recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة مولد الهادي البشير لفضيلة الشيخ عبدالناصربليح

مَولِدُ الهادِي البَشِير ﷺ




 ميلادُ الرسولِ ﷺ ميلادُ نورٍ وبركةٍ .                  

 منزلةُ ومكانةُ الرسولِ ﷺ بينَ أمتِهِ.

 الاقتداءُ بالنبيِّ ﷺ في حياتِنَا العمليةِ.                     

من واجباتنا نحو الحبيب ﷺ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ أمـا بـعد 

 لقد كانَ ميلادُ الرسولِ ﷺ ميلادُ نورٍ وخيرٍ وبركةٍ، وهذا النورُ لم يكنْ معنويًّا فقط، بل كانَ نورًا حسيًّا رآهُ كلُّ الناسِ على السواءِ، ففِي ليلةِ مولدِهِ ﷺ رأتْ أُمُّهُ نورًا خرجَ منهَا أضاءَ لهَا قصورَ الشامِ، وقد سُئِلَ ﷺ عن نفسِهِ فقالَ:" أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى أَخِي عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهَا قُصُورَ الشَّامِ، وَاسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ".(سيرة ابن هشام).

يقولُ ابنُ رجبٍ: " وخروجُ هذا النورِ عندَ وضعِهِ إشارةٌ إلى ما يجيءُ بهِ مِن النورٍ الذي اهتدَى بهِ أهلُ الأرضِ وأزالَ بهِ ظلمةَ الشركِ، قالَ تعالَى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}(المائدة: 15)، وقالَ تعالَى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(الأعراف:157) ". (لطائفُ المعارف).

ولقد شاهدَتْ اليهودُ هذا النورَ الذي عمَّ الكونَ كلَّهُ، فعَنْ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: إِنِّي لَغُلَامٌ يَفَعَةٌ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ، أَعْقِلُ كلّما رَأَيْتُ وَسَمِعْتُ، إِذَا يَهُودِيٌّ بِيَثْرِبَ يَصْرُخُ ذَاتَ غَدَاةٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ. فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ. قَالُوا: ويلك مالك؟ قَالَ: طَلَعَ نَجْمُ أَحْمَدَ الَّذِي وُلِدَ بِهِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ." ( دلائل النبوة للبيهقي ).

وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: قَالَ لِي حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الشَّامِ:" قَدْ خَرَجَ فِي بَلَدِكَ نَبِيٌّ، أَوْ هُوَ خَارِجٌ، قَدْ خَرَجَ نَجْمُهُ، فَارْجِعْ فَصَدِّقْهُ وَاتَّبِعْهُ " .( السيرة النبوية لابن كثير ).

لقد كانتْ مكةَ في شهرِ ربيعٍ الأولِ مِن عامِ الفيلِ على موعدٍ مع أمرٍ عظيمٍ، إنَّه ميلادُ النبيِّ مُحمدٍ ﷺ خليلِ الرحمنِ، وصفوةِ الأنامِ، هو أعظمُ الناسِ أخلاقًا، وأصدقُهُم حديثًا، وأحسنُهُم وأكثرُهُم عفوًا، خيرُ مَن وطئَ الثرَى، سيِّدُ ولدِ آدمَ، ﷺ، يقولُ أميرُ الشعراءِ أحمدُ شوقِي :

وُلِدَ الهُدى فالكائناتُ ضياءُ  

                       وفمُ الزمانِ تَبَسُّمٌ وثناءُ

الروحُ، والملأُ، الملائِكُ حولَهُ  

                          للدينِ والدنيا بهِ بُشَراءُ

بكَ بشَّرَ اللهُ السماءَ فزينتْ  
                      وتضوعتْ مسكًا بكَ الغبراءُ

لقد امتنَّ اللهُ تعالَى على عبادهِ ببعثةِ الرّسولِ ﷺ وميلادِ أمّتِهِ فقالَ سبحانَهُ:"لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ" (آل عمران: 164).

