recent
أخبار عاجلة

العلم في ضوء الكتاب والسنة د/عبدالقادرسليم مديرعام الدعوة بكفرالشيخ

العلم في ضوء الكتاب والسنة

وكيفية تحصيله، والعلم الذي ننشده .


د/عبدالقادرسليم مديرعام الدعوة بكفرالشيخ 

المحور الأول : السند الشرعي للعلم من الكتاب والسنة.

المحور الثاني : كيفية تحصيل العلوم النظرية والعملية:

 المحور الثالث: ماهو العلم الذي ننشده ؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على البشير النذير السراج المنير الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه حق قدره ومقداره العظيم ، ثم أما بعد:

فمما لاشك فيه أن الناس في كل الأوقات وفي كل الأزمنة مولعون بالعلم والمعرفة، ينقِّبون في الكهوف ليتعرفوا على أخبار الأمم الماضية، يخترعون المراكب الفضائية ليكتشفوا النجوم والشموس والأقمار والكواكب..

ونحن في طريق العلم نحتاج أن ندعوا الله عز وجل أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وحتى يتم ذلك ينبغي أن نتعرف على أهمية العلم وفضله ومنزلته في ضوء الكتاب والسنة، وهذا ما نحاول بيانه من خلال هذا المقال والذي يجيب على الاسئلة التالية.

ما هو فضل العلم ومكانته ومنزلته؟ وهل لهذه المكانة والمنزلة سند شرعي من الكتاب والسنة؟  وكيف يتم تحصيل العلوم النظرية والتجريبية؟ وما هو العلم الذي ننشده ؟

ونجيب علي هذه الأسئلة من خلال المحاور التالية .


المحور الأول : السند الشرعي للعلم من الكتاب والسنة.


لقد حثَّنَا دينُنَا الحنيفُ على العلمِ والفكرِ وفتحَ للعقلِ البشرِي آفاقَ البحثِ والمعرفةِ، والمتأملُ في القرآنِ الكريمِ يجدهُ حافلًا بالدعوةِ إلى البحثِ والتفكرِ والتأملِ للوصول للعلم الصحيح .

 حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: ﴿قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ﴾.

ويقولُ جل و علا: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾.

ويقولُ أيضا سبحانه وتعالَى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتِ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾.

أما عن الآيات التي تتحدث عن فضل العلم فتبلغ حدا في الكثرة منها ما يلي:

قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾  [المجادلة:11].

 وقد أخبر اللّه – سُبحانه وتعالى – أنّه أشهد أهل العِلْم وأشركهم معه ومع ملائكته بشهادتهم فقال تَعَالَى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ ﴾ [آل عمران:18].

 وحكم بأهل العِلْم على غيرهم فقال: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ [الزمر:9].

 وأخبر أنّ الخشية في أهل العِلْم: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر:28].

ولا أدلَّ على أهميةِ العلم مِن أنَّ أوّلَ قضيةٍ تناولَهَا القرآنُ الكريمُ هي قضيةُ العلمِ، وأوّلَ أمرٍ سماويٍّ نزلَ بهِ الوحيُ هو الأمرُ بالقراءةِ، حيثُ يقولُ تعالَى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ﴾.

كما سُمّيَتْ سورةٌ كاملةٌ في القرآنِ الكريمِ باسمِ “القلم”، وبدأهَا الحقُّ سبحانَهُ وتعالَى بقولِهِ: ﴿ ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾؛ تأكيدًا على أهميةِ أدواتِ العلمِ ووسائلِهِ.

واستهلَّ سبحانَهُ سورةَ الرحمنِ بقولِهِ: ﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَمَهُ الْبَيَانَ﴾ ، وفي هذا تنبيهٌ للناسِ كافةً على بيانِ فضلِ العلمِ وأهميةِ التعلمِ.

ولم يأمُره اللّه – سُبحانه وتعالى – نبيه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بأن يطلُب الاستزادة من شيء في هذه الدُّنيا إلّا من العِلْم، فأمره أن يقُول: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه:114]، فإذا استشعر الإنسان مكانة العِلْم، وفضل أهل العِلْم، وأنّهم ورثة الأنبياء كان ذلك مُقويًا لباعثه ولهمّته إذ يُحصُل هذا الهدف العظيم وهُو أن يكُون من ورثة الأنبياء، وأن يكُون خليفة لرسول اللّه ﷺ في تعليم النّاس الخير، وفي بيان أُمُور دينهم.

