؟ ولا لماذا نقاتل؟.
وبرغم المكانة المرموقة والنسب الباذخ والشرف العريق
والقلب الجريء، إلا أن هذا الرجل كان يعيبه عيب كبير أنه كان أحمق غير ذي رأي حتى
سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ "الأحمق المطاع"، وذلك لضياع رأيه
وحماقته وقصر نظرته للأمور. والحقيقة أنه لولا لطف الله تعالى وحده بغطفان التي
أنجاها منه ومن حماقاته، وإلا كان هذا الأحمق الأرعن سيورد قبيلته المهالك في سبيل
آرائه العوجاء وأطماعه الشخصية هو، وليس من أجل قومه، ولا حبا فيهم ولا لمصلحتهم.
وله العديد من المواقف الحمقاء والمضحكة التي لا يسع المجال هنا لذكرها، ولكن من أبرز وأشهر مواقفه الحمقاء وقوفه مع يهود خيبر في وقت كان الإسلام يزداد قوة ومنعة، خصوصاً بعد معركة الخندق التى هزم فيها الأحزاب وكان عيينة معهم فرأى بأم عينيه كيف انتصر الرسول على أكبر الجيوش التى عرفت في تاريخ العرب، ومع ذلك ذهب بقومه لينصر يهود خيبر، ففاوضه الرسول أن يرجع وله نصف ثمار خيبر فرفض،
ولكن بينما هم في الطريق سمعوا منادياً يصيح فيهم أن أدركوا أهلكم،
فعاد بجيشه مسرعاً لغطفان، فلم يجد شيئاً، ثم كر بقومه مرة أخرى إلى خيبر لينصر
اليهود، فوجد الرسول قد فتحها فجاء هذا الأحمق البذيء لرسول الله يطلب منه نصيباً
من غنائم خيبر من سلب حلفائه الذين كان يريد الوقوف معهم ضد النبي) هكذا بكل وقاحة
وغباء، ولكن النبي طرده ولم يعطهِ شيئاً.
والحقيقة أن هذا
الأعرابي الجلف الفظ لم يكن يهمه نصر اليهود بقدر ما كان يغيظه انتصار الإسلام
فجنى على قومه وحرمهم الإسلام مبكرين، وحرمهم أيضا من المال والخير بسبب تهوره
وهوجه وقلة عقله. وقد كان عيينة يعد في الجاهلية من الجرارين يقود عشرة
آلاف، وتزوج عثمان بن عفان ابنته، فدخل عليه يوما فأغلظ له، فقال له عثمان: لو كان
عمر ما أقدمت عليه بهذا. فقال: إن عمر أعطانا فأغنانا وأخشانا فأتقانا.
وعن أبي وائل،
قال:سمعت عيينة بن حصن يقول لعبد الله: أنا ابن الأشياخ الشم. فقال له عبد الله:
ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. فسكت.
وكان لعيينة ابن أخ له دين وفضل، يقول الزهري:
كان جلساء عمر بن الخطاب أهل القرآن شباباً وكهولاً، فجاء عيينة الفزاري، وكان له
ابن أخ من جلساء عمر يقال له الحربن قيس، فقال لابن أخيه: ألا تدخلني على هذا الرجل؟
فقال: إني أخاف أن تتكلم بكلام لا ينبغي، فقال: لا أفعل،
فأدخله على عمر، فقال: يا بن الخطاب، والله ما تقسم بالعدل، ولا تعطي الجزل.
فغضب عمر غضبًا
شديدًا حتى هم أن يوقع به، فقال له ابن أخيه: يا أمير المؤمنين، إن الله عز وجل يقول
في محكم كتابه: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن
الجاهلين"، وإن هذا من الجاهلين، قال: فخلى عنه عمر، وكان وقافًا عند كتاب
الله عز وجل.
