عجائب الإستغفار
ما هو الاستغفار
عجائب وفوائد الإستغفار
الاستغفار في حياة الانبياء كما علمنا القرآن الكريم
الحمد لله العزيز الغفار، المنزه عن السوي والأغيار وهو الذي ينجي
أولياءه من عذاب النار ، سبحان ربي أرسى الجبال وأجرى الأنهار وأنزل الغيث وأنبت
الأشجار، سخر لنا الفُلك ومهد لها أمواج البحار وخلق الشمس والقمر وقلب الليل
والنهار صورنا فأحسن صورنا، وجعل لنا السمع والأفئدة والأبصار نحمده تبارك وتعالى
حمد المتقين الأبرار ( وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
(65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ
(66) ص
وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد
القهار ، الباسط كف رحمته للمستغفرين بالأسحار، والمبشِّر للطائعين بعُقبى الدار
جعل الاستغفار سبب لنزول الغيث المدرار وحصول البركة في الأرزاق والثمار وكثرة
النسل والنماء، وجريان الانهار كما قال سبحانه حكاية عن نوح عليه السلام (
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء
عَلَيْكُمْ مُّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ
جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12].
يا رب
ما زلت اعرف بالإساءة دائما ... ويكون
منك العفو والغفران
لم تنتقصني إن اسأت وزدتني ... حتى كان
اساءتي احسان
منك التفضل والتكرم والرضا ... أنت
الإله المنعم المنان
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله
المختار.. إمام المتقين الأبرار المسلَّم من العيوب والمطهَّر مِن الأوزار علمنا
الاستغفار روى ابن ماجه في سننه عن عبد الله بن بُسر رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " طوبى لِمَن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً
"صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار وسلم تسليما كثيرا ما اختلف
الليل والنهار
أما بعد
فان الاستغفار دواء الذنوب وشفاء
القلوب, وبه النجاة, والأمان من الهلكة, فالاستغفار نعمة, وسبب في التخلص من كل
بلاء ومحنه, وحصول كل خير ونعمة, وهو سبب لحصول الرزق, وبه تحصل على رضاء الرب,
والتخلص من التلبس بالذنب, فيال علوة مكانة الاستغفار وما اروع حال المستغفرين
إنَّ للاستغفار مكانةً في الدِّين
عظيمة، وللمستغفرين عند الله أجوراً كريمة، وثمارُ الاستغفار ونتائجُه الحميدةُ في
الدنيا والآخرة لا يحصيها إلاَّ الله، ولهذا كثرت النصوصُ القرآنية والأحاديثُ
النبويةُ المرشدةُ إلى الاستغفار، والحاثَّةُ عليه، والمبيِّنةُ لفضله وعظيمِ
أجرِه.
وفي الذكر الحكيم: { وَالَّذِينَ إِذَا
فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى
مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ
رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) (ال عمران ) وفي سورة النساء يقول الحق تبارك
وتعالى: { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ
اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) ( النساء ) وفي سورة الزمر يقول
الرؤف الرحيم: { قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا
تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) } (الزمر ) وجاء في حديث عائشة رضي الله
عنها قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ
يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ
وَأَتُوبُ إِلَيْهِ
اولا : ما هو الاستغفار ؟
عباد الله: لقد حثنا الله على
الإستغفار قال الله تعالى: ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ) وقال تعالى(
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً ) وقال تعالي ( وَاسْتَغْفِرُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )
والاستغفار معناه طلب المغفرة من الله
بمحو الذنوب، وستر العيوب، وشرط قبوله: الاقلاع عن الذنب المستغفر منه, وأما الذي
يقول: أستغفر الله بلسانه، وهو مقيم على المعاصي بأفعاله فهو كذاب لا ينفعه
الاستغفار.
قال الفضيل بن عياض - رحمه الله -:
استغفار بلا إقلاع توبة الكذابين، وقال آخر: استغفارنا ذنب يحتاج إلى استغفار !
يعني: أن من استغفر ولم يترك المعصية، فاستغفاره ذنب يحتاج إلى استغفار. فلننظر في
حقيقة استغفارنا لأنه قيل: الإستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين
وقال الربيع بن خيثم: لا يقولن أحدكم
أستغفر الله وأتوب إليه فيكون ذنبا جديدا إذا لم يفعل، ولكن ليقل: اللهم تب عليّ
واغفر لي، فقيل لم. فقال: انته عما ينهاك عنه فإنّه يغفر لك.
