أئمة وخطباء المساجد(الحلقة السادسة).
"نقد وتحليل لخطبة جمعة "
عزيزي الإمام والخطيب المستنير:"
لقد استمعت لخطبة جمعة من بعض السادة الأئمة والخطباء وقمت بتسجيل الخطبة كعادتي للاستفادة من الصواب وتلاشي الأخطأ تذكرة لنفسي ولغيري ..
إيجابيات
ومما أعجبني أولاً في الخطيب أنه قد استدل بأيتين من كتاب الله نطق وقراءة صحيحة و في الخطبة الثانية دلل بحديثين صحيحين .. ولكن ليس في مكانهم..
سلبيات
وأما النواحي السلبية للخطيب اليوم فحدث ولاحرج
أولاً :"موضوع الخطبة لم أعرفه لأنه شتت الأفكار وكان يريد أن يتحدث عن الموت لوجود جنازة بالمسجد ورغم أن خطبة الوزارة كانت عن موضوع شيق جداً "لغة القرأن والمحافظة علي الهوية الإسلامية" وما أحوجنا أن نتحدث عن الحفاظ علي هويتنا وسط هذا الجمع الغفير .. ورغم التأكيد من الوزارة علي موضوع الخطبة وهذا يؤكد صدق كلامي لايلتزم بموضوع الخطبة 3% من الخطباء ..
ثايناً :"المقدمة " رغم طول المقدمة تعدت الثلاث دقائق فقد اقتصرت علي الحمد والصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم.. ورغم أن قصر وقت المقدمة مهم ليمكنك من توصيل المعلومة ؟
ولكن الأهم إن فضيلته لم يأتي بالتشهد في المقدمة أشهد أن لاإله إلاالله وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله..
وهذا خطأ فادح رغم أنه لم يبطل الخطبة ولكن ينبغي أن لاينسى المسلم التشهد، كيف والنبي صلي الله عليه وسلم قال:"كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء"(أبو داود: ، والترمذي: ، وأحمد صحيح). أي اليد المشوهة المصابة بالجذام، هذا حال من يفتتح بغير تشهد.
وكثير من الخطباء الذين يلقون الموضوعات والمدرسين الذين يلقون الدروس وينسون أن يفتتحوا بالحمد والثناء والتشهد، فيفوتهم أجر عظيم وخطبتهم وحديثهم يكون مشوهاً.
#ثالثاً:" كما أن فضيلته لم يفصل بين المقدمة والخطبة بكلمة أما بعد ومع أنها ليست من أركان الخطبة ولكنها من الأمور المسنونة اقتداء بالرسول الكريم صلي الله عليه وسلم ، فقد كان يقولها في خطبه وكتبه إذا ما استدعى الأمر ذلك، حيث ذكرها في كتابه إلى هرقل ملك الروم عندما دعاه إلى الإسلام،
كما ذكرها في خبر بريرة المشهور عندما تساءل الرسول صلي الله عليه وسلم عن اشتراط الرجال شروطاً لم ترد في كتاب الله عز وجل، وإنه من غير المستساغ أن يقول المرء أما بعد أول كلامه أو في آخره، أو بين كلامين متحدين، أو بعد الانتهاء من الكتاب.
أما الغرض من الإتيان بأما بعد، فتكون عند الانتقال من أمر لآخر يختلف اختلافاً تاماً عن الأول، سواء كان الاختلاف بالنوع أو الاختلاف في الجنس..
فمن محاسن الخطيب وبراعته أن يفصل بين المقدمة والخطبة ب أما بعد فياعباد الله ولابد أن يأتي بالفاء
فهناك عدة مواضع تأتي بعدها الفاء الواقعة في جواب أما الشرطية .
أ) تأتي بعد المبتدأ كقوله تعالى- :" فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ (البقرة/26).
ب) تأتي بعد الخبر ، نحو قولك : أما في الدار فزيد
ج) تأتي بعد الجملة الشرطية نحو قوله – تعالى- : فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ، فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (الواقعة/89,88).
د) بعد الاسم المنصوب (المفعول به) نحو قوله- تعالى- : "فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ"(الضحي /9).