 وأحاديث رسُول اللّه ﷺ مليئةٌ بالحض على العِلْم والحثِّ عليه وبيان فضله، وقد بلغت حدا في الكثرة فعندمَا حثَّ نبيُّنَا ﷺ على البحثِ العلمِي، جعلَ حديثَهُ عامًا يشملُ البحثَ في جميعِ العلومِ والفنونِ والمعارفِ، فقد قال ﷺ: (مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا ، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ ، وإنَّ الملائِكَةَ لتَضعُ أجنحتَها لطالِبِ العلمِ رضًا بما يصنعُ وإنَّ العالم ليستغفِرُ لَهُ مَن في السَّمواتِ ومن في الأرضِ ، حتَّى الحيتانِ في الماءِ ، وفضلَ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ ، وإنَّ العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا إنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ)، فقد جاءتْ كلمةُ (علمًا) نكرةً في قولِهِ ﷺ: “يَطلُبُ فِيهِ عِلْمًا”، لتفيدَ عمومَ العلمِ وشمولَهُ.

ويقول ﷺ (مَن خرَج في طَلَبِ العِلمِ، كان في سَبيلِ اللَّهِ حَتَّى يرجِعَ). رواهُ الترْمِذيُّ، وقال: حديثٌ حَسنٌ.

وعَنْ أَبي أُمَامة رضي الله عنه، أنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: (فضْلُ الْعالِم عَلَى الْعابِدِ كَفَضْلي عَلَى أَدْنَاكُمْ ثُمَّ قَالَ: رسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّ اللَّه وملائِكَتَهُ وأَهْلَ السَّمواتِ والأرضِ حتَّى النَّمْلَةَ في جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلى مُعلِّمِي النَّاسِ الخَيْرْ). رواهُ الترمذي، وقالَ: حَديثٌ حَسنٌ.

 وقال ﷺ: (الدُّنيا ملعُونةٌ ملعُونٌ ما فيها إلّا ذكر اللّه وما هُو والاه وعالمًا أو مُتعلّمًا)رواه الترمذي .

وقال ﷺ: (من يرُد اللّه به خيرًا يفقهه في الدّين).رواه البخاري في العلم.

وقال ﷺ: (من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع). رواه الترمذي.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا حسَدَ إلا في اثنتين: رجلٌ آتاه الله مالًا فسلَّطه على هلَكته في الحق، ورجلٌ آتاه الله الحكمةَ فهو يقضي بها ويعلِّمها) رواه البخاري في الزكاة.

وعن أبي هريرةرضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتفَع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له) رواه مسلم.

وعن حذيفة بن اليمانِ - رضي الله عنهما - قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فضل العلم خيرٌ من فضل العبادة، وخير دِينكم الوَرَع).

أخرجه الحاكم.

وعن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبض العلمَ انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلمَ بقَبْض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهَّالًا، فسُئلوا فأفتَوا بغير علمٍ؛ فضلُّوا وأضلوا) رواه البخاري.

المحور الثاني : كيفية تحصيل العلوم النظرية والعملية:

أولاً : الاستعانة بالله تعالى على طلب العلم .

العلم نعمةٌ من الله تبارك وتعالى ومِنَّةٌ منه عزوجل، لذلك على الإنسان أن يستعين بالله ويدعوه ويفتقر إليه ويتوكل عليه في أمر تحصيل العلم، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: «اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَارْزُقْنِي عِلْمًا يَنْفَعُنِي» رواه النسائي والحاكم، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.

 نستعين بالله عز وجل، ندعوا الله تبارك وتعالى أن يثبتنا لأن كثير من الناس يطلب العلم ثم يترك، يبدأ ويكون نشيط في البداية ثم يكسل ويفتر ولذلك نحتاج للثبات، من أين سيأتي الثبات؟ من عند الله، إذًا نحتاج أن نستعين بالله أن ندعوا الله عز وجل أن نتوكل عليه، لا تركن إلى نفسِك ولا إلى قدراتِك العقلية ولا إلى أمورِك المادية، إنَّما توكل على الله، لأنَّه عز وجل هو الذي يعين، هو الذي يؤيِّد، هو الذي ييسر للعبد طريق الخير وطريق الفلاح، ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5].

