لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
الْحَمْدُ للهِ الَّذي خَصَّنَا
بِخَيرِ رُسُلِهِ وَأَنزَلَ عَلَينَا أَكرَمَ كُتُبِهِ وَشَرَعَ لَنَا أَكمَلَ
شَرَائِعِهِ فَجَعَلَ مِنَ الدِّينِ طَاعَةَ رَسُولِهِ وَمَحَبَّتَهُ
واِتِّبَاعَهُ وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ
أَرْسَلَ رَسُولَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَرَأْفَةً لِلمُؤمِنِينَ وَأَشْهَدُ
أنّ محمداً عبدُهُ ورَسُولُه وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُهُ وَصفِيُّهُ وَنَجِيُّهُ
سَيدُ الخَلْقِ والنَّبيُّ الحَقُّ
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم وَبَارِكْ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ
تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ ليَوْمِ الدِّيِنِ... أما بعد،
يقولُ اللهُ تعالى في مُحكمِ التنزيل
(لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ
يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).
وعن أبي هريرة رضي اللهُ عنه أن رسولَ
اللهِ ﷺ قال: "كُلُّ أُمَّتي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَن أَبَى، قالوا:
يا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَن يَأْبَى؟ قالَ: مَن أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَن
عَصَانِي فقَدْ أَبَى".
عباد الله: زكَّى اللهُ تعالى رسالةَ
نبيِه محمد ﷺ فقال (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، وزكَّى
صاحبَها عليه أفضلُ الصلاةِ والسلام، فقال عنه (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ
عَظِيمٍ) ووصفت السيدةُ عائشةُ رضي اللهُ عنها خُلُقَ النبيِّ ﷺ فقالت "كان
خُلُقُه القُرآنَ".
عباد الله: هذه التزكية الربانية
لرسالةِ النبي ﷺ، ولخُلقِه الذي يُجسِّد القرآنَ في الحياة كما قالت السيدةُ عائشة
يجعلُنا نتدارس سيرتَه ﷺ لنُجسِّدها في حياتِنا تحقيقاً للأسوة الحسنة ونيلاً
للفلاح في الدنيا والآخرة (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ
وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
عباد الله: كانت الأسوةُ الحسنةُ في
رسولِ اللهِ ﷺ شاملةٌ كشمولِ الرسالة، فوجَدْنا الأسوة في النبي ﷺ الشاب، والنبي ﷺ
الزوج، والنبي ﷺ الأب، والنبي ﷺ المُعلِّم، والداعية، والسياسي، والقائد العسكري، والحاكم
فقد كان نِعَمَ المُجسِّد للقرآن في كلِ هذه المقامات.
أسوتُه للشباب: كان رسولُ اللهِ ﷺ
نِعمَ الشاب لأنه لم يعش حياة اللهو والعبث: لم يشرب خمراً، ولم يَزنِ، ولم يأكل
حراماً، ولم يكن صاحب هوىً فاسد مع أن الرسالةَ جاءته في سنِ الأربعين ﷺ؛ فليقتدِ
شبابُنا به فيوظفوا شبابَهم في الخير لينالوا فلاح الدنيا والآخرة، قال رسولُ
اللهِ ﷺ: "إنَّ اللهَ لَيَعجَبُ مِنَ الشابِّ ليست له صَبْوةٌ"، أي يحفظ
شبابَه من الوقوع في المعاصي؛ فإنه بذلك يكون من السبعةِ الذين يُظلُهُم اللهُ في
ظِلِه يومَ لا ظلَ إلا ظِلُه.
أسوتُه كزوج: كان رسولُ اللهِ ﷺ نِعمَ
الزوج. رأيناه وفِياً لخديجة رضي اللهُ عنها فلم يتزوج عليها إلا بعد وفاتِها، وظل
وَفِياً لها بعد ذلك فقد كان يذكرُها بالخير ويزورُ صديقاتها ويذبحُ الشاة
ليُقسِّمَها عليهن.
وبعد أن تزوج ﷺ بأكثر من واحدة كان
لطيفاً مع نسائِه يشربُ في موضعِ الفم الذي تشربُ منه إحدَاهُن ويضعُ خدَه على
خدِهن كما كان يفعلُ مع السيدةِ عائشة. كان حليماً بهن صبوراً عليهن يتغافلُ عن
الأخطاءِ والهفوات التي تصدرُ منهن. ذات يومٍ أسقطت إحدَاهُن الطعامَ على الأرضِ
أمامَ ضيوفِه غِيرَةً لأنه جاء من ضَرتِها فما زجرَها ولا عنَّفها ﷺ.
