خُطُورَةُ الرَّشْوَةِ
التحذير من أكل الحرام .
من أخطر صور أكل الحرام (الرشوة ) .
ثمار الكسب الحلال ، وآثار الكسب الحرام .
الحمد لله رب العالمين اللطيفُ الخبير،
أحمده وأشكره وهو للحمد أهلٌ وبالشكر جدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له العليُّ الكبير، وأشهد أن نبينا محمدا عبدالله ورسولُه البشيرُ النذير والسراجُ
المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم
تسليما كثيرا.
أما بعد أيها المسلمون :
(١)- يقول الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن
تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا
فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) إِن
تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ
وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا ( 31 ) ﴾
(النساء : 29 - 31
)
وروي البخاري أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال -: " ليأتينَّ على الناس زمانٌ لا يُبالِي المرءُ بما أخذَ المالَ
أمِنَ الحلال أم من الحرام".
أرشدنا الشرع الحنيف إلي خطورة أكل المال الحرام ، بأي
طريقة وأي وسيلة كانت ، فالمال الحرام سبب لمنع إجابة الدعاء ، وإغلاق باب السماء
، المال الحرام طريق مستعر ، محفوف بالخطر ، وسلم هار ، ينهار بصاحبه إلى النار ،
روى الإمام مسلم في صحيحه : عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ
اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ،وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ
الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ : ﴿يَا أَيُّهَا
الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا
تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ ، وَقَالَ : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ
طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ ،
أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ، يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ ،
وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ
بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ”
و عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
" لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ ، أي : من حرام "
[ أخرجه الترمذي وغيره
]
إنّ المالَ الحرامَ مِن جميع طرُقه
شؤمٌ على صاحبه، وضَرَر على جامعه، إن أكلَ الحرامِ من الكبائر التي لا تكفّرها
الصلوات ولا صوم رمضان ولا العمرة، بل تحتاج إلى توبة خاصة، وإذا مات متعاطي
الحرامِ وتركه خلفه كان زادًا له إلى النار، ولم ينفعه التصدّق به.
روى الإمام أحمد ، عن عبد الله بن
مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يكسِبُ عبدٌ مالَ حرامٍ,
فيتصدقُ منه فيُقبلَ منه، ولا يُنفقُ منه فيُباركَ له فيه، ولا يتركه خلفَ ظهره
إلا كان زادَه إلى النار. إن الله لا يمحو السيئَ بالسيئِ، ولكن يمحو السيئَ
بالحسنِ، إن الخبيثَ لا يمحو الخبيثَ ".
روي أبو أمامة الباهلي قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
((إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوعِي، أنَّ نفسًا لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ
أجلَها، وتستوعِبَ رزقَها، فاتَّقوا اللهَ، وأجمِلُوا في الطَّلَبِ، ولا
يَحمِلَنَّ أحدَكم استبطاءُ الرِّزقِ أن يطلُبَه بمَعصيةِ اللهِ، فإنَّ اللهَ
تعالى لا يُنالُ ما عندَه إلَّا بِطاعَتِهِ)) صحيح الجامع
***
(٢)- ومن صور أكل الحرام ( الرشوة ) وهي آفة
قديمة حديثة يكاد لا يخلو أي مجتمع منها، وهي نوع من أنواع الفساد؛ وكبيرةً من
الكبائر، ومن أكل منها، فقد أكل سحتًا، واستعمل مالًا حرامًا يؤثر على دينه،
وخلقه، وسلوكه
.
