recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى"اعداد / الشيخ علاء الشال

                            مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ  



الحمد لله الذي أنزل القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان، أحمده سبحانه وتعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، فصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.

أيها المسلمون: لقد منَّ الله تعالى على هذه الأمة بأعظم منَّة، وأنزل عليها أكمل كتاب، كتاباً فيه هدايتها وسعادتها في الدنيا والآخرة، كتاباً خالداً إلى يوم القيامة، {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}. وفي وسط هذا البيان الرباني، تأتي آية كريمة تزيل اللبس، وتصحح المفاهيم، وتضع الأمور في نصابها، قال تعالى: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}. نعم، لقد نزل القرآن ليكون رحمة، وليكون نوراً، وليكون شفاء، وليكون فرقاناً، لا ليكون حملاً ثقيلاً، أو سبباً في الشقاء والتعسير.

فما معنى {لِتَشْقَى}؟ أيها الإخوة، الشقاء هنا بمعنى المشقة والعذاب والحرج. فالله تعالى يخاطب حبيبه محمداً صلى الله عليه وسلم مؤكداً له أن هذا القرآن ما نزل ليجلب له الشدة والعناء والضيق في الحياة، بل هو سبب راحته وطمأنينته وسكينته. إنه نور يضيء الطريق، وروح تملأ القلب، وهدى يخرج من الظلمات إلى النور.

ولكن، كيف يكون القرآن راحة لا شقاء؟ لننظر إلى حال النبي صلى الله عليه وسلم مع القرآن:

كان صلى الله عليه وسلم يجد في القرآن راحته القصوى

ففي أصعب أوقاته، كان يلوذ بالقرآن، ويأمر بلالاً فيقول: "أرحنا بالصلاة يا بلال". والصلاة هي موطن القرآن. كان قيام الليل بالقرآن هو سلواه وأنسه، حتى تورمت قدماه من طول القيام، فإذا قيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً". فانظروا، هو شقاء في ظاهره للعبادة، لكنه في حقيقته راحة للقلب وسعادة للنفس وشكر لله تعالى.

وقصة نزول الآية تؤكد هذا المعنى، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل ويطيل القيام حتى تتشقق قدماه، وينزل القرآن عليه وهو واقف على أطراف أصابعه متعباً، فأنزل الله تعالى: {طه   مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} تيسيراً عليه ورفقاً به.

أيها المؤمنون: لقد فهم الصحابة الكرام هذه الرسالة، فلم يجعلوا القرآن مصدر شقاء، بل مصدر سعادة ورفعة.

 

ها هو عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: "لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من كلام ربنا". انظروا إلى حبه للقرآن، إنه يشبع روحه لا أن يشقى به.

 

وها هو عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول: "إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ما استطعتم". المأدبة هي وليمة يدعى إليها الناس للبركة والفرح، فكيف تكون المأدبة شقاء؟!

 

أيها الأحبة: إن بعض الناس قد يفهم فهماً خاطئاً فيتعامل مع القرآن على أنه:

· تكاليف ثقيلة فقط.

· قيود تصعب الحياة.

· نصوص جامدة تمنع من الاستمتاع بالحياة المباحة.

وهذا فهم قاصر، فالقرآن هو الذي أطلق الإنسان من أغلال الجاهلية وشركها وضلالها، وهو الذي قال: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}. إنه يحرر العقل من الخرافة، والنفس من الهوى، والقلب من القلق، والحياة من الظلم.

القرآن هو الذي شرع لنا التيسير ورفع الحرج، فقال: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}، وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.

القرآن هو الذي بين أن العبادة مهما كثرت فإنها لا تكافئ نعمة الله، لكنها طريق الشكر والرضا، {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}.

فالعبادة بالقرآن ليست شقاء، بل هي غذاء الروح، {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن القرآن نعمة، فاقبلوا هذه النعمة، وتعهدوا بها تلاوة وحفظاً وتدبراً وعملاً، لتجدوا حلاوتها في قلوبكم، وطمأنينتها في نفوسكم، وبركتها في بيوتكم، وهدايتها في حياتكم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.

أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى، وتمسكوا بما جاء في كتابه وسنة نبيه من الهدى.

معاشر المؤمنين: إن القرآن العظيم دستور حياة، منهج يصلح للفرد والمجتمع، وهو كما قال ربنا: {شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}. فمن تعامل مع القرآن على أنه شفاء ورحمة، وجد الثمرة المرجوة.

لقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في التيسير ورفع الحرج، حتى مع التمسك بالقرآن والعمل به.

 ففي الحديث: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا". فالسداد: هو الاعتدال والموازنة، وعدم تحميل النفس ما لا تطيق.

وكان صلى الله عليه وسلم يختار أيسر الأمور ما لم يكن إثماً، فكيف نجعل القرآن سبباً في الشقاء والتعسير؟!

إن من أعظم ما نستفيده من قوله تعالى: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}:

1. التيسير ورفع الحرج: فالإسلام كله يسر، والقرآن يسر.

2. الموازنة في العبادة: فلا إفراط ولا تفريط.

3. أن القرآن رحمة للعالمين: فمن فهمه على غير ذلك فقد أخطأ الفهم.

4. القدوة الحسنة في النبي صلى الله عليه وسلم: في كيفية التعامل مع القرآن.

فليكن شعارنا قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل".

اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا.

اللهم علمنا منه ما جهلنا،وذكرنا منه ما نسينا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا،وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.

اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين، وأمنها واستقرارها، ووفق قادتنا وولاة أمورنا لما تحبه وترضاه.

google-playkhamsatmostaqltradent