فَظَلِلْتُ أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً
معنى الاستغفار
من فضائل الاستغفار فى الدنيا
من فضائل الاستغفار فى الآخرة
من أوقات الاستغفار.
الحمد لله على نعمة الإسلام ونشهد أن
لاإله إلا الله الملك العلام ونشهد أن محمد صلى الله عليه وسلم سيد الأنام وبعد
فحديثى معكم بحول الله الواحد الديان تحت عنوان: فَظَلِلْتُ أَسْتَغْفِرُ اللهَ
مِنْهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً
أولاً : يستغفر اللَّه من الحمد منذ
ثلَاثين سنة
:
-«قال أَبُو بَكْر الحربيّ: سَمِعْتُ السّرِيّ
يَقُولُ: حمدتُ اللَّه مرّةً، فأنا أستغفر اللَّه من ذلك الحمد منذ ثلَاثين
سنة. قِيلَ: وكيف ذاك؟ قَالَ: كَانَ لي دُكّان فِيهِ مَتَاع، فاحترق السُّوق،
فلقيَني رجل، فقال: أبشر، فقلت: مه، فقال: دُكّانُك سَلِمَتْ. فقلت: الحمد لله.
ثمّ إني فكّرت فرأيتها خطيئة. «تاريخ الإسلام ت بشار» (٦/ 88). رجلٌ يستغفرُ اللهَ
منْ كلمةِ حمدٍ قالَها، لا لأنَّ الحمدَ معصيةٌ حاشا للهِ، بل لأنَّهُ رأى في تلكَ
اللحظةِ أنَّهُ انفردَ بالفرحِ وتركَ مواساةَ الناسِ في المصيبةِ، فكانتْ فرحتُهُ
ناقصةً في ميزانِ التقوى، لأنَّها فرحةٌ لمْ تمتزجْ برحمةٍ ولا بشعورٍ
بالجماعةِ.أيُّ ورعٍ هذا يا عبادَ اللهِ؟ أيُّ نقاءٍ في السريرةِ؟ أيُّ حساسيةٍ في
القلبِ؟ رجلٌ ينظرُ إلى داخلِ نفسِهِ قبلَ أنْ ينظرَ الناسُ إلى ظاهرِ عملِهِ،
فيرى في قلبِهِ ما لو رآهُ غيرُهُ لعدَّهُ هينًا، ولكنَّ المؤمنَ ينظرُ بعينِ
الحقِّ، بعينِ التقوى، بعينٍ ترى ما لا يراهُ الغافلونَ.هذا الرجل طبق الحديث
الشريف الذى فيه سعادة الأمة والعالم أجمع ،عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
«لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»صَحيح
البخارى (13)، صحيح مسلم (45).
ثانياً :معنى الاستغفار :
(1)استغفر اللهَ ذنبَه/ استغفر اللهَ
لذنبه/ استغفر اللهَ من ذنبه: طلب منه وسأله أن يعفو عنه ويسامحه
«معجم اللغة العربية المعاصرة» (٢/ 1629).
(2)معنى الاستغفار:الاستغفار هو طلب
المغفرة من العزيز الغفار ،وطلب الإقالة من العثرات من غافر الذنب وقابل
التوب،والمغفرة هي وقاية شر الذنوب مع سترها،أي أن الله عز وجل يستر على العبد فلا
يفضحه في الدنيا ويستر عليه في الآخرة فلا يفضحه في عرصاتها ويمحو عنه عقوبة ذنوبه
بفضله ورحمته(فصل الخطاب فى الزهد والرقائق (7/207).
ثالثاً: من فضائل الاستغفار فى الدنيا
مثلاً
:
(1)غسل القلب وطهارته :
=-عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ العَبْدَ إِذَا
أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ
نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى
تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ» كَلَّا بَلْ رَانَ
عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا .سنن الترمذى (3334)،سنن ابن ماجه (4244) ،صحيح
الجامع (1670)- نزع أصل النزع الجذب والقلع ومنه نزع الميت روحه صقل وسقل :السيف
أى جلاه.والمعنى التظيف الدائم للقلب واللسان والجوارح بسرعة الاستغفار والتوبة
والرجوع.حتى يصبح القلب سليماً
(2) بكثرة الاستغفار الخير يزيد :
-شَكَا رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ
الْجُدُوبَةَ فَقَالَ لَهُ:اسْتَغْفِرِاللَّهَ.وَشَكَا آخَرُ إِلَيْهِ الْفَقْرَ
فَقَالَ لَهُ: اسْتَغْفِرِاللَّهَ.وَقَالَ لَهُ آخَرُ.ادْعُ اللَّهَ أَنْ
يَرْزُقَنِي وَلَدًا، فَقَالَ لَهُ:اسْتَغْفِرِ اللَّهَ.وَشَكَا إِلَيْهِ آخَرُ جَفَافَ
بُسْتَانِهِ،فَقَالَ لَهُ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ. فَقُلْنَا لَهُ فِي ذَلِكَ؟
فَقَالَ: مَا قُلْتُ مِنْ عِنْدِي شَيْئًا، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى
يَقُولُ:فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10) يُرْسِلِ
السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا(12)نوح .(تفسير القرطبى
(18/302)
(3) بالاستغفار القوة تزداد :قال
تعالى:وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ
السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا
وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ
(52)هود.
