مقولة "كذب المنجمون ولو
صدقوا" تعني أن ادعاء المنجمين علم الغيب باطل، حتى لو وقع شيء مما تنبأوا
به، لأن هذا يرجع إلى القضاء والقدر وليس لعلمهم، والحديث عن ذلك ليس حديثًا
نبويًا وإن كان المعنى صحيحًا شرعًا وله أصل في السنة النبوية [1، 2، 3].
وقال الإمام النووي في شرح مسلم:
الكهانة في العرب ثلاثة أضراب.. الثالث: المنجمون، وهذا الضرب يخلق الله تعالى فيه
لبعض الناس قوة ما، لكن الكذب فيه أغلب، ومن هذا الفن العرافة وصاحبها عراف وهو
الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعي معرفتها.. وهذه الأضراب كلها تسمى
كهانة، وقد أكذبهم كلهم الشرع، ونهى عن تصديقهم وإتيانهم. اهـ. بتصرف.
فإن علم الفلك ينقسم إلى قسمين: حسابي
واستدلالي.
أما الحسابي فيستدل به على الجهات
والقبلة وأوقات الصلوات ومعرفة أسماء الكواكب، ولا خلاف بين الفقهاء في جوازه، بل
ذهب الجمهور إلى أنه فرض كفاية. قال ابن عابدين... والحسابي حق وقد نطق به الكتاب
في قوله تعالى: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ {الرحمن5} أهـ..
أما الاستدلالي فهو الاستدلال
بالتشكيلات الفلكية على الحوادث السفلية، وهذا القسم منهي عنه لحديث ابن عباس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر
زاد ما زاد. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. قال البغوي في شرح السنة: المنهي عنه
من علوم النجوم ما يدعيه أهلها من معرفة الحوادث التي لم تقع، وربما تقع في مستقبل
الزمان... وهذا علم استأثر الله به لا يعلمه أحد غيره، كما قال تعالى: إِنَّ
اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ {لقمان: 34}. فأما ما
يدرك من طريق المشاهدة من علم النجوم الذي يعرف به الزوال وجهة القبلة فغير داخل
فيما نهى عنه. قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا
بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ {الأنعام: 97}.
وقال ابن تيمية: والتنجيم كالاستدلال
بأحوال الفلك على الحوادث الأرضية هو من السحر، ويحرم إجماعا. اهـ.
فهو بهذا الاعتبار علم باطل وحدث عاطل
مبناه على التخمين لا على العلم واليقين، لم ترد به الشريعة الغراء، وإنما يلهج به
من لا خلاق له ولا نصيب، كما في "غذاء الألباب" وعليه، فلا يدخل الفلكي
–المنجم- ضمن من فضل الله من العلماء، لأنه آثم بعمله هذا، وتجب عليه التوبة والكف
عن التنجيم.
المعنى والتوضيح:
المنجم مدعٍ لعلم الغيب:
المنجم هو الذي يدعي معرفة المستقبل وعلم الغيب، وهو أمر لا يعلمه إلا الله عز وجل
وقوع ما تنبأوا به ليس دليلاً على
صدقهم:
إذا وقع شيء مما أخبر به المنجم، فهذا لا يعني صدقه، بل هو مصادفة وقعت بسبب القضاء والقدر الإلهي، ولا علاقة لها بعلم المنجم نفسه
استراق الجن للمعلومات:
يحدث أن يسترق الجن معلومة صحيحة من
السماء ليقذفها في أذن الكاهن أو المنجم، لكنهم يخلطونها بمائة كذبة، فيصبح ما
يخبر به المنجم خليطاً بين الحق والكذب [1، 2].
مستقاة من السنة:
معنى المقولة صحيح وله أصل شرعي، وهو ما ورد في حديث صحيح عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تلك الكلمة الحق، يختطفها الجني فيقذفها في أذن وليه، ويزيد فيها مائة كذبة»
حكم التنجيم:
محرم شرعًا:
التنجيم محرم شرعًا، خاصة عندما يتعلق بادعاء علم الغيب أو اعتقاد أن النجوم لها تأثير في الحوادث
شرك أكبر:
دعوى علم الغيب أو الاعتقاد بأن النجوم
هي محدثة للحوادث يعتبر من الشرك الأكبر.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله،
وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد.
