مَن أحيا أرضًا ميتةً فَهيَ لَهُ
شَجَّعَت الشَّريعَةُ الإسْلاميَّةُ على إعمارِ الأرضِ وزِراعَتِها، حَتَّى أمَرَت مَن قامَت عليه السَّاعةُ وفي يَدِه فَسيلةٌ أن يَغرِسَها.
نعم، يقول النبي ﷺ: من عمر أرضًا ليست لأحد؛ فهو أحق بها رواه البخاري في الصحيح،
ويقول ﷺ: من أحيا أرضًا ميتة؛ فهي له
فإذا كانت ميتة، ليس لأحد فيها حق، وليست في الصالح العام، يعني: ليست جنب القرى
العامرة، والبلدان العامرة التي يحتاجون إليها في وقوف السيارات، وفي وقوف إبلهم،
وأغنامهم في حاجاتهم، إذا كان العامر ليس له حاجة ...
من أحيا أرضا مواتا من غيرِ أن يكونَ فيها حَقُّ مسلمٍ ، فهي لهُ ، وليسَ لعرقٍ ظالمٍ حقُّ
"( أبو داود ، والترمذي )
وفي هذا الحَديثِ: يَقولُ رسولُ اللهِ
صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "مَن أحيَا"، أي: بالزِّراعةِ والعِمارَةِ
ونَحوِهما "أرضًا مَيْتةً"، أي: غيرَ مَمْلوكةٍ لأحدٍ ولم تتَعلَّقْ
بمَصلَحةِ بلدَةٍ أو قريةٍ؛ بأن تَكونَ مَرعًى لدَوابِّهم مثَلًا، "فهِيَ
له"، أي: صارَت مِلكًا له بدُون إذنِ الإمامِ أو السُّلطانِ، وقيل: لا بُدَّ
مِن إذنِه، "وليس لعِرْقٍ ظالمٍ حقٌّ"، أي: ليس لصاحبِ عِرْقٍ ظالمٍ
حقٌّ، وهو أن يَبنِيَ في أرضٍ قد أُحيِيَتْ مِن قِبَلِ غيرِه؛ لِيَأخُذَها بذلك
الفِعلِ، وقيل: يَغرِسُ زَرعًا أو غيرَه في غيرِ أرضِه بغيرِ إذنِ صاحبِ الأرضِ
الَّذي غرَسَ فيها.
وفي الحديثِ: مشروعيَّةُ إحياءِ الأرضِ المَوَاتِ والانتِفاعِ بها.
فإذا كانت الأرض مواتاً لم
يُعلم تقدم ملك لأحد عليها، فهي لمن أحياها، وقد دل على ذلك ما رواه البخاري عن
عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أعمر أرضاً ليست لأحد
فهو أحق. وروى أبو داود عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: من أحيا أرضاً ميتة فهي له.
وجملته أن الموات قسمان، أحدهما: ما لم يجر عليه ملك لأحد ولم يوجد فيه أثر عمارة، فهذا يملك بالإحياء بغير خلاف بين القائلين بالإحياء. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: الموات الأرض التي لم تعمر شبهت العمارة بالحياة وتعطيلها بفقد الحياة وإحياء الموات أن يعمد الشخص لأرض لا يعلم تقدم ملك عليها لأحد فيحييها بالسقي أو الزرع أو الغرس أو البناء فتصير بذلك ملكه سواء كانت فيما قرب من العمران أم بعد سواء أذن له الإمام في ذلك أم لم يأذن وهذا قول الجمهور، وعن أبي حنيفة لا بد من إذن الإمام مطلقاً وعن مالك فيما قرب وضابط القرب ما بأهل العمران إليه حاجة من ري ونحوه. انتهى.
والإحياء الذي يجوز بدون إذن السلطان هو إحياء الأرض الميتة التي لم يسبق منع السلطان من إحيائها، فإذا أراد شخص إحياءها فلا يلزمه استئذان السلطان، وإذا أحياها فهي له، ولا يحق للسلطان نزعها منه بعد ذلك، وأما الإحياء بعد منع السلطان من إحيائها فلا يجوز إلا بإذن السلطان...
أما القول بأن له حق الشفعة، فإن الشفعة: تملك المشفوع فيه جبراً عن المشتري بما قام عليه من الثمن والنفقات. وعلى هذا فلا وجه للشفعة هنا لأن هذه الأرض ليست ملكاً لأحد حتى يتملكها الجار بالشفعة، كما أن حق الشفعة يكون للشريك فيما لم يقسم من العقارات كالأرض ونحوها، أما الجار فلا شفعة له على مذهب الجمهور، وذهب الحنفية إلى إثبات الشفعة للجار الملاصق والشريك في حق من حقوق المبيع،
وفرق المالكية بين الأرض التي تقرب من العمران وبين البعيدة عن العمران.
قال الباجي في المنتقى: وأما التي تقرب من العمران فلا يحييها أحد إلا بإذن الإمام، رواه سحنون عن مالك، وابن القاسم عن أشهب، خلافا للشافعي في قوله: يحييها من شاء بغير إذن الإمام... .
والذي نراه راجحا في المسألة أن استئذان الإمام في الإحياء لا يلزم
لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: من أحيا أرضا ميتة فهي له."( البخاري).
ووصله إسحاق بن راهويه بلفظ: من
أحيا أرضا مواتا من غير أن يكون فيها حق مسلم فهي له. ويستثنى من هذا العموم ما
إذا كان السكان يتضررون بالإحياء فإنه حينئذ لا يجوز، لما أخرجه ابن ماجه وأحمد
ومالك من حديث عبادة بن الصامت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن لا ضرر
ولا ضرار".