كان عادلاً في تعاملِه معهن، مُراعياً
لمشاعرِهن، لا يكرهُ واحدةً منهن لعيبٍ في شكلِها ويزجرُ مَنْ يُعيب ذلك قالت
السيدةُ عائشة له: حسبُك من صفية، واصفةً إياها بالقصيرة، فقال لها رسولُ اللهِ ﷺ:
"لقدْ قلتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بماءِ البحْرِ لَمَزَجَتْهُ".
كان ﷺ كثيرُ النظافة وبخاصةً عند دخولِ
البيت على أزواجِه، فقد رُوِيَ أنه يستاك كلما دخلَه، وكان كثيرُ التطيُبِ وهو
القائل: "حُبِّبَ إليَّ من دُنْياكمُ النِّساءُ والطِّيبُ وجُعِلَت قُرَّةُ
عَيني في الصَّلاةِ"؛ وكان ﷺ لا يُطلِّقُ زوجةً لمُجرد أنه كَرِه منها خَلقَاً
أو خُلُقاً وهو القائل "لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إنْ كَرِهَ منها
خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ"، فيا نِعمَ من اقتدى به ﷺ.
أسوتُه كأب: كان رسولُ اللهِ ﷺ نِعمَ
الأب الذي أدَّب بناتَه وأحسَن تربيتَهُن، وكان يُكرِّمهن ويُلاطِفهن إذا دخلت
عليه إحداهُن قامَ لها وقبَّلها وأجلسَها بجوارِه كما كان يفعلُ مع فاطمة. يفرَحُ
لفرحِهِن ويحزَنُ لحُزنِهن. لم يحزن أنه أبٌ لبناتٍ فقط ولم يُفرِّق بين ذكرٍ
وأنثى في أحفادِه فمثلما رَكِبَ الحسنُ والحسينُ على ظهرِه في المسجد وأطال السجود
ليقضيا لَعِبهُما، كان يحملُ أُمَامَة بنت ابنتَه زينب في الصلاة فإذا ركَعَ
وضعَها وإذا قامَ حمَلَها ﷺ.
أسوته كمُعَلِّم: كان رسولُ اللهِ ﷺ
نِعمَ المُعلِّم الذي يختار أفضل الأساليب ليُرسِّخ بها المعلومة لدى المُتلقي، أو
يَغرِس بها القيم مُستخدماً أسلوب المقارنات "أَرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهْرًا
ببَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ منه كُلَّ يَومٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هلْ يَبْقَى مِن
دَرَنِهِ شيءٌ" وأسلوب ضرب الأمثال "إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ
وَجَلِيسِ السُّوءِ: كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ" وأسلوب الحوار
وطرَح الأسئلة حول الموضوع لتترسخ المعلومة أَتَدْرُونَ من المُفْلِسُ؟ قالوا:
المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن
أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ
هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا"
واستخدام لغة الجسد وهو القائل "أنا وَكافلُ اليتيمِ في الجنَّةِ كَهاتين،
وأشارَ بأصبُعَيْهِ يعني: السَّبَّابةَ والوسطى"؛ وكان يُعالجُ الأخطاء
بحكمةٍ وقد أحصينا أكثر من عشرين أسلوباً من أساليب التعليم ومعالجة الأخطاء عند
النبي ﷺ؛ فلنقتدِ به كمُعَلِّم فنِعمَ المُعلِّمُ هو ﷺ.
أسوتُه كداعية: كان رسولُ اللهِ ﷺ
نِعمَ الداعية إلى اللهِ تعالى وهو الهينُ اللينُ في دعوتِه المُشفِقُ على هدايةِ
الناسِ، الباحثُ عن الخيرِ فيهم والساعي لتوسيعِه وتقليلِ دائرةِ الشرِ داخلهم،
المتغافلُ عن هفواتِهم إلا ما كان انتهاكاً صريحاً لحُرماتِ الله تعالى (لَقَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
ولقد بال أحدُهُم في المسجد فما
عنَّفه، وتكلَّم أحدُهُم داخل الصلاة فما شتَمه، ونظَرَ أحدُهم إلى النساء فرآه
ولم يفعل إلا أن مازَحَه بلُطفٍ ليكفَ عن فعلِه في المُستقبَل، وجاءه أحدُهُم
ليُرخِص له في الزنا فما زاد عن مُحاورتِه "أتحبُّه لأُمِّكَ؟"
"أتحبُّه لابنتِك؟" "أتحبُّه لأختِك؟"، فلنقتدِ به كداعية فهو
نِعمَ الداعية التي يدعو إلى ربِه على بصيرة.