-قَوْلُهُ: يُرْسِلِ السَّماءَ
عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَالْمِدْرَارُ الْكَثِيرُ الدَّرِّ،وَقَوْلُهُ:
وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ فَفَسَّرُوا هَذِهِ الْقُوَّةَ بِالْمَالِ
والولد، والشدة في الأعضاء، لأن كل ذلكم ما يَتَقَوَّى بِهِ الْإِنْسَانُ.(مفاتيح
الغيب (18/364).
(4) الاستغفار سبب لعلاج الهموم وكشف
الكربات
-
-عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ"مَنِ أكْثَرَ مِنَ الاسْتِغْفَارِ، جَعَلَ اللهُ لَهُ
مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا،وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ
لَا يَحْتَسِبُ "مسند أحمد (2234) صححه العلامة أحمد شاكر.(جَعَلَ اللَّهُ
لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ)أَيْ: شَدَّةٍ وَمِحْنَةٍ (فَرَجًا)أَيْ: طَرِيقًا
وَسَبَبًا يُخْرِجُ إِلَى سِعَةٍ وَمِنْحَةٍ، (وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ)أَيْ:لَا: هَمٌّ
يُهِمُّهُ (فَرَجًا) أَيْ: خَلَاصًا (وَرَزَقَهُ) أَيْ:حَلَالًا طَيِّبًا (مِنْ
حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) أَيْ:لَا يَظُنُّ وَلَا يَرْجُو وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ.
(مرقاة المفاتيح(4/1621).
(5) زيادة فى الحسنات :
-عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ،
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ
حَسَنَةً»مسند الشاميين للطبرانى (2155)،صحيح الجامع (6026)
-فتأمَّل ـ رحِمكَ الله ـ عِظمَ هذا
الأجر المترتِّب على هذا الدعاء وكثرته، فالمسلمُ عندما يقول في دعائه: اللَّهمَّ
اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات،يكون له
بكلِّ واحد من المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات المتقدِّمين منهم
والمتأخرين حسنة، فهي حسنات لا تُحصى، فأعداد المسلمين المتقدِّمين والمتأخرين لا
يُحصيهم إلاَّ الله جلَّ وعلا.(فقه الأدعية والأذكار (2/229). -فلك أن تتصور عظم
هذا الأجر؛ فإن الحسنة بعشر أمثالها، إلى أضعاف مضاعفة كثيرة في بلايين المؤمنين،
من لدن أبي البشر إلى يوم الحشر، وهذا يدلّ على عظم فضل اللَّه على المؤمنين.(شرح
الدعاء من الكتاب والسنة (284).
