recent
أخبار عاجلة

قراءة في خطبة الجمعة | ائمة وخطباء المساجد


قراءة في خطبة الجمعة

عبدالناصربليح

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أما بعد فعندما نقول قرأة في خطبة الجمعة هنا نريد أن نقف على جوانب القوة والضعف والركاكة في الخطبة كي نتعلم كيف نوجه خطاباً قوياً ولاسيما ونحن ندعي تجديد الخطاب الديني،

والخطبة كانت عبر الأثير وموجهة لملاين البشر من المسلمين ومن غيرهم وكانت تعالج أمراً في منتهى الخطورة ألا وهي المشاكل الأسرية وما أحوج الأمة الإسلامية إلى ذلك الخطاب..

والخطبة بها بعض الجوانب الإيجابية ومنها الالتزام بالوقت عشر دقائق تقريباً ومنها الاستدلال في بعض النواحي استدلالاً صائباً
أما الجوانب السلبية في الخطبة كثيرة،

فالخطيب افتقد الي روح الحماسة فأخذ الخطبة كلها على وتيرة واحدة وهذا مايفقد الخطبة روح الاستمالة وجذب المستمع..
فقد تكون الخطبة جيدة ولكن الخطيب ليس لديه براعة ومهارة الإلقاء أو يكون الخطيب بارعاً ماهراً في الإلقاء لكن تركيبته للخطبة وإعداده لها ليس بالمستوى المطلوب.وقد جمعت خطبتنا هذه الاثنين..

فمن أسباب ضعف التأثير, وتطرق الملل والسآمة إلى السامعين, أن يتحدث الخطيب بطبقة رتيبة على وتيرة واحدة.فلم يجد هناك أي جملة مناسبة ليغير من خلالها نبرة صوته بما يتوافق مع أسلوب الجملة.

الخطيب لم يراعي قواعد التجويدالغنة والادغام والمد ولم يتجنب اللحن الخفي والجلي،عند تلاوة الآية وليراجع نفسه في الغنة " أنفسكم . لقوم يتفكرون" .
ولكن يحسب له أنه عندما أخطأ في الآية عاد لتصحيحها "فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله"

الخطيب لم يراعي الدقة في تفسير الآيات وأراد أن ينتصر لنفسه ويلوي عنق الحقيقة فاستشهد بالآيات وحرف الكلم في غير موضعه "

فأكد تأكيداً جازماً علي أن كلمة أهله هي زوجته فقط في قوله تعالى على لسان نبيه موسى" إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى"(طه/10) "وأكد على ذلك وقال فلم يكن معه أحد سواها" والظاهر أن الخطيب لم يقرأ سوي قشور التفاسير،

ولو قرأ تفسير ابن كثير والقرطبي و غيرهم لعلم أن نبي الله موسى كان معه غير زوجه ولو قرأ قول ابن عباس ان موسى كان شديد الغيرة وكان لا يصحب احد معه ومعه زوجه الا بالليل.. ولو قرأ تفسير الوسيط لسيد طنطاوي حين قال والمعنى: لقد أتاك- أيها الرسول الكريم- خبر أخيك موسى، وقت أن رأى نارا وهو عائد ليلا من مدين إلى مصر فَقالَ لِأَهْلِهِ أى:"لامرأته ومن معها ..

لو قرأ الخطيب هذا وغيره لما أكد على أن موسى لم يكن معه غير زوجه..
ولوقرأ الخطيب في مواضع أخرى في القرآن الكريم لرأي ما خاطب الله نبيه أيوب:"فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ"(الأنبياء/84) أما"الأهل ": الأقارب والعشيرة و الزوجة..

فضلاً على أن هذا الاستشهاد لايسمن ولا يغني من جوع في خطبة جمعة ولو أراد الخطيب أن يستشهد بأدلة كثيرة على تكريم القرآن للمرأة لدلل بالكثير
ولقال:"بأن قوامةالرجل خدمته لأهله وعدم تعريضهم للهلاك وتسمية الزوجة باﻷهل سترا لها وصيانة لعرضها"

ولقال أنظروا ياسادة :" إلي نبل الزوج موسي نبل في أجمل صوره. قال :"امكثوا" فتحمل المخاطرة بنفسه وحده إلى نيران مجهولة ليبقيها ومن معها بعيدة عن الخطر مع حاجته في الوحشة للأنس. و ما ذهب من أجل نفسه بل من أجلها وقوله (لعلي آتيكم) طمأنها ومن معها عن سبب ذهابه وتفاءل بالأخبار السارة ولم يقلقها بالاحتمالات الأخرى.
(لعلي أتيكم منها بقيس) خشي عليها من خيبة الأمل لو لم يعثر على شيء فجعل الأمر على الرجاء. وكلها تعابير المحبة الدافئة المعلنة التي تسعد أهله بعمق محبتهم في قلبه.