أسوتُه كقائد عسكري: كان رسولُ اللهِ ﷺ
نِعمَ القائد العسكري الشُجَاع الذي يتقدمُ جنودَه في المعارك إذا اشتد البأسُ فما
يكونُ أحدٌ أقرب إلى العدو منه، وهو العادلُ الذي لا يظلمُ جنوَدَه فقد خلَعَ
ثوبَه ﷺ ليقتص منه جنديٌ في ضَربةِ مسواكٍ بالخطأ، وفي نفسِ الوقت لا يقبلُ الظلَم
من جنودِه ولو كانوا من أقربِ الناسِ إليه، فقد تبرأ من فِعلِ خالد بن الوليد
عندما قتلَ أفراداً من بني جَزِيمَة، وغَضِبَ من أسامة بن زيد عندما قتَلَ مُشركاً
بعد أن قال لا إله إلا الله مع أن المُشركَ كان يترصدُ المسلمينَ ليقتلَهم ولم
ينطق بالشهادتين إلا بعد أن رفعَ أسامةُ سيفَه عليه؛ولكنه ﷺ يأخذُ الناسَ بالظاهر
ولا يُنقِّبُ في قُلوبِهم.
وهو القائدُ الذي لا يتميزُ عن جنودِه
إلا بالشفقةِ عليهم والنصحِ لهم؛ وهو الذي يُبشِّرُ جنودَه بالنصر في لحظاتِ
الهزائم فقد وعَد سُرَاقَة بسَوارِي كِسرَى وهو مُطارَد من أهلِ قريش، وبشَّر
أصحابَه بالنصر على الروم والفرس وممالك اليمن وهو مُحاصَر من حلفِ الأحزاب داخل
المدينة؛ فيا نِعمَ القائد العسكري الذي اقتدى برسول اللهِ ﷺ.
أسوتُه كقائد سياسي: كان رسولُ اللهِ ﷺ
نِعمَ القائد السياسي الذي سَاسَ أمر الناس بالإصلاح والحكمة والشورى والتوافق؛
فقد وجدَ الأنصارَ في المدينة مُنقسمين أوسَاً وخزرجاً فآخى بينهم رُغم العداوات
التاريخية، وآخى بينهم من جهة وبين المهاجرين الذين وفدوا من مكة من جهةٍ أخرى، ثم
عقد إخاءً إنسانياً عاماً بين المؤمنين أنصاراً ومهاجرين وبين مكونات المدينة
الأخرى من يهود ومشركين فحققَ بذلك السلمَ في المدينة، وكان ﷺ كلما يبرزُ شقاقاً
أو فتنةً يخمِدُها في مهدِها؛ ولذلك عندما ضَرَب رجُلٌ مِن المُهاجِرينَ رجُلًا
مِن الأنصارِ فاستنصر الأنصاريُّ بالأنصارِ واستنصر المُهاجريُّ بالمهاجرين قال
رسولُ اللهِ ﷺ: "ما بالُ دَعْوى الجاهليَّةِ"؟ فقالوا: يا رسولَ اللهِ
رجُلٌ مِن المُهاجِرينَ كسَع رجُلًا مِن الأنصارِ فقال: "دَعُوها فإنَّها
مُنتنةٌ" فقال عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلولٍ: قد فعَلوها لئِنْ رجَعْنا
إلى المدينةِ لَيُخرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ فقال عُمَرُ: دَعْني يا رسولَ
اللهِ أضرِبْ عُنُقَ هذا المُنافِقِ فقال: "دَعْه لا يتحدَّثُ النَّاسُ أنَّ
مُحمَّدًا يقتُلُ أصحابَه". فهنا أمران الأول: أن رسولَ اللهِ ﷺ خمَدَ فتنة
النزاع بين المهاجرين والأنصار والتي بدأت برجلين يُحاول كلٌ منهما أن يستنصر
بجماعتِه - خمَدَها ﷺ في مهدِها- والثاني: أنه لما أرادَ زعيمُ المنافقين أن
يستثمرَ في الفتنة لكي تشتعل حرباً وتقضي على المجتمع المسلم في المدينة تَجنَبَ
رسولُ اللهِ ﷺ أن يقتلَه حرصاً على سمعةِ المسلمين حتى لا يبتعد الناسُ عن الدين
بحجة أن محمداً يقتلُ أصحابَه بأبي وأمي أنت يا رسول اللهِ ﷺ.