رابعاً : من فوائد الاستغفار فى الآخرة
مثلاً
:
-(1)مغفرة الذنوب:قال تعالى :وَمَنْ
يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ
اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا(110)النساء.أي: من تجرأ على المعاصي واقتحم على الإثم
ثم استغفر الله استغفاراً تاماً يستلزم الإقرار بالذنب والندم عليه والإقلاع
والعزم على أن لا يعود.فهذا قد وعده من لا يخلف الميعاد بالمغفرة والرحمة.(تفسير
السعدى صـ200)
-عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ ،
فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي
إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا،
فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ،
فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إِلَّا مَنْ
أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ،
إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ
تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا،
فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ»«صحيح مسلم (2577)
-هذا من تمام نعمة الله على العبد، إنه
ـ جل وعلا ـ يعرض عليه أن يستغفر إلى الله ويتوب إليه، مع أنه يقول(إنكم تخطئون
بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً)أي جميع الذنوب،ولكن بعد أن يستغفر
الإنسان
ربه،ولهذا قال: (فاستغفروني أغفر لكم)
أي اطلبوا منى المغفرة حتى أغفر لكم.(شرح رياض الصالحين (2/130)
(2)النجاة من العذاب :
قال تعالى:لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ
اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46)النمل .أي رجاء أن ترحموا أو لكي ترحموا فلا تعذبوا.(حدائق الروح والريحان
20/473)
(3)بالاستغفار تسعد يوم القيامة :
-هنيئًا لِمَن داوم على الاستغفار، فجاء
يوم القيامة قد ذهبت سيئاتُه هباءً، وتضاعَفَتْ حسناتُه وعظُمَت،-عَنِ الزُّبَيْرِ
أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: " مَنْ أَحَبَّ أَنْ تَسُرُّهُ صَحِيفَتُهُ
فَلْيُكْثِرْ فِيهَا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ "شعب الإيمان (639) ،صحيح الجامع
(5955).(من أحب أن تسره) يوم القيامة. (صحيفته) التي فيها أعماله. (فليكثر من
الاستغفار) لأنه يمحو السيئات فلا يرى في صحيفته إلا الحسنات السارة.(التنوير شرح
الجامع الصغير (10/41)
(4)التمتع بنعيم الجنة :
-قال تعالى : وَالَّذِينَ إِذَا
فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى
مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ
رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا
أنفسهم} أي: صدر منهم أعمال [سيئة] كبيرة، أو ما دون ذلك، بادروا إلى التوبة
والاستغفار، وذكروا ربهم، فسألوه المغفرة لذنوبهم، والستر لعيوبهم، مع إقلاعهم
عنها وندمهم عليها، فلهذا قال: {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} .{ أُولَئِكَ
جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ } فيها من النعيم المقيم، والبهجة والسرور والبهاء، والخير والسرور،
والقصور والمنازل الأنيقة العاليات، والأشجار المثمرة البهية، والأنهار الجاريات
في تلك المساكن الطيبات، {خالدين فيها} لا يحولون عنها، ولا يبغون بها بدلا ولا
يغير ما هم فيه من النعيم.تفسير السعدى صـ148)
(5) الاستغفار يرفع درجات فى الجنة :-
-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ النَّبِيِّ
ﷺ قَالَ:"إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ
فَيَقُولُ:أَنَّى هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ"سنن ابن
ماجه (3660) وصحيح الجامع (1617).(باستغفار ولدك لك) من بعدك دل به على أن
الاستغفار يحط الذنوب ويرفع الدرجات وعلى أنه يرفع درجة أصل المستغفر إلى ما لم
يبلغها بعمله فما بالك بالعامل المستغفر.(فيض القدير (2/339)
الخطبة الثانية
خامساً : أوقات الاستغفار كثيرة
منها مثلاً :
(1)عند الوقوع فى المعصية :
-قال تعالى : وَالَّذِينَ إِذَا
فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى
مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)النساء
(2) الاستغفار بعد الطاعة فمثلاً :
- (أ)الاستغفاربعد طواف الإفاضة : قال
تعالى :ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)البقرة.لما كانت الإفاضة،آخر المناسك، أمر
تعالى عند الفراغ منها باستغفاره والإكثار من ذكره، فالاستغفار للخلل الواقع من
العبد، في أداء عبادته وتقصيره فيها، وذكر الله شكر الله على إنعامه عليه بالتوفيق
لهذه العبادة العظيمة والمنة الجسيمة وهكذا ينبغي للعبد، كلما فرغ من عبادة،أن
يستغفر الله عن التقصير،ويشكره على التوفيق،لا كمن يرى أنه قد أكمل العبادة،ومن
بها على ربه،وجعلت له محلا ومنزلة رفيعة،فهذاحقيق بالمقت،وردالفعل،كما أن الأول