وهي قيام شخص بدفع مبلغ من المال
لموظَّفٍ ما؛ من أجل الحصول على حق ليس له، أو بهدف التهرب من واجب عليه القيام
به، فهي طريقة غير مشروعة لكسب المال باستغلال المنصب أو المركز أو المكانة
الاجتماعية؛ وقد عرَّفها الجرجاني رحمه الله بقوله: "ما يُعطَى لإبطال حق أو
لإحقاق باطل"، والرِّشوة تُعَدُّ من أسباب غضب الله تعالى، والخسران والهلاك
في الدنيا والآخرة، وقد عرَّض صاحبها نفسه للعنة الله ورسوله؛ جاء في الحديث: عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّاشِيَ
وَالْمُرْتَشِيَ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
والرُّشوة مُحرَّمة في الإسلام، وقد
ورد تحريمها في القرآن الكريم والسنة النبوية، وعلى ذلك إجماع المسلمين أيضًا، قال
الله تعالي ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا
بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ
بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ (البقرة : 188)
( والمراد بالإِدلاء بالأموال إلى الحكام
، إلقاءؤها إليهم على سبيل الرشوة ليصلوا من وراء ذلك إلى أن يحكموا لصالحهم
بالباطل ، وعليه يكون المعنى .لا يأخذ بعضكم أموال بعض أيها المسلمون ، ولا تلقوا
ببعضها إلى حكام السوء على سبيل الرشوة ، لتتوصلوا بأحكامهم الجائرة إلى أكل فريق
من أموال الناس بغير حق
.
ولا غربة في أن يعني القرآن في سياسته الرشيدة
بالتحذير من جريمة الرشوة ، فإنها المعول الذي يهدم صرح العدل من أساسه وبها تفقد
مجالس القضاء حرمتها وكرامتها ، وتصير تلك المجالس موطنا للظلم لا للعدل .
وقال : وقد أخذ العلماء منها حرمة أكل
أموال الناس بالباطل ، وحرمة إرشاء الحكام ليقضي لراشي بمال غيره وقد لعن النبي
صلى الله عليه وسلم الجميع في الحديث الذي أخرجه الترمذي عن أبي هريرة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : " لعن الله الراشي والمرتشي والراءش "
وهو الواسطة الذي يمشي بينهما
).
( التفسير الوسيط )
ورَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ
أَبِي حُمَيدٍ السَّاعِدِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: اسْتَعْمَلَ
النَّبِيُّ رَجُلًا مِنَ الأَزْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا
أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى المِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ
وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: (مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ: هَذَا
لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي؟! أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ
أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَوْ لَا؟! وَالَّذِي نَفْسُ
مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا جَاءَ
يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ).
و قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: (مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ
فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ).
وهي تمحق البركة، وتُتْلِف المال،
وتعود على المال وصاحبه بالقلة والمحق والزوال، ومهما تحصل من الأموال، فإنها لا
تكفيه ولا تقنعه، بل يظل يطارد المال الحرام، ولا يرى بركته، حتى يفجَأَه الموت
على تلك الحال؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " فمن يأخذ مالًا بحقه يبارك
له فيه، ومن يأخذ مالًا بغير حقه، فمَثَلُه كمثل الذي يأكل ولا يشبع " .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَى فَضْلِهِ
وَإِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ،
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُه وَرَسُولُهُ خَيْرُ رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ
إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أما بعد معاشر المؤمنين :
(٣)- فإن من نعم الله تعالي على عباده أن
هيَّأ لهم أنواع المكاسب الطيبة ووجوه الأرباح المباحة وجعل أمْر الحلِّ بينا
وأمْر الحرام بينا وتأمل هذا فيما ثبت في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير رضي
الله عنه – قال: سمعت رسول صلى الله عليه
وسلم يقول : " إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ
وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ، فَمَنْ
اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي
الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ؛كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ
أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، أَلَا وَإِنَّ حِمَى
اللَّهِ مَحَارِمُهُ ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ
صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ
الْقَلْبُ
" .
ومن المعلوم أن العبد سيُسأل عن ماله
يوم القيامة ماذا عمل فيه؟. روى الترمذي في سننه : (عَنْ أَبِى بَرْزَةَ
الأَسْلَمِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَزُولُ
قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا
أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ
وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ »
والمسلم مطالب بتحري الحلال واجتناب
الحرام
.