 وهكذا كانَ ميلادُهُ ﷺ ميلادَ رحمةٍ وبركةٍ وخيرٍ ونورٍ للأمةِ كلِّهَا.

  منزلةَ ومكانةَ الرسولِ ﷺ بينَ أمّتِهِ، 

والتي تشملُ أمورًا كثيرةً منهَا:

اصطفاءُ الآباءِ والأمهاتِ: فقد طيّبَ اللهُ تعالَى نسبَ نبيِّهِ ﷺ في وقتٍ قد انتشرتْ فيهِ الرذيلةُ، وحفظَ اللهُ تعالَى نسمتَهُ الطاهرةَ فجاءتْ مِن نكاحٍ ولم تأتِ مِن سفاحٍ، وفي ذلك يقولُ ﷺ:" خَرجْتُ مِن نِكاحٍ، ولَمْ أخْرجْ من سِفاحٍ، من لَدُنْ آدَمَ إلى أنْ ولَدَنِي أبِي وأمِّي، لم يُصبْنِي من سِفاحِ الجاهِليةِ شيءٌ"(الطبراني).

فالنبيُّ ﷺ كان يتقلبُ في أصلابِ الأطهارِ الأشرافِ، قال ابنُ عباسٍ رضي اللهُ تعالى عنهُمَا في قولهِ تعالَى:"وَتَقَلُّبَكَ فِي الساجدين"( الشعراء: 219)، 

مِن صُلبِ نبيٍّ إلى صُلبِ نبيٍّ حتى صرتَ نبيًّا." ( تفسيرُ ابنِ كثير)؛ وعن عطاءٍ قال: «ما زالَ نبيُّ اللهِ ﷺ يتقلبُ في أصلابِ الأنبياءِ حتى ولدتْهُ أُمُّه» (تفسير ابن أبي حاتم).

ومنها: اختيارُ الاسمِ: وكمَا اختارَ اللهُ له نسبَهُ فقد كرَّمَهُ اللهُ باختيارِ اسمهِ ( مُحمد ) ليكونَ محمودًا في الأرضِ وفي السماءِ، وحسبكَ أنَّ الأسماءَ في ذلكَ الوقتِ كانت عبدَ الكعبةِ وعبدَ ياغوثٍ، وصخرَ، وحربَ، ومرةَ، وغيرَ ذلك، وتخيلْ لو نزلتْ عليهِ الرسالةُ وهو يحملُ اسمًا مِن تلك الأسماءِ.

ومنها: اختيارُ مرضعتهِ: حيثُ كانت عادةُ قريشٍ وأشرافِ العربِ القُدامَى، أنْ يدفعُوا بأبنائِهِم إلى المراضعِ الأعرابياتِ في الباديةِ، حتى ينشأَ الأطفالُ شجعانًا فصحاءَ اللسانِ أصحاءَ الأجسامِ.

إنَّ البركةَ قد حلَّتْ على كلِّ شبرٍ مِن الأرضِ وطأتهَا قدمُ المولودِ الجديدِ محمدٍ ﷺ. تُصورُ ذلكَ مرضعتُهُ حليمةُ السعديةُ في قولِهَا:" لَمَّا أَخَذْتُهُ، رَجَعْتُ بِهِ إلَى رَحْلِي، فَلَمَّا وَضَعْتُهُ فِي حِجْرِي أَقَبْلَ عَلَيْهِ ثَدْيَايَ بِمَا شَاءَ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ، وَشَرِبَ مَعَهُ أَخُوهُ حَتَّى رَوِيَ، ثُمَّ نَامَا، وَمَا كُنَّا نَنَامُ مَعَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَامَ زَوْجِي إلَى شَارِفِنَا تِلْكَ، فَإِذَا إنَّهَا لَحَافِلٌ، فَحَلَبَ مِنْهَا مَا شَرِبَ، وَشَرِبْتُ مَعَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا رِيًّا وَشِبَعًا، فَبِتْنَا بِخَيْرِ لَيْلَةٍ. قَالَتْ: يَقُولُ صَاحِبِي حِينَ أَصْبَحْنَا: تَعَلَّمِي وَاَللَّهِ يَا حَلِيمَةُ، لَقَدْ أَخَذْتُ نَسَمَةً مُبَارَكَةً". (سيرة ابن هشام).