فلا أعلم أصلًا لهذا الحديث عن النبي ﷺ
وإنما الثابت عن النبي ﷺ أنه قال: من اقتبس شعبة من النجوم؛ فقد اقتبس شعبة من
السحر، زاد ما زاد فتعلم التنجيم لمعرفة الحوادث، ودعوى علم الغيب هذا منكر عظيم،
بل هو من الشرك الأكبر؛ لأن ادعاء علم الغيب، أو أن هذه النجوم لها تأثير في إيجاد
الحوادث دون الله
هذا
كفرٌ أكبر، وإنما هي كما قال الله -جل وعلا- زينةٌ للسماء، ورجوم للشياطين،
وعلامات يهتدى بها، فمن تعلمها لمعرفة الطرق، وأوقات الحراثة، وأشباه ذلك مما هو
معروف؛ فهذا لا بأس به، أما أن يتعلمها لاعتقاد أنه بهذا يعلم الغيب، أو لأنها هي
المحدثة للحوادث، فهذا كله من الكفر الأكبر.
والواجب على المؤمن أن يتقيد بالأمر
الشرعي، وأن يحذر ما نهى الله عنه، والله يقول : قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ .
وقال تعالى: (قُلْ لا أَمْلِكُ
لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ
الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْر) [الأعراف:188].
وفي صحيح مسلم من حديث عائشة قالت:
"ومن زعم أنه -يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم- يخبر بما يكون في غد، فقد
أعظم على الله الفرية، والله يقول: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) [النمل:65].
للشيطان مداخل إلى
النفوس فاستعذ بالله من مداخله، واسأل الله حفظه وتأييده، وما يقوم به الكهنة
والعرافون من الإخبار ببعض المغيبات أكثره من قبيل التخرص والظنون، فيقول لك
مثلاً: أنت ستتزوج بامرأة من قبيلتك، وسيكون لك أولاد، وهذا الذي أخبر به هذا
الكاذب ليس أمراً غريباً، بل أكثر الناس يتزوجون ويرزقهم الله أولاداً. أو ينظر
إلى علاقة متوترة بين دولتين فيقول: ستحدث حرب بين دولة كذا ودولة كذا بعد عقد من
الزمان، ثم يقدر الله أن تحدث هذه الحرب فيغتر الناس بكلامه ويفتنون مع أن الذي
أخبر به هذا الكاذب أمرٌ يتوقعه كل من له خبرة بالواقع.
أو يخبرك بشيء خاص بك لا يعلمه أكثر
الناس، وهذا ليس أمراً مستغرباً، لأن الله تعالى يقول: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا
لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ
إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ
فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا
يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ
مُقْتَرِفُونَ) [الأنعام:112-113].
قال السدي في تفسير الآية: للإنسان
شيطان وللجني شيطان، فيلقى شيطان الإنس شيطان الجن، فيوحي بعضهم إلى بعض زخرف
القول غروراً. ا.هـ
والشيطان القرين للإنسي لا يفارقه في
أكثر أحيانه، ويرى منه ويعلم عنه أكثر مما يعلم بقية أقارب هذا الإنسي، فلما يذهب
الإنسي إلى الكاهن أو العراف يلتقي قريب الإنسي بشيطان الكاهن فيخبره بما فعل
صاحبه، ثم يقوم شيطان الكاهن بإخبار صاحبه، وهذا كله ابتلاء واختبار من الله تعالى
لعباده هل يؤمنون بقوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ
أَحَداً) [الجـن:26].
ومن أراد أن يعرف كذب هؤلاء الذي يدعون
علم الغيب، فليسألهم عما يحدث في غدٍ أو يقبض بيده قبضة عشوائية على عدد من الحصى،
وينظر بعد ذلك إلى خبطهم وكذبهم.
وقد يصدق الكاهن والمنجم، وذلك في
الخبر الذي تلقاه عن مسترق السمع قبل أن يدركه الشهاب، كما أخبر النبي صلى الله
عليه وسلم، وانظر الحديث بتمامه في الفتوى رقم: 1850.
وقد يكون الرجل المذكور قد اعتمد على
بعض الرؤى والنبوءات المذكورة في كتب أهل الكتاب وأصاب في تفسيرها، وكتب أهل
الكتاب - رغم تحريفها - فيها بعض الأخبار والنبوءات والبشارات التي لم يلحقها
التحريف، وإن كنا نحن منهيين عن الانشغال بها والتماس الهدى منها.
وأما ما ذكرت في كشف الله بعض أمور
الغيب لمن يشاء من عباده فهذا حق، وهو حاصل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم وفي من
سبق من الأمم، وانظر في ذلك