العقول المحمدية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: أيها الإخوة في الله، حديثنا اليوم عن "العقول المحمدية"،
تلك العقول التي اهتدت بهدْي النبي ﷺ، ففقهت مراد الله، وعقلت عن الله، فسعدت في الدنيا والآخرة.
ولنبدأ بقصة تعبر عن هذا المعنى:
قصة عمر بن الخطاب مع الأطفال:
يروى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج ليلة يتفقد أحوال الرعية، فسمع صوت طفلة تبكي، فاقترب من الباب فسمعها تقول لأمها: "يا أماه، أطعمني اللبن"، وكانت الأم تخلط اللبن بالماء لكي تبيعه أكثر!
فقالت البنت الصغيرة: "يا أماه، اتقي الله، إن عمر لا ينام حتى ينتهي اللبن في أسواق المسلمين!"
فلما سمع عمر هذا الكلام، بكى وقال: "الله أكبر، طفلة صغيرة تقول هذا الكلام! نعم،
إنه العقل المحمدي الذي ربى عليه النبي ﷺ أصحابه."
العناصر الإجمالية للخطبة:
1. معنى العقل المحمدي وخصائصه
2. الدلائل القرآنية على أهمية العقل
3. الأحاديث النبوية التي تحث على التعقل
4. نماذج من العقول المحمدية عبر التاريخ
5. آثار العقل المحمدي على الفرد والمجتمع
أولاً: معنى العقل المحمدي وخصائصه
العقل المحمدي ليس مجرد ذكاء فطري، بل هو عقل مستنير بنور الوحي، متبع لهدي النبي ﷺ. قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} [المائدة: 15].
وهذا النور ينير العقول والقلوب.
ثانياً: الدلائل القرآنية على أهمية العقل
لقد أكرم الله العقل في القرآن، وذكر "العقل" في تسعة وأربعين موضعاً.
قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190].
وقال: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43].
ثالثاً: الأحاديث النبوية التي تحث على التعقل
عن معاوية رضي الله عنه قال:
قال رسول الله ﷺ: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" (رواه البخاري).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "الكلمة الحكمة ضالة المؤمن
فحيث وجدها فهو أحق بها" (رواه الترمذي وحسنه).
رابعاً: نماذج من العقول المحمدية عبر التاريخ
أبو بكر الصديق رضي الله عنه
في حرب الردة، حيث عقل عن الله فحارب مانعي الزكاة.
التابعي الجليل الإمام الزهري
الذي قال: "العلم خزائن، ومفاتيحه السؤال".
الإمام الشافعي
الذي قال: "كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي، وإذا ما ازددت علماً زادني علماً بجهلي".
خامساً: آثار العقل المحمدي على الفرد والمجتمع
1. العبادة الواعية: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]
2. التفاؤل والإيجابية: عن أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "تفاءلوا بالخير تجدوه" (رواه أبو داود)
3. البعد عن التشكيك والتشاؤم: قال ﷺ: "لا عدوى ولا طيرة" (متفق عليه)
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: أيها الإخوة الكرام،
إن العقول المحمدية هي التي تنفع صاحبها وتنفع مجتمعه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير" (رواه مسلم).
فليكن همُّ كل واحد منا أن يصقل عقله بنور الوحي، ويهذبه بآداب الشرع، ويوجهه لخدمة الدين والأمة.
اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، وعملاً متقبلاً.
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين، وأصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.