ومنها: حادثةُ شقِّ الصدرِ: فقد تضافرتْ الرواياتُ الصحيحةُ بذكرِ حادثةِ شقِّ صدرِ النبيِّ ﷺ . فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَتَاهُ جِبْرِيلُ ﷺ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ؛ فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ. ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ. قَالَ أَنَسٌ : وَقَدْ كُنْتُ أَرْئِي أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ". (مسلم). والعبرةُ والعظةُ مِن شقِّ الصدرِ، هي تطهيرُ قلبِ النبيِّ ﷺ مِن حظِّ الشيطانِ كما جاءَ في الحديثِ، وقد ذكرتْ رواياتٌ أُخرَى أنَّ شقَّ الصدرِ لم يكنْ مرةً واحدةً وإنّما كان مراتٍ ثلاثةً، يقولُ الإمامُ ابنُ حجرٍ:" وَثَبَتَ شَقُّ الصَّدْرِ أَيْضًا عِنْدَ الْبَعْثَةِ وَلكُل مِنْهَا حِكْمَةٌ. فَالْأَوَّلُ أَخْرَجَ عَلَقَةً فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، وَكَانَ هَذَا فِي زَمَنِ الطُّفُولِيَّةِ، فَنَشَأَ عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ مِنَ الْعِصْمَةِ مِنَ الشَّيْطَانِ، ثُمَّ وَقَعَ شَقُّ الصَّدْرِ ثَانِيًا عِنْدَ الْبَعْثِ زِيَادَةً فِي إِكْرَامِهِ لِيَتَلَقَّى مَا يُوحَى إِلَيْهِ بِقَلْبٍ قَوِيٍّ فِي أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ مِنَ التَّطْهِيرِ، ثُمَّ وَقَعَ شَقُّ الصَّدْرِ ثَالِثًا عِنْدَ إِرَادَةِ الْعُرُوجِ إِلَى السَّمَاءِ لِيَتَأَهَّبَ لِلْمُنَاجَاةِ ". ( فتح الباري).

ومنها: حفظُهُ وعصمتُهُ ﷺ مِن أفعالِ الجاهليةِ: فقد حفظَ اللهُ تعالَى نبيَّهُ ﷺ مِن أفعالِ الجاهليةِ القبيحةِ فلم يصبْهُ منهَا شيءٌ، وفي ذلكَ يقولُ ﷺ : " مَا هَمَمْتُ بِقَبِيحٍ مِمَّا يَهُمُّ بِهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ ... حَتَّى أَكْرَمَنِي اللَّهُ بِنُبُوَّتِهِ ".( ابن حبان والحاكم وصححه ).

فكان ﷺ لا يأكلُ ما ذُبِحَ على النُّصبِ، وحرّمَ شربَ الخمرِ على نفسِهِ مع شيوعِهِ في قومِهِ شيوعًا عظيمًا، وذلكَ كلُّهُ مِن الصفاتِ التي يُحلّى اللهُ بهَا أنبياءَهُ ليكونُوا على تمامِ الاستعدادِ لتلقِّى وحيهِ، فهُم معصومُون مِن الأدناسِ قبلَ النبوةِ وبعدَهَا، أمَّا قبلَ النبوةِ فليتأهلُوا للأمرِ العظيمِ الذي سيُسنَدُ إليهِم، وأمَّا بعدَهَا فليكونُوا قدوةً لأممِهِم، عليهِم مِن اللهِ أفضلُ الصلواتِ وأتمُّ التسليمات.

