recent
أخبار عاجلة

الإمام بين الواقع والمواقع الشيخ محمود عطا إمام وخطيب

 الإمام بين الواقع والمواقع


يعيش الإمام اليوم في مفترق طرق لافت. واقعٌ يوميٌّ يمتلئ بالتحديات الدعوية والاجتماعية، ومواقع إلكترونية تتحرك فيها العقول والقلوب بسرعة تفوق ما يجري داخل جدران المسجد. لقد أصبح الإمام، بعمامته وكتابه وخطبته، مطالبًا بأن يفهم المشهدين معًا: واقع الناس، وواقع المنصات.

الواقع منحه مكانة ومسؤولية؛ فهو قائد روحي، وأبٌ تربوي، وصوت يجتمع إليه الناس حين يضطرب الطريق. الناس تلجأ إلى الإمام لا لأنها تبحث عن الوعظ فقط، بل لأنها تبحث عن الاتزان. في كل منزل سؤال، وفي كل قلب قلق، وفي كل شاب فراغ يحتاج من يضيئه. وظيفة الإمام لم تعد مجرد خطبة تُلقى، بل رسالة تُبنى: إصلاحٌ، وتوعيةٌ، وتهذيبٌ، وتسكينٌ لنبض المجتمع.

لكنّ الإمام نفسه لم يعد محصورًا داخل محراب المسجد. هناك عالم آخر يوازي الواقع ويكاد يؤثر فيه أكثر: عالم المواقع.

في مواقع التواصل يقف الإمام أمام جمهور غير محدود، لا يعرف ملامحهم، ولا يتوقع ردودهم، ولا يملك ترف الزمن لإعادة الشرح كل مرة. كلمة صغيرة قد تُصلح، وأخرى قد تُفهم على غير وجهها فتُشعل جدلًا أو تُحمِّل الإمام ما لم يقله. ومن هنا يصبح الوعي الرقمي ضرورة، لا ترفًا.

على الإمام أن يدرك أن منصات اليوم ليست مجرد ساحات كلام، بل فضاء تتشكَّل فيه عقول الناشئة، وتُبنى فيه القناعات، وتُصنع فيه صورة الدين والداعية. وإذا غاب الصوت الرشيد، تمددت الأصوات المشوَّشة. وإذا حضر الإمام الواعي، حضر الخطاب المتزن الذي يطمئن القلوب ويحفظ الدين من الابتذال وسوء الفهم.

النجاح هنا ليس في كثرة المتابعين، بل في نوعية المحتوى. المحتوى الذي يقدم المعرفة بلا تعقيد، ويربط النص الشرعي بالواقع، ويعالج قضايا الناس بلغة يفهمونها. الإمام الذي يحسن الجمع بين الوقار العلمي وروح العصر هو القادر على أن يكون نورًا في المسجد، ونورًا في الشاشة.

الواقع والمواقع معًا يصنعان اليوم صورة الإمام. وإذا استطاع الداعية أن يكون حاضرًا في الواقع بفعله، وحاضرًا في المواقع بفكره، فقد جمع بين القوة الناعمة للدعوة، وعمق التأثير الذي يناسب زمانه.

المسجد يبقى منبره الأصلي، لكن المنصات أصبحت امتدادًا لصوته، ومسؤولية جديدة في عنقه. والإمام الذي يوازن بينهما هو الإمام الذي يليق بعصر متسارع يحتاج إلى خطاب راسخ، وعقل منضبط، وقلب يعرف كيف يقترب من الناس حيثما كانوا.

وما زال الطريق مفتوحًا لمن يريد أن يجمع بين نور العلم ووعي العصر؛ فالدعوة اليوم ليست مساحة واحدة، بل واقعٌ نعيشه، ومواقعُ نصنع فيها أثرًا يبقى.

#الشيخ_محمودعطا

#أوقاف_القليوبية

google-playkhamsatmostaqltradent