أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ ..؟
فيقول الله سبحانه :"لَوْلَا إِذْ
سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا
وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ
"
تأنَّ ولا تعجَلْ بلَومِكَ صاحِبًا
لعلَّ له عُذرًا وأنتَ تَلومُ
عبادالله:حديثنا إليكم اليوم عن هلا شققت عن قلبه أو عن الظن السيء
أوعن سرائر الناس ودواخلهم التي لا يعلمها إلا الله تعالى وحده , والتسلّط على نوايا الآخرين
سوء للظن وهو من
كبائر الذنوب...
وكما يقول القائل:
"والله إن العبد ليصعُب عليه معرفة نيته في عمله، فكيف يتسلط على نيَّات
الخلق ...؟
أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟
عباد الله تعالوا لنري ما الذي حدث من صحابي جليل هو الحب ابن الحب اسامة بن زيد عندما قتل رجلاً خطأ بسوء ظنه هل تركه رسول الله صلي الله عليه وسلم
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ
اللهُ عَنهُمَا- قَالَ: "بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ
وسَلَّمَ- إِلَى الْحُرَقَةِ، فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ، فَهَزَمْنَاهُمْ،
وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا
غَشِينَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَكَفَّ الْأَنْصَارِيُّ،
فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ،
فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-،
فَقَالَ: "يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ؟"، قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ
السِّلاَحِ، فَقَالَ: "أَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟،
أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟"،
فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ
أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
واللهِ إنَّه لدرسٌ كبيرٌ، وصرخةُ نذيرٍ، من رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- لحبيبِه وابنِ حبيبِه أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ -رضيَ اللهُ عنهما-، درسٌ لم يكنْ يحتملُ التَّأجيلَ ولا المجاملاتِ، درسٌ لا ينبغي فيه الإطالةُ ولا المُقدِّماتُ، إنَّها النِّيَّاتُ وما أدراكَ ما النِّياتُ، وهل يعلمُ النِّياتِ إلا ربُّ الأرضِ والسَّماواتِ، فهو العزيزُ العظيمُ الرَّحيمُ الغفورُ، الذي يعلمُ خائنةَ الأعينِ وما تُخفي الصدورُ.
مما لا يخفى عليكم أن خصال الخير والشر في الناس متفرقة ، وبعضها أهونُ من بعض،
لكن أسوأ ما يجتمع فى الناس من خصال هو هذا الخلق الذميم...
إنه سوء الظن بالآخرين،
سوء الظن الذي انتشر في أوساط الصالحين، قبل الطالحين،
سوء الظن الذي لطالما كان سببًا في قطع علاقةٍ أخوية، وخراب حياةٍ زوجية،
سوء الظن الذي ما أبقى صاحبًا لصاحبه، ولا أخًا لأخيه، ولا زوجةً لزوجها،
سوء الظن الذي كان سببًا في إراقة الدماء المحرمة، وإزهاقًا للأنفس البريئة المحترمة،
سوء الظن الذي فكك أُسَرًا وخرب مدنًا ودولًا، وغرس الضغائن والأحقاد بين الأقارب، والعشائر، والأحفاد!
وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ...
سوء الظن الذي حرمه الله من فوق سماواته بقوله:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ .."
عباد الله :"
الانسان الملوث داخليا لايستوعب وجود بشر انقياء والمُؤمن يطلب المعاذير، والمُنافق يطلب العيوب،
يقول أحدهم: فقدت فأسي، فاشتبهت بجاري أنه قد سرقه مني، فبدأت أراقبه بإهتمام شديد.. كانت مشيته مشية سارق فأسي..! وكلامه كلام سارق فأسي ..!
وحركاته توحي بأنه سارق فأسي..! أمضيت تلك الليلة حزينًا ولم أعرف كيف أنام وأنا أفكر بأي طريقه أواجهه؟ ولكنني في الصباح الباكر عثرتُ على فأسي..
لقد كان ابني الصغير قد وضع فوقه كومة قش، نظرت إلى جاري في اليوم التالي، فلم أجد فيه شيئًا يشبه سارق فأسي، لا مشيته، ولا كلامه، ولا إشاراته ..!
وجدته كالأبرياء تمامًا، فأدركتُ بأني أنا من كان اللص..!
لقد سرقتُ من جاري أمانته وذمته، وسرقتُ من عمري ليلة كاملة أمضيتها ساهرًا أفكر كيف أواجه بالتهمة رجلًا بريئًا منها ..
تُرَى كم من برئٍ سرقنا منه أمانته وذمته بسوء ظننا؟..
كم من بيوتٍ هُدِّمتْ، وأطفال ساء حالها بسوء الظن؟..
كم من صديق أضعناه بسوء الظن ؟..
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونُه*وصدق ما يعتادُه من توهُّم
وعادى محبِّيه بقول عُداته*وأصبح في ليل من الشك مظلم
الدروس والعبر:
· الحكم بالظاهر: الموقف يؤصل قاعدة
عظيمة، وهي أن الأحكام في الدنيا تُبنى على الظاهر، أما السرائر والقلوب فالله
يتولاها . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في موقف آخر: "إني لم أومر أن
أنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم" .
· اجتناب سوء الظن: هذا الموقف النبوي هو
تطبيق عملي للآية الكريمة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12].
فسوء الظن بالآخرين يحزن الأفئدة،
ويفسد الفرح، ويطفئ الابتسامة، ويفرق بين الأحبة .
