فَظَلَلْتُ أستغفر الله منها ثلاثين سنة
دعوة للاستغفار.
الأنبياء والاستغفار.
الورع يا أخى.
دعوة للاستغفار.
الاستغفار نعمة من الغفار، من راوح
عليها وجد أثرها في نفسه وماله وولده وجميع شأنه،ولا يعرف برد المغفرة إلا من
اكتوى بنار المعصية، فمن عرف شؤم الذنوب عرف قيمة الاستغفار.
فالذنوب أصل كل مصيبة، وسبب كل بلية،
ومصدر كل بلاء، ومفتاح كل فتنة، وسبب كل فساد في البر والبحر: {ظَهَرَ الْفَسَادُ
فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ
الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}(الروم:٤١).
والمعاصي والخطايا تورث الحرمان: حرمان
التوفيق، وحرمان الهداية، وحرمان الفهم، وحرمان العبادة، وحرمان المغفرة، وحرمان
لذة الطاعة، وحرمان إجابة الدعاء..
حتى إنها تحرم صاحبها العلم، وتحرمه
الرزق.
وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.
مسند أحمد
#والمعاصي تعقب الخذلان: فهي تقرب
العذاب، وتستجلب غضب الوهاب، وتعسر الأمور، وتزيل النعم ، وتحل النقم، فما نزل
بلاء إلا بذنب {مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ
يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا) نوح:٢٥. {وَمَا أَصَابَكُم مِّن
مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) الشورى:٣٠.
#ولما كان كل ابن آدم خطاء، لم يكن أمام
الخلق ملجأ يهرعون إليه، ولا باب يلجون منه إلى الله إلا التوبة والاستغفار كما
أمرهم الله تعالى بقوله: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ
الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(النور:٣١).
فوائد الاستغفار
والاستغفار في ذاته عبادة من أجل
العبادات، وقربة من أفضل القربات، وله آثار جليلة على المكثرين منه، المداومين
عليه، فهو يورث صاحبه راحة البال، وانشراح الصدر، وسكينة النفس، وطمأنينة القلب،
والله يُمتع صاحبه المتاع الحسن {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ
يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً}[هود:٣].
وهو سبب لقوة الجسم، وصحة البدن،
والسلامة من العاهات والآفات والأمراض. {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ
ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ
قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ} هود:٥٢.
كما أنه سبيل لدفع الكوارث، والسلامة
من الحوادث، والأمن من الفتن والمحن، ومانع وحافظ من نزول عذاب الله: {وَمَا كَانَ
اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ
وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} الأنفال:٣٣.
ومن أراد غيثا مدرارا، وذرية طيبة،
وولدا صالحا، ورزقا واسعا، ومالا حلالا.. فليلزم الاستغفار كما قال نوح: {فقلت
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارا يرسل السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ
مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ
وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} نوح:١٠-١٢.
ومن لزم الاستغفار جعل الله له من كل
هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب.
وفي الاستغفار: تكفير السيئات،وزيادة
الحسنات، ورفع الدرجات: {وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ
وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}البقرة : ٥٨.
وفي الاستغفار: استرضاء لرب الأرض
والسموات، مع اعتراف بالذنب والتقصير في حق المنعم المتفضل.. فالمستغفر الصادق
يستقبل ربه فكأنه يقول: يارب اني أخطأت وأسأت وأذنبت وقصرت في حقك، وتعديت حقوقك،
وقد جئتك تائباً نادماً مستغفراً، فاصفح عني، واعف عني، وسامحني، وأقل عثرتي، وأقل
زلتي ، وأمح خطيئتي، فليس لي رب غيرك، ولا إله سواك. فيجمع كل ما في سيد الاستغفار.
يقول الإمام ابن كثير في هذا المعنى:
من اتصف بصفة الاستغفار يسر الله عليه رزقه، وسهل عليه أمره، وحفظ عليه شأنه
وقوته.. إن كان ضعيفا قوي، أو مريضا شفي، أو مبتلى عوفي، أو محتارا هدي.
القرآن يدعو للاستغفار##
ولعظيم فضل الاستغفار ومنفعته للعباد،
جاء القرآن الكريم ليدل عباد الله ويدعوهم ويوجههم إليه ويؤزهم عليه، ويأمرهم
بالمسارعة إليه والمسابقة فيه: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} آل
عمران:١٣٣. {سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا
كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}الحديد:٢١.. {وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}البقرة:١٩٩.