ومنها: أنَّ اللهَ رفعَ ذكرَهُ في العالمينَ إلى قيامِ الساعةِ: فإذَا ذُكِرَ اسمُ اللهِ ذُكِرَ معهُ اسمُ نبيِّهِ ﷺ، وقَرنَ اللهُ اسمَهُ باسمِهِ إلى قيامِ الساعةِ، فلا يقولُ قائلٌ: لا إلهَ إلّا الله، إلّا ويقولُ: مُحمدٌ رسولُ اللهِ، قالَ تعالَى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} “قالَ قتادةُ: رفعَ اللهُ ذكرَهُ في الدنيا والآخرةِ، فليسَ هناكَ خطيبٌ ولا مستشهدٌ ولا صاحبُ صلاةٍ إلّا يقولُ: أشهدُ أن لا إلَهَ إلّا الله، وأنَّ مُحمدًا رسولُ اللهِ. وقالَ مُجاهدٌ {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} أي: لا أُذكَرُ إلّا ذُكِرتَ معِي، ومِن مناجاةِ رسولِ اللهِ لربِّهِ: يا رب، إنّهُ لم يكنْ نبيٌّ قبلِي إلَّا وقد كرمتَهُ وجعلتَ إبراهيمَ خليلًا وموسَى كليمًا وسخرتَ لداودَ الجبالَ، ولسليمانَ الريحَ والشياطينَ، وأحييتَ لعيسَى الموتَى فمَا جعلتَ لِي؟! فقالَ: أوليسَ قد أعطيتُكَ أفضلَ مِن ذلكَ كلِّهِ إنِّي لا أُذكَرُ إلَّا ذُكرْتَ معِي.” (تفسير ابن كثير).

وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيّ إلى اسمهِ

                         إذا قَالَ في الخَمْسِ المُؤذِّنُ أشْهَدُ

وشـــــقَّ لهُ منِ اسمهِ ليــــــــــــجلَّهُ

                           فذُو العرشِ محمودٌ، وهذا محمدُ

ومنها: الأمرُ بالصلاةِ عليهِ في كلِّ وقتٍ وحينٍ: فاللهُ وملائكتُهُ يصلونَ على النبيِّ ﷺ، وصلاةُ الربِّ: رحمةٌ، وصلاةُ الملائكةِ: استغفارٌ. وأمرَنَا اللهُ أنْ نُصلِيَ عليهِ ﷺ فقالَ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }(الأحزاب: 56)، قالَ ابنُ كثيرٍ في تفسيرِهِ لهذهِ الآيةِ: “إنَّ اللهَ سبحانَهُ أخبرَ عبادَهُ بمنزلةِ عبدِهِ ونبيِّهِ عندَهُ في الملأِ الأعلَى، بأنَّهُ يثنِي عليهِ عندَ الملائكةِ المقربين، وأنَّ الملائكةَ تُصَلِّي عليهِ. ثُمَّ أمرَ تعالَى أهلَ العالمِ السفلِي بالصلاةِ والتسليمِ عليهِ؛ ليجتمعَ الثناءُ عليهِ مِن أهلِ العالمَيَنِ العلوِيِّ والسفلِيِّ جميعًا.”

وهكذَا كانت منزلةُ ومكانةُ الرسولِ ﷺ بينَ أمّتِهِ، حيثُ كان الاصطفاءُ والإعدادُ والعصمةُ مِن أفعالِ الجاهليةِ، والمشاركاتُ الاجتماعيةُ، وكلُّ هذه دروسٌ يجبُ علينَا أنْ نغرسَهَا في أولادِنَا، احتفاءً واحتفالًا بصاحبِ الذكرَى ﷺ.