وسمع مطرف رجلا يقول: أستغفر الله
وأتوب إليه فأخذ بذراعيه وقال: لعلك لا تفعل ومن وعد فقد أوجب.
وقال أبو عبد الرحمن سمعني راهب أقول
أستغفر الله فقال يا فتى سرعة اللسان بالإستغفار توبة الكذابين ويدل على ما قاله
صلّى الله عليه وسلّم: المستغفر باللسان المصر على الذنب كالمستهزئ بربه.
وَالاسْتِغْفَارُ خِتَامُ الأَعْمَال
الصَّالِحَةِ كُلِّهَا فَيُخْتَمُ بِهِ الصَّلاةُ، والحَجُّ، وَالْقِيامُ في
اللَّيْلِ، وَيُخْتَمُ بِهِ المَجَالِسُ، فَإِنْ كَانَتْ ذِكْرًا كَانَ
كَالطَّابِعَ عَلَيْهَا وَإْنِ كَانَتْ لَغْوًا كَانَ كَفَّارَةٌ لَهَا،
فَكَذَلِكَ يَنْبِغِي أَنْ يُخْتَتَم صِيَامُ رَمَضَانَ بالاسْتِغْفَارِ يُرَفِّعُ
مَا تَخَرَّقَ مِنَ الصِّيَامِ بِاللَّغْوِ وَالرَّفَثِ
قال قتادة رحمه الله القرآن يدلكم عن
دائكم ودوائكم أما داؤكم فالذنوب وأما دواؤكم فالاستغفار
قال أبو موسى رضي الله عنه: كان لنا
أمانان ذهب أحدهما وهو كون الرسول صلى الله عليه وسلم فينا، وبقى الاستغفار معنا
فإن ذهب هلكنا.
قيل: إن إبليس - لعنه الله تعالى -
يقول: زينت المعاصي جداً - أي لهذه الأمة - فقطعوا ظهري بالاستغفار، ولا تنحدر
إليهم فتنة لا يستغفرون الله منها إلا فرق أهواءهم. وعن أبي سعيد الخدري - رضي
الله عنه -: " أن إبليس قال لربه: وعزتك وجلالك لا أبرح أغوي بني آدم ما دامت
الأرواح فيهم. فقال له ربه: وعزتي وجلالي لا أبرح أغفر لهم ما استغفروني ".
رواه الإمام أحمد
روي الحاكم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "
ثانيا عجائب وفوائد الإستغفار
ان الاستغفار له عجائب وفوائد كثيرة
فأكثروا من الإستغفار فإن الاستغفار يأكل الذنوب كما تأكل النار الحطب وكما تأكل
الشاة الخضر، وإن صحيفة المرء إذا عرج بها إلى السماء، ولم يكن فيها استغفار لم
يكن بها نور، وإذا طلعت وفيها استغفار كان فيها نور يتلألأ، وإن لم يكن فيها
الاستغفار يسير، وما جلس قوم بمجلس لغو ثم ختموه بالاستغفار إلا كتب لهم مجلسهم
هذا إستغفار كله ٠
وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه:
عجبت لمن يهلك والنجاة معه؛ قيل: وما هي؟ قال: الإستغفار.
وقال عبد الله بن مسعود: إن في كتاب
الله آيتين ما أصاب عبد ذنبا فقرأهما ثم استغفر الله إلا غفر له: وَالَّذِينَ إِذا
فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى
ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ
، وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ
نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً
ومن أعطي الإستغفار لم يحرم القبول،
ودخل الجنة لقوله عز وجل: ثُمَّ أَفِيضُوا
مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ (199) البقرة
ولقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما
أخرج البخاري عن شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ:
اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا
عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ
شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي
فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ " قَالَ:
«وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ
أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ
وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ
الجَنَّةِ»
أخرجه البخاري
وقول الحبيب فيما روى ابن ماجه في سننه
عن عبد الله بن بُسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
طوبى لِمَن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً "
وإذا اشتد بك كرب فعليك بلا حول ولا
قوّة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة فجعل سفيان يقولها ويعدها في يده ثلاثا
وأي ثلاث، فقال جعفر: قد والله عقلها وفهمها.