وبيَّن سبحانه أن الاستغفار من صفات
المتقين، وسبب من أسباب دخول جنة النعيم،فقال وهو أصدق القائلين:{وَسارِعُوا إِلى
مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ
لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ . وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ
ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} آل
عمران: ١٣٣-١٣٥.
العنصر الثاني: الأنبياء والاستغفار.
الاستغفار هو ديدن النبيين والمرسلين،
التزموه في أنفسهم، ودعوا إليه أقوامهم، ونصحوهم بالتزامه، وأمروهم بالإكثار منه،
وبينوا لهم فضائله ومنافعه.
فأما التزامهم به في أنفسهم فكقول آدم
وزوجه: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا
لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) الأعراف:٢٣.
وقول نوح عليه السلام: {رَبِّ اغْفِرْ
لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ} نوح:٢٨.
وقول موسى عليه السلام: {قَالَ رَبِّ
إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم) القصص:١٦
وأما أمرهم أقوامهم به فكثير جدا في
القرآن الكريم.
فهذا نوح عليه السلام يقول
لقومه:{استغفروا ربكم إنه كان غفارا. يرسل السماء عليكم مدرارا } نوح:١٠.
وهود يقول {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ
ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ
قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ} هود:٥٢.
وصالح أيضا يقول لقومه: {فاستغفروه ثم
توبوا إليه إن ربي قريب مجيب) هود:٦١..
وكذا شعيب: {وَاسْتَغْفِرُواْ
رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} هود:٩٠
ورسولنا سيد المستغفرين وسيد المرسلين خير البشر صلى الله عليه وسلم،
يخبر المسلمين بحاله ويقول: وَاللَّهِ إِنِّي لاَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ
إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً.رواه البخاري. وفي حديث
الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ
مَرَّةٍ. مسلم.
انظروا إلى هذا النموذج الذي قلَّ أن
يتكرر في دنيا الناس اليوم.
قال الإمام فخر الدين الرازى فى كتابه:
مفاتيح الغيب: قيل للسرى السقطى: كيف يجب الإتيان بالطاعة؟ قال: أنا منذ ثلاثين
سنة أستغفر الله عن قولى مرة واحدة: الحمد لله، فقيل: كيف ذلك يا إمام؟ قال: وقع
حريق فى بغداد، واحترقت الدكاكين والدُّور، فأخبرونى أن دكانى لم يحترق، فقلت:
الحمد لله، وكان معناه أنى فرحت ببقاء دكانى حال احتراق دكاكين الناس، وكان حق الدين
والمروءة ألا أفرح بذلك، فأنا فى الاستغفار منذ ثلاثين سنة عن قولى: الحمد لله.
الله أكبر: أى قلب هذا ؟ وأى ورع هذا
يا عباد الله الذى يعبر عن طهارة النفوس والقلوب، حزن لأنه شعر أنه قال: نفسي نفسي
ويهلك الجميع. حقا ما أحوجنا إلى هذا الورع
الذي غاب عن الكثير منا اليوم.
أنموذج جليل لرجل عارف بالله، أثمرت
عبادته مروءة وإنسانية، وما طابت نفسه بنجاة أمواله وممتلكاته الخاصة، فى الوقت
الذى تَهْلك فيه ممتلكات الناس من حوله، وبلغ من أدبه الرفيع أن يستغفر الله تعالى
ثلاثين سنة من تلك المرة التى غفل فيها لوهلة عن مقتضى المروءة، ثم أفاق سريعا على
شدة الشعور بالناس.
إنه الإنسان النبيل، الناصع القلب،
الذى يتعبد إلى الله تعالى صدقا وتقربا عن معرفة وحضور وخشية، فيمتلئ باطنه
بالمروءة.
استغفر الله وتب وعُدْ إليه مهما كانت
الذنوب.
جاء أبو طويلٍ الممدود إلى النبيِّ صلى
الله عليه وسلم وقال له: أرأيتَ رجلاً عمل الذنوب كلها، فلم يتركْ منها شيئاً، وهو
في ذلكَ لم يتركْ حاجةً ولا داجةً إلا أتاها، فهل له من توبة؟ فقال له النبيُّ صلى
الله عليه وسلم: نعم، تفعلُ الخيرات، وتترك السيئات، فيجعلهنَّ اللهُ لكَ خيراتٍ
كُلُّهنَّ. فقال: وغدراتي وفجراتي؟ فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: نعم،
فقال: الله أكبر، فما زال يُكبِّر حتى توارى.