ثانياً:  التجرد والإخلاص لله -عزوجل-:

العلم عبادة ولذلك يحتاج إلى إخلاص وكل العبادات مّبْنَاها على الإخلاص، والله عز وجل يقول: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5] ولذلك نحتاج في بداية الطلب إلى الإخلاص، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تعلَّمَ العلْمَ ليُباهِيَ بِهِ العلماءَ، أوْ يُمارِيَ بِهِ السفهاءَ، أوْ يصرِفَ بِهِ وجوهَ الناسِ إليه، أدخَلَهُ اللهُ جهنَّمَ" صحيح الجامع(6158)، أخرجه أبو داود (3664)، وأحمد (8457) بمعناه، وابن ماجه (260) باختلاف يسير.

والمعنى: تعلَّمَه مِن أجْلِ المُفاخَرةِ والمُباهاةِ أمامَ العُلماءِ، "أو يُمارِيَ به السُّفهاءَ" المُماراةُ: المُجادَلةُ والمُحاجَّةُ، أي: لكي يُجادِلَهم ويُخاصِمَهم، "أو يَصرِفَ به وُجوهَ الناسِ إليه"، أي: لِيَلْفِتَ أنظارَ الناسِ إليه، "أدخَلَه اللهُ جَهنَّمَ"؛ لأنَّه لم يُخْلِصْ في طلَبِ العلْمِ، ولم يَجعَلْه خالصًا لوجْهِ اللهِ تعالى، وفي الحَديثِ: الحثُّ على إخلاصِ النِّيَّةِ للهِ في طلَبِ العلْمِ.

 ثالثاً: الذكاء والحرص والاجتهاد والبذل:

العلم يحتاج إلى اجتهاد، إلى بذل، إلى علو همة، يجتهد الإنسان في حضور دروس، يجتهد في المذاكرة في التحصيل، لا يركن إلى انشغالات الدنيا، لا يركن إلى الكسل ومرادات النفس من حبِّ الراحة وحب الكسل والتسويف، سوف أفعل، سوف أتعلم، سوف أذاكر، التسويف هذا آفة من الآفات، وكما قيل: "لا يُستطاع العلم براحة الجسد"، وقيل أيضًا "أعطِ العلم كلَّك يعْطِكَ بعضَه، وأعطِه بعضَك يَفُتْكَ كلَّه" أعطِ العلمَ كلَّ شيء في حياتك؛ أوقاتِك، طاقاتِك، مالَك، جهدَك، كل شيء، تنفق كل شيء في سبيل تحصيل هذا العلم الذي تكون به حياتُك في الدنيا وفي الآخرة، فإذا أعطيتَ العلمَ كلَّ شيء في حياتك يعطيك بعضًا منه، وإذا أعطيتَه بعضَك وتركتَ للعلم فضول أوقاتك وفضول ساعاتك وفضول طاقاتك، ما الذي سيحصل؟ يّفُتْكَ كلُّه، لن تحصّل العلم إلا لمَّا تهتم، وتحرص على البذل، وعلى حضور مجالس العلم، مجلس العلم هذا فيه بركة، التلقي المباشر هذا فيه بركة، الله عز وجل يذكر هؤلاء الذين يجلسون في مجلس الذكر وتحيط بهم الملائكة يذكرهم الله فيمن عنده وتنزل عليهم السكينة وتغشاهم الرحمة كل هذه البركة، الإنسان يفهم المعلومة التي تُلقى عليه، بخلاف أنه يقرأ من كتاب بدون أن يكون عنده الأصل الذي يرجع إليه في الفهم، يكون عنده المنهج الصحيح الذي تلقاه عن أساتذتِه وأشياخه.

