recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة اَلْبِيئَةُ هِيَ الرَّحِمُ الثَّانِي وَالْأُمُّ الْكُبْرَي، للشيخ ثروت سويف

 الْبِيئَةُ هِى الرَّحِمُ الثَّانِى وَالْأُمُّ الْكُبْرَى



 اَلْبِيئَةُ هِيَ الرَّحِمُ الثَّانِي 

التوازن البيئي والأمر بمراعاته

  نظافة الجوهر

 

الحمد لله رب العالمين, الملك الحكيم, الجواد الكريم, العزيز الحكيم, الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم, وفطر السموات والأرض في ستة أيام سواء للسائلين, سبحانه أرسل رسله مبشرين ومنذرين؛ ليقوم الناس لرب العالمين بالقسط مخلصين له الدين. أنزل من السماء ماءا طهورا وجعله شطر الإيمان , سبحانه يحب التوابين, ويحب المتطهرين

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يقول لموسى في الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «يَا مُوسَى إذَا أَصَابَتْك مُصِيبَةٌ وَأَنْتَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَلَا تَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَك» . كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب 

وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله الطاهر في حسه ونفسه، فكل شيء منه صلى الله عليه وسلم طاهر وهو المبارك الذي غسل قلبه بماء الحياة فصار أبيض نقيا مطهرا، وقد أذهب الله من صدره كلّ غيظ وحسد وحقد وغلّ وغش، فصار أرحم الناس قاطبة، وأبرّهم كافة، وأكرمهم جميعا، فعمّ حلمه وكرمه وطيبه وجوده الحاضر والبادي والقريب والبعيد، فنفسه أذكى نفس، وباله أشرح بال، وضميره أطهر ضمير، وحُقّ له أن يكون كذلك

كأن الثريّا علّقت بجبينه             وفي جيده الشّعرى وفي وجهه القمر

    عليه جلال المجد لو أن وجهه أضاء بليل هلّل البدو والحضر

أمره ربه بطهارة الثوب فقال تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ) المدثر الآية 4) وكان هذا من أول ما أوحى الله به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فالثوب الطيب دليل طيب لابسه

اللهم صلي وسلم وبارك عليه وآله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الجزاء والدين.

اما بعد

فالبيئة هي كل ما يحيط بالإنسان في هذه الحياة من عناصر تؤثر فيه ويتأثر بها، سواء كانت هذه العناصر طبيعية، وهي ما كانت من صنع الخالق عز وجل، كالأنهار والمحيطات، والحيوان والنباتات، والمناخ والأرض والسماوات، أو بشرية؛ أي شيدت بواسطة البشر؛ كالطرق والمدارس والمساجد والمشافي العامة، وغير ذلك

وإن المسلم مطالب بالطهارة والنظافة في سره وفي علانيته، في عباداته وفي عاداته، في نفسه وفي أهله، في بيته وفي مسجده، وفي شارعه في مدرسته او محل عمله  في حضره وفي سفره ، في يومه وفي غده ، بل في كل أيام عمره

أولا : اَلْبِيئَةُ هِيَ الرَّحِمُ الثَّانِي

يحرص الإسلام على انتشال المرء من كل ما يشينه, فيضفي عليه ما يزينه، ويحببه إلى الآخرين زارعاً للمحبة والألفة بين أبناء المجتمع الإسلامي.

ولأن البيئة عنوان من يسكن فيها وهى الرحم الثاني في إخراج أجيال راقية نظيفة كان لزاما علينا أن نبين وجوب المحافظة على البيئة التى خلقت جميله وشوهها الإنسان وافسدها

أيها المسلمون، لقد دعانا الإسلام إلى المحافظة على البيئة بوجه عام نظيفة نقية، والله سبحانه وتعالى يحب عباده المتمسكين بالنظافة والطهارة قال تعالى ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)) سورة البقرة (222)

وإن التجمل محبوب عند الله سبحانه وتعالى فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ قالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ. صحيح مسلم

روي الترمذي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: "إِنَّ الله طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيْفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيْمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الجُوْدَ؛ فَنَظِّفُوْا أفنِيتَكُمْ وَلا تتشَبَّهُوْا بِالْيَهُوْدِ".