الا يكفي من عجائب وفوائد الإستغفار
انَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ مُسْتَغْفِرًا، أما يكفي المستغفرين أن يجيريهم الله
من العذاب قال تعالي {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}
[الأنفال: 33]
عباد الله : اعلموا الِاسْتِغْفَارُ
فَهُوَ نَوْعَانِ: مُفْرَدٌ، وَمَقْرُونٌ بِالتَّوْبَةِ، فَالْمُفْرَدُ: كَقَوْلِ
نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ
غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 10] وَكَقَوْلِ
صَالِحٍ لِقَوْمِهِ {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
[النمل: 46]
وَالْمَقْرُونُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا
إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: 3]
ومن عجائب الاستغفار انه مع لزومه
تفريج للكروب وزيادة في الارزاق فعَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنِ أكْثَرَ مِنَ
الاسْتِغْفَارِ، جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ
مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ "
نعم الاستغفار سببًا في الشفاء من
الأمراض وتيسير الأمور وتحقيق المطالب، وهو يعتبر من أهم أسباب تفريج الهم
والكروب، ولذلك فأن كل من يريد أن يحصل على أفضل الأشياء مجتمعة فأن عليه أن يحدد
نيته ويكثر من الاستغفار
ومن فوائد وعجائب الاستغفار انه سعادة
وبشارة
ذكر الإمام القرطبي عن ابن صبيح قال :
"شكا رجل إلى الحسن الجدوبة : فقال له : استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر
فقال له : استغفر الله وقال له آخر : ادع الله أن يرزقني ولداً فقال له : استغفر
الله، وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له : استغفر الله، فقال له الربيع بن صبيح
أتاك رجال يشكون أنواعاً فأمرتهم كلهم بالاستغفار ! فقال : ما قلت من عندي شيئاً !
إن الله عز وجل يقول في سورة نوح : " قُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ
كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ
بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا
" ( سورة نوح، الآيات: 10-12
) .
قال الرجل للحسن البصري: أما يستحي
أحدنا من ربه ؟ نفعل الذنب، ثم نستغفر، ثم نفعله مرة أخرى، ثم نستغفر وهكذا .
فقال له الحسن : ودَّ الشيطانُ لو ظفر
منكم بهذا ؛ لا تتركوا الاستغفار أبداَ
يقول الله تعالى حكاية عن نبيه نوح
عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ
وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارً}
ففي الآيات القرآنية السابقة عدد من
فوائد الاستغفار
الفائدة الأولى : الاستغفار مدد بالمال
والبنين: وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ [سورة نوح:12] فالاستغفار من ضمن
أسباب كثرة الرزق وبركته
وبالاستغفار يغفر الله الذنوب قال
تعالي ( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا [سورة نوح:10]،
الفائدة الثانية : نزول الأمطار:
يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا [سورة نوح:11]
ومن عجائب الاستغفار ان معه زيادة
المطر
أصَابَ النَّاسَ قَحْطٌ فِى عَهْدِ
عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَعِدَ عُمَرُ الْمِنْبَرَ فَاسْتَسْقَى فَلَمْ
يَزِدْ عَلَى الاِسْتِغْفَارِ حَتَّى نَزَلَ فَقَالُوا لَهُ: مَا سَمِعْنَاكَ يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَسْقَيْتَ فَقَالَ: لَقَدْ طَلَبْتُ الْغَيْثَ
بِمَفَاتِيحِ السَّمَاءِ الَّتِى بِهَا يُسْتَنْزَلُ الْمَطَرُ، ثُمَّ قَرَأَ
هَذِهِ الآيَةَ (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ
السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا) (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ
تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) .
وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ مُطَرِّفٍ فَقَالَ: بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ . فَصَارَ الاستكثار من الاسْتِغْفَار فِي
الاسْتِسْقَاء سنة إِلَى الْيَوْم.
وقال أعرابيّ: من أقام بأرضنا فليكثر
من الإستغفار، فإنّ مع الإستغفار القطار
وقالوا لأعرابي: ما للقطر لا ينزل في
بلادكم؟ قال: هدأنا من الاستغفار فجف القطار، أي المطر.