  لقد اشتهرَ الرسولُ ﷺ بحسنِ الخُلقِ في حياتهِ كلِّهَا قبلَ البعثةِ وبعدَهَا، وقد شهدَ لهُ العدوُّ قبلَ الصديقِ، فكان يلقبُ قبلَ البعثةِ بالصادقِ الأمينِ، ونحن نعلمُ قولَ السيدةِ خديجةَ فيهِ لما نزلَ عليهِ الوحيُ وجاءَ يرجفُ فؤادُهُ: ” كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ؛ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ”. ( متفق عليه ). إنَّ لنَا في رسولِ اللهِ ﷺ أسوةٌ حسنةٌ، فإذا كان العالمُ كلُّهُ يحتفِي ويحتفلُ بمولدهِ، فإنَّ احتفالَنَا واحتفاءَنَا بهِ أنْ نتخذَهُ قدوةً وأسوةً في حياتِنَا كلِّهَا، قالَ تعالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}. (الأحزاب: 21). يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ:" هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي التَّأَسِّي بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ؛ وَلِهَذَا أُمِرَ النَّاسُ بِالتَّأَسِّي بِالنَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، فِي صَبْرِهِ وَمُصَابَرَتِهِ وَمُرَابَطَتِهِ وَمُجَاهَدَتِهِ وَانْتِظَارِهِ الْفَرَجَ مِنْ رَبِّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ". أ.ه

 ألَا مَا أحوجنَا أنْ نرجعَ مِن جديدٍ إلى رسولِ اللهِ ﷺ؛ لنسيرَ على دربِهِ، تصديقًا لقولِهِ ﷺ:” عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ؛ وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ؛ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ” (أبو داود والترمذي وصححه). يقولُ الإمامُ ابنُ حزمٍ – رحمَهُ اللهُ: “مَن أرادَ خيرَ الآخرةِ وحكمةَ الدنيا وعدلَ السيرةِ، والاحتواءَ على محاسنِ الأخلاقِ كلِّهَا، واستحقاقَ الفضائلِ بأسرِهَا، فليقتدْ بمحمدٍ ﷺ، وليستعملْ أخلاقَهُ وسيرَهُ ما أمكنَهُ “. (الأخلاق والسير). فيجبُ على المسلمينَ الاقتداءُ والتأسِّي برسولِ اللهِ ﷺ؛ لأنَّهُ خيرُ قدوةٍ لنَا.

ولشدةِ اقتداءِ الصحابةِ بهِ ﷺ اتبعوهُ في خلعِ نعلِهِ أثناءَ الصلاةِ، مع أنَّ هذَا الأمرَ خاصٌّ بهِ– لعارضٍ- دونَ غيرِهِ. فقد أخرجَ أبو داود والحاكمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي إِذْ وَضَعَ نَعْلَيْهِ عَلَى يَسَارِهِ فَأَلْقَى النَّاسُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الصَّلاةَ، قَالَ:” مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟ “، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ فَأَلْقَيْنَا، فَقَالَ: ” إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا أَوْ أَذًى فَمَنْ رَأَى – يَعْنِي – فِي نَعْلِهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُمَا ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا .”  وصدق الله تعالى إذ يقول : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)} آل عمران

  من واجباتنا نحو الحبيب ﷺ

محبَّتُه ﷺ وطاعتُه واتِّباعُه:  أوَّلُ واجبٍ علينا تجاه نبيِّنا ﷺ هو محبّتُه الصادقة، تلك التي لا تكونُ مجرّدَ كلماتٍ على الألسنة، بل تُصدِّقُها الطاعةُ والاتِّباع.   قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [آل عمران: 31].

وقال ﷺ: «لا يُؤْمِنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من ولدِهِ، ووالدِهِ، والناسِ أجمعينَ» (متفق عليه).

فالمحبّةُ الحقّة هي التي تدفعُ للعمل، وتمنعُ من المعصية، وتُثمرُ اتباعًا واقتداءً.