يا له من ربٍّ يبارزه عبده بالمعاصي،
فلا يترك صغيرة ولا كبيرةً إلا فعلها، ثم إذا استوحشَ وعلِمَ ألا أنيسَ إلا الله،
وإذا شعر بالغربة وعلِمَ ألا ملجأ له إلا
الله، فجاء تائباً آيباً، نادماً منكسراً، عازماً على عدم العودة، استقبله ربه كما
يستقبلُ أهلُ المسافر غائبهم إذا عاد من غربته.
ألا وإن أوحش الغربة هي البعد عن الله،
وأجمل الأُنس هو الأُنس بالله.
لا تستعظِمْ ذنبكَ أمام رحمة الله،
رحمة الله أكبر من كل ذنوبك، وإن من عظيم رحمته ألا يغفر الذنوب فقط لمن أحسنَ
التوبة، ولكنه يُبدِّل السيئات التي فعلها إلى حسناتٍ، وانظر لقول النبيِّ صلى
الله عليه وسلم في هذه القصة: تفعلُ الخيرات، وتترك السيئات، فيجعلهنَّ اللهُ لكَ
خيراتٍ كُلُّهنَّ.
وقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم هذا
ما هو إلا مصداق لقول ربنا جل في علاه: "إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ
عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ
وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا"
لا تجعل الشيطان يقف بينك وبين الله،
فإن من طرقه الخبيثة أن العبدَ إذا ندمَ على ذنوبه، وعزمَ على التوبة، جاءه فقال
له: من أي شيءٍ تتوب؟ من الزنا أم من الخمر؟ من السرقة أم من الكذب؟ من الرشوة أم
من أكل الربا؟ من العقوق أم من قطع الرحم؟ يُعظِّمُ لكَ ذنوبك ويُصغِّرُ لكَ رحمة
اللهِ في عينيكَ، فلا تلتفِتْ له.
أقبِلْ على الله بكل خليةٍ فيك، اِبكِ
بين يديه واستغفره، واعملْ صالحاً ما استطعتَ وأبشِر، فواللهِ إن صَدَقَتْ توبتك،
واستقامت إنابتك، لترينَّ كل سيئةٍ عملتها قد صارت حسنةً في ميزانك، ولا أحد أكرم
من الله.
قيل للحسن البصري رحمه الله: الرجل
يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب، حتى متى؟ فقال: ما أعلم هذا إلا
من أخلاق المؤمنين...
يقول سفيان بن عيينة: ماتَ ابنُ أخي،
فرأيتهُ في النوم وسألتهُ: ما فعلَ اللهُ بك؟ فقال: كُلُّ ذنبٍ استغفرتُ اللهَ
منه، غُفِرَ لي. ألم يقل ربنا: ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ﴾ أَيْ:
يَغْفِرُ مَا سَلَفَ مِنَ الذَّنْبِ، وَيَقْبَلُ التَّوْبَةَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ
لِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ وخَضَع لَدَيْهِ.
إن حقيقة التوبة: هي أن يتوب الله على
العبد أولا فيوفقه للتوبة،لأنه لا مؤثر إلا الله .
وقد أورد "الكلاباذي" في
كتابه: التعرف من أن سفيان الثوري قال عند رابعة: اللهم ارض عني، فقالت: أما تستحي
أن تطلب رضا من أنت ليس عنه براض؟
وذلك إشارة منها إلى أن الرضا يجب أن
يكون متبادلا بين العبد والرب مصداقا لقوله تعالى" رضي الله عنهم ورضوا
عنه" المائدة: ١١٩.
ومن هنا نفهم قول الحارث المحاسبي رضي
الله عنه : ما قلت قط: اللهم إني أسألك التوبة، ولكني أقول : أسألك شهوة التوبة.
الخطبة الثانية:
العنصر الثالث: الورع يا أخى.
أيها الإخوة المسلمون: رأينا من
الكلمةٍ التى قالها السريّ السقطي: الحمد لله، ظلّ يستغفر ربه بسببها ثلاثين عامًا.
أيُّ ورعٍ هذا، وأيُّ زهدٍ هذا يا عباد
الله، حين حمد الله لأن بيته ودكّانه لم يحترقا
بينما احترق سوق الناس، معتبرًا فرحه بسلامة متاعه على حساب محنة إخوانه
خطيئة تستوجب الاستغفار وتصدّق بكل ما فيه.
ليس الورع يا أخى عباءة تلبسها، ولا
لحية سابغة وثوبا قصيرا: واللحية والثوب من الدين.
ليس الورع يا أخى أن تصلى صلاة على إثر
صلاة فى الصف الأول، ولا أن تصوم الإثنين والخميس، ولا أن تكثر من الصدقات على
الأرامل والمساكين.