قال الإمام الشافعي رحمه الله في أبيات من الشعر هكذا تلخص لنا الأمور التي يحتاج إليها طالب العلم في طلبه قال:

أَخي لَن تَنالَ العِلمَ إِلّا بِسِتَّةٍ      سأُنبيكَ عَن تَفصيلِها بِبَيانِ

ذَكاءٌ وَحِرصٌ وَاِجتِهادٌ وَبُلغَةٌ     وصُحبَةُ أُستاذٍ وَطولُ زَمانِ

ستة أمور يحتاجها طالب العلم، تريد أن تعرف هذه الستة التي تؤهلك إلى طلب العلم سأخبرك عنها:

١. يكون عندك ذكاء تكون حريص على الفهم بعيد عن البلادة وكما قيل: (إنما العلم بالتعلم)، البعض يشتكي من ضعف الذاكرة والنسيان المستمر، الذاكرة هذه مثل العضلة تماما إذا قمنا بتحفيزها تعمل وإذا تركناها تكسل وتنسى، فكلما أعطيتها معلومات وذاكرتَ واجتهدتَ هذا يجعل الذاكرة تزيد قوتها أكثر، فيقول أول شيء يحتاجه طالب العلم هو (ذكاء).

٢. وحرص:يكون عندك حرص على الطلب وعلى جمع العلم ومذاكرة المسائل والفوائد وعلى صون الوقت، مثل ما عندك حرص على الأولاد والأهل والبيت والوظيفة والأعمال والأموال، يكون عندك حرص أيضا على تعلم هذا الدين.

٣. واجتهاد: يكون عندك اجتهاد وجِد في المذاكرة والتحصيل وحضور مجلس العلم مستفرغًا الوسع، وباذلا بلا تقصير، قال تعالى: ﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ ﴾ [البقرة:63]، وقد قال الإمام يحي بن أبي كثير رحمه الله: (لا يُستطاع العلم براحة الجسد).

٤. وبُلغة: يعني أشياء تُبَلغني فقط، آخذ من الطعام ما يبلغني، آخذ من النوم والراحة ما يبلغني، فقط الأمور الضرورية، أكتفي بما أحتاج إليه، وأستغني عن فضول الكلام والمنام والطعام والخُلطة بالناس، هذه الأمور ستضيع الوقت الذي من المفترض أن أطلب فيه العلم.

٥. وصحبة أستاذ: لابد من صحبة أستاذ – شيخ - معلم، والمقصود بهم شيوخ العلم، وأصحاب الفقه، العلماء الربَّانيِّين، علماء الأزهر الشريف ـ أصحاب المنهج القويم والفهم السليم لأن الإنسان لمَّا يقرأ هكذا وحده من الكتب بدون أن يتلقى أصول العلم لن يتعلم، وكما قال السلف رحمهم الله:( من دخل العلم وحده خرج وحده )، يعني من دخل وحده بلا أستاذ خرج وحده بلا علم، وقال الشافعي رحمه الله: (من تفقه من بطون الكتب، ضيّع الأحكام).

٦. وطول زمان: إياك أن تستعجل، إياك أن تتعجل هذا الأمر، العلم يحتاج إلى وقت إلى مدارسة إلى تدريب.

رابعاً : ومن الأمور المعينة على طلب العلم تقوى الله والابتعاد عن المعاصي:

قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّـهُ ﴾ [البقرة:282]، قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إِنِّي لَأَحْسَبُ الرَّجُلَ يَنْسَى الْعِلْمَ كَانَ يَعْلَمُهُ بِالْخَطِيئَةِ يَعْمَلُهَا" .الزهد" لأحمد بن حنبل، ص 129.

فسبب نسيان العلم؟ الذنوب والمعاصي، إذًا من الآن فصاعدا إذا كنت تريد التعلم فلابد أن نتَّقِي الله عز وجل قدر استطاعتنا، لا نتكلم إلا فيما يرضي الله عز وجل، لا نذهب إلى أي مكان إلا في مرضاة الله تبارك وتعالى، لا نجلس مجلسًا إلا إذا كان يرضى عنه الله تبارك وتعالى في طاعة من الطاعات، لا نسمع ولا نشاهد إلا ما يرضي الله تبارك وتعالى حتي يفتح الله عز وجل لي هذا الطريق إلى العلم.

