recent
أخبار عاجلة

خطبةِ الجمعة بالتي هي أحسن فضيلة الشيخ عبدالناصربليح

                               بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن



 الحمدلله والسلاة والسلام علي رسول الله وبعد 

أمَّا بَعْدُ.فياعباد الله حديثنا اليكم اليوم عن التي هي أحسن 

 قال سبحانه فى غير ما موضع عن عبارة "بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" في القرآن الكريم في سبع آيات مختلفة. 

الأمر بقول التي هي أحسن مرة واحدة 

قال تعالي:" وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا"(الإسراء/٥٣).

كما وردت وجادلهم بالتي هي أحسن مرتين

قال تعالي :"ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"(١٢٥/ النحل).

وقال تعالي:"وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ 

"( العنكبوت/46).

ووردت :"ولاتقربوا مال اليتيم إلابالتي هي أحسن"(2 مرتين).

قال تعالي:"  وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ "(الأنعام/ ١٥٢).

وقال تعالي:"وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۚ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا "(الإسراء/٣٤).

 كما وردت :" ادفع بالتي هي أحسن"(مرتين2).

قال تعالي:" ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ"(المؤمنون/96).

وقال تعالي:" وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"(فصلت /34

 عبادالله:

إعلموا جيدًا أنه ليس من الضرورى دائماً كسب المواقف ، فمن حاول قتل ذبابة على وجهه بصفعها بيده فسواء ماتت أو لم تمت فأنت فى كلا الحالتين ستصفع نفسك بالألم , أى بالقلموهذا يؤكد لنا شيئا مهما ألا وهو أننا ليس دائما على صواب وغيرنا خطأ...

عباد الله :"

ادفع بالتى هى أحسن ..منهج سِلم وسلام ، ومحبة ووئام ،منهج أساسه الاحترام واستيعاب الآخر،منهج يستجلب رضا الناس ورب الناس ،

 ذات يوم لقى أحدهم صاحبه فقال له لماذا أنت دائماً منشرح صدرك ..؟

فقال لإنني دائماً أقول لمن يجادلني أنت محق ومعك حق وأتخلص منه..

فقال له : ولكن هذا خطأ ! فرد عليه : أنت محق ..!

 ما أجمل التساهل والتجاهل

فليس أسرع إلى القلوب وأحب إلى النفوس من قول يهدي إلى الحق والخير، ولن يتم ذلك إلا بالمسالمة والحسنى، أما السفسطة ومحاولة الغلبة عن طريق الخشونة والطعن، فهذا أسلوب مرفوض يؤدي إلى نتيجة عكسية، ويُنفر المستمع من الكلام حتى لو كان حقًّا؛

 ومن أجل ذلك أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجادل بالتي هي أحسن، وأن يستعمل الرفق واللين وحسن الخطاب في دعوته .


عندما تتلوا سُورةَ فُصِّلت، فتأتي على قولِه -تعالى-:" وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ"، لا تملكُ إلا أن تقولَ في نفسِكَ: صدقَ اللهُ -تعالى- فكيفَ يكونُ العملُ والقولُ الحَسنُ كالعملِ والقولِ السَّيئِ؟، هذا مُحالٌ، ثُمَّ يأتيكَ مِثالٌ عمليٌّ على هذه القاعدةِ،"ادفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"، أيْ: أَحسنْ إلى من أساءَ إليكَ، واصبرْ على من أخطأَ عليكَ، واعفُ عمَّن جَهلَ عليكَ، وسترى النَّتيجةَ:"فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"، فيُصبحُ العدوُّ كأنَّه قريبٌ وصديقٌ، ثُمَّ ذكرَ اللهُ -تعالى- من يستطيعُ تحصيلَ هذه الخصالِ الكريمةِ بقولِه: "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ"(فصلت:34-35).