ذكره أبو حاتم
السجستاني في كتاب: «المعمرون والوصايا» قال: وصّى حصن بن حذيفة ولده عند موته،
وكانوا عشرة، وكان سبب موته أنّ كُرز بن عامر العقيلي طعنه، فاشتدّ مرضه، فقال
لهم: الموت أَرْوَحُ ممّا أنا فيه، فأيكم يطيعني؟ قالوا: كلُّنا. فبدأ بالأكبر
فقال: خذ سيفي هذا، فضعه على صدري ثم اتّكئ عليه حتى يخرج من ظهري. فقال: يا
أبتاه! هل يقتل الرجل أباه؟
فعرض ذلك عليهم
واحداً واحداً فأبوا إلاّ عيينة، فقال: يا أبتِ، أليس لك فيما تأمرني به راحة
وهوى، ولك مني طاعة؟ قال: بلى! قال: فمرني كيف أصنع؟ قال: ألقِ السيف يا بنيّ؛
فإني أردت أن أبلوَكم فأعرف أطوعكم لي في حياتي فهو أطوع لي بعد موتي، فاذهب أنت
سيد ولدي من بعدي، ولك رياستي، فجمع بني بدر فأعلمهم بذلك، فقام عيينة بالرياسة
بعد أبيه، وقتل كُرزاً.قال ابن القيم بأن كل حديث فيه لفظة الحميراء يعني بها
عائشة فهو ضعيف، ولا أذكر أين قاله.
يروي أنه:" دخل عيينة بن حصن
على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة وذلك قبل أن يضرب الحجاب، فقال: من
هذه الحميراء يا رسول الله؟ قال: هذه عائشة بنت أبي بكر. قال: أفلا أنزل لك عن
أجمل النساء؟ قال: لا. فلما خرج قالت عائشة: من هذا يا رسول الله؟ قال: "هذا الأحمق
المطاع في قومه".
جاء في ذلك عدة
روايات
(عن عروة بن الزبير المحدث: الذهبي - المصدر: سير
أعلام النبلاء - الصفحة أو الرقم: 2/ 167وعن أبي
هريرة في: الزيلعي/تخريج الكشاف 3/ 122ودرجته:فيه إسحاق بن عبد الله قال
البزار لين الحديث..وعن الهيثمي في مجمع الزوائد7/ 95ودرجته فيه إسحاق بن عبد الله
بن أبي فروة وهو متروك). منقول الدرر السنية)
واليوم نرى أشباه
هذا الأحمق المطاع، وهم يجتالون يمنة ويسرة كأنهم حمر مستنفرة، فلا هم بالذين
وقفوا مع الحق، ولا انتصروا لقومهم من ظلم، ولا دلوهم على رشد ولا وجد أهلهم منهم
خيراً، بل دخلوا التاريخ مع نفس الباب الذي دخل منه أحمقنا المطاع هذا.
فلا تعجب عزيزي القارئ أن قدم المتنبي الرأي الراجح الرزين على الشجاعة الهوجاء التي في غير محلها والتي تورد صاحبها المهالك، أو بالأصح تورد أصحابها المهالك في سبيل مصلحة أحمق مطاع آخر.
الرأيُ قبلَ شجاعةِ
الشجعانِ**هــو أولٌ وهـي المـقـامُ الثـانـي
فياليت كل أحمق مهما
كان حوله من حاشية فليعلم أنها ستنصرف عنه في يوم من الأيام كماحدث لأحمقنا هذا
ولغيره من الحمقي ..وسيعيش ذليلاً مهاناً بسبب حماقته وحقده وسوء تصرفه ..
وكذلك علي من يتبعون الحمقي أن يتريثوا ويفكروا ويتراجعوا عن اتباع الحمقاء فالأحمق لابد أن يدمر كل أمعة يسير خلفه لأنه أحمق .وكما قال القائل :"لاتصاحب الأحمق فربما أراد أن ينفعك ضرك".
والله من وراء القصد
وهو يهدي السبيل