دخل أنس رضي الله عنه وأرضاه مزرعته في
البصرة - مزرعة من النخل- أصابها قحط، فقام فصلى ركعتين واستغفر قالوا: مالك؟ قال:
أما سمعتم قول الله تعالى على لسان نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ
إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} [نوح:10] قال الرواة: فوالله إنه ما قام من مجلسه حتى
أتت غمامة فطوقت على مزرعته وأمطرت حتى سالت جداولها، فنظرنا فإذا الماء داخل
المزرعة ولا يوجد في خارج حدودها قطرة واحدة]] وهذا من الاستغفار والالتجاء
الفائدة الثالثة : الرزق بالأموال:
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ [سورة نوح:12]
الفائدة الرابعة : الذكور من الأولاد
الذين تشتهيهم النفوس يريد ذكرًا، ولذلك قال: وَبَنِينَ [سورة نوح:12]، ولم يقل
وأولاد؛ لأن الأولاد يشمل البنين والبنات، والنفوس تهفو للبنين، قال:
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ [سورة نوح:12]
الفائدة الخامسة : وجود الجنات والزروع
: وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّات [سورة نوح:12]
الفائدة السادسة : كما في الآية
الأخرى: وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ [سورة هود:52]، قوة بدنية، قوة
السلاح والقوة بجميع أنواعها
الفائدة السابعة : المتاع الحسن:
يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا [سورة هود:3]
الفائدة الثامنة : دفع البلاء والعذاب:
وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [سورة الأنفال:33]،
إنها أسباب تدفع للحرص على هذه العبادة.
فالاستغفار علاج للضعف البشري فالله
سبحانه وتعالى غفار للذنوب, فتعرف على اسمه الغفار الغفور واستيقض من غفلتك فلولا
ان الله سبحانه وتعالى غفار غفور يستر الذنب ويعفو عن السيئات ما كنا ندري ماذا
سيحل بنا, ولكن الله سبحانه وتعالى بشرنا بانه الغفور الرحيم وانه يعفو عن السيئات
وانه يمد من استغفر بالمال والبنين وانواع من الخيرات قال تعالى: {نَبِّئْ
عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ
الْأَلِيمُ} ( الحجر ) وقال جل شانه: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ
تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ
رَحِيمٌ} (الاعراف) وفي سورة الانفال يقول الكبير المتعال: {يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ
فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الأنفال) .
ولله در القائل:
استغفر الله ذنبا غير محصيه ... رب
العباد اليه الوجه والعمل
وقال اخر
يا مَنْ يَرَى مَدَّ البَعُوضِ
جَناحَها ... في ظُلْمةِ الليلِ البهيمِ الألْيلِ
ويَرى عُروقَ نِياطِها في نَحْرِها ...
والمُخَّ في تِلْكَ العِظامِ النُّحَّلِ
اغْفِرْ لِعبْدٍ تابَ من فَرَطاتِه ...
ما كان مِنهُ في الزَّمانِ الأوَّلِ
قال أبو سعيد الخدري : من قال: أستغفر
الله الذي لا إله إلا هو الحيّ القيوم وأتوب إليه. خمس مرات- غفر له ولو فرّ من
الزحف.
وسمع أعرابي وهو متعلق بأستار الكعبة
يقول اللهم إن استغفاري مع إصراري للؤم وإن تركي استغفارك مع علمي بسعة عفوك لعجز
فكم تتحبب إلي بالنعم مع غناك عني وكم أتبغض إليك بالمعاصي مع فقري إليك يا من إذا
وعد وفى وإذا أوعد عفا أدخل عظيم جرمي في عظيم عفوك يا أرحم الراحمين
وقال أبو عبد الله الوراق لو كان عليك
مثل عدد القطر وزبد البحر ذنوباً لمحيت عنك إذا دعوت ربك بهذا الدعاء مخلصاً إن
شاء الله تعالى
روي الترمذي عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ،
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
" قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا
دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي،
يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ
اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ
أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي
شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً "
من عجائب الاستغفار تهوين الشدائد
عن نصر بْن كثير قَالَ: دخلت على
جَعْفَر بْن مُحَمَّد رضي الله عنه أَنا وسُفْيَان الثَّوْريّ فَقلت لَهُ: إِنِّي
أُرِيد الْبَيْت الْحَرَام فعلمني شَيْئا أَدْعُو بِهِ، قَالَ: إِذا بلغت الْبَيْت
الْحَرَام فضع يدك على حَائِط الْبَيْت ثُمَّ قل: يَا سَابق الْفَوْت، وَيَا سامع
الصَّوْت، وَيَا كاسي الْعِظَام لَحْمًا بعد الْمَوْت، ثُمَّ ادْع بعده با شِئْت؛
فَقَالَ لَهُ سُفْيَان شَيْئا لم أفهمهُ، فَقَالَ : يَا سُفْيَان أَو يَا أَبَا
عَبد اللَّه، إِذا جَاءَك مَا تحب فَأكْثر من الْحَمد لله وَإِذا جَاءَك مَا تكره
فَأكْثر مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَإِذا اسْتَبْطَأَتْ
الرزق فَأكْثر من الاسْتِغْفَار.– الفرج بعد الشدة
وقصد أَعْرَابِي عليا رضي الله عنه،
فَقَالَ: إِنِّي ممتحن، فعلمني شَيْئا أنتفع بِهِ.