#ليس الورع يا أخى دموعا تسكبها خلف
إمام فى صلاة التراويح.
الورع يا أخى: فى الحلال والحرام، فى
حدود الله، فى رد المظالم إلى أصحابها، فى
ترك ما حرم الله، فى الوقوف عند الحقوق التى أوجب الله أدائها ، فى صلةالرحم التى
قطعتها
.
عمر رضي الله عنه يجلس مع أصحابه ذات
يوم وهو الملهم فيقول لأصحابه: من تعدون الوَرِعَ فيكم؟ فقال رجال: أهل الصلاة،
فقال عمر: يصلى البر والفاجر.
قالوا: أهل الصيام.
قال: لا : يصوم البر والفاجر.
قالوا: أهل الصدقة.
قال: لا : يتصدق البر والفاجر، ويحج
البر والفاجر.
الوَرِعَ: من إن عاملته بالدرهم
والدينار صدق.
رجل يثنى على آخر عند عمر فيقول له عمر
موجها ومعلما: أسافرت معه؟
يقصد هل رأيت مكره وخداعه فى السفر؟
هل تاجرت معه؟
هل استدنت منه؟
هل عاملته بالدرهم والدينار؟
والرجل يقول لا ، لا.
فقال عمر: أراك رأيته يسجد ويركع فى
المسجد ويخفق برأسه ،فظننته من الصالحين، فقال الرجل: بلى، فقال عمر له: إذهب فأنت
لا تعرفه ولا تثنى عليه.
عبيد الله بن عمر رضي الله عنه، أحد الفقهاء السبعة فى المدينة،
قال له رجل بعد الصلاة : عظنى يا إمام ، ذكرنى بالله، فأخذ رضى الله عنه حصاة من
الأرض وقال له: والله لزنة هذه من الورع فى حقوق الخلق أحب إلي الله من نافلة أهل
الأرض جميعا صلاة وصيام.
حذيفة بن قتادة المرعشى، رأى بعض
التجار فى السوق عند الآذان يُغلقون محلاتهم وينطلقون جريا للصلاة، ويتزاحمون كى
يلحقوا بالصف الأول، فقال لهم رضى الله عنه:أيها التجار: كُلوا الحلال، وأدوا
الحقوق، ولا يضركم إن صليتم فى الصف الأخير.
انظروا إلى هذا النموذج الذي استغفر
والتزم الورع والتوبة. الفضيل بن عياض.
كان الفُضيل بن عياض لصاً، وكان قد وقع في
عشق جارية، وفي يوم من الأيام ذهب ليلاً ليرى هذه الجارية وتسلق الجدار، وبينما هو
يقف على الجدار سمع شيخاً كبيراً في السن يقرأ القرآن وهو يتلو قول الله تعالى:
(ألم يَأنِ للذينَ آمنَو أنْ تخَشع قُلوبُهُم لِذكرِ الله) يَبَسَ في مكانه وتجمد وهو يبكي ويقول: "قد آن، قد آن" .
ورجع إلى الله وتاب وأصبح من كبار
العلماء والشيوخ .
وكان الخليفة هارون الرشيد الذي كان
حاكماً لجزيرة العرب وبلاد الشام لا يثق في أحد إلا في الفضيل بن عياض لكثرة ورعه
وزهده في الدنيا. وكان لدى الفُضيل بن عياض ولداً يسمى:"عليّا"، وكان
تقياً جداً، وكان الفُضيل إماما للمسجد، ولكنه قبل أن يصلي ينظر هل ابنه عليّ يصلي
خلفه أم لا؟ فإذا كان يصلي معه، يقرأ الفضيل للمصلين آيات الرحمة، وعندما يصلي
ابنه مع إمام ثانِِ، يقرأ لهم آيات العذاب.
أتدرون لماذا؟ لأن عليّا كان في كل مرة
يسمع فيها آيات العذاب يسقط مغشياً عليه من شدة خوفه من الله تعالى. وفى يوم من
الأيام نسي الفُضيل أن يتأكد من وجود ابنه خلفه، فقرأ للمصلين آيات العذاب.أتعلمون
ماذا حصل لولده ؟ سقط عليُُّ من بين المصلين، ولكن هذه المرة لم يكن سقوطه مغشيا
عليه، بل سقط ميتا.
مات عندما سمع آيات العذاب، مات من
خشيه الله ، وسمي بعد هذا ب: "قتيل القرآن''.
أقول وأردد ما قاله ربنا: ﴿أَلَمْ
يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾
كأن الله برحمته ينادينا قائلًا: أما آن لقلوبكم أن تلين؟
أما آن للإيمان أن يتحرك في صدوركم؟
أما آن للغافلين أن يعودوا إلى ربهم؟
أَلَمْ يَأْنِ لِتَارِكِ الصَّلَاةِ
أَنْ يُؤَدِّيَ فَرْضَ اللَّهِ عَلَيْهِ؟ فاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ قَدْ
أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ [الْأَعْلَى: ١٤-١٥].
وَيَقُولُ: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ
الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾[الْمُؤْمِنُونَ: ١-
٢].( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا
الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ
وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا
(٦٠) مريم.
أَلَمْ يَأْنِ لِمَانِعِ الزَّكَاةِ
أَنْ يُطَهِّرَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ، وَيُخْرِجَ حَقَّ اللَّهِ عَلَيْهِ؟: ﴿
وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾
[الْمَعَارِجِ: ٢٤-٢٥]،حَتَّى لَا يَحِقَّ عَلَيْهِ الْوَعِيدُ الْمَذْكُورُ فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا
يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ
يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ
وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ
تَكْنِزُونَ ﴾ [التَّوْبَةِ: ٣٤-٣٥].( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً
تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ
لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ
يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ
هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤) التوبة.
أَلَمْ يَأْنِ لِلذين يرتكبون الكبائر
أَنْ يُطَهِّرُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْجَرِيمَةِ الشَّنْعَاءِ بعد أن
استشرت في الآونة الأخيرة؟ فاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا
الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾[الْإِسْرَاءِ: ٣٢].
(وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ
اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ
إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨)
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩)
إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ
اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (٧٠)
وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (٧١)
وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا
كِرَامًا
)
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ يَأْكُلُونَ
أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ أَنْ يُطَهِّرُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ هَذِهِ
الْأَمْوَالِ الْخَبِيثَةِ حَتَّى لَا يَقَعُوا تَحْتَ طَائِلَةِ الْعِقَابِ؛
فالرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنَّهُ لا يربو لحمٌ
نبتَ من سحتٍ إلَّا كانتِ النَّارُ أولى بِهِ. الترمذي.
أما آن للذين تمتد أيديهم إلى السرقة
أن يتوقفوا عن ذلك.( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا
جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٣٨)
فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (٣٩) المائدة.
ونلاحظ أن كل كبيرة من هذه مقترنة
بالتوبة.
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ يَغْتَابُونَ
النَّاسَ، وَيَأْكُلُونَ مِنْ لُحُومِهِمْ، أَنْ يَصُونُوا أَلْسِنَتَهُمْ عَنِ
الْغِيبَةِ حَتَّى لَا يَتَعَرَّضُوا لِعِقَابِ اللَّهِ، فَاللَّهُ تَعَالَى
يَقُولُ:﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ
لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ [الْحُجُرَاتِ: ١٢].
أَلَمْ يَأْنِ لِلنَّمَّامِ أَنْ
يَتُوبَ عَنِ النَّمِيمَةِ، وَالْوَقِيعَةِ بَيْنَ النَّاسِ؟﴿ وَالْفِتْنَةُ
أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: ١٩١]؛ فَإِشْعَالُ نَارِ الْفِتْنَةِ
بَيْنَ النَّاسِ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ.
أَلَمْ يَعْلَمِ النَّمَّامُ مَا
يَنْتَظِرُهُ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ؟ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: «إِنَّهُمَا
لَيُعَذَّبَانِ؛ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ: أَمَّا هَذَا؛ فَكَانَ لَا
يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَأَمَّا هَذَا؛ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ»
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ أَيْضًا: «إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو
الْوَجْهَيْنِ: الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ»
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى سَمَّى النَّمَّامَ فَاسِقًا: ﴿ إِنْ
جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [الْحُجُرَاتِ: ٦].
سيدنا أبو بكر الصديق سمع أناسا دخلوا
الإسلام من جديد وسمعوا هذه الآية ، فذرفت عيونهم بالدموع، فقال الصِّدِّيق رضي
الله عنه هكذا كنا حتى قست القلوب..رواه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة.
انظروا من يقول هذا، إنه الصِّدِّيق
الذي كان كما قالت ابنته عائشة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
عندما قال لها وهو في مرضه الأخير: مُرُوا أبا بكر فليُصلِّ بالناس. فقالت: إن أبا
بكر إذا قام في مقامك، لم يُسمِع الناس من كثرة البكاء.
﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾
من الذكريات الإذاعية باستوديو الهواء
منذ 10 سنوات...