الخطيب أراد أن يدلل على أن القرآن سوي بين الأم والزوجة فلوي عنق الحقيقة فقال لما تحدث عن الوالدين " ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا "(لقمان/15). وقال عن الزوجة :" وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"(النساء:19).

وهنا الخطاب مختلف تماماً ولو أن إنساناً سوي في معاملة الوالدين بالزوجة فهو غليظ وبطيءالفهم.. فاللفظ مختلف والمعنى مختلف ولو تحدثنا في ذلك كثيراً ماكفانا وقت..
فالقرآن يقول عن الوالدين"وصاحبهما"وعن الأزواج" وعاشروهن" فالمصاحبة تختلف عن المعاشرة في المعنى وفي اللفظ والمصاحبة لاتنفك مادامت السموات والأرض.. أما المعاشرة فقد تنقضي بالطلاق او الخلع مثلاً.. واللفظ في المعروف عند الوالدين غير معرف "معروفا" أي دائم لاينقطع أما اللفظ في معاشرة الزوجين معرف "بالمعروف" أي بوقت معين و بتحديد أمدٍ محدود معلوم القدر، معروف الغاية،

الخطيب لما أراد أن يدلل علي فضل الزوجة قال :" ولم يأت في القرآن لفظ الزوجة أبداً ولاحتي عند الجمع فالمرأة نظير الرجل ..الخ ماقاله وتلقنه من سيده ..
وهذا كلام في منتهي الخطورة وهو افتراء علي الدين والقرآن من عدة نواحي :"
أولاً :" أن لفظ زوجه ورد في القرآن في مواضع عدة
قال تعالي:"فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِه"(البقرة/102).
وقال تعالي:" فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ"(90).

وقد جاء هذا اللفظ بمعنى الزوجة حليلة الرجل، من ذلك قوله تعالى: "ولكم نصف ما ترك أزواجكم" (النساء:12)، وقوله سبحانه:"ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون" (الزخرف:70)، فلفظ (الزوج) في هاتين الآيتين وأشباههما المراد منه زوجة الرجل وحليلته.
يتضح أن لفظة ( الزوجة) تعني تطابق الاقتران بين الزوجين (دينياً و عقائدياً و فكرياً و نفسياً واجتماعياً)، و ليس بمعنى التلازم ، لأن التلازم متغير و التطابق ثابت، بمعنى أنهما متفقان في السراء و الضراء، و لم يحدث بينهما ما يخدش تلك العروة الوثيقة أبداً، لأن أحدهما يصلح للآخر في وجوه العلاقة الزوجية كلها.

وكان الأولي علي الخطيب ومن لقنه أن يقول:"

و مما نلاحظه من ورود الألفاظ التي تدل على الزوجية الصحيحة بأن هناك قصدية في تكرار مواضعها في القرآن الكريم، فقد تكررت لفظة"وزوجك" مرتين في القرآن الكريم ٠، ويبدو من هذا الرقم الثنائي أن الله ـ سبحانه و تعالى ـ أراد أن يثبت طرفي الزوجية و يحدد ركنيها ؛ فوضعها وصفاً لكل شيئين مقترنين متوافقين،

لذلك حينما خاطب نبينا آدم ـ عليه السلام ـ قال: " وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا "، فقد شاءت قدرته ـ جل و علا ـ أن ينبت في هذه العلاقة الزوجية من معاني الود و الرحمة و الألفة و التوافق،
و كذلك لفظة (الزوجين) إذ تكررت مرتين أيضا، لما لها من دلالة في تأكيد و تقرير ركني هذه الرابطة المقدسة،

قال تعالى: " فجعل منه الزوجين الذكر و الأنثى وكذلك فقد تكررت لفظة (أزواجنا) مرتين في القرآن الكريم، ففيها تثبيت و توكيد لركني الزوجية المباركة التي أوردها ـ جل و علا ـ في مواضع التوافق الكلي والصلاح بين الزوجين، فاللفظ الأول (و زوجك) أضافها لضمير المخاطب (ك)،والثانية (الزوجين) ألحق بها (ال) العهد ؛

واللفظ الثالث (أزواجنا) قد أضيف إلى الضمير (نا)، ويبدو من ذلك أن هناك قصدية التعريف ـ بنوعيه الإضافي و (ال) ـ بهذا الاقتران و الترابط الزوجي، و مما يؤكد لهذه الصلة الوثيقة المباركة ، و أما لفظة (زوجين) فهي مثنى زوْج، فقد أوردها القرآن الكريم أربع مرات، لتدل بذلك على (زوج = اثنين + زوج = اثنين فالمجموع أربعة أشياء اقترنت ( زوج + زوج)،
قال تعالى: " ومن كل شيء خلقنا زوجين .