حقيق بالقبول والتوفيق لأعمال أخر. تفسير السعدى (1/92)
(ب) الاستغفار بعد الصلاة :
-عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ
اللهِ ﷺ ، إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقَالَ:
«اللهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ
وَالْإِكْرَامِ» قَالَ الْوَلِيدُ:فَقُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ" كَيْفَ الْاسْتِغْفَارُ؟
قَالَ: تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ " مسلم (591)
-الحكمةُ من الإتيان بالاستغفار بعد
الصلاةِ هي إظهارُ هَضْم النَّفس، وأنَّ العبدَ لَم يَقُم بحقِّ الصلاة، ولَم يأت
بما ينبغي لها على التَّمام والكمال، بل لا بدَّ أن يكونَ قد وَقَعَ في شيء من
النَّقص والتقصير،والمقصِّرُيستغفرُ لعلَّه أن يُتجاوَزَ عن تقصيره، ويكونَ في
استغفاره جَبْرٌ لِمَا فيه من نقص أو تقصير.فقه الأدعية والأذكار (3/166)
(3) الاستغفار كل صباح ومساء:
-عن شَدَّادِ بْنُ أَوْسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: " سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ:
اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا
عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ
شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي
فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ " قَالَ:
«وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ
أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ
وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ
الجَنَّةِ»صحيح البخارى (6306). (سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ) أي أفضل أنواع الأذكار
التي تطلب بها المغفرة هذا الذكر الجامع لمعاني التوبة كلها ، لَمَّا كَانَ هَذَا
الدُّعَاءُ جَامِعًا
لِمَعَانِي التَّوْبَةِ كُلِّهَا
اسْتُعِيرَ لَهُ اسْمُ السَّيِّدِ.(فيض القدير(4/119)
(4) الاستغفار طوال اليوم :
-هذا رسول الله ﷺ:الذي غُفر له ما تقدم
من ذنبه وما تأخر يستغفر الله في اليوم مائة مرة فكيف بنا؟-عَنِ الْأَغَرِّ
الْمُزَنِيِّ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ ، قَالَ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي،
وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ» صحيح مسلم (2702).لَيُغَانُ الْغَيْنُ قِيلَ الْمُرَادُ
الْفَتَرَاتُ وَالْغَفَلَاتُ عَنِ الذِّكْرِ الَّذِي كَانَ شَأْنُهُ الدَّوَامَ
عَلَيْهِ فَإِذَا فتَرَ عَنْهُ أَوْ غَفَلَ عَدَّ ذَلِكَ ذَنْبًا وَاسْتَغْفَرَ
مِنْهُ.شرح النووى (17/23)
-معناه: كان رسول الله ﷺ يحب أن يكون
قلبه أبدًا حاضرًا له تعالى بحيث لا يَغْفُل لَمْحة، فلما اشتغل بشيء من أحوال
الدنيا كالتكلم مع أحد والأكل والشرب والنوم ومعاشرة الأزواج يلوم نفسه بترك كمال
الحضور ويعده تقصيرًا ويستغفر منه.(المفاتيح فى شرح المصابيح (3/172)
(5) الاستغفار قبل القيام من المجلس:
-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ،
فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ
وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ
إِلَيْكَ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ "سنن الترمذى
(3433)،صحيح الجامع (6192).فإن ذلك يجبر ما كان وقع في ذلك المجلس مما يوجب
العقوبة من حصائد الألسنة والهفوات والسقطات.(فيض القدير (5/39)-فبهذه الكلمات
تكفر السيئات الواقعة في المجلس ويختم بها فعل الخير الواقع فيه فليداوم عليها كل
من فارق مجلساً جلس فيه.(التنوير شرح الجامع الصغير (8/214)
-قال عياض: كان السلف يواظبون عليه
ويقولون: ذلك كفارة المجلس، وظاهره أنه يغفر له كل شيء كان فيه حتى الغيبة والنميمة
ويحتمل أنه أريد غير حقوق المخلوقين فإنه قد علم خروجها من إطلاقات الغفران وغير
الكبائر فإنها لا تكفر إلا بالتوبة إلا أن يصحب هذا القول ندم وعزم على عدم العود
فهو توبة وفيه دليل على أن الاستغفار وإن لم يصحبه أجزأ التوبة يؤجر فاعله ويحتمل
أنه أريد هنا لا يقولهن تائباً. .(التنوير شرح الجامع الصغير(8/506)
(6) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ:
-قال تعالى :وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ (18)الذاريات. الأسحار جمع سحر، وهو الجزء الأخير من الليل.أى،
وكانوا في أوقات الأسحار يرفعون أكف الضراعة إلى الله- تعالى- يستغفرونه مما فرط
منهم من ذنوب، ويلتمسون منه- تعالى- قبول توبتهم وغسل حوبتهم.(التفسير الوسيط
لطنطاوى (14/15)
-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "
يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ
الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي، فَأَسْتَجِيبَ
لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ"
صحيح البخارى (1145) ،صحيح مسلم(758)وقت السحر وقت إجابة الدعاء