· التماس الأعذار: من أخلاق المؤمنين أن
يلتمسوا لأخوانهم الأعذار. يقول سعيد بن المسيب: "ضع أمر أخيك على أحسنه، ما
لم يأتك ما يغلبك"
.
ويقول جعفر بن محمد: "إذا بلغك عن
أخيك الشيء تنكره، فالتمس له عذرا واحدا إلى سبعين عذرا" .
اللهم سلِّم صدورنا، وألسنتنا من أعراض المسلمين، يا رب العالمين!
أقول قولي هذا واستغفرُ الله لي ولكم
والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.. !
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، وبعد:
فياعباد الله :" لقد علّمنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف أن نعامل الناس بما يظهرون من خير، وأن نكل نياتهم إلى عالمها. وهو صلى الله عليه وسلم، وإن كان يعلم بالوحي ما في قلوب المنافقين، كان يجري عليهم أحكام المسلمين في الظاهر، ولا يحكم بتكفير أحد قال "لا إله إلا الله" بلسانه .
ما الواجب علينا تجاه
الآخرين ...؟
باختصار شديد
الواجب علينا تجاه الآخرين أن نحسن
الظن بهم
أفلا شققت عن قلب أخيك حين تأخر في زيارتك؟ لعله كان مشغولاً في معاشه، أو طريحاً على فراشه .
أفلا شققت عن قلب صاحبك حين قال كلمة آلمتك؟لعله كان يمازح، أو كان يقصد النصيحة فخانته العبارة .
أفلا شققت عن قلب زوجتك حين قصرت في حقك
لعل ذلك كان أثر التعب والجهد، أو غضباً عابراً تذهب روحه وتبقى حسرته .
قال أحد السلف:
لو رأيت أحد إخواني ولحيته تقطر خمرًا
لقلت ربما سُكبت عليه!
ولو وجدته واقفًا على جبل وقال: أنا
ربكم الأعلى لقلت يقرأ الآية!
يقولُ سعيدُ بنُ المسيَّبِ -رحمَه
اللهُ-: "كتبَ إليَّ بعضُ إخواني من أصحابِ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه
وسلمَ-: أن ضَعْ أمرَ أخيكَ على أحسنِه، ما لم يأتِكَ ما يَغلبُكَ، ولا تظنَّنَّ
بكلمةٍ خَرجتْ من امرئٍ مُسلمٍ شَرًّا، وأنتَ تَجدُ لها في الخيرِ مَحملًا".
قلت
العاقل من اشتغل بعيوب نفسه عن تلمّس
عورات الناس وتتبُّعِ عثراتهم، واجتهد بإصلاح حاله.
قيل للربيع بن الهيثم : ما نراك تعيب
أحدا ؟ فقال
:
لست عن نفسي راضياً حتى أتفرغ لذم
الناس
.
ولذلك
يقولُ جعفرُ بنُ محمدٍ -رحمَه اللهُ-:
"إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره، فالتمس له عذرا واحدا إلى سبعين عذرا، فإن
أصبته، وإلا قل: لعل له عذرا لا أعرفه"
يكفيك من الناس الظاهر، والله يتولى
السرائر، لا تفتش في نوايا الآخرين، ولا تنتهك أستارهم "فمن ستر عورة مؤمن في
الدنيا ستره الله يوم القيامة"
فالتركيز على تمحيص ما في القلوب (من
فساد وصلاح) لن يفيد المرء في الآخرة , بل ولا حتّى في الدنيا ! إنّما الأصل في
النّاس إحسان الظنّ بهم حتّى يتبيّن غير ذلك ..
هذا أبو دجانة رضي الله عنه :دخلوا
عليه في مرضه ووجهه يتهلل! فقالوا له: ما لوجهك يتهلل؟فقال: (ما من عملِ شيءٍ أوثق
عندي من اثنتين: كنت لا أتكلَّم فيما لا يعنيني، وكان قلبي للمسلمين سليمًا).
فكيف أنت والناس...؟؟؟
عش عفويتك تاركًا للناس إثم الظنون،
فلك أجرهم ولهم ذنب ما يظنون.
صح عند مسلم قالَ رَسولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:
إنِّي لَمْ أُومَرْ أنْ أنْقُبَ عن
قُلُوبِ النَّاسِ ولَا أشُقَّ بُطُونَهُمْ .
موقف نبوي آخر:
جاء رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن امرأتي ولدت غلاماً أسود"، فأراد أن ينفيها. فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: "هل لك من إبل؟" قال: نعم. قال: "فما ألوانها؟" قال: حمر. قال: "هل فيها من أورق؟" قال: نعم. قال: "فأنى لها ذلك؟" قال: عسى أن يكون نزعه عرق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وهذا عسى أن يكون نزعه عرق" . إنه حسن الظن حتى في أحلك المواقف.
خاتمة وتوصية:
أحسنوا الظن بإخوانكم، تذهب عنكم الشكوك، وتحلوا حياتكم بالسعادة والطمأنينة. واذكروا دائماً أن {اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [السجدة: 28]. فمن أظهر لنا خيراً قبلناه وقرّبناه، وليس لنا من سريرته شيء، والله يحاسبه على سريرته .
وهنا نقول:
الثمرة :
فى الحديث الحسن عن أبى أُمامة الباهلى
رضى الله عنه : قال رسول الله ﷺ
:
« رَحِمَ اللهُ عبدًا قال فَغَنِمَ أو
سَكَتَ فسَلِمَ».
فمن سيدخل تحت دعاء النبى ﷺ...؟
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ
تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ"( التِّرْمِذِيُّ، وقَالَ: حَسَنٌ).