الصَّلاةُ والسَّلامُ عليه ﷺ :   من أعظم حقوقه علينا أن نُكثِر من الصلاةِ والسلام عليه، فقد أمرنا اللهُ جلّ وعلا فقال:"إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"(الأحزاب: 56).

وقال ﷺ: «من صلّى عليّ واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا» (رواه مسلم).   وقال ﷺ: «أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة» (الترمذي  وابن حبان)  فالإكثار من الصلاة عليه ﷺ سببٌ لنيل شفاعته، ووسيلةٌ للقرب منه يوم القيامة.

نشرُ سيرتِه وتعليمُها:   مِن واجِبِنا أن نُعرِّفَ أبناءَنا بسيرةِ نبيِّهم ﷺ، وأن نزرَعَ في قلوبِهم محبَّتَهُ وتعظيمَهُ.

لقد كانَ الصَّحابةُ الكِرامُ يُعلِّمونَ أبناءَهمُ المَغازي كما يُعلِّمونَهمُ السُّورةَ مِنَ القرآن، لأنَّ السِّيرةَ ليستْ قصصًا لِلتَّسلية، بل هي مَدرسةٌ في الإيمانِ والتَّربية.   فلا بقاءَ للأمَّةِ على الحَقِّ إلَّا بِتجديدِ العَهدِ مع سيرةِ نبيِّها، لتكونَ القُدوةُ حيَّةً في القلوب.

نصرتُه ﷺ والدِّفاعُ عن سنَّته:  مِن حُقوقِه ﷺ علَينا أن نَنصُرَهُ، ونَذُبَّ عن عِرضِهِ، ونُدافِعَ عن سُنَّتِهِ، بالعِلمِ والعَمَلِ، بالحِكمةِ والمَوعِظَةِ الحَسَنةِ.

فالنُّصرةُ الحقيقيَّةُ ليستْ بالصَّخَبِ والادِّعاءِ، وإنَّما بالعمَلِ على إحياءِ سُنَّتِهِ، وتبليغِ دَعوَتِهِ، ورَدِّ الشُّبُهاتِ عنها، ونشرِ هَديهِ بينَ النَّاسِ.

الاستِعدادُ لِلقائِهِ يومَ القيامة:  ، مِن أعظمِ ما يَجِبُ علَينا أن نَستعِدَّ لِلقاءِ النَّبيِّ ﷺ على الحَوضِ يومَ القيامة، حِينَ يقولُ عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه:"... مَن شَرِبَ منه لَمْ يَظْمَأْ، عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ، ما بيْنَ عَمَّانَ إلى أَيْلَةَ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ. (مسلم).  لكنِ احذَروا أن تكونوا مِمَّن يقال لهم سُحْقًا سُحْقًا، فقد قال ﷺ: "فيُقالُ: إنَّكَ لا تَدْرِي ما بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فأقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَن بَدَّلَ بَعْدِي" متفق عليه

ما المستفاد ؟  فالثَّباتُ على سُنَّتِهِ، واجتِنابُ البِدَعِ والمُحدَثاتِ، هو الطَّريقُ الأوحَدُ لِنَيلِ الشَّرفِ الأعظَمِ: الشُّربُ مِن حَوضِهِ ﷺ.

عملياً:-  هذا نَبيُّنا ﷺ، الذي أُمرنا بمحبَّتِهِ وطاعَتِهِ، والإكثارِ مِن الصَّلاةِ والسَّلامِ علَيهِ، ونَشرِ سِيرتِهِ، ونُصرتِهِ، والاستِعدادِ لِلقائِهِ يومَ القيامة.   فلنؤدً حَقَّهُ كما يَنبَغي، ولنكن أوفَى أُمَّةٍ لِخَيرِ نَبِيٍّ أُرسِلَ إلى البَشَريَّةِ. ﷺ              

                                                                                                            
google-playkhamsatmostaqltradent