
أئمة وخطباء المساجد (الحلقة التاسعة)
تحضير .. مهارة .. تكرار .. إطالة ..إلقاء.. شطارة.. أخطاء لغوية ..أحاديث موضوعة.. قصص واهية !!
عزيزي الإمام تحدثنا عن تحضير الخطبة وعلاج التكرار .. واليوم سوف نتحدث عن مرحلة الإلقاء:"
فالإلقاء:
هوالغاية التي ينتهي إليها الإعداد والبناء,وهو الصورة التي يتلقى بها السامع حصيلة ما جاد به خطيبه.ولابد أن تعلم جيداً أن الإلقاء هو الثوب الذي ستلبسه الكلمات بعد اختيارها لأداء المعاني، ويمثل الإلقاء نصف عناصر النجاح، ولكل معنى ما يناسبه من الكلمات، وما يناسبه من الإلقاء، وهذه خاصية من خواص لغتنا،فالمعاني القوية تختار لها ألفاظاً قوية، والمعاني السهلة يُختار لها ألفاظ سهلة، وانظر في هذا مثلاً قوله تعالى:"أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا"(الكهف/31).
وانظرفي المقابل:"وَتَرَكْنَابَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًاالَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا"(الكهف/99 ـ 101).
تنمية الشجاعة والثقة بالنفس
إن كسب الثقة بالنفس والقدرة على التفكير بهدوء أثناء التحدث إلى مجموعة من الناس ليس أمراً صعباً مثلما يتخيل معظم الناس. وهي ليست موهبة فطرية محضة وهبها الخالق لأفراد قليلين, بل إن جزءاً كبيراً منها مكتسب, وباستطاعة كل فرد أن ينمي طاقته الكامنة إذا ما كانت لديه رغبة كافية لذلك.
لا تتصور أن حالتك صعبة, فمعظم الذين أصحبوا فيما بعد خطباء أجيالهم أصيبوا في بادئ الأمر بالخوف وضعف الثقة بالنفس.
كيف تكتسب الثقة بنفسك ؟
أولاً:الاستعانة والثقة بالله:
تذكر أنك إنما تخطب وتتكلم بحول الله تعالى وقوته, فإن شاء الله تعالى أطلق لسانك, وإن شاء عقده, ولو وكلك الله إلى نفسك لعييت وعجزت.
إن حنجرتك التي هي وعاء خروج الأصوات, ولسانك وشفتيك وأسنانك التي تصيغ الحروف والنغمات, إنما هي خلق من خلق الله تعالى الذي أنطق كل شيء.
واعلم أن الله معك.. شاهد ومطلع عليك.. نظره أسبق من نظر المخاطبين إليك.
فاعتصم بالله، وليكن لك في نبي الله موسى عليه السلام أسوة حسنة حيث :"قال :"رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي"(طه/25-28).
ثانياً: تعزيز الدافع والرغبة:
ما من فعل إلا وله دافع. وبقدر قوة الدافع يكون الإقبال على العمل, وتحمل أعبائه.
لدى بذل أي مجهود, يصاب بعض الأشخاص بالوهن ويرتمون خلال الطريق. لذا يجب أن تظل تفكر بما ستمنحك هذه المهارة حتى تبقى رغبتك قوية صادقة.
إن طالب العلم مثلاً أو الداعية – وهو يحمل عبء تبليغ الدين – عليه أن يستشعر وهو يتعلم الخطابة أنها وسيلة هامة من وسائل الدعوة وتبليغ الدين, وأنه لا مفر له من الإقدام على تعلم الخطابة وإجادتها حتى يبلِّغ رسالته إلى الناس.
ثالثاً: الإلمام بالموضوع:
لا يستطيع الإنسان أن يشعر بالارتياح حين يواجه مستمعيه إلا بعد أن يفكر ملياً ويخطط حديثه ويعرف ما الذي سيقوله.
