تُسْأَل يَوْم الْقِيَامَةِ عَنْ عُمَرِكَ بالِفيمتُو ثَانِية
ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم :"لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ عن عمرِهِ فيما أفناهُ "؟
هذا الحديث الصحيح يعتبر جزءاً من حديث يدل على مشهد من مشاهد الآخرة، وهو مشهد السؤال، فالناس على قسمين: مؤمن وكافر،
أما الكافر :"
والعياذ بالله إلى النار، فبمجرد موقفه في عرصات يوم القيامة يختطف
وأما المؤمن:
فهو يمر في بلاء وضيق في عرصات يوم القيامة على قدر صلاحه وطلاحه، فإن كانت عنده ذنوب كبيرة، وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، حاسبه الله عز وجل بتلك الذنوب، ومن الحساب موقف السؤال،
والمؤمنون الذين هم القسم الثاني أيضاً على ثلاث طوائف:
الطائفة الأولى:"
طائفة لا تسأل عن شيء ومباشرة يأمر الله بدخولها إلى الجنة، وهم :"السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب" البخاري).
وفي رواية:"هؤلاء أمتك، وهؤلاء سبعون ألفاً قدامهم لا حساب عليهم ولا عذاب"(البخاري ومسلم) .
فهذه زيادة فضيلة لهؤلاء أنهم يتقدمون الأمة، وجاء في وصفهم أنهم يدخلون الجنة:"متماسكين آخذ بعضهم ببعض، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر"(البخاري ومسلم).
وفي حديث آخر أنهم يدخلون زمرة واحدة"(مسلم) .
وفي رواية في الصحيحين:"سبعون ألفاً، أو سبعمائة ألف"شك من الراوي .
ووقع في أحاديث أخرى في غير الصحيحين أن مع السبعين ألفاً زيادة عليهم .
وأما الطائفة الثانية :"
فطائفة عظمت حسناتها والله أحبها مع وجود الأخطاء، فيسترها الله عز وجل في عرصات يوم القيامة، كما في حديث ابن عمر :"أن الله يدني العبد فيقول:"يا عبدي فعلت كذا وكذا يوم كذا وكذا؟ يقول: بلى يا رب، ويقول: فعلت كذا وكذا؟ فيقول: بلى يا رب! فيقول: سترتها عليك في الدنيا وها أنا أسترها عليك اليوم"(متفق عليه).
وأما القسم الثالث :"
فهو قسم يفضحه الله عز وجل، كما في الحديث أيضاً:"وأما الآخرون أو الكفار فينادى على رؤوس الأشهاد: هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ"(متفق عليه).
فهذا المشهد من مشاهد السؤال :"لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع" ومنها ما ورد في السؤال:" عن شبابه، وفي رواية: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه", العمر الذي هو لحظات الحياة قلَّت أو كثرت، يسأل الإنسان فتعرض عليه أيام الدنيا يوماً يوماً، تعرض عليك في عرصات يوم القيامة يوماً يوماً،
وكل يوم يعرض عليك ساعة ساعة، وكل ساعة تعرض عليك بالثواني، تسأل عنها ثانية ثانية، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:" من نوقش الحساب عذب"(أحمد). يعني: إذا كان الحساب عن العمر دقيقاً فاعلم أنه الهلاك، ما يشك أحد أبداً أن الله لو دقق عليه الحساب هلك؛ لأن نعم الله عظيمة والإساءة موجودة ولو كان الإنسان فيه صلاحاً وخيراً.
فيعرض عليه هذا الشباب، وتعرض عليه الصحة، وتعرض عليه اللحظة، والثانية الفلانية من الساعة الفلانية، من يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا من عام كذا وكذا، فيقال: في اللحظة الفلانية فعلت كذا وكذا، وجلست مع أصحابك فقالوا: كذا، فقلت: كذا وكذا، وإذا بالكلام تذكره كاملاً ما تخرم منه حرفاً واحداً، فيعرض على الإنسان وما ينسى مثقال خردلة، فتوضع موازين القسط ليوم القيامة،
يقول الله تبارك وتعالى:"وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ "(الأنبياء:47)، عرصات يوم القيامة مشهد عظيم شيبت رءوس الصالحين وأقضت مضاجعهم:"كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ"(الذاريات:17)، ولذلك العبّاد الصالحون عندما يتذكرون مثل هذه المواقف ما يتحمل أحدهم، فيكثرون من الأعمال الصالحة لعل الله عز وجل أن ينجيهم من كربات ذلك اليوم، فيتعبون الآن ولكن لراحة الغد.
تُسْأَل يَوْم الْقِيَامَةِ عَنْ عُمَرِكَ بالِفيمتُو ثَانِية
فالمقصود أن الله يعرض عليك هذه اللحظات، ويعرض عليك هذه الساعات، وتلك الدقائق والثواني بل بالفيمتو ثانية ومن الناس من يعرض الله عز وجل عليه حسناته، فيقول له: عبدي في يوم كذا وكذا فعلت كذا وكذا، فيقول: بفضلك يا رب! فيقول: عبدي في يوم كذا وكذا جلست مع الصالحين في ساعة كذا، فيقول: بفضلك يا رب! فيقول: في يوم كذا وكذا زرت أخاك في الله، في يوم كذا وكذا وصلت الرحم، في يوم كذا وكذا تصدقت على مسكين، أعنت أرملة،
فعلت كذا فيقول: بفضلك يا رب! بفضلك يا رب! فيقول له: ادخل الجنة، يعرض الله عز وجل عن إساءتك، والله فعال لما يريد يحكم ولا معقب لحكمه، من يستطيع يوم القيامة على رءوس الأولين والآخرين أن يقول: يا رب لا تدخل فلاناً الجنة؟! ما أحد يستطيع أبداً، إن رحمك الله فلا معذب، وإن عذبك فلا راحم، من يستطيع أن يتكلم؟! تأمل ملائكة الله الملك الواحد منهم لو بسط جناحه لسد الأفق، مع ذلك يسكت ولا يستطيع أن يتكلم ذلاً لله عز وجل،
مع ما أعطاهم الله عز وجل من البسطة في الجسم، فيخنس أمام عظمة الله عز وجل، ويذل أمام قهر الله عز وجل في ذلك اليوم العظيم، مع أن الملائكة لم تذنب لكن من عظمة الله عز وجل وهيبة السؤال سكتت، هذا من عرصات وأهوال يوم القيامة، تسأل عن كل الأفعال، وعن جميع الأقوال، تعرض على الإنسان كاملة لا ينسى منها مثقال خردلة..
اللهم نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار يارب العالمين ..