هـ) بعد الجار والمجرور،كقوله- تعالى-:"أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ( الضحي/11).
وقد يَستعمل الخطيب كلمة : (وبعدُ) بدلا من (أمَّا) عند الانتقال من كلام إلى الآخر لأجل التخلص، فيقال: “الحمد لله، وبعدُ ….” والمعنى: وبعد هذا الذي ذكرته أقول كذا وكذا.. فالأولى هنا عدم استعمال الفاء لعدم وجود (أمّا) ولكن يصح استعمالها والإتيان بها بناءً على أن هذه الواو الاستئنافية التي قبل كلمة (بعد) نائبة عن (أمَّا) كما نابتْ (أمَّا) عن (مهما) فتصح الفاء في جوابها على هذا الوجه، نعني على تقدير (أَمَّا) مكان الواو.
#رابعاً:" تركيز الخطيب علي السلبيات وتوجيه أكثر من عشرين سؤالاً في فترة وجيزة كلها توجه اللوم علي المستمع من منا اتعظ بالموت؟ من منا عندما يشيع جنازة يقف محسوراً علي نفسه؟ من منا يقف مشغولاً؟ كيف انشغل الانسان منا بحاله عندما يقف أمام الله في الأخرة؟ لماذا لم يفكر في نفسه عندما نشيع الأمانة ؟ لماذا لم يفكر أنه يكون مكان الأمانة التي نوجهها للمقابر ؟ لماذ يضيع الإنسان فرصة حياته ؟لماذا تلهيك الدنيا؟ولماذا تطمع في متاعها؟ ولماذا تحب الشباب والمال ؟..الخ. كل هذه الأسئلة مجموعة في دقيقتين فقط ..وفي الخطبة الثانية كذلك وجه عدة أسئلة ..
ونقول هذا خطأ فادح أن توجه اللوم للجمهور لأن النفس ترفض النصيحة بهذه الطريقة . فإشعار المنصوح بالتكبر والتعالي عليه، وشعوره أن في كلامك نغمة التفوق والاستعلاء، أو اللوم أو السخرية، أو الاتهام سينصرف عنك لامحالة.
والتركيز على السلبيات عند المصلين وكثرة الحديث حولها وتكرارها يحطم جوانب الأمل لدى الفرد السامع حيث يتصور نفسه أنه كتلة من الأخطاء والعيوب والنقص وقد تكون نظرته إلى الخطيب الذي يسمع خطبته نظرة غير مقبولة فينصرف عن سماع ما يقول ولا يحاول الاستفادة ، ولقد جاءت النصوص الشرعية ناهية عن اليأس والقنوط والتيئيس والتقنيط وآمرة بالتيسير والتبشير .
وعلينا أن نوازن بين الترغيب والترهيب فنرغب في حالة وجودالإيجابيات ونرهب عندوجودالسلبيات والمعوقات،وفي نفس الوقت نحثّ على اجتنابها.إن التنبيه على الأخطاء والعيوب مطلوب ولكن ليكن بطريقة لبقة لا سخرية فيها ولا استفزاز ،
ويذكر عن الحسن والحسين ابني على بن أبي طالب - رضي الله عنهم - أنهما رأيا أعرابيا وهو لا يحسن وضوءه فأراد أن يعلماه الوضوء ولكنهما خشيا من إحراجه فقالا : لقد اختلفنا في كيفية الوضوء ونريدك أن تحكم بيننا ، فقال : توضأ أمامي ، فتوضأ أمامه وضوءا صحيحا فعرف الهدف وقال : كلاكما أحسن وضوءا مني ، وهكذا استطاعا بذكائهما أن يعلماه الوضوء الصحيح من غير أن يحتقر نفسه أو يزدريها بإحراجهما له .
خامساً:" ومن السلبيات التي كانت في الخطبة : البعد عن تفهم أحوال الناس وما هم فيه :فقد كان الخطيب في واد والسامعون في واد آخر ، إن من الجميل جداً أن يتعرف الخطيب على مجتمعه وما يدور فيه ، وأن يتحدث الحديث في مناسبته فلكل مقام مقال ، ولكل حادثة حديث .
الخطبة الثانية :"
سادساً:" استهلها فضيلة الشيخ بالحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولاعدوان إلا علي الظالمين .. لماذا هذه العبارة؟ التي تشعر المستمع بأنه بينه وبين الخطيب عداوة وغلظة وجفاء لماذا العدوان والظالمين لما لم تقل أيها الأحباب ..
سابعاً:" صلي علي رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم ابتدأ الحديث بدون أمابعد أيضاً وشرع في قوله تعالي :" قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم " وفسر هذا بأن الانسان كلما يكبر في العمر يتمني أن يزداد عمراً وكلما يكبر يمسك في الدنيا ويستشهد بقول الرسول :" إن الله يعجب لشاب لاشهوة له" ثم دخل علي أنه يجب علي الشيخ الكبير أن يحترم سنه ثم قال من لم يتعظ بالموت فلا واعظ له ..
وهذا التفسير لايؤدي معني الفرار من الموت بل كان ينبغي أن يوضح تفرون منه :"أي يفر الانسان منا من الموت فكلما شعر بالبرد سارع إلي الغطاء وكلما شعر بالحر سارع إلي الظل وكلما شعر بالمرض سارع إلي الطبيب وكلما شعر بالجوع سارع إلي الطعام وكلما شعر بالعطش سارع الي الماء فراراً من الموت ..
ثامناً:" ثم قال فضيلة الشيخ :" أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم" ثم يأتي بعدها بالدعاء وهذه العبارة تعتبر خاتمة للخطبة والكلام والدعاء قبلها وليس بعدها ناهيك عن اللحن والأخطأ اللغوية في الخطبة من أولها حتي أخرها ..
الخلاصة:"
ونقول لهذا الخطيب وغيره من السادة الأئمة الخطباء لو أنك تعرضت لحالة وفاة بالمسجد وأنت كنت تريد الحديث عن موضوع أخر وليست عندك القدرة علي الربط بين موضوع الخطبة وبين الحديث عن الموت ..
فتقول بعد حمد الله والثناء عليه والشهادتين والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم ..أمابعد فياأيُّها الأحبة في الله، كنا نود الحديث عن موضوع القرآن والحفاظ علي الهوية الإسلامية" وبينما أنا أقلِّب أفكاري لأتخيَّر موضوعًا يوافق هذه المناسبة فلكل مقام مقال ، ولكن وقع فكري على عبارة اهتزَّ لها قلبي،
وتألَّمت لها نفسي وهي: "كفى بالموت واعظًاً" فجعلتُها موضوعًا لخطبة اليوم؛ وذلك لأنَّنا نوقن بالموت ولا نعتبر، ونعيشه كلَّ يوم ولا نتَّعظ، فما زال بيننا مَنْ لم يجهِّز نفسه للقاء الله، ويعيش في الدنيا كأنَّه لا يموت، فنسمع ونري من يتصرف وكأنه سيعيش الدهر كله ،
وبدل أن تقول له هل صليت وهل زكيت وهل وهل وتصب عليه وابل من الأسئلة؟
تقول ومِن بيننا مَن يترك الصلاة، ويمنع الزكاة، ويتساهل في الصيام، ولا يحدِّث نفسه بحجِّ بيت الله الحرام، ومنَّا مَن يعقُّ والدَيه، ويسيءُ الجوار، ويقطع الأرحام، ويأكل الرِّبَا، بل يستحلُّه بعدما حرَّمه الله، ويأخذ الرِّشوة، ويتعاطى المخدِّرات، ويشرب الخمر، ويجاهر بالدُّخان، ويراوغ من عمله، ويعطِّل مصالح العباد.
ونجد من بيننا مَن يغترُّ بنعمة الله عليه، فيطغى بها ويجعلها سبيلاً لمعصية المُنْعِم المتفضِّل، ومن بيننا مَن لا يصبر على الفقر فيبيح لنفسه أكل الحرام؛ من سرقة، أو منع الورثة من حقوقهم؛ من أجل ذلك أُذَكِر اليوم بالموت..الخ..
وانتظرونا مع تحليل أخر لخطبة جمعة قادمة
والله من وراء القصد وهو يهي السبيل ..