* وللكسب الحرام آثار سيئة على الفرد
والمجتمع، فإنها تُضعف الديانة، وتُعمي البصيرة، ومن أسباب محق البركة في الأرزاق،
وحلول المصائب والرزايا، وحصول الأزمات المالية المستحكمة، والبطالة المتفشية،
وانتشار
الشحناء، والعداوة والبغضاء.
فالكسب الخبيث، شؤم وبلاء على صاحبه،
بسببه يقسو القلب، وينطفئ نور الإيمان، ويحل غضب الجبار، ويمنع إجابة الدعاء.
- ومن آثار الكسب الحرام عدم قبول العمل
في الحديث عند الطبراني وغيره أن سعد
بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة،
فقال له النبي
e: (يا
سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة
الحرام في جوفه ما يُتَقَبَّلُ منه عمل أربعين يوماً، وأيما عبد نبت لحمه من سحت
فالنار أولى به)، وروى مسلم
- ومنها : أن الله -تعالى- لا يستجيب
لآكل الحرام دعوة، ولا ترفع له إلى السماء مسألة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-
قال: قال رسول الله -صلى الله عليه آله وسلم-: "إن الله طيب لا يقبل إلا
طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ
كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ
عَلِيمٌ) [المؤمنون: 51] وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن
طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)[البقرة: 172] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر
يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي
بالحرام فأنى يستجاب لذلك"[رواه مسلم والترمذي].
- ومنها : فساد القلب وحرمان حلاوة
الطاعة ونورها وقبولها؛ لأن القلب قد غطى عليه المأكل الحرام، فلا يوجد فيه لحلاوة
الطاعة موضع، وحلاوة الطاعة ولذة العبادة نعمة ومنحة ربانية يسعد الله بها أوليائه
وصالحي عباده، وآكل الحرام ليس منهم فأنى له أن يصل لذلك.
قال بعض السلف: "إن العبد يأكل
أكلة فيتقلب قلبه فينغل كما ينغل الأديم ولا يعود إلى حاله أبدا".
وأكل الحرام يجرئ صاحبه على المعاصي
والحرمات والموبقات، وهذا ثمرة فساد قلبه بأكل الحرام،
قال سهل -رضي الله عنه-: "من أكل
الحرام عصت جوارحه شاء أم أبى علم أو لم يعلم، ويتبع ذلك حلول سخط الله وغضبه عليه".
ولذا كان السلف الصالح في غاية الخوف
من أكل الحرام، والمبالغة في التحذير منه، حتى قال بعضهم: " لو قمتَ في
العبادة قيام السارية ما نفعك ذلك حتى تنظر فيما يدخل بطنك".
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها
قالت: "كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه غلام، فجاء له يوماً بشيء فأكل منه،
فقال له الغلام: أتدري ما هذا، فقال أبو بكر: وما هو؟ فقال: تكهنت لإنسان في
الجاهلية، وما أُحسِن الكهانة، إلا أني خدعته، فلقيني فأعطاني بذلك هذا الذي أكلتَ
منه، فأدخل أبو بكر رضي الله عنه يده فقاء كل شيء في بطنه)، وفي رواية أنه قال:
(لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها، اللهم إني أبرأ إليك مما حملت العروق، وخالط
الأمعاء)، وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شرب لبناً فأعجبه، فقال للذي سقاه:
"من أين لك هذا؟ فقال: مررت بإبل الصدقة وهم على ماء، فأخذت من ألبانها،
فأدخل عمر يده فاستقاء"
وأوصت إحدى الصالحات زوجها، فقالت له:
"يا هذا اتق الله في رزقنا فإنا نصبر على الجوع، ولا نصبر على النار".
اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك
عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك يا واسع الفضل والإحسان يا أكرم الأكرمين.
اللهم ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا
مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، ونسألك اللهم الغنيمة من كل بر، والسلامة من كل
إثم، والفوز بالجنة والنجاة من النار .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.