البيئة وإماطة الأذى عنها:

ومن ذلك الحذر من تلويث المتنزهات والشوارع بمخلفات الأكل والشرب وغيرها، واستشعار ما يترتب على تركها من إفساد وإيذاء للناس، وترك المخلفات أو رميها في غير الأماكن المخصصة لها أمارة على الجهل، وقلة العلم، وفساد الذوق والطبع، بل إن تلويث هذه الأماكن من الإيذاء المحرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم فيما روي ابو داوود عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا ‌الْمَلَاعِنَ ‌الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ.» [رواه أبو داود، والطبراني، والحاكم ].

أعلى الإسلام من أمر العناية بالبيئة والمحافظة عليها، وأمر بإماطة الأذى عنها، بأن جعل هذا الصنيع أولا من محاسن الأعمال، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ، لَا تُدْفَنُ» [رواه مسلم] وفى المصنف - ابن أبي شيبة من حديث عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ ‌يُبَالَ ‌فِي ‌الْمَاءِ ‌الرَّاكِدِ).

ويُقَاس عليه رمْيُ مخلفات الأكل الورقية والبلاستيكية والمعدنية، وأقبح منه ما تفعله بعض النساء أكرمكم الله من رمي حفائظ الأطفال، وليس الحل هو إحراق المخلفات ولكن بجمعها في كيس وربطها ثم إلقائها بأقرب حاوية ؛ ليسْلَمَ مِن أذاها مَن أتاها من إنسان أو حيوان، وإلا فقد تتلوثت الشواارع وتفاقمت القمامة وجلبت الأوبئة.

ومن رحمة الله وفضله - أيها السادة – أنْ جعل إماطة الأذى عن الناس من أسباب دخول جنته والفوز برضاه؛وعدت من اللصدقات  ومن شعب الإيمان فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ ‌فِي ‌شَجَرَةٍ ‌قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ .» [رواه مسلم

وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «يُمِيطُ الأَذَى عن الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ». البخاري

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْإِيمَانُ بِضْعَةٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ قَالَ: بِضْعَةٌ وَسِتُّونَ - بَابًا، أَفْضَلُهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَصْغَرُهَا ‌إِمَاطَةُ ‌الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» صحيح الأدب المفرد للإمام البخاري

ومما ينبغي مراعاته أيضًا الحذر من الإسراف في المشرب والمأكل، ثم إهانتها بإلقائها في الأرض، بحجة أن البهائم والطيور تأكلها.

نعم، أيها الأحبة: وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ

ديننا حرَّم الإفساد في الأرض، ونهى عن التخريب الذي يتسبب فيه الإنسان للبيئة السليمة ككل، وبيَّن موقفه من المفسدين بقوله عز وجل: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [البقرة: 60]، وقال جل اسمه: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ [الأعراف: 56].

من الإفساد قطع الأشجار التي يستظل بها الناس والدواب، في كل فترة نري حملة علي الأشجار وقطعها وبيعها من أناس لا يراعون ذمة ولا ضمير في مال الدولة والمال العام سرقات فلابد للمسؤولين من وقفه

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُبْشِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «‌مَنْ ‌قَطَعَ ‌سِدْرَةً صَوَّبَ اللهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ» [أخرجه البيهقي، وأبو داود] سُئِلَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ معلقًا: هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ، يَعْنِي مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً فِي فَلَاةٍ، يَسْتَظِلُّ بِهَا ابْنُ السَّبِيلِ وَالْبَهَائِمُ، عَبَثًا وَظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ يَكُونُ لَهُ فِيهَا صَوَّبَ اللهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ عن الْحَسَنِ رحمه الله، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقْطَعُوا الشَّجَرَ، فَإِنَّهُ عِصْمَةٌ لِلْمَوَاشِي فِي الْجَدْبِ» [مصنف عبد الرزاق].

ومنها الالتزام بعدم إشعال النار إلا في الأماكن المسموح بها، والالتزام بإطفائها عند مغادرة المكان؛ فالنار خطيرة، وكم حصل من الكوارث بسبب إشعال النار والشماريخ في الطرق وعند مزارع الناس وبيوتهم في أماكن غير مناسبة، أو تركها مشتعلةً عند المغادرة من غير إطفاء لها أو دفن؛ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: ‌احْتَرَقَ ‌بَيْتٌ ‌بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَحُدِّثَ بِشَأْنِهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ". [متفق عليه].