سبحانَ اللهِ! أخبروني من منكم قد جرَّبَ هذا؟، إذا علمنا أنَّه أحياناً مجردُ العداوةِ فقط تجعلُكَ لا تُطيقُ النَّظرَ إلى عدوِّكَ، ولا أن تجتمعَ معه في مكانٍ واحدٍ، بل وتشعرُ أن الكرةَ الأرضيةَ بشرقِها وغربِها وشمالِها وجنوبِها لا تتَّسعُ لكما جميعاً، كيفَ عدوٌّ ويُسيءُ إليكَ؟، ومع ذلكَ أنتَ مأمورٌ أن تدفعَ إساءتَهُ بإحسانٍ ووجهٍ مُبتسمٍ وكلمةٍ طيبةٍ؟، فمن يستطيعُ هذا؟، وكيفَ يستطيعُ إخفاءَ نظراتِه العِدائيةِ التي تظهرُ على صفحاتِ وجهِه، كما قالَ المُتنبيُّ:

يُخفي العَداوَةَ وَهيَ غَيرُ خَفِيَّةٍ 

                      نَظَرُ العُدُوِّ بِما أَسَرَّ يَبوحُ

 

إنَّها واللهِ أخلاقُ الأنبياءِ، ومواقفُ العُظماءِ، واسمعوا إلى يوسفَ -عليهِ السَّلامُ-، على ما لقيهُ من إخوتِه من حَسدٍ وكَيدٍ وعَداءٍ، حتى كادوا له وهَمُّوا بقتلِه وألقوهُ بِجبٍّ في الصَّحراءِ، ثُمَّ أصبحَ رقيقاً مملوكاً في بلادِ الغُرباءِ، ودخلَ السِّجنَ سنينَ مظلوماً مع الأبرياءِ، واتَّهموهُ بالسِّرقةِ كذباً وافتراءً، (قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ"(يوسف:77)، ولسانُ حالِه:

إذا جَرَحتْ مَساويهم فُؤادي 

                           صبرتُ على الإساءةِ وانطويتُ

ورحتُ عليهمُ طَلْقَ المحيَّا 

                                 كأني ما سمعتُ ولا رأيتُ

ولكنَّه قابلَ ذلك كلَّه بالإحسانِ والعفوِ، بل والدُّعاءِ لهم بالمغفرةِ؛ (قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[يوسف:91-92]، فماذا كانَ نتيجةُ الإحسانِ، انقلبَتْ العداوةُ إلى وُدٍّ ومَحبةٍ وصفاءٍ، وعاشوا ما بقيَ من حياتِهم في سعادةٍ وهناءٍ.

وها هو نبيُّنا الكريمُ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-، قد أُوذيَ بأعظمَ من ذلك في مكةَ؛ وحاولوا قتلَه على سريرِه، وأُخرجَ من بلدِه عُدوانًا وظُلمًا، ثُمَّ قاتلوه وهو في المدينةِ ليفتِكوا به ومن معه من المسلمينَ، ثُمَّ لما نَصرَه اللهُ عليهم، قالَ لهم وهم مجتمعونَ في يومِ النَّصرِ العظيمِ: "لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه، ماذا تقولونَ، وماذا تظنونَ؟"، قالوا: نقولُ خيرًا، ونظنُّ خيرًا: أخٌ كريمٌ، وابنُ أخٍ كريمٍ، وقدْ قَدرتَ، قالَ: "فإني أقولُ لكم كما قالَ أخي يوسفُ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-: (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ)؛ اذهبوا فأنتم الطُّلقاءُ"، قَالَ عمرُ بنُ الخطابِ -رَضيَ اللهُ عنه-: فَفِضْتُ عَرَقًا من الحياءِ من قولِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-.عبادَ اللهِ، إنَّ هذا الخُلُقَ ليسَ استسلامًا ولا ضعفًا، بل هو قمّةُ القوةِ. قال النبي ﷺ: «ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّديدُ الَّذي يملِكُ نفسَه عندَ الغَضبِ» (البخاري 6114، مسلم 2609). فالشديدُ في ميزانِ السماء هو من يصرعُ نفسَهُ في ميدانِ الغضبِ، لا من يصرعُ الرجالَ في مسرح القتالِ.

ثم انظروا إلى النتيجةِ الموعودةِ: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]. عدوٌّ لَدودٌ يتحوّلُ إلى أخٍ حميمٍ وصديقٍ وفيٍّ، بفضلِ كلمةٍ طيّبةٍ، أو عفوٍ صادقٍ، أو إحسانٍ صبورٍ.

