جَادِلْهُمْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
تعريف الجدل لغة واصطلاحا
الجدل طبع فى الإنسان
من أنواع الجدل
من أضرار الجدل السيىء
من آداب الجدل المباح .
نموذج واحد من الجدل
الحمد لله على نعمة الإسلام ونشهد أن
لاإله إلا الله الملك العلام ونشهد أن محمد ﷺ سيد الأنام وبعد وبعد فحديثى معكم
بحول الله الواحد الديان تحت عنوان: جَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
أولا:تعريف الجدل لغة واصطلاحا:
-الجدال لغة: مأخوذ من مادّة (ج د ل)
الّتي تدلّ على استحكام الشّيء في استرسال يكون فيه وامتداد الخصومة ومراجعة
الكلام،الجدال المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وكأنّ المتجادلين يفتل كلّ
واحد الآخر عن رأيه -الجدال
اصطلاحا:الجدل: دفع المرء خصمه عن إفساد قوله بحجّة أو شبهة، أو يقصد به تصحيح
كلامه وهو الخصومة في الحقيقة، والجدال: عبارة عن مراء يتعلّق بإظهار المذاهب وتقريرها
.التعريفات للجرجاني (74، 75).نضرة النعيم (9/9347)
ثانياً :الجدل طبع فى الإنسان:-
-قال تعالى:- وَكَانَ الْإِنْسَانُ
أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) الكهف.أي وطبيعة الإنسان الجدلُ والخصومة لا ينيب
لحق ولا ينزجر لموعظة. صفوة
التفاسير(2/180) -الْإِنْسَانُ كَثِيرُ الْمُجَادَلَةِ وَالْمُخَاصَمَةِ
وَالْمُعَارَضَةِ لِلْحَقِّ بِالْبَاطِلِ، إِلَّا مَنْ هَدَى اللَّهُ وَبَصَّرَهُ
لِطَرِيقِ النَّجَاة. (تفسير ابن كثير(6/171).
ثالثًا : من أنواع الجدل:-
النوع الأول:
الجدال المحمود الممدوح:وهو كل جدال
أيّد الحق أو أوصل إليه بنية صالحة خالصة وطريق صحيح. قال تعالى: ادْعُ إِلَى
سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (125) النحل. والمجادلة بالتي هي أحسن هي التي تكون عن
علم، وبصيرة، وبحسن الخلق، ولطف، ورفق، ولين، وحسن خطاب، ودعوة إلى الحق، وتحسينه،
ورد الباطل وبيان قبحه بأقرب طريق موصل إلى ذلك، وأن لا يكون القصد منها مجرد
المغالبة وحب العلو، بل يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق.
النوع الثاني:
الجدال المذموم: -وهو كل جدال أيد
الباطل أو أوصل إليه أو كان بغير علم وبصيرة.وهذا النوع هو من أعظم آفات اللسان
قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ
وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ
فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4) الحج. قال تعالى
:وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا
كِتَابٍ مُنِيرٍ (8)الحج .عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا
بِهِ الْعُلَمَاءَ، وَلَا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، وَلَا تَخَيَّرُوا بِهِ
الْمَجَالِسَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ» الترمذي (2655).وابن
ماجة (253)
_ للجدل أربع حالات لا يخرج منها بحال من
الأحوال وهي: الجدل بالحق للحق، والجدل بالباطل للباطل، والجدل بالحق للباطل،
والجدل بالباطل للحق. الحالات الثلاث الآخيرة كلها مذمومة، أما الحالة الأولى
(المجادلة بالحق للحق) فمنها ما هو محمود ومنها ما هو مذموم، فإن رجحت فيها
المصلحة كانت محمودة، وإن رجحت فيها المفسدة كانت مذمومة.حقيقة الجدل
والمناظرة(1/18).
رابعًا :من أضرار الجدل السيىء:
للجدل المذموم آثار سيئة كثيرة، منها
مثلاً:
(1) الضلالة عن الهدى:-
-عنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا
عَلَيْهِ إِلاَّ أُوتُوا الْجَدَلَ ثُمَّ تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم هَذِهِ الآيَةَ (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ).
( صحيح الجامع(5633) سنن الترمذى(3253).
-(ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا
أوتوا الجدل) أي ما ضل قوم مهديون كائنين على حال من الأحوال إلا أوتوا الجدل يعني
من ترك سبيل الهدى وركب سنن الضلالة والمراد لم يمش حاله إلا بالجدل أي الخصومة
بالباطل وقال القاضي : المراد التعصب لترويج المذاهب الكاسدة والعقائد الزائفة لا
المناظرة لإظهار الحق واستكشاف الحال واستعلام ما ليس معلوما عنده أو تعليم غيره
ما عنده لأنه فرض كفاية خارج عما نطق به الحديث اهـ. فيض القدير(5/579).