 يقول الإمام الشافعي في أبيات شهيرة له- رحمه الله -:

شَكَوْتُ إلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي .. فأرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ المعَاصي

وَأخْبَرَنِي بأَنَّ العِلْمَ نُورٌ         ..  ونورُ الله لا يهدى لعاصي

إذًا نترك المعاصي حتى يفتح الله لنا بابًا إلى العلم وإلى الدعوة يثبتنا في الدنيا والآخرة بإذنه تبارك وتعالى.

 خامساً: تقييد العلم بالكتابة:

أيضًا من الأسباب المعينة على طلب العلم، أن العلم يحتاج إلى تقييد مثل الصيد، لابد له من قيد حتى لا يهرب من الصياد أو يفلت منه، كذلك العلم، وقد قيل:

العلمُ صيدٌ والكتابة قيدُهُ .. قيِّدْ صيودَك بالحبال الواثقهْ

فمن الحماقة أنْ تصيدَ غزالةً .. وتفكَّها بين الخلائق طالقهْ

إذن لابد من التدوين والكتابة حتى لا ينسى الإنسان ما تعلمه. قال عمرُ بن الخطاب: "قيِّدوا العلمَ بالكتاب".


المحور الثالث: ماهو العلم الذي ننشده ؟


والعلم الذي ننشده ليس مقتصرًا على البحثِ في ميدانِ العلمِ الشرعيِّ فحسب، وإنّمَا يشملُ البحثُ في كلِّ علمٍ ينفعُ الناسَ في شئونِ دينِهِم وشئونِ دنياهُم؛ ولذلك فقد جاءَ قولُ اللهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ في معرضِ الحديثِ عن العلومِ الكونيةِ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ‌ ﴾ .

وقد استجابَ علماءُ الإسلامِ على مرِّ التاريخِ لهذه الدعوةِ العظيمةِ إلى البحثِ في سائرِ العلومِ وقامُوا بنهضةٍ علميةٍ شاملةّ كان لها أعظمُ الأثرِ في تدوينِ العلومِ والفنونِ، وكان لهم قصبُ السبقِ في شتَّى ميادينِ العلمِ، فألّفُوا في الجبرِ والهندسةِ والفلكِ والطبِّ وغيرِهَا مِن أبوابِ العلمِ، فقد عرفَ تاريخُنَا العربيُّ علماءَ كثر في مختلفِ المجالاتِ مِن أمثالِ: جابرُ بنُ حيان ومُحمدٌ بنِ موسَى الخوارزمِي والفارابِي وابنِ سينَا وأبو القاسمِ الزهراوِي والحسنُ بنُ الهيثم وابنُ النفيسِ وغيرُهُم مِن العلماءِ المبدعينَ في مختلفِ دروبِ العلمِ والمعرفةِ.

وفي الختام نؤكد أنَّ البحثَ العلمِيَّ أساسُ تقدّمِ الأمِمِ، فهو سبيلُ تطورِ الصناعاتِ، ونموّ التجاراتِ، والأمةُ العظيمةُ هي التي تبنِي بالعلمِ، وتبهرُ العالمَ بما تنتجهُ في مختلفِ المجالاتِ، ومن ما تخرجهُم مِن أطباءَ ومهندسينَ ومبرمجينَ وكيميائيينَ وفزيائيينَ.

ونؤكدُ أنَّهُ لن يحترمَ الناسُ دينَنَا إلّا إذا تفوقنَا في أمورِ دنيانَا، فإنْ تفوقنَا في أمورِ دنيانَا احترمَ الناسُ دينَنَا ودنيانَا في عالمٍ لا يعرفُ إلّا القوةَ في شتَّى المجالاتِ، وهو ما أمرنَا بهِ دينُنَا الحنيفُ، قالَ اللهُ عزّ وجلّ: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ)، ولفظُ القوةِ عامٌ يشملُ القوةَ العلميةَ والقوةَ العسكريةَ والقوةَ الاقتصاديةَ، والقوةَ الإيمانيةَ.

 نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وأن يحفظ مصر وأهلها وأن يجعلها في أمانه وضمانه واحة للأمن والأمان والاستقرار


 

google-playkhamsatmostaqltradent