هذا من أعظمِ الطرق لدفعِ شرِّ الناس، أن تُحسنَ إلى من أساءَ إليك، فإنَّهُ يلينُ قلبُهُ لك، ويزولُ ما في قلبِهِ من عداوةٍ.

ولقد جسّدَ النبيُّ ﷺ هذه القاعدةَ أروعَ تجسيدٍ؛ ففي الطائفِ، حين أدموهُ بالحجارةِ، رفعَ يديه قائلاً: «اللَّهُمَّ إنِّي أشكُو إليكَ ضعفَ قوَّتي، وقلَّةَ حيلتي، وهواني على الناس…» ثم قال: «بلْ أرجو أنْ يُخرجَ اللهُ من أصلابهم من يعبدُ اللهَ وحدهُ لا يشركُ به شيئًا» (البخاري 3231، مسلم 1795). أيُّ رحمةٍ هذه؟ وأيُّ خُلُقٍ أعظمُ من أن يُقابلَ الأذى بالدعاءِ بالهداية؟

الخلاف سنة كونية 

وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَفْضَلِ الْخَلْقِ فَلَمْ يَتَدَابَرُوا

 وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَفْضَلِ الْخَلْقِ فَلَمْ يَتَدَابَرُوا، وَلَمْ يَتَهَاجَرُوا، وَلَمْ يَتَخَاصَمُوا؛ وَقَعَ الْخِلَافُ وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ؛ فَبَعْدَ أَنِ اتَّخَذَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَرَارَهُ بِمُحَارَبَةِ مَانِعِي الزَّكَاةِ، يَأْتِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيَقُولُ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ! وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؛ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ؛ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا [هِيَ الْعَنْزَةُ الصَّغِيرَةُ] كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 بَلْ وَقَعَ الْخِلَافُ وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ الرُّسُلِ الْمُؤَيَّدِينَ؛ كَمَا وَقَعَ بَيْنَ آدَمَ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ؛ حَيْثُ يَقُولُ مُوسَى لِآدَمَ: «أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ! قَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى، اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ، أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

 وَكَذَا الْمَلَائِكَةُ الْمُكَرَّمُونَ وَقَعَ بَيْنَهُمُ الْخِلَافُ وَالِاخْتِلَافُ؛ كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي الرَّجُلُ الَّذِي قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ، وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ... رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

 وَوَقَعَ ذَلِكَ أَيْضًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي مَوَاقِفَ كَثِيرَةٍ؛ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْحَسَمَ النِّزَاعُ بِمَوْقِفِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوْلِهِ: (مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ)، ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 144]، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَبَعْدَ هَذَا النِّزَاعِ سَلَّمَ الْجَمِيعُ لِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَخْفَى – عَلَى كُلِّ مُطَّلِعٍ – اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ فِي فُرُوعِ الدِّينِ، مَعَ احْتِرَامٍ مُتَبَادَلٍ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَحُبٍّ وَتَآلُفٍ، وَدُعَاءٍ مُتَوَاصِلٍ؛ لِأَنَّ قُلُوبَهُمْ سَلِيمَةٌ، وَنُفُوسَهُمْ طَاهِرَةٌ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الْخِلَافُ وَالِاخْتِلَافُ.


هل يختلف الولد مع والديه؟

والإجابة لايختلف الولد حتى مع نعليهما 

"وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا"(الاسراء/23-24).

وفي الاختلاف معهما ستخرج من نطاق هذه الآيات بالكلية فأنت منهي عن ان تقول لهما اقل كلمة في اللغة العربية أف فكيف بالخلاف والشد والجذب.. ومافيه من القولزالبذيئ والقاسي فأين القول الكريم وقل لهماقولا كريما..

وفي الخلاف بجاحة وعنترية فأين انت من واخفض لهما جناح الذل من الرحمة..

وفي الخلاف عدم احترام وخروج عن القول اللائق المهذب فأين انت من وقل رب احمهما كماربياني صغيرا

 لا يجوز لك ان  تختلف مع والديك قال تعالى"   وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ  "(لقمان/15).