-(قال الأوزاعيّ- رحمه اللّه تعالى-: إذا
أراد اللّه بقوم شرّا ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل).شرح أصول الاعتقاد (مج ط 1/ 145)
(2)كثرة الجدال يقسي للقلب ويضعف الإيمان :
-كذلك من علامات ضعف الإيمان ومظاهره:
كثرة الجدال والمراء المقسي للقلب، الجدال بغير دليل، ولا نظر صحيح، ولا أثر، فهذا
الجدال يؤدي إلى الابتعاد عن الصراط المستقيم، والآن هناك أناس كثيرون يجادلون
بالباطل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى
وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8)الحج. دروس
الشيخ المنجد(178/19)
-قال مالك بن أنس رحمه الله
"المراء في العلم يقسي القلب ويورث الضغن.تعريف الخلف بمنهج السلف ص214.
(3)انتشار الخصومة و الكراهية :-
بسبب التعصب لرأى وسوء الحوار
والمجادلة يتدخل الشيطان قال تعالى:وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى
أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ
(121)الأنعام
.
-أي وإِن الشياطين ليوسوسون إِلى
أوليائهم في الضلال لمجادلة المؤمنين بالباطل يضخم الشيطان هذا الموقف فيؤدى إلى الخصومة و الخلاف بدون داع مع أخيه المسلم . عَنْ جَابِرٍ،
قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ
قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ
فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ»(صحيح مسلم 2812)
«قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي
جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ) هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ
مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَمَعْنَاهُ
أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ أَهْلُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنَّهُ سَعَى فِي
التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ بِالْخُصُومَاتِ وَالشَّحْنَاءِ وَالْحُرُوبِ وَالْفِتَنِ
وَنَحْوِهَا» .«شرح النووي على مسلم» (١٧/ 156)
(قال سليمان بن داود- عليهما السّلام-
لابنه: دع المراء، فإنّ نفعه قليل، وهو يهيّج العداوة بين الإخوان) الدارمي (1/
102)
الخطبة الثانية:
خامساً :من آداب الجدل المباح منها مثلاً :
-(1) تصحيح النية (الإخلاص)ا
-لقصد من المناظرة –الجدل- النصح وإظهار
الحق، وليس للمغالبة اجعل نيتك في الجدل هو الوصول إلى الحق وإرضاء الله -سبحانه
وتعالى-، وكشف غموض عن مسألة يختلف فيها المسلمون، ورأب الصدع بينهم، وجمع الكلمة،
وإصلاح ذات البين.وإذا كانت هذه نيتك فإنك تثاب على ما تبذله من جهد في هذا الصدد
. قال -تعالى- : (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) ( سورة الزمر:2)،
«عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى المِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ
بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ
إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى
مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» «صحيح البخاري» (١). ناظر وفي نيتك أن تتبع الحق وإن كان مع
خصمك ينبغي على المسلم الذي يخالف أخاه في مسألة ويناظره فيها ألا يدخل نقاشاً معه
إلا إذا نوى أن يتبع الحق أني وجده، وأنه إن تبين له أن الحق مع مخالفه اتبعه وشكر لأخيه الذي كان ظهور الحق
على يده لأنه لا يشكر الله من لا يشكر الناس
(2)أن يكون عالما أو ملما بالمسألة التي
يحاور فيها:-
-قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3)
كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى
عَذَابِ السَّعِيرِ (4) الحج
-الآية بمفهومها تدل على جواز المجادلة
الحقة، وهي المجادلة مع العلم، المرادة بقوله تعالى: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ (125) النحل. أما المجادلة الباطلة فهي المراد من قوله تعالى: مَا
ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا (58) الزخرف . التفسير المنير الزحيلى(17/144)
أي: ومن الناس طائفة وفرقة، سلكوا طريق
الضلال، وجعلوا يجادلون بالباطل الحق، يريدون إحقاق الباطل وإبطال الحق، والحال
أنهم في غاية الجهل ما عندهم من العلم شيء، وغاية ما عندهم، تقليد أئمة الضلال، من
كل شيطان مريد. تفسير السعدى(1/533)
وهذا يدعونا إلى التأكد من المعلومات
ونقلها من أهل الثقة والدين ولا نجرى وراء الإشاعات الكاذبة
(3) إظهار روح المودة والأخوة قبل وأثناء
وبعد الجدل،
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