ثانياً :" عندما يريد الخطيب أن يجعل المرأة نظير وند للرجل فهو بذلك يهدم جميع الثوابت التي وردت في القرأن والسنة فالمرأة ليست نظير الرجل ولاترضي أن تكون نظيراً فهي تعتز بأنوثتها وتحب أن يكون الرجل قيم عليها وسيدها تحقيقاً
لقوله تعالي :" الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ"(النساء/34).

والرسول صلي الله عليه وسلم في وصاياه بالزوجة يقول :"رفقاً بالقوارير"(البخاري). ويقول:" استوصوا بالنساء خيراً"(متفق عليه).

ثالثاً:" عندما يريد الخطيب أن يجعل الزوجة نظير وند فهو تحريض للنساء علي أن يسترجلن ويعرضها للعنة الله ورسوله :" لَعنَ رسُولُ الله صلي الله عليه وسلم المُتَشبِّهين مِن الرِّجالِ بِالنساءِ، والمُتَشبِّهَات مِن النِّسَاءِ بِالرِّجالِ"(البخاري).

الخطيب عندما أراد أن يستشهد ببيت من الشعر للمعري قال وينشأ ناشيءالفتيان منا على ماكان قد عوده أبوه"
ولو أن ابن المعري سمعه لما قال (كان قد) لغطي ابن المعري نفسه ..
الخطيب في الخطبة الثانية
استشهد بالحديث الحسن لغيره وترك الصحيح مع إنه لم يذكر تخريجاً واحداً لثلاثة أحاديث ذكرها.. وقد حذرنا من خطورة خطب الجمعة التي تنزل من مؤسسة عريقة دون تخريج للأيات والأحاديث ..

فلما أراد الخطيب أن يدلل على الصلح بين الزوجين أتي بحديث فيه كلام كثير بين الضعف والحسن ألا وهو أنه لما حدث خلاف بين الرسول والسيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب نزل عليه جبريل يقول الله يأمرك أن تراجع حفصة إنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة " استدلال الخطيب بهذا وترك الأحاديث الصحيحة وهو صلح الرسول مع السيدة عائشة في البخاري ومسلم وصلح على بن أبى طالب مع السيدة فاطمة..

وكان الأولى بمن يقولون نحن نجدد الخطاب الديني أن يأتوا بصحيح التراث في خطبة تذاع على ملايين البشر.. وخاصة أن هناك حوار لطريقة الصلح بين الزوجين أما الحديث الذي ذكره فيه أمر من الله لأنها صوامة قوامة وهي زوجك في الجنة..والحديث رواه البزار والطبراني وابن حبان وابن القيم في جلاء الأفهام ولم يحسنه إلا الألباني واشتهر الأستاذ الألباني بالمال والإعلام السعودي و بعبارة (صححه الألباني وحسنه الألباني وضعفه الألباني وصحيح الجامع وضعيف الجامع )

و هي جملة غريبة عجيبة لم يتجرأ على إضافتها كبار المُحَدّثين و الحُفّاظ الذين ظهروا من عهد الإمامين البخاري ومسلم وإلى الآن.والواقع، والتاريخ يشهدان بذلك.. ومن يرى غير ذلك فليرد بالدليل والحجة، لا بالسب والشتم..وقد ذكر علماء مصطلح الحديث أنه رواه أكثر من ستين أكثرهم مجهول ومجهول الحال وضعيف الحديث .

وجاء في صحيح ابن حبان نفسه نقيض هذا الحديث عن ابن عمر، قال: دخل عمر على حفصة وهي تبكي، فقال:"ما يبكيك، لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقك، إنه قد كان طلقك، ثم راجعك من أجلي، فأيم الله لئن كان طلقك لا كلمتك كلمة أبدا"(ابن حبان)،
وقدوردت قصة طلاق السيدة حفصة في البخاري ومسلم ولم يرد فيها مطلقاً حديث راجع حفصة فإنها صوامة قوامة.
والشاهد ياسادة :" أننا أمام منظومة لارجاء منها في تجديد الخطاب الديني مطلقاً فالقائمين عليها طالما شربوا من معين الوهابية والسلفية الجهادية :"فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ "(محمد/30).

وإن كنا سنتحدث عن الوطن والوطنية في الجمعة القادمة ..
فلايغرنك حديث القوم بالوطن فالقوم في السر غير القوم بالعلن .

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل .
google-playkhamsatmostaqltradent