حتى وقت الشرك بالله لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولكن لاتفارقهما يقول لنا المولى وصاحبها في الدنيا معروفا فرق لنا بين المصاحبة والمعاشرة بين  الزوجة والام فقال في الزوجة وعاشر هن بالمعروف وقال في الام والاب" وصاحبها في الدنيا معروفا" ففرق بين المصاحبة والمعاشرة المصاحبة لاتنفك مادامت السموات والارض والمعاشرة قد تنقضي بالطلاق أوالخلع مثلا

 لايجوز لك ان تختلف مع والديك لأن في الخلاف مهانة لهما والرسول صلى الله عليه وسلم يقول"عن معاذ بن جبل، قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"لا تعق والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك"(أحمد) .

وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: (كانت تحتي امرأة كان عمر يكرهها، فقال: طلقها، فأبيت. فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: (أطع أباك) .

وعن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تعص والديك وإن أمراك أن تخرج من دنياك فاخرج منها" .

وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم) . فأنت لو اختلفت معهما قد يقول لك والدك اخرج من البيت فتضطر للخروج  والا ستدخل تحت طائلة العصيان والعقوق فارعي مساوي ياولد ولا تتهور وتدخل في خلاف مع والديك..

كيفة بر الوالدين]

برهما يكون بطاعتهما فيما يأمران به ما لم يكن بمحظور، وتقديم أمرهما على فعل النافلة، والاجتناب لما نهيا عنه، والإنفاق عليهما، والتوخي لشهواتهما، والمبالغة في خدمتهما، واستعمال الأدب والهيبة لهما، فلا يرفع الولد صوته، ولا يحدق إليهما، ولا يدعوهما باسمهما، ويمشي وراءهما، ويصبر على ما يكره مما يصدر منهما.

سمعت طلق بن علي، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أدركت والدي أو أحدهما وقد افتتحت الصلاة، فقرأت فاتحد الكتاب؛ فقال: يا محمد، لقلت: لبيك

 لايجوز لك أن تختلف مع والديك لأن في الخلاف ذهاب و تطاول احيانا في القول فقد تناديه باسمه او ياعم الحاج او لفظ غير لائق فتخرج من البر الي العقوق  فحق الوالد على ولده أن يجله وأن يكرمه، وأن يتجنب إهانته أو إيذاءه مهما قلّ وإن من أدب الولد مع أبيه ألا يمشي أمامه، ولا يجلس قبله، ولا يدعوه باسمه، ولا يستسبّ له، أي لا يتسبب لأبيه في السباب عن طريق العمل السيّئ.

 جاء في الأدب المفرد عن عروة - أو غيره -: أن أبا هريرة أبصر رجلين. فقال لأحدهما: ما هذا منك ؟ فقال: أبي. فقال: لا تسمه باسمه، ولا تمش أمامه، ولا تجلس قبله."( صحيح الإسناد.

 وقيل لعمر بن زيد : كيف برُّ ابنك بك؟ قال : ما مشيت نهاراً قط إلا وهو خلفي ، ولا مشيت ليلاً إلا مشى أمامي ، ولا رقى سقفاً وأنا تحته .

فلا ينبغي للابن أن ينادي أباه باسمه، ولو رضي بذلك الأب لأن هذا يسقط من قلب الولد هيبة أبيه واحترامه، فيوشك مع هذا أن يجترئ عليه، ومعلوم أن الشريعة قد جاءت بسد الذرائع الموصلة للشرور والانحراف.

لأن في الخلاف جفاءلايجوز لك ان تختلف مع والديك
ءحتى ولو كان لم يفسد للود قضية فهذا ينطبق مع الآخرين وليس والديك فمهما فعلت لهما من إحسان ومعروف فلن توفيها اجرهما فقد التقي رجل يحمل امه على ظهره ويطوف بها حول الكعبة بابن عباس رضي الله عنهما وقال له هذه امي واحج بها على ظهري سبع حجج كما ترى فهل وفيتها حقها او جازيتها فقال له ماوفبتها حقها ولو بزفرة واحدة حال الولادةفقدحملتك في بطنها تسعة اشهر وارضعتك حولين كاملين وهي حينما كانت تحملك كانت تتمنى لك البقاء وتدعوا لك بطول العمر وانت تحملها الان وتتمنى لها الموت وتستريح منها

قِصَصٌ وَأَمْثِلَةٌ تُحَرِّكُ الْقُلُوبَ

يوسف عليه السلام: لمّا تمكّن من إخوتهِ قال: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} [يوسف: 92]. فرفع اللهُ قدرهُ، وجعل قصتَهُ آيةً للمؤمنين.