قام بعض المبتدئين متحدثاً عن موضوع ليس لديه الإلمام الكافي نحوه, فاضطربت عباراته, واهتزت ثقته بقدراته, فاتهم نفسه بالفشل وعدم القدرة على الخطابة. والسبب في الحقيقة إنما يعود لسوء التحضير والتخطيط.
رابعاً: التصرف بثقة وتفاؤل:
قد يقول قائل: كيف أتصرف بثقة وأنا أشعر بالخوف ؟
قد يبدو أن الفعل يلي الشعور, فالتصرف بشجاعة لا يمكن أن يصدر إلا ممن يشعر فعلاً بالشجاعة.
لكن علماء النفس اكتشفوا أن الفعل والشعور يسيران معاً, ويؤثر كل منهما على الآخر, ومن خلال تعديل الفعل – الذي هو ضمن سيطرة الإرادة – نستطيع أن نعدل الشعور بشكل غير مباشر.
ولهذا فإذا ما فقدت الشعور بالسرور الطبيعي فإن طريقك إلى السرور هو أن تتحدث وكأنك مسرور مسبقاً, ولكي تشعر بالشجاعة تصرف وكأنك شجاع.
وقد جاء في السنة ما يشير إلى هذا المعنى في تربية النفس, وذلك فيما ورد في التباكي عند فقد البكاء الطبيعي. فقد ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قصة أسارى بدر أنه لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر يبكيان قال :"يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك, فإن وجدت بكاءً بكيت, وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما"(مسلم) .
و روي هذا المعنى مرفوعاً في حديث: " ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا "
ثم تفاءل.. فالتفاؤل سبب قوي في الوصول إلى المراد.
ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب الفأل(ابن ماجه) ؛ لأنه من حسن الظن بالله, فإياك والتشاؤم.
ولسنا نعني بهذا الكلام أن يسبح المرء منا في أوهام التفاؤل السلبي، بل المقصود التفاؤل الإيجابي الذي يبعث الأمل, ويشحذ الهمم, ويقوي العزيمة على المبادرة واتخاذ أنجع الأسباب لبلوغ الهدف.
خامساً: المران والتدريب:
إن أول وآخر طريقة فعالة لتوليد الثقة بالنفس في فن الخطابة, هي أن تقف وتخطب.
فالأعصاب تهدأ تماماً من خلال العادة والتمرين الدائم لقوة الإرادة. فإن كان لدى الإنسان خطاب فإنه سيجيد الكلام أكثر حين يردده ويتدرب عليه باستمرار.
تدريب عملي:
اختر موضوعاً لديك معرفة سابقة به, قم بإنشاء خطاب حوله مدته خمس دقائق, تدرب على إلقاء الخطاب عدة مرات, ثم قم بإلقائه أمام مجموعة من رفاقك, وضع كل جهدك وقوتك أثناء قيامك بذلك.
قف مستقيماً وتطلع إلى عيون الجمهور. ابدأ الكلام بثقة وكأن الجميع يدينون لك بالمعروف.
لا تعبث بملابسك أو تفرك يديك, وإذا اضطررت للقيام بحركات عصبية نتيجة التوتر أمسك شيئاً أمامك بشدة كالمنبر أو الطاولة ونحوه.
ربما ينتابك خوف عارم أو نوع من الصدمة أو التوتر العصبي في الدقائق الأولى التي تواجه فيها الجمهور. لكنك إذا ثابرت فإنك ستتجاوز كل شيء ما عدا هذا الخوف الأولي الذي ليس سوى خوفاً أولياً فحسب. فبعد الجمل القليلة الأولى, تستطيع أن تسيطر على نفسك. وستتحدث بطمأنينة وارتياح.
وختاماً:"
من المفيد أن تسجل خطابك بواسطة مسجل الصوت أو الفيديو, ثم تقوم بالمراجعة وتلمس أوجه القصور لتتغلب عليها في المرات المقبلة.
إلي لقاء أخر بمشيئة الله تعالي
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل