ما حكم استخدام تقنية الميتافيرس في لمس الحجر الأسود؟
جاء في فضل استلام الحجر الأسود والمسح عليه، أحاديث تبين بأنّ ذلك يحطّ الخطايا عن الإنسان، حيث قال صلّى الله عليه وسلّم:"إنَّ مسحَ الحجرِ الأسودِ، و الركنَ اليمانيِّ، يَحُطَّانِ الخطايا حطّاً"(صحيح الجامع).
وورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم :" الحجرُ الأسودُ من الجنَّةِ ، وكان أشدَّ بياضًا من الثّلجِ ، حتى سوَّدَتْه خطايا أهلِ الشِّركِ"(الترمذي،والنسائي،وأحمدوابن خزيمة).
كما ورد أن الحجر الأسود سيُبعث يوم القيامة مبصراً ناطقاً ، فيشهد على من استلمه بحقّ، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم :"واللهِ ليبعثنَّه اللهُ يومَ القيامةِ ، له عينانِ يبصرُ بهما، ولسانٌ ينطقُ به، يشهدُ علَى مَنْ استلمَه بحقٍّ"(أحمد والترمذي).
وعن ابن عباس مرفوعًا :"إن لهذا الحجر لسانًا وشفتين، يشهدان لمن استلمه يوم القيامة بحق"(ابن خزيمة و ابن حبان والحاكم).
اتفق الفقهاء على استحباب استلام الحجر الأسود والركن اليماني باليد أو غيرها عند الطواف؛ لما ورد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:"مَا تَرَكْتُ اسْتِلاَمَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ فِي شِدَّةٍ وَلاَ رَخَاءٍ، مُنْذُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُهُمَا"(البخاري).
كما اتفق الفقهاء علي استحباب الإشارة إلى الحجر الأسود عند تعذر الاستلام، فعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ:"طَافَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ"(البخاري).
والإشارة: هي التلويح باليد اليمنى أو اليسرى إذا عجز عن التلويح باليد اليمنى ناحية الحجر الأسود، قال الإمام الكفوي في الإشارة :"التَّلْوِيح بِشَيْء يفهم مِنْهُ النُّطْق؛ فَهِيَ ترادف النُّطْق فِي فهم الْمَعْنى".(الكليات/120).
وقال النووي:"إذَا مَنَعَتْهُ الزَّحْمَةُ وَنَحْوُهَا مِنْ التَّقْبِيلِ وَالسُّجُودِ عَلَيْهِ، وَأَمْكَنَهُ الاسْتِلامُ اسْتَلَمَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَشَارَ بِالْيَدِ إلَى الاسْتِلامِ، وَلا يُشِيرُ بِالْفَمِ إلَى التَّقْبِيلِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، ثُمَّ يُقَبِّلُ الْيَدَ بَعْدَ الاسْتِلامِ إذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِزَحْمَةٍ وَنَحْوِهَا، هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الأَصْحَابُ. "(المجموع شرح المهذب" (8/ 29).
وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَسْتَلِمَ ثُمَّ يُقَبِّلَ الْيَدَ، وَبَيْنَ أَنْ يُقَبِّلَ الْيَدَ ثُمَّ يَسْتَلِمَ بِهَا، وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِاسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ الاسْتِلامِ ثُمَّ يُقَبِّلُهَا، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الاسْتِلامِ بِالْيَدِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَسْتَلِمَ بِعَصَا وَنَحْوِهَا، لِلأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ، اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ أَشَارَ بِيَدِهِ،أَوْ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ إلَى الاسْتِلامِ ثُمَّ قَبَّلَ مَا أَشَارَ بِهِ".
إمّا إن كان ذلك يسبّب الأذى للناس، ويؤدي إلى مزاحمة المسلمين بعضهم بعضاً؛ فلا يكون ذلك مشروعاً حينها، بل يكون ترك ذلك أولى، خاصةً في حقّ النساء؛ وذلك لأنّ استلام الحجر الأسود وتقبيله سنةٌ، أمّا إيذاء الناس ففعلٌ محرّمٌ، فلا يرتكب الإنسان الفعل المحرّم والفعل المسنون في آنٍ واحدٍ.
قال الحافظ :"ويستفاد منه الجمع بين الاستلام والتقبيل، بخلاف الركن اليماني، فيستلمه فقط والاستلام: المسح باليد والتقبيل بالفم، وروى الشافعي من وجه آخر عن ابن عمر قال: استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الحجر، فاستلمه ثم وضع شفتيه عليه طويلًا؛ الحديث، واختص الحجر الأسود بذلك لاجتماع الفضيلتين له"اهـ (فتح الباري/3/ 475).
وعن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا عمر، إنك رجل قوي، لا تزاحم على الحجر، فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبِله وهلِّل وكبِّر"(أحمد).
وعن عمر - رضي الله عنه - أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبَّله، وقال:"إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يُقبلك ما قبَّلتك"(رواه الجماعة). قوله :"أني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقبِّلك ما قبَّلتك".
قال الطبري: إنما قال ذلك عمر؛ لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب التعظيم لهذه الأحجار، كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته، كما كان الجاهلية تعتقده في الأوثان؛ انتهى.
وعلي هذا كله نقول:"
إن استلام الحجر سنة مستحبة وكذا تقبيله والإشارة إليه كما رأينا من الأدلة الصحيحة .. وكل ذلك تيسير علي المسلمين ورفع الحرج عنهم وإن الدين يسر .. فإذا كان هناك مزيد من التيسير وانتقل من اللمس والتقبيل وتقبيل اليد والإشارة إلي تقنية حديثة بحيث تنقل الصورة إلي الحاج والمعتمر أمامه داخل نطاق الحرم ووجود كاميرات تحيط بالمكان نفسه فلابأس أن يشير إليه ويلمسه لعله أن يحصل علي ثواب السنة ويؤجر بنيته وإنما العمال بالنيات ..
وعليه فالأمر متوقف علي النية والمكان نفسه والسنة وحصول الأجر والثواب ..
والله أعلم.