(..وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة، وربما اختلف قولهم في
المسألة العلمية والعملية، مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين).معالم في طريق طلب
العلم، ص241
(4)ضبط النفس وعدم الإنفعال :
-عن ابن عون رحمه الله أنه إذا أغضبه
رجل، قال له: بارك الله فيك؛ وروي عن يوسف ابن الإمام ابن الجوزي من ضبط نفسه في
أثناء المناظرة: أنه كان يناظر، ولا يحرك جارحة ! وورد عن عبد الله بن أحمد بن
محمد بن قدامة: أنه كان لا يناظر أحدا إلا وهو يتبسم، حتى قال بعض الناس: هذا
الشيخ يقتل خصمه بالتبسم ! معالم في طريق طلب العلم، ص242
(5)إغلاق باب الحوار فورا :-
-إذا رأيت من الطرف الآخر عنادا وتعنتا،
فربما يترتب على استمرار المناظرة بوادر الشحناء والبغضاء، فيغيب الهدف من الحوار
وينصب الشيطان رايته وألويته. والأولى أن يلطف الكلام للصاحبه الذي يناظره، ونقل
الحديث إلى موضوع آخر لكي تخف الوطأ ومن ثَمّ تزول بالكلية، فإذا رأي بعد ذلك
مصلحة في إعادة المناظرة فليفعل، لكن بأسلوب يكسب به ودّ اخيه، وترده عن كيد
الشيطان، وإن رأى أن المصلحة في عدم فتح باب المناقشة فليفعل، مع إرشاده إلى بعض
المراجع التي يعلم أنها أجادت في بيان الحق في تلك عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ
الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي
وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي
أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ»
رواه أبو داود ( 4800 ) " صحيح
الجامع 1464 (أَنَا زَعِيمٌ) أَيْ ضَامِنٌ وَكَفِيلٌ (ببيت) قال الخطابي البيت ها
هنا الْقَصْرُ يُقَالُ هَذَا بَيْتُ فُلَانٍ أَيْ قَصْرُهُ (فِي رَبَضِ
الْجَنَّةِ) أَيْ مَا حَوْلَهَا خَارِجًا عَنْهَا تَشْبِيهًا بِالْأَبْنِيَةِ الَّتِي
تَكُونُ حَوْلَ الْمُدُنِ وَتَحْتَ الْقِلَاعِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ(الْمِرَاءَ)
أَيِ الْجِدَالَ كَسْرًا لِنَفْسِهِ كَيْلَا يَرْفَعَ نَفْسَهُ عَلَى خَصْمِهِ
بِظُهُورِ فَضْلِهِ. عون المعبود(13/108) المعنى هنا: أنا كفيل وضامن لمن فعل هذا
الفعل أن يكون له بيت في الجنة.قوله: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء
وإن كان محقاً) يعني: المجادلة التي تؤدي إلى الخصومة والشقاق والوحشة، فالإنسان
يبتعد عنها حتى تسلم القلوب، وحتى تصفى النفوس.شرح سنن أبى داود للعباد(8/546).
سادسا:- نموذج واحد من الجدل:
يحتوى القرآن الكريم والسنة المطهرة
على نماذج كثيرة جدا من الحوارات والجدل بكل أنواعه ولكن لضيق الوقت نكتفى بنموذج
واحد للقرآن والسنةمنها مثلاً :قال تعالى:-أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ
إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ
رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا
مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ (258) البقرة.أَلَمْ تَرَ
إِلَى الذي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} تعجيب للسامع من أمر هذا الكافر،
المجادل في قدرة الله أي ألم ينته علمك إِلى ذلك المارد وهو «النمر وذ بن كنعان»
الذي جادل إِبراهيم في وجود الله؟ {أَنْ آتَاهُ الله الملك} أي لأن آتاه الله
الملك حيث حمله بطره بنعم الله على إِنكار وجود الله، فقابل الجود والإِحسان
بالكفر والطغيان {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ} أي حين
قال له إِبراهيم مستدلاً على وجود الله إِن ربي هو الذي يخلق الحياة والموت في
الأجساد فهو وحده ربُّ العالمين {قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} أي قال ذلك
الطاغية وأنا أيضاً أحيي وأميت، روي أنه دعا برجلين حكم عليهما بالإِعدام فأمر
بقتل أحدهما فقال: هذا قتلتُه، وأمر بإِطلاق الآخر وقال: هذا أحييتُه، ولما رأى
الخليل حماقته ومشاغبته في الدليل عدل إِلى دليل آخر أجدى وأروع وأشد إِفحاماً
{قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ الله يَأْتِي بالشمس مِنَ المشرق فَأْتِ بِهَا مِنَ
المغرب} أي إِذا كنت تدعي الألوهية وأنك تحيي وتميت كما يفعل رب العالمين جل جلاله
فهذه الشمس تطلع كل يوم من المشرق بأمر الله ومشيئته فأطلعها من المغرب بقدرتك
وسلطانك ولو مرة واحدة {فَبُهِتَ الذي كَفَرَ} أي أُخرس ذلك الفاجر بالحجة
القاطعة، وأصبح مبهوتاً دهشاً لا يستطيع الجواب {والله لاَ يَهْدِي القوم
الظالمين} أي لا يلهمهم الحجة والبيان في مقام المناظرة والبرهان بخلاف أوليائه
المتقين. صفوة التفاسير(1/149)