ومجمل القول أيها الأخوة الفضلاء:

الحذر كل الحذر من أذية إخوانكم مرتادي الشوارع والطرق والمتنزهات بأي نوع من أنواع الأذى؛ وتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي الطبراني عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " ‌مَنْ ‌آذَى ‌الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ )؛ [أخرجه الطبراني ].

بل انه حث علي حقوق الطرق وعدم إعاقتها او القاء الأذي فيها وأمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اخرج البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ "، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ: "إِذْ أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ"، قَالُوا: وَمَا ‌حَقُّ ‌الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ". البخاري

ثانياً : التوازن البيئي والأمر بمراعاته:

إن الإسلام يأمرُ بكلّ خير، وينَهى عن كلّ شرّ، يحثُّ على الآدابِ ومحاسنِ الأخلاق، بما في ذلك الحفاظِ على البيئة التي نعيشُها، والأرض التي نسكنها، لنهتم بها ونرعاها لمصلحة الفرد والمجتمع، وبما يأتي بالخير على سائر المخلوقات.

والإنسانُ مستخلفٌ في الأرض، (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:30].

إخواني وأخواتي، يقع على عاتق كل جيل من الأجيال عبر الأزمنة مسؤوليّة الحفاظ على الأرض وما عليها من مخلوقات سخّرها الله عزّ وجلّ لننعم بها ونحافظ عليها وخصوصًا خلال لحظات التعبّد مثل الحج.

والإنسان مرتبطٌ ببيئته، وعنصرٌ مؤثّرٌ عليها، أُمرَ بحماية البيئة الطبيعية والاجتماعية؛ لأن بها عمارة الأرض، وسلامة الإنسان والكائنات جميعاً، فيجب حمايتُها من التلوّث والتخريب والانقراض.

وخلافةُ الأرضِ مسؤوليةٌ أساسية وواجب قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: “إن الدنيا حلوةٌ خضرة، وإن الله مستخلِفُكم فيها فناظرٌ ماذا تعملون” رواه مسلم.

إن التعدي على المكونات البيئية المختلفة يحدث حالة من عدم التوازن البيئي، وهو ما يؤدي بدوره إلى اختلال الحياة واضطرابها.

يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ﴾ [الحجر: ١٩]، فعناصر البيئة ومكوناتها كما خلقها الله في حالة توازن، واختلال التوازن البيئي هو أحد مظاهر التلوث البيئي، وللإنسان دور كبير في إحداث هذا الاختلال.

 وحذر الشرع الإنسان من إفناء السلالات الحيوانية أو انقراضها في الطبيعة؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا» [رواه أبو داود، والترمذي].

قال الإمام الخطابي: "معناه: أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم كرِهَ إفناءَ أمةٍ مِن الأمم، وإعدام جيلٍ مِن الخلق حتى يأتي عليه كلِّه فلا يبقى منه باقية؛ لأنه ما مِن خلقٍ لله تعالى إلَّا وفيه نوعٌ مِن الحكمة وضربٌ مِن المصلحة". [معالم السنن].

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ إِنْسَانٍ قَتَلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا، إِلَّا سَأَلَهُ اللَّهُ عَنْهَا»، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: «يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُهَا، وَلَا يَقْطَعُ رَأْسَهَا يَرْمِي بِهَا»[رواه النسائي].

قال الإمام البهوتي الحنبلي: "وعلى مالك البهيمة إطعامها، ولو عطبت أي: لم يرج منه نفع، وعليه سقيها حتى تنتهي إلى أول شبع، وأول ري دون غايتها...، فإن عجز عن نفقتها، أُجْبِر على بيع أو إجارة، أو ذبح مأكول، إزالةً لضررها وظلمها، ولأنها تتلف إذا تركت بلا نفقة، وإضاعة المال منهيٌّ عنه، فإن أبى فعل شيء من ذلك، فعل الحاكم الأصلح من الثلاثة، أو اقترض عليه، وأنفق عليه، كما لو امتنع من أداء الدين...، ويحرم حلْبها ما يضرُّ ولدَها؛ لأن لبنها مخلوق له فأشبه ولد الأمة، ويسن للحلاب أن يقص أظفاره؛ لئلا يجرح الضرع ...، ولا يحل حبس شيء من البهائم؛ لتهلك جوعًا، أو عطشًا؛ لأنه تعذيب". [كشاف القناع عن متن الإقناع].