فَقَالَ: يَا أَعْرَابِي إِن للمحن
أوقاتا، وَلها غايات، فاجتهاد العَبْد فِي محنته قبل إِزَالَة الله تَعَالَى
إِيَّاهَا، زِيَادَة فِيهَا، يَقُول الله عز وَجل: {إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ
بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ
مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ
الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر: 38] ، وَلَكِن، اسْتَعِنْ بِاللَّه، واصبر، وَأكْثر من
الاسْتِغْفَار، فَإِن الله عز وَجل وعد الصابرين خيرا، وَقَالَ: {اسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا {10} يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ
مِدْرَارًا {11} وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ
وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا {12} } [نوح: 10-12] ، فَانْصَرف الرجل.
فَقَالَ علي رضي الله عنه :
إِذا لم يكن عون من الله للفتى ...
فَأول مَا يجني عَلَيْهِ اجْتِهَاده ( الفرج بعد الشدة )
ثالثا : الاستغفار في حياة الانبياء
الأنبياء والمرسلون هم صفوة الله عز
وجل من خلقه، وهم معصومون بعصمة الله عز وجل لهم، وعلى الرغم من مكانتهم ومنزلتهم
وقدرهم عند ربهم، وعلى الرغم من أنهم معصومون ؛ إلا أنهم تضرعوا إلى ربهم بالدعاء
والاستغفار طمعاً في مغفرة ربهم
.
والنبي ﷺ إمامنا، وقدوتنا، وحبيبنا،
وأعظم الأمة، وأعبد العباد خير من استغفر
روي الترمذي عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَصَرَّ مَنْ اسْتَغْفَرَ وَلَوْ فَعَلَهُ فِي اليَوْمِ
سَبْعِينَ مَرَّةً»
وقال بعضهم: حق على المؤمن أن يقتدي
بأبويه في قولهما: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا ---الآية
وبما قال نوح عليه السلام: قَالَ رَبِّ
إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا
تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47) هود
وقال أيضا : " رَبِّ اغْفِرْ لِي
وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا " (سورة نوح،
الآية: 28
).
وقال الله عز وجل حكاية عن نبيه
إبراهيم - عليه السلام - : " وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي
خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ " (سورة الشعراء، الآية: 82 ) .
وقال الله عز وجل حكاية عن نبيه داود -
عليه السلام - : " فَاسْتَغْفَرَ
رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ " (سورة ص، الآية: 24 ) .
وقال الله عز وجل حكاية عن نبيه سليمان
–عليه السلام- : " قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي
لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ " (سورة ص، الآية: 35 ) .
وقال عز وجل حكاية عن نبيه موسى - عليه
السلام - : " قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ
لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " (سورة القصص، الآية: 16 ) .
ان استغفار يونس أنقذه من ظلمات
الحوت"لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِني كُنْتُ مِنَ الظالِمِينَ"
(سورة الأنبياء: الآية: 87)
فإذا كان هذا حال الأنبياء - صلوات
الله وسلامه عليهم - فكيف بنا ؟ وأين نحن من الاستغفار ؟
وصلوا وسلموا على سيد المستغفرين وخاتم
النبيين...