أبو بكر الصدّيق: في حادثةِ الإفكِ، لمّا خاضَ مسطحُ في عرضِ ابنتهِ عائشة، أقسم أن لا يُنفقَ عليه، فأنزل اللهُ: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22]، فبكى أبو بكر وقال: “بلى، والله إنّا نحبُّ أن يغفرَ اللهُ لنا”.

الحسن البصري: شتمهُ رجلٌ فقال: “إن كان ما قلتَ فيّ حقًا فغفرَ اللهُ لي، وإن كان باطلًا فغفرَ اللهُ لك”. فانقلبَ الشاتمُ باكيًا يقبّلُ رأسَه.

فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، وتخلَّقوا بالتي هي أحسن، تفوزوا بخيري الدنيا والآخرة.

الخطبة الثانية 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي المبعوث رحمة للعالمين وبعد فياعباد الله 

 ثَمَرَاتُ التَّخَلُّقِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ

أيُّها الأحبّةُ الكرامُ، إنَّ اللهَ جلّ وعلا لمّا أمرَنا بأن ندفعَ بالتي هي أحسن، لم يُرِد أن يُثقِلَ علينا ولا أن يُكلّفنا بما لا طاقةَ لنا به، بل أراد أن يرفعَنا إلى مقاماتِ الشرفِ والكرامةِ، ويُزكّي قلوبَنا، ويجعلَ لنا من هذا الخُلقِ العظيمِ ثمراتٍ عاجلةً في الدنيا، وآجلةً في الآخرة.

أوّلًا: ثَمَرَاتُهَا فِي الدُّنْيَا

طُمَأْنِينَةُ القَلْبِ وَرَاحَةُ النَّفْسِ

ما أكثرَ ما يُتعبُ القلبَ الغِلُّ والحقدُ والانتقامُ، وما أكثرَ ما يُشقي الإنسانَ حين يبيتُ يتقلّبُ على نارِ الغضبِ. لكن من دفع بالتي هي أحسن عاش في جنةٍ عاجلةٍ، جنةِ الرضا والطمأنينة. قال بعضُ الحكماءِ: “ما ندمتُ على عفوٍ قط، ولكن ندمتُ على كثيرٍ من انتقامٍ“.

مَحَبَّةُ النَّاسِ وَكَسْبُ القُلُوبِ

القلوبُ مفطورةٌ على حبّ مَن أحسن إليها، وبغضِ مَن أساء إليها. فإذا قابلتَ الناسَ بالتي هي أحسن ملكتَ قلوبَهم بلا مالٍ ولا سلطانٍ. وقد جاء أعرابيٌّ إلى النبي ﷺ فغلظَ القولَ، فابتسمَ له رسولُ اللهِ وأعطاه، فانصرفَ وهو يقول: “أشهدُ أنك لا تكافئُ السيّئةَ بالسيّئةِ، وإنما تجزيها بالحسنةِ”، ثم أسلم.

وهذا سرّ عظيم من أسرار الدعوة، فإن القلوبَ تُفتحُ بالمواقفِ لا بالكلامِ وحده.

دَفْعُ الشَّرِّ وَإِطْفَاءُ الْفِتَنِ

كثيرٌ من الفتنِ تبدأُ بكلمةٍ جارحةٍ، أو نظرةٍ مستفزّةٍ، ثم تتطورُ إلى قتالٍ ودماءٍ. ولو أنَّ كلَّ مسلمٍ دفع بالتي هي أحسن، لانطفأت نارُ الفتنةِ في مهدِها. وقد قيل: “الحلمُ سيدُ الأخلاقِ، به تُطفأُ نيرانُ العداوةِ، وتُبنى جسورُ المودّةِ”.

البَرَكَةُ فِي العُمْرِ وَالرِّزْقِ

الأخلاقُ الحسنةُ سببٌ للبركةِ، وقد صحّ عن النبي ﷺ أنَّه قال: «مَن أحبَّ أن يُبسطَ له في رزقِه ويُنسأَ له في أثرِه فليصلْ رحمَه"(البخاري ومسلم ). 