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا إلى المحافظة على نوع الحيوانات، وتنوعها، فإذا ما هُجِّنت اختلَّت لِما لِكل منها من وظائف يكمل بعضها بعض، ودخل الحرج والضيق حياة الإنسان.

عن ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...، وَأَنْ لَا نُنْزِيَ الْحِمَارَ عَلَى الْفَرَسِ" [رواه أبو داود].

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: "أُهْدِيَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةٌ، فَرَكِبَهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَوْ حَمَلْنَا الْحَمِيرَ عَلَى الْخَيْلِ لَكَانَتْ لَنَا مِثْلُ هَذِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» [رواه النسائي، وأحمد].

ولقد صدق من قال إن الإنسان بدأ حياته على سطح الأرض محاولا أن يحمي نفسه من أخطار الطبيعة، وانتهى به الأمر بعد عشرات الآلاف من السنين وهو يحاول أن يحمي الطبيعة أو البيئة من أخطاره! [المدخل إلى علم الجغرافيا والبيئة لمحمد محمود محمدين، وطه عثمان الفراء].

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي تَفَرَّدَ بِالْعَظَمَةِ وَالْجَمَالِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خَيْرُ مَنْ وَطِئَ الثَّرَى، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ

 أَمَّا بَعْدُ

فيا عباد الله : اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه واعلموا سلامة الصدر من صفات اهل الجنة قال تعالي (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) الاعراف

ثالثاً: نظافة الجوهر

اما نظافة الجوهر وهي سلامة الصدر وطهارة القلب والنفس فيحرص الإسلام على انتشال المرء من كل ما يشينه, فيضفي عليه ما يزينه، ويحببه إلى الآخرين زارعاً للمحبة والألفة بين أبناء المجتمع الإسلامي فكما ندعوا الي بيئة نظيفة ندعوا الي قلوب نظيفة

أيها الأحبة الكرام : ان المؤمن سليم الصدر، طاهر النفس، نقى، تقى القلب، رقيق المشاعر رقراق العواطف، فالمؤمن ينام على فراشه آخر الليل – يشهد الله فى عليائه - أنه لا يحمل ذرة حقد، أوغل، أو حسد لمسلم على وجه الأرض البتة ، والنبى يقول كما فى الصحيحين من حديث أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ»

إن الحقد والحسد من أخطر أمراض القلوب والعياذ بالله، فيرى الأخ أخاه فى نعمة، فيحقد عليه ويحسده، ونسي هذا الجاهل ابتداءً أنه لم يرض عن الله الذى قسم الأرزاق، فليتق الله وليعد إلى الله سبحانه وتعالى، وليسأل الله الذى وهب وأعطى أن يهبه ويعطيه من فضله، وعظيم عطائه، ويردد مع هؤلاء الصادقين ( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [ الحشر: 10 ].

وردد مع هؤلاء بصفاء، وصدق، وعمل، فقد قال الله فيهم: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [ الحشر: 9 ].

روى ابن ماجة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ» ، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ، نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ»

وفى مسند أحمد بسند جيد عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ، حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُ لَيَالٍ وَكِدْتُ أَنْ أَحْقِرَ عَمَلَهُ، قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنِّي  لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلَا هَجْرٌ ثَمَّ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ، فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ. قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ

إن سلامة الصدر من الغل والحسد بلغت بهذا الرجل أن يشهد له رسول الله بالجنة، وهو فى الدنيا.. يا لها من كرامة.

ان الإسلام يحارب الأحقاد، ويرتقي بالمجتمع المؤمن إلى حد مستوى رفيع من الاخوة المتبادلة والمعاملة العادلة، فإنه من دلائل الصغار وخسة الطبع أن يرسب الغل في القلوب

‏هذا، وصلوا -رحمكم الله-: على خير البرية وأزكى البشرية محمد ابن عبد الله .. صاحب الحوض والشفاعة؛ فقد أمركم الله بأمر بدأ به بنفسه وثنى بملائكته المسبحة بقدسه وأيه بكم أيها المؤمنون.. فقال -جل وعلا-:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)

اللهُمَّ صلِّ وسلِّم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر

 

 

google-playkhamsatmostaqltradent