عن معاوية بن الحَكَم السَلمِي رضي
اللهُ عنه قال: "بيْنَا أنَا أُصَلِّي مع رَسولِ اللهِ ﷺ إذْ عَطَسَ رَجُلٌ
مِنَ القَوْمِ، فَقُلتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي القَوْمُ بأَبْصَارِهِمْ،
فَقُلتُ: واثُكْلَ أُمِّيَاهْ، ما شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إلَيَّ، فَجَعَلُوا
يَضْرِبُونَ بأَيْدِيهِمْ علَى أفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ
يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسولُ اللهِ ﷺ، فَبِأَبِي هو
وأُمِّي، ما رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ ولَا بَعْدَهُ أحْسَنَ تَعْلِيمًا منه،
فَوَاللَّهِ، ما كَهَرَنِي ولَا ضَرَبَنِي ولَا شَتَمَنِي، قالَ: إنَّ هذِه
الصَّلَاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شيءٌ مِن كَلَامِ النَّاسِ، إنَّما هو التَّسْبِيحُ
والتَّكْبِيرُ وقِرَاءَةُ القُرْآنِ".
عباد الله: كثيرون ينزعون آية الطاعة
للحُكام من سياقِها؛ فقد أمر اللهُ تعالى الحُكَّام أولاً برعاية الأماناتِ وإقامة
العدلِ بين الناس ثم أمَرَ بعد ذلك بطاعتِهم ولدقةِ النص القرآني جَعلَ اللهُ
تعالى طاعتَه وطاعةَ رسولِه ﷺ مستقلة (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)
ولكنه جعلَ طاعةَ الحُكَّام تبعاً لطاعتِهما للهِ ولرسولِه ﷺ في رعايةِ الأماناتِ
وإقامةِ العدلِ بين الناس؛ وهو ما جسَّده رسولُ اللهِ ﷺ فقد كان أعلى الناسِ
هِمَةً، وأوفَاهم ذِمَةً، وأكثرُهُم شورىً، وأعدلُهُم حُكماً، وأشدُهم حرصاً على
مصالحِ الناسِ الدينية والدنيوية، وأرحمُهُم بالمساكين والمُحتاجين، وأعفُهُم من
أموالِ المسلمين، وأكثرُهُم ضبطاً لها من ابتلاعِ المُفسِدين، وهو الذي منَعَ
الهديةَ من الموظفِ العام حتى لا تكون مدخلاً للفساد، وهو الذي حذَّر من غشِ
الحُكَّام ووعد مَنْ يفعله ويموت عليه بالحرمانِ من الجنة، وهو الذي عَرَض نفسه
للمحاسبة على أي تجاوزٍ فعله في الحياة فقد قال "يا أيُّها النَّاسُ إنِّي قد
دنَا منِّي حقوقٌ من بينِ أظهُرِكم فمَن كُنْتُ جلَدْتُ له ظهرًا فهذا ظهري
فليستَقِدْ منه، ألا ومَن كُنْتُ شتَمْتُ له عِرْضًا فهذا عِرْضي فليستَقِدْ منه،
ومَن كُنْتُ أخَذْتُ له مالًا فهذا مالي فليستَقِدْ منه، لا يقولَنَّ رجلٌ إنِّي
أخشى الشَّحناءَ من قِبَلِ رسولِ اللهِ ﷺ ألا وإنَّ الشَّحناءَ ليسَتْ من طبيعتي
ولا من شأني ألا وإنَّ أحبَّكم إليَّ مَن أخَذ حقًّا إن كان له أو حلَّلني فلقيتُ
اللهَ وأنا طيبُ النَّفسِ".
اللهم حببنا في نبيك محمد ﷺ أشد من
حُبنا لأرواحِنا وجميع ما لدينا من النِعَم. اللهم ارحمنا وارحم آباءنا واهدنا
واهد أبناءنا وأصلح اللهم حالنا في الدارين ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل
مِنْ ذلك يا مَنْ يتولى الصالحين فتولنا برحمتك يا أرحم الراحمين وارحم شهداء
الحرب في بلادِنا وفي بلاد المسلمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة
حسنة وقنا عذاب النار...
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام
على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.