وصلةُ الرحمِ صورةٌ من صورِ “بالتي هي أحسن”، إذ كيف يصلُ رحمَه من لم يعفُ عنهم ويصفح عن زلّاتهم؟

القُوَّةُ الحَقِيقِيَّةُ

الناسُ يظنون أن القوّةَ في البطشِ وردِّ الإساءةِ بالإساءةِ، لكن النبي ﷺ صحّح المفهوم فقال: «ليسَ الشديدُ بالصُّرَعةِ، إنما الشديدُ الذي يملكُ نفسَه عندَ الغضب"(البخاري   ومسلم ).

فالقويُّ حقًا ليس مَن يصرعُ الأجسادَ، بل مَن يصرعُ نفسه ويضبطُها عندَ الغضبِ.

ثَانِيًا: ثَمَرَاتُهَا فِي الآخِرَةِ

النَّجَاةُ مِنْ أَهْوَالِ الْمَوْقِفِ

يومَ القيامة، يدخلون الجنة بعفوهم عن الناس. قال تعالى:"وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ"(الشورى: 40).

الْقُرْبُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ

أعظمُ أملٍ للمؤمن أن يكونَ قريبًا من رسول الله ﷺ يوم القيامة. وقد قال ﷺ: «أحبّكم إليّ وأقربُكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنُكم أخلاقًا"(الترمذي   حسن صحيح).

الْفَوْزُ بِالْجَنَّةِ وَرِضْوَانِ اللَّهِ

قال تعالى:"وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ  الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"(آل عمران: 133-134).

 روي أبو داوود والطبرانى بسند حسن والبيهقي وغيرهم عن أبى  أمامة الباهلي رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أنا زعيمٌ ببيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لمن تركَ المِراءَ وإنْ كان مُحقًّاً وببيتِ في وسطِ الجنَّةِ لمَن تركَ الكذبَ وإن كان مازحًا، وببيتٍ في أعلى الجنَّةِ لمَن حَسُنَ خُلُقُه".

حُسنُ الخلقِ يَرقَى بِصاحِبه إلى أعلى المراتبِ في الدُّنيا والآخِرةِ، وفي هذا المعنى يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "أنا زَعِيمٌ"، أي: ضامِنٌ وكفيلٌ، "بِبَيتٍ"، أي: قَصرٍ، "في رَبَضِ الجنَّةِ"، أي: نواحِيها وأطرافِها، "لِمَنْ تَركَ المِراءَ"، أي: الجِدالَ، "وإن كانَ مُحِقًّا"، أي: فِيما يقولُ؛ وهذا لِمَا فيهِ من الحِفاظِ على النفوسِ وما يَتسبَّبُ فيهِ المراءُ من خِلافٍ وشَقِّ للصفوفِ.

"وبِبَيتٍ في وسطِ الجنَّةِ لِمَن تركَ الكذِبَ"، والكذبُ هو الإخْبارُ بِخلافِ الواقعِ، "وإنْ كانَ مازِحًا"، أي: هازِلًا لا يقصدُ الجِدَّ. "وبِبَيتٍ في أعلى الجنَّةِ"، وهي أعلى الدَّرَجاتِ، "لِمَن حسَّنَ خُلقَه"، أي: للذي يُحسن خُلقَه مع اللهِ عزَّ وجلَّ بالرِّضا بقضاءِ اللهِ وقَدرِه، والصَّبرِ والحمدِ عندَ البَلاءِ، والشُّكرِ له عندَ النِّعمةِ والعطاءِ، ويكونُ حَسَنَ الخُلقِ مع الناسِ بكفِّ الأذى عنهم، وبَذْلِ العطاءِ لهم، وطلاقةِ الوَجهِ مع الصَّبرِ على آذاهم..

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ..اللَّهُمَّ اجعلنا من الذين يدفعون بالتي هي أحسن، فيردّون الإساءةَ بالعفوِ، والغلظةَ بالرفقِ، والقسوةَ بالرحمةِ.